مركز الجزيرة للدراسات
لم يعد ثمة شك في أن الثورة الشعبية الليبية قد انتقلت من طور الثورة إلى طور الأزمة ذات الأبعاد الليبية والعربية – الإسلامية والدولية المتداخلة. وبإعلان كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن عزمها إرسال خبراء ومستشارين عسكريين للمساهمة في تنظيم وتدريب قوات الثوار ووحدات الجيش التي انضمت لهم، يكون التدخل البري الغربي في الأزمة قد بدأ خطواته على الأرض الليبية، بعد أن كان محدوداً بالقصف الجوي وفرض حظر الطيران على القوات الجوية التابعة لنظام العقيد القذافي.
وبالرغم من أن الأسبوع المنتهي في 22 أبريل/ نيسان شهد انتصارات محدودة لقوات الثوار في مصراتة والمنطقة الغربية، إلا أن هذه الانتصارات لا تكفي لتفادي المخاطر النابعة من اتساع نطاق التدخل الغربي – الأوروبي.
المجلس الوطني: اضطراب وانفعال
الحقيقة أن ثمة اضطراباً واضحاً في التحرك السياسي للمجلس الوطني ولجنة الأزمات التابعة له. هناك، على سبيل المثال، تضارب حول حقيقة طلب المجلس العون العسكري الفني من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وحول حقيقة أن إرسال هذه الدول خبراء عسكريين إلى ليبيا سيكون مقدمة لتواجد عسكري أكبر لهذه الدول على الأرض الليبية |
تعتبر الجولة التي قام بها السيد مصطفى عبد الجليل والوفد المرافق له من أعضاء وفعاليات المجلس الوطني، الهيئة الممثلة للثوار الليبيين والتي يفترض أن تدير المناطق المحررة، في قطر وإيطاليا وفرنسا، أول مناسبة لتعرف العالم عن قرب على قيادات المجلس ونمط تفكيرها. وليس ثمة شك في أن هذه الجولة ساهمت في كسر شائعات التطرف التي شاعت حول المجلس والثوار الليبيين عموماً.
ولكن المحطات التي غابت عن جولة الوفد لا تقل في أهميتها السياسية عن تلك التي شملتها الجولة. فبالرغم من الجوار الجغرافي، والأهمية الإستراتيجية القصوى للعلاقة بين البلدين، لم يتوقف وفد المجلس في مصر. كما أن الوفد أحجم عن زيارة تركيا، ذات المصالح الكبيرة في ليبيا والدولة التي لعبت منذ البداية دوراً بارزاً في مسار الأزمة، بالرغم من توجيه دعوة تركية رسمية للمجلس الوطني لزيارة أنقرة.
طبقاً لمصادر المجلس الوطني، اقتصرت الجولة على الدول التي اعترفت رسمياً بالمجلس، وهي حتى الآن قطر وإيطاليا وفرنسا، وتمحورت حول تقديم الشكر وطلب المزيد من العون للثوار والمجلس. ولوحظ في كلمة ألقاها السيد عبد الجليل أثناء توقف الوفد في روما تصريحه بأن الدول الثلاث ستحظى بالأولوية في العلاقات مع ليبيا الجديدة، بعد إسقاط نظام القذافي.
بينما لوحظ في تصريح علي العيساوي للصحافة، الذي يقوم بدور وزير الخارجية في المجموعة المعينة من قبل المجلس لإدارة فترة الأزمة، حرصه على التوكيد على أنه في حال قام المجلس بطلب تدخل عسكري على الأرض فإن الطلب سيوجه لدول عربية وإسلامية.
الحقيقة أن ثمة اضطراباً واضحاً في التحرك السياسي للمجلس الوطني ولجنة الأزمات التابعة له. هناك، على سبيل المثال، تضارب حول حقيقة طلب المجلس العون العسكري الفني من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وحول حقيقة أن إرسال هذه الدول خبراء عسكريين إلى ليبيا سيكون مقدمة لتواجد عسكري أكبر لهذه الدول على الأرض الليبية، بهذا المبرر أو ذاك. كما أن من غير الواضح إن كان المجلس قد تبنى تصوراً واضحاً ومحدداً من التدخل الغربي العسكري على الأرض ومدى هذا التدخل.
كما ينعكس الاضطراب في حركة المجلس على موقفه الانفعالي من مصر وتركيا. فبالرغم من أن كلا من مصر وتركيا لم تعترف بالمجلس الوطني ممثلاً رسمياً ووحيداً للشعب الليبي، فهناك علاقات غير رسمية تربط المجلس الوطني بهما، كما إن أهمية الدولتين بالنسبة لليبيا وشعبها تفوق خطوة الاعتراف الرسمي.
الوضع العسكري: جمود في الجبهة
لم تزل قوات الثوار وقوات النظام تراوح في مواقعها في جبهة القتال الوسطى بين مدينة إجدابيا الصحراوية والميناء النفطي في البريقة، بوابة الثوار إلى مثلث النفط الليبي ومن ثم إلى مدينة سرت الهامة |
لم تزل قوات الثوار وقوات النظام تراوح في مواقعها في جبهة القتال الوسطى بين مدينة إجدابيا الصحراوية والميناء النفطي في البريقة، بوابة الثوار إلى مثلث النفط الليبي ومن ثم إلى مدينة سرت الهامة.
ولكن الواضح أن قوات الثوار في هذه الجبهة، التي يفترض أن تشهد تكوين جيش وقوة عسكرية منظمة للثوار، نظراً لارتباطها بمدينة بنغازي والمجلس الوطني، تبدو الآن أفضل تسليحاً وأكثر تنظيماً نسبياً وأكثر حذراً في تحركاتها العسكرية. ولكن بطء الحراك في هذه الجبهة ما يزال يعكس قصوراً لدى قوات الثوار على مستوى الأداء العسكري، وقصوراً مشابهاً في قدراتهم الاستطلاعية لتحركات الخصم وإمكاناته في منطقة البريقة والمثلث النفطي.
في مصراتة، ثالث مدن ليبيا وبوابة العاصمة طرابلس من جهة الشرق، لا يزال الثوار داخل المدينة قادرين على حمايتها من اجتياح قوات النظام؛ بل استطاعوا خلال الأسبوع الماضي تحرير مواقع هامة في المدينة من قوات النظام التي كانت قد تمركزت فيها خلال الشهرين الماضيين.
ثمة إمدادات متزايدة من السلاح والعناصر المقاتلة تصل إلى مصراتة عن طريق البحر من بنغازي، ولكن حجم الدمار والموت الذي أوقعته قوات النظام بالمدينة قد يدفع أهلها إلى الإلحاح على طلب التدخل الدولي لفك الحصار عنهم ووضع حد للموت المحدق بهم يومياً. مصراتة، باختصار، أصبحت واحدة من أقوى حلقات مقاومة قوات الثوار المسلحة، بعد صمودها زهاء الشهرين أمام القصف والحصار؛ كما أنها في المقابل تعتبر واحدة من أضعف هذه الحلقات بفعل احتمال تحولها، في لحظة يأس، إلى بوابة التدخل الغربي المباشر.
في أقصى غرب ليبيا، وبالرغم من نجاح النظام في فرض سيطرة قلقة على أغلب المدن، إلا أنه عاجز عن السيطرة على الزنتان، كما أن قواته فقدت هذا الأسبوع السيطرة على معبر الذهبية الحدودي مع تونس، مما يوفر للثوار ميزة إستراتيجية للتحكم بواحد من طرق الاتصال والإمداد الرئيسية مع الجوار التونسي، إضافة لتحكمهم الكامل بالمعبر الحدودي الشرقي مع الجوار المصري. كما أن من الواضح أن مجموعات من الثوار أخذت تمارس حرب عصابات لإنهاك قوات النظام المتفرقة بين المدن الغربية، وأن خسائر الأخيرة باتت ملموسة في هذه الحرب.
أزمة قد تطول قبل تعديل الميزان العسكري
المتوقع الآن أن تبدأ عملية تدريب وتسليح وتنظيم قوات الثوار وعناصر الجيش التي انحازت لهم في مدينة بنغازي، ولكن تحويل قوات الثوار إلى قوة عسكرية فعالة قد يحتاج عدة شهور. ودون انهيار معنوي ملموس في صفوف قوات النظام، وهو أمر لا يمكن استبعاده كلية ستبقى الأوضاع على ما هي عليه |
في المقابل، يبدو أن باستطاعة قوات الثوار الصمود في معظم مناطق القتال، بما في ذلك مدينة مصراتة، وربما حتى إنجاز انتصارات صغيرة أو ملموسة هنا أو هناك، دون أن تستطيع تحقيق تقدم كبير وإيقاع هزيمة بالغة بقوات النظام.
المتوقع الآن أن تبدأ عملية تدريب وتسليح وتنظيم قوات الثوار وعناصر الجيش التي انحازت لهم في مدينة بنغازي، ولكن تحويل قوات الثوار إلى قوة عسكرية فعالة قد يحتاج عدة شهور. ودون انهيار معنوي ملموس في صفوف قوات النظام، وهو أمر لا يمكن استبعاده كلية، ستبقى الأوضاع على ما هي عليه لفترة من الزمن.
المشكلة والخطر الذي يتهدد الوضع في ليبيا يتعلق بعدة عوامل:
1- أن المستشارين والخبراء العسكريين الذين سيتواجدون الآن للمساعدة على تنظيم وتدريب القوات التابعة للمجلس الوطني هم جميعاً من البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين.
2- أن الوضع المتفاقم في مدينة مصراتة قد يفتح الأبواب لتدخل غربي عسكري أكبر على الأرض الليبية.
3- أن المجلس الوطني، ولجنة الأزمات التابعة له، لا يبدو حاسما وموحداً في موقفه من التدخل الغربي ومدى هذا التدخل.
4- أنه بدون الدور القطري، يبدو أن هناك غياباً عربياً – إسلامياً كبيراً عن المسرحين السياسي والعسكري الليبي. وما لم تبذل جهود عربية – إسلامية كافية للتواجد السياسي والعسكري في ليبيا، بموازاة التدخل الغربي، ستكون ليبيا المستقبل أسيرة لمن وقفوا مع الشعب الليبي وثورته في لحظة الشدة.