آمال وتطلعات دول الخليج من قمة كامب ديفيد

تُعقد خلال الفترة 13-14 مايو 2015 في كل من العاصمة الأميركية واشنطن و منتجع كامب ديفيد قمة استثنائية دعا إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما نظراءه قادة دول الخليج العربية. وتكتسب هذه القمة أهميةً خاصة نظرًا لأهمية الملفات التي ستتم مناقشتها.
201551211058890734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يسعى الباحث في هذه الورقة إلى تسليط الضوء على التطلعات المتوقعة لقادة دول الخليج العربية من القمة التي دعا إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي اختار من كامب ديفيد مكانًا لانعقادها. ويستهل الباحث تحليله بطرح سؤالين رئيسين يسعى لا حقًا لبيان مشروعيتهما، وهما:

  • لماذا دعا الرئيس الأميركي القادة الخليجيين إلى هذه القمة؟ 
  • ولماذا تم اختيار منتجع كامب ديفيد مكانًا لها؟

تستشرف الورقة أن بجعبة قادة دول مجلس التعاون الخليجي عددًا من الآمال والتوقُّعات سيُطلعون عليها سيد البيت الأبيض؛ من أهمها: 

  • حفظ التوازن في المنطقة من خلال الندية مع إيران؛
  • ضمان أمن دول الخليج بالعمل على ضمان أمن محيطها الإقليمي؛
  • إيجاد حلول عادلة لقضايا المنطقة.

وتخلص الورقة إلى عددٍ من الاستنتاجات، أهمها أن قوىً دولية أخرى كفرنسا يمكن لها أن تملأ الفراغ الذي قد تخلفه الولايات المتحدة الأميركية في حال تراجع حضورها وتأثيرها كحليف استراتيجي لدول المنطقة. كذلك، ينبغي لصانع القرار الأميركي أن يعي بأنّ خليجًا جديدًا بدأت معالم تشكُّله تلوح في الأفق منذ أن وصل جيل الشباب إلى مؤسسة الحكم في المملكة العربية السعودية، وبعد أن تربَّع الجيل نفسه على هرم السلطة في دولة قطر منذ قرابة العامين.

مقدمة

تتجه أنظار العالم يومي 13 و14 من مايو/أيار 2015 إلى كلٍّ من واشنطن وكامب ديفيد لمتابعة حدث لقاء القمة الذي سيجمع الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة دول الخليج العربية؛ هذه القمة التي دعا إليها الرئيس الأميركي نظراءه الخليجيين بعد توقيع اتفاقية الإطار في بداية إبريل/نيسان 2015 بين مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من جهة وبين إيران من جهة أخرى بشأن البرنامج النووي لهذه الأخيرة.

قَبْل الشروع في التطرُّق إلى تطلعات دول الخليج من قمَّتهم المرتقبة مع الرئيس أوباما، لابدَّ من طرح السؤالين التاليين: لماذا دعا الرئيس الأميركي القادة الخليجيين إلى هذه القمة؟ ولماذا تم اختيار منتجع كامب ديفيد مكانًا لها؟

بواعث الدعوة الأميركية

من الواضح أن الرئيس أوباما يعي تمامًا استياء حلفائه في دول الخليج من السياسات التي يتَّبعها في المنطقة، لاسيما فيما يخصُّ تعامل إدارته مع الملف النووي الإيراني، وكذلك السياسات التي تتَّبعها الحكومة الأميركية لمعالجة القضايا الأمنية التي تخصُّ المنطقة؛ لاسيما في العراق واليمن وسوريا وليبيا، دون إغفال القضية المركزية للأمَّتين العربية والإسلامية: "القضية الفلسطينية".

يبدو أن الرئيس أوباما أدرك أن الوقت قد حان لإطلاع حلفائه الخليجيين على خفايا الاتفاق الإطاري الخاص بالبرنامج النووي الإيراني؛ الذي تمَّ التوصل إليه مطلع إبريل/نيسان 2015 في لوزان السويسرية، ولطمأنتهم على التبعات التي ستترتَّب على مثل هذا الاتفاق، لاسيما أن الغرب يسعى إلى توقيع اتفاق نهائي مع إيران قبل نهاية شهر يونيو/حزيران 2015، وهو ما يُعَدُّ -إن حدث- إنجازًا تاريخيًّا للرئيس أوباما؛ الذي يستعدُّ لمغادرة البيت الأبيض بعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

لماذا كامب ديفيد؟

تبقى الإجابة عن التساؤل المتعلِّق باختيار مكان انعقاد القمَّة صعبة بل ومعقَّدة؛ حيث ارتبط اسم "كامب ديفيد" في أذهان العرب تحديدًا بمفردة "المفاوضات" وبمصطلح "محادثات السلام"؛ ففي كامب ديفيد عُقد مؤتمر للسلام وُقعت خلاله اتفاقية إطار في عام 1978 بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وفيها أيضًا عُقدت قمة فلسطينية-إسرائيلية عام 2000؛ وذلك لإيجاد حلٍّ سلمي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ ولكنها لم تُكَلَّل بالنجاح؛ من هنا تأتي مشروعية التساؤل حول حقيقة مضمون القمة الأميركية الخليجية التي ستُعقد في 14 من مايو/أيار 20015 في كامب ديفيد؟ وهل سيشهد المنتجع مفاوضات من نوعٍ ما؟ وما طبيعة تلك المفاوضات؟ ومَنْ أطرافها؟

آمال الدول الخليجية من القمة

سيتوجَّه القادة الخليجيون للقاء الرئيس الأميركي؛ ومما لا شك فيه أن بجعبتهم عددًا من الآمال والتوقُّعات سيُطلعون عليها سيد البيت الأبيض؛ فما سقف تلك التطلُّعات؟ وما الرسائل المتوقَّع توجيهها إلى الرئيس أوباما؟

أولاً: الندِّيَّة مع إيران
الرسالة الأولى التي يُتوقَّع أن يُوَجِّهها القادة الخليجيون إلى الرئيس أوباما هي: ضرورة دعم الولايات المتحدة الأميركية دول الخليج العربية من أجل حفظ التوازن الإقليمي في المنطقة؛ وذلك لن يتأتى إلَّا من خلال أن يكون لدول الخليج ما سيكون لإيران؛ هذا هو الحدُّ الأدنى الذي يُتوقَّع أن يقبله قادة دول الخليج إذا ما أرادوا لدولهم أن تؤدِّيَ دورًا رئيسًا في إعادة رسم خارطة التوازنات الجيوسياسية والجيوستراتيجية في المنطقة، لسنا هنا بصدد الحديث عن سباق لامتلاك التقنيات النووية في المنطقة؛ ولكن إذا ما أُجيز لإيران أن تمتلك الحقَّ في امتلاك القدرات النووية لأغراض سلمية فلدول الخليج الحقُّ نفسه حتى يحدث التوازن المطلوب.

ثانيًا: ضمان أمن الخليج
لدول الخليج حدودٌ جغرافيةٌ طويلةٌ مع كلٍّ من العراق شمالًا واليمن جنوبًا، وكلا الدولتين تعاني وضعًا أمنيًّا غير مستقرٍّ؛ فالعراق يشهد توترات مزمنة منذ اجتياح القوات الأميركية له عام 2003، كما يشهد -أيضًا- صراعاتٍ طائفيةً لا يمكن تجاهلها، وقد استفحل الوضع فيه بعد أن سيطر مقاتلو تنظيم داعش على أكبر مدنه شمالًا (الموصل) صيف العام الماضي.

كذلك يشهد اليمن توتراتٍ لا تقلُّ خطورةً عن تلك التي يشهدها العراق، وقد تطور الوضع الميداني سوءًا في اليمن بعد أن استولت ميلشيا جماعة الحوثي على مفاصل الدولة، وأطلقت ما سُمِّي بالإعلان الدستوري في فبراير/شباط 2015، وهو ما عُدَّ انقلابًا على الشرعية الدستورية في البلاد، وتهديدًا للأمن الوطني والإقليمي على حدٍّ سواء؛ مما أدَّى إلى قيام قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية بشنِّ حربٍ عسكرية على جماعة الحوثي والميلشيات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بهدف إعادة الشرعية، وإجبار الخارجين عنها للعودة إلى طاولة المفاوضات.

في كلتا الحالتين أدَّت إيران -ولا تزال- دورًا جوهريًّا في إذكاء الصراعات في كلا البلدين؛ وذلك من خلال دعم حلفائها والمواليين لها بكافة السبل والوسائل؛مما أدَّى إلى عدم الاستقرار في هاتين الدولتين الحدوديتين مع دول الخليج، وبالمحصلة فقد أدَّى ذلك إلى حالةٍ من عدم الاستقرار في المنطقة برمتها.

عليه، سيسعى قادة دول مجلس التعاون إلى ضمان أمن دولهم من خلال ضمان استقرار دول الجوار، وهنا يمكن بلورة المطلب الثاني لإدارة الرئيس أوباما من خلال العمل مع دول الخليج لتحقيق لتحقيق أمن واستقرار الإقليم.

ثالثًا: السعي إلى إيجاد حلول عادلة لقضايا المنطقة الإقليمية
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي في أواخر عام 2010 حالةً من الغليان وعدم الاستقرار في عددٍ من الدول، لاسيما في سوريا وليبيا وكذلك في مصر، كما يصادف موعد انعقاد قمة كامب ديفيد الأميركية-الخليجية، الذكرى السنوية السابعة والستين لنكبة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في الرسالة التي وجهها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني -أمير دولة قطر- إلى الرئيس أوباما خلال زيارته لواشنطن في شهر فبراير/شباط الماضي؛ التي نُشرت في صحيفة (New York Times) بتاريخ 24 من فبراير/شباط 2015، وضع الشيخ تميم ما يمكن وصفه بأنه "خارطة طريق"، وقدَّم وصفةً للتعامل مع التحديات التي تُواجهها المنطقة من خلال ضرورة العمل لإحلال مبادئ العدالة الاجتماعية والأمن والسلام، وتحقيق المساواة، وإحياء الآمال لجميع شعوب المنطقة؛ من هذا المنطلق يمكن فهم رؤية أحد قادة دول الخليج في الإجابة التي قدَّمها أمير دولة قطر الشيخ تميم ردًّا على سؤالٍ خلال لقاءٍ جمعه بعددٍ من طلاب جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركية واشنطن في 26 فبراير/شباط 2015؛ حيث قال: "لا يجب أن نعتمد فقط على أميركا، الدول العربية يجب أن تقوم بما عليها القيام به، وبعدها يمكن أن نطلب من أميركا مساعدتنا لحلِّ مشاكل المنطقة إن كنَّا بحاجة إليها، يجب أن نعتمد على أنفسنا كدول عربية؛ فلدينا القدرة للتضامن مع بعضنا البعض من أجل مساعدة الشعوب التَّوَّاقة للحرية، ولمواجهة الجماعات الإرهابية، وبعدها يمكن أن نطلب مساعدة أميركا".

في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة، ومبادرة المملكة العربية السعودية لاستعادة مكانتها الإقليمية بعد انخراط الجيل الثالث -جيل الشباب- الذي يُمثِّل أحفاد الملك المؤسِّس عبد العزيز آل سعود في مؤسسة الحكم، ستكون رسالة القادة الخليجيين الثالثة لأوباما: أنهم قادرون على أخذ زمام المبادرة لإيجاد حلول لمشاكل المنطقة، وأن الدور الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تؤدِّيه من الآن فصاعدًا هو دور "الداعم" وليس دور "المخلِّص".

ولعلَّ ذلك ما تمَّ تجسيده بالفعل من خلال الإعلان -من واشنطن- في 26 من مارس/آذار 2015 عن تشكيل تحالف دولي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة جماعة الحوثي؛ التي انقلبت على الشرعية في اليمن؛ حيث يتضح أن دول الخليج باتت قادرةً على اتخاذ المبادرة، وتحمُّل تبعاتها عندما تشعر بالخطر يهدِّد أمنها ومصالحها.

فرنسا وملء الفراغ الذي خلَّفته أميركا

من الأهمية بمكان أن يعي صانع القرار الأميركي أن دول الخليج العربية بمقدورها عقد شراكات استراتيجية على المديين المتوسط والبعيد مع دولٍ حليفة أخرى مع قوىً أخرى في عالم القطب الواحد، ولعلَّ فرنسا إحدى تلك الدول.

فقد قدَّم الفرنسيون خلال الفترات السابقة بوادر قُرئت في بعض العواصم الخليجية بأنها بوادر "حُسن نوايا"؛ فموقف الحكومة الفرنسية من الملف النووي الإيراني في المفاوضات التي خاضتها مؤخرًا مجموعة 5+1 مع إيران كان أكثر تصلبًا من مواقف الدول المفاوضة الأخرى، وهذا ما أمكن ملاحظته من خلال التصريحات التي كان يُطلقها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بعد كل جولة مفاوضات صعبة مع الطرف الإيراني.

كما أن موقف باريس من عملية عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في اليمن كان داعمًا ومؤازرًا لموقف قوات التحالف في دفاعها عن أمنها القومي والإقليمي.

ولعلَّ الإعلان عن توقيع صفقة بقيمة 7 مليارات دولار لبيع عدد 24 طائرة رافال المقاتلة إلى دولة قطر في 4 مايو/أيار 2015؛ وكذلك توقيع صفقة -قبل ذلك- بقيمة 3 مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني بتمويل من الحكومة السعودية، يُعدُّ مؤشرًا على أن فرنسا بدأت تتبوَّأ بالفعل مكانةً استراتيجيةً غير تقليدية في منطقة الخليج؛ ليس على الصعيد الدبلوماسي فحسب، وإنما على الصعيد العسكري أيضًا.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن حضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اجتماع قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي؛ التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض في 5 مايو/أيار 2015 يُعدُّ أيضًا مؤشِّرًا على التقارب الخليجي-الفرنسي، لاسيما أن الرئيس هولاند هو أول زعيم أوروبي يحضر اجتماع قمة لدول مجلس التعاون الخليجي؛ ولعلَّ ما ميز تلك أنها لم تكن قمةً اعتيادية، وإنما كانت قمةً تشاورية، نوقشت فيها ملفات أمنية خليجية على درجةٍ عاليةٍ من الحساسية؛ كالملف النووي الإيراني، وملف الحرب في اليمن، والتطورات في كلٍّ من العراق وسوريا، ومواضيع ذات صلة بالقمة التي ستجمع القادة الخليجيين بالرئيس أوباما في كامب ديفيد في يومي 13 و14 من مايو/أيار 2015.

خاتمة

لا شك أنَّه أمام صانع القرار الأميركي مهمة صعبة في كامب ديفيد تكمن في محاولة إعادة كسب ثقة الحليف الخليجي، ولن يتأتى ذلك فقط من خلال طمأنة دول الخليج من تبعات أي اتفاقية نووية مع إيران باتت معالمها شبه واضحة للعالم أجمع.

لابدَّ من أن تعي الإدارة الأميركية أنها ارتكبت أخطاءً فادحة في عددٍ من الملفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط؛ لعلَّ من أهمها سياساتها تجاه ملفات سوريا والعراق؛ وهو ما أدَّى إلى خلق حالةٍ من عدم الثقة؛ ليس عند صانع القرار الخليجي فحسب، وإنما عند المواطن العربي البسيط أيضًا، وكذلك في أوساط النخبة في العالم العربي.

أمَّا القادة الخليجيون فستكون أمامهم مهمة صعبة أيضًا، يمكن اختصارها في إيصال رسالة إلى سيد البيت الأبيض لم يَعْتَدْ على سماعها من قبل؛ مفادها أن خليجًا جديدًا بدأت معالم تشكُّله تلوح في الأفق منذ أن وصل جيل الشباب إلى مؤسسة الحكم في السعودية، وبعد أن تربَّع الجيل نفسه على هرم السلطة في دولة قطر منذ قرابة العامين.
__________________________________
د. جمال عبد الله: باحث مختص بالشؤون الخليجية

ABOUT THE AUTHOR