تونس: النظام القديم واسترداد السلطة بورقة البورقيبية

البورقيبية راية يجتمع حولها عدد من القوى التي مارست السلطة من قبل وقوى تخاف من الإسلاميين، للإمساك بالسلطة في المرحلة الجديدة.
9 April 2011







 

مركز الجزيرة للدراسات





يبدو أن الصراع على الإرث البورقيبي من المواضيع التي ستحظى باهتمام جانب من الشارع السياسي التونسي في الفترة القادمة.
منذ تعيينه على رأس الحكومة المؤقتة، عمل السيد الباجي قايد السبسي على إثارة نوع من الحنين للفترة البورقيبية التي سعى النظام السابق لدفنها تماما. وبالفعل، فإن الوزير الأول المؤقت كان من بين النخبة التي شاركت في بناء دولة الاستقلال حيث تسلم فيها مناصب سياسية هامة، من أبرزها ترأسه وزارة الداخلية بين عامي 1965 و 1969، ثم تقلد منصب وزير الدفاع عدة أشهر من عام 1970. وإذا كان قسم من التونسيين يميلون إلى إعادة إحياء ذكرى بورقيبة، تقديرا للطابع الأخلاقي الذي ميّز ممارسة الدولة في عهده، فإن غالبية  الشباب الذين شاركوا في الثورة يعتقدون أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة جديدة لإعادة إنتاج الديكتاتورية، ويوافقهم في ذلك عدد من المثقفين الذين يذهبون في تحليلاتهم إلى حد القول إن استبداد الزعيم بورقيبة هو الذي دمّر قدرة المجتمع على بناء مؤسسات قوية؛ فبات من السهل على نظام بن علي حكم البلاد بقبضة حديدية طيلة حوالي ربع القرن.

خلع بن علي وارتداء البورقيبية
وقد تزامنت بعض الإشارات إلى عودة الممارسة البورقيبية للحكم في تونس، مع سعي بعض وسائل الإعلام المملوكة للحكومة إلى إعادة فتح ملف الزعيم بورقيبة وبث الأغاني التي تمجد حكمه، كما هي حال إذاعة المنستير على الخصوص. وللتذكير، فإن بورقيبة من مواليد هذه المدينة الساحلية التي شهدت أيام 4 و5 و6 أبريل/نيسان مهرجانا شعبيا لإحياء ذكرى الزعيم السياسي الذي حكم البلاد طيلة واحد وثلاثين عاما، والذي أطاح به زين العابدين بن علي في "انقلاب طبي" في نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1987.


ويبدو أن الصراع على الإرث البورقيبي من المواضيع التي ستحظى باهتمام جانب من الشارع السياسي التونسي في الفترة القادمة. فقد سعى بعض وجوه النظام السابق، وهي تعود في أصولها إلى مدينة حمام سوسة التي ينتسب إليها الرئيس المخلوع بن علي، إلى استغلال عودة الحنين إلى البورقيبية من أجل الرجوع مجددا إلى الساحة السياسية، وتدعيم القاعدة الشعبية للأحزاب التي قاموا بتأسيسها مؤخرا، كما هو الحال مثلا مع السيدين محمد جغام (حزب الوطن) وكمال مرجان (حزب المبادرة)، وهما من الشخصيات التي سبق أن اضطلعت بمسؤوليات سياسية كبرى في عهد الرئيس المخلوع، غير أن الاستقبال السيئ الذي حظيا به مؤخرا من أبناء مدينة حمام سوسة لهما ينبئ عن أن الرأي العام التونسي لا يزال على رفضه الشديد لعودة رموز النظام السابق إلى الساحة حتى ولو امتطيا ظهر البورقيبية، خاصة وأن جغام ومرجان تحديدا يتحملان جزءا من المسؤولية السياسية عن استمرار الاستبداد طيلة ثلاثة وعشرين عاما بحكم الوظائف الهامة التي تقلداها، سواء في وزارة الداخلية أو في الخارجية أو في الدفاع، وقد كان كلاهما في مرحلة معينة يمثل خيارا ممكنا لخلافة الرئيس المخلوع، وهذا ما يزيد التوجس منهما.


الوقوف أمام الإسلاميين
يخفي هذا الصراع في الحقيقة نوعا من الانقسام بين النظام القديم والنظام الذي يريد التونسيون أن يروه يتأسس بفعل الثورة، ولكنه أيضا صراع على الإرث البورقيبي. ففي الوقت الذي يعتقد البورقيبيون أن التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، الذي حكم بواسطته بن علي، كان حزب انتهازيين لا يجمع بينهم الإيمان بأية قيم، فإنهم يعتبرون وراثة التجمع الدستوري للحزب الاشتراكي الدستوري (الذي حكم بواسطته بورقيبة والذي قاد أيضا عملية التحرر الوطني) وراثة غير شرعية. ومعلوم أن بن علي قام بتغيير اسم الحزب غداة توليه السلطة وجلب إليه عددا من البعثيين واليساريين في إطار التحالف في مواجهة الإسلاميين.





في الوقت الذي يعتقد البورقيبيون أن التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، الذي حكم بواسطته بن علي، كان حزب انتهازيين لا يجمع بينهم الإيمان بأية قيم، فإنهم يعتبرون وراثة التجمع الدستوري للحزب الاشتراكي الدستوري وراثة غير شرعية.
أما من جهة القائدين السابقين في التجمع (جغام ومرجان)، فلا تزال لديهما طموحات كبيرة في السلطة، وهما يتنافسان حاليا على جمع أكبر عدد ممكن من إطارات ومنخرطي الحزب المنحل، استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة. وفي هذا الإطار، تتهم أوساط سياسية تونسية رئيس الحكومة المؤقتة بتسهيل الطريق لهما للعودة إلى مشهد سياسي أخرجتهما الثورة منه. ويتوقع بعض المراقبين أن تشكل الأحزاب، التي خرجت من التجمع الدستوري المنحل تحالفا انتخابيا تخوض على أساسه انتخابات المجلس التأسيسي يوم 25 يوليو/تموز القادم، في حين يتوقع قسم هام من الطبقة السياسية أن تعمد أحزاب أخرى، مثل الحزب الديمقراطي التقدمي وكذلك حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) إلى عقد اتفاقيات وتحالفات انتخابية مع رموز التجمع المنحل من أجل الوقوف أمام اكتساح الإسلاميين المحتمل لمقاعد المجلس المقبل.