التنافس بين "الدولة الإسلامية" و"القاعدة" يشعل الصحراء الكبرى

تناول الباحث محمد محمود أبو المعالي في هذا التقرير تناغم وتفاعل الخريطة الجهادية في منطقة الساحل وإفريقيا وفي منطقة المغربي العربي أيضا مع ما يحصل من انقسام ومواجهة في المشرق العربي بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية وهو تناغم حاول التقرير قراءة تعقيداته وتموجاته المختلفة.
2015719111640734_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
ظلت منطقة الصحراء والساحل مجالا خاصا لحركات جهادية ترى نفسها جزءًا من تنظيم القاعدة الأم، لكن دخول الدولة الإسلامية على الخط أصاب تلك تنظيمات بالانقسام فعلى سبيل المثال أعلن أمير "جماعة المرابطون": عدنان أبو الوليد الصحراوي مبايعته للبغدادي، في حين بقي حليفه المختار بلمختار أمير "جماعة الملثمون" على ولائه لتنظيم القاعدة. ومن المصادفات أن هناك تيارا جهاديا ثالثا في منطقة الساحل والصحراء لا هو مع القاعدة ولا مع تنظيم الدولة، ويمكن تسميته باسم: "الجهاديون المحليون" مثل "جماعة أنصار الدين" بقيادة إياد أغ غالي، وهي تنظيم جهادي مكون من أبناء قبائل الإفوغاس الطارقية، ويطالبون بإنصاف السكان المحليين وتطبيق الشريعة الإسلامية في مناطقهم. ويضاف إلى هذه الجماعة حركة جهادية محلية أخرى، وهي "جبهة تحرير ماسينا"، بقيادة الشيخ "محمد كوفي"، وتتألف أساسا من مقاتلين من قبائل الفلان الإفريقية، وترفع بدورها مطالب محلية. والحركتان سلفيتان جهاديتان وتتعاونان مع الحركات الجهادية الأخرى وإن كانت مطالبهما محلية بخلاف القاعدة وتنظيم الدولة. ومع عدم الحسم في تموقع الحركتين في سياق التوجهات التي تعرفها الجهادية العالمية وما يطغى عليها من استقطاب بين القاعدة وتنظيم الدولة فإنه من المحتمل أن تكون الحركتان أقرب للقاعدة منهما لتنظيم الدولة، فقد سبق ان نسقتا جهودهما مع القاعدة ثم إن أنصار الدولة الإسلامية يرفضون أي نشاط جهادي في مناطقهم لا يقاتل تحت رايتهم.

شكل الظهور القوي لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، فرصة لمئات الشباب من معتنقي الفكر السلفي الجهادي والحالمين بخلافة إسلامية على منهاج النبوة، للإعلان عن مبايعة التنظيم وخليفته أبو بكر البغدادي ونفض اليد من تنظيم القاعدة وبيعة أميرها أيمن الظواهري أو مناصرته، وبسرعة قياسية امتدت موجة الإعجاب بتنظيم الدولة الإسلامية والولاء له، إلى بقاع شتى في أنحاء العالم، كانت الحركة الجهادية ممثلة في تنظيم "القاعدة" قد أوجدت موطئ قدم لها فيها خلال العقدين الماضيين، لكنها بدأت اليوم تخسر مواقع منها لصالح التنظيم الجديد.

ولأن تنظيم "القاعدة" رفع عقيرته منذ تأسيسه في وجه المنظومة الدولية التي يصفها بالكفر والظلم، داعيا إلى العمل على إقامة الخلافة الإسلامية، بواسطة "الجهاد المسلح"، والسعي لإقناع جماهير المسلمين بخياره العنيف، معرضا عن لجوء بعض الحركات الإسلامية للعبة الديمقراطية وسياسية النضال السلمي، واصفا نهجها بالعبثي، ومعتمدا في ذلك على إستراتجية تتبع المراحل والتدرج سبيلا إلى تحقيق الهدف المنشود وهو الخلافة الإسلامية.

إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية المنافس القوي له اليوم في "الساحة الجهادية" لم يكتف بمشاطرة تنظيم القاعدة هذا النهج العنيف لفرض خياراته، بل تجاوزه قافزا على مرحلة الإعداد للخلافة، وسياسة التدرج التي ينتهجها تنظيم القاعدة وفروعه، ليصل فجأة إلى مرحلة التنفيذ وإعلان الخلافة بشكل رسمي، معتبرا أن التمكين الممهد لإعلان الخلافة قد حصل وأن التأخر في إعلانها تثبيط للهمم وتضييع للفرصة.(1)

"الربيع الجهادي" يجتاح الصحراء وشمال إفريقيا

قد كان ظهور "خلافة الدولة الإسلامية" سببا كافيا لإعلان المئات من معتنقي الفكر الجهادي ومؤيديه، فسخ بيعة تنظيم القاعدة وإعلان الولاء للدولة الإسلامية، في موجة تُمكن تسميها بـ"الربيع الجهادي" الساعي لقلب الأوضاع في "الساحة الجهادية" وإنهاء مرحلة الجيل القديم من قادة العمل السلفي الجهادي في تنظيم "القاعدة" ومنظريه من أمثال أيمن الظواهري، و"أبو محمد المقدسي" و"أبو قتادة الفلسطيني"، واستبدالهم بقيادات جديدة ومنظرين آخرين، من أمثال "أبو بكر البغدادي"، و"أبو محمد العدناني" و"أبو أنس الشامي" وغيرهم، وهو ما يرونه انحيازا طبيعيا لمن تجاوزوا مرحلة الاستقطاب التنظيمي والتنسيق بين الفروع، إلى إعلان خلافة واحدة يرغم الجميع على الانصهار فيها، ويعتبر الممتنع عن الالتحاق بها شاقا للعصا خارجا على الطاعة، أو فلولا وثورة مضادة -على لغة أنصار الربيع العرب- ينبغي القضاء عليهم واستئصالهم، لأن الأحداث تجاوزتهم وخلفهم التاريخ على قارعة طريق "المثبطين والقاعدين".

لجأ الطرفان (القاعدة والدولة الإسلامية) في حربهما على أحقية شرعية "المشروع الجهادي العالمي"، إلى مخزونهما من قاموس التهم التي تترد في محيطهم سواء تلك التي تلصق بهم، أو تلك التي يردون بها على خصومهم، حيث اعتمد تنظيم القاعدة قائمة التهم التي طالما قوبل بها في العالم من غلو وتطرف وانتهاج لسبيل الخوارج، ليعتمدها ميسما يصف به اليوم غريمه الجديد تنظيم الدولة الإسلامية وقادته،(2) بينما سارع تنظيم الدولة الإسلامية إلى التقاط قائمة التهم والنعوت التي طالما وجهها تنظيم القاعدة لخصومه، من تمييع وإرجاء وخذلان وخيانة للعهد، ليسقطها على الظواهري ومنظريه وأنصاره.(3)

ليبيا "تستورد" حالة الاقتتال بين التنظيمين

وفي منطقة المغرب العربي والصحراء الكبرى، وصلت رياح "الربيع الجهادي" التي هبت من سوريا والعراق على التنظيمات الجهادية، بشكل مبكر، حيث كانت البداية من ليبيا التي تمور منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي سنة 2011، دون أن تعرف استقرارا للدولة المركزية أو سيطرة مطلقة لها على كامل التراب الليبي، وتحولت إلى مسرح للدعوة العلنية لبيعة الدولة الإسلامية ومناصرتها، ممهدة بذلك لإعلان وصول موجة مبايعات متتالية للتنظيم إلى ليبيا ومنه إلى تونس وباقي دول المنطقة، حيث ظهرت هذه المبايعات بداية في المناطق الشرقية التي عُرفت خلال سنوات حكم القذافي بأنها معقل للتيار الجهادي ظل عصيا على الاستئصال رغم القبضة الحديدية للنظام، وكذلك منطقة طرابلس في الغرب، وقد أصبح تنظيم الدولة الإسلامية قوة فاعلة بعد إعلان تنظيم "الجيش الإسلامي" في درنة بيعته للبغدادي، كما أحكم التنظيم سيطرته على مدينة سرت معقل العقيد القذافي ومسقط رأسه، ونفذ عمليات إعدام جماعية استهدفت عددا من الأقباط المصريين والمسيحيين الإثيوبيين،(4) وقد اضطر أنصار تنظيم القاعدة ممثلين في مجلس الشورى في درنة وبنغازي وجماعة أنصار الشريعة، للتصدي لتوغل الدولة الإسلامية بالقوة للحفاظ على مكاسبهم، وسعيا لوضع حد لانتشاره وهيمنته المتصاعدة، وهو ما شكل حالة تصدير جديدة للاقتتال الدموي بين التنظيمين، الذي عرفته سوريا خلال السنتين الماضيتين.

في ليبيا يراهن أنصار القاعدة على تجذرهم تاريخيا في تلك المناطق، معتبرين أن ظهور أنصار للدولة الإسلامية هناك إنما هي محاولات لقطف ثمار "العمل الجهادي والدعوي" الذي قاموا به خلال السنوات الماضية، وأن الملتحقين بهم عبارة عن مجموعات لم تجد في أنصار تنظيم القاعدة ما يلبي غلوها وتنطعها وتعطشها لسفك الدماء.

تونس.. "الدولة الإسلامية" تقتحم على "القاعدة"

في نفس الوقت ظهر في تونس ظهر مناصرة الدولة الإسلامية، بشكل مبكر مستغلين ارتخاء القبضة الأمنية للدولة في مرحلة ما بعد الثورة، خصوصا خلال الأزمة السياسية التي واكبت الفترة الأخيرة من حكم تحالف الترويكا، وكان أول ظهور علني لهم في ما عرف "بالنصرة القيروانية للدولة الإسلامية" قبل أزيد من سنة، وبدأت أنشطتهم تطال كبار السياسيين اليساريين والقوميين، تصفية واغتيالا، من أمثال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فضلا عن مسؤوليتهم عن هجمات دموية أخرى مثل الهجوم على متحف باردو بالعاصمة تونس في مارس/ آذار 2015، الذي خلف حوالي 22 قتيلا معظم سياح غربيون،(5) لكن ظهور الدولة الإسلامية في تونس ما زال حتى الآن مجرد امتداد لما يوجد في ليبيا، في ظل غياب وجود بنية هيكلية قوية للتنظيم تملك متسعا على الأراضي التونسية، رغم أن التونسيين يعتبرون من أكثر الجنسيات المغاربية في تنظيم الدولة الإسلامية إضافة إلى ليبيا.

يواجه الحضور المتنامي لتنظيم الدولة الإسلامية في تونس منافسة قوية من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي التابع لتنظيم القاعدة في أفغانستان، الذي يسعى للحفاظ على وجوده في تونس منذ سنوات من خلال "كتيبة عقبة بن نافع" التي تتخذ من "جبل الشعانبي" على الحدود مع الجزائر مركزا لأنشطتها، وتركز عملياتها ضد الجيش وقوات الأمن، وهنا لابد من التذكير بموضوع أوقع لبسا لدى الكثير من الباحثين والإعلاميين، في علاقة "كتيبة عقبة بن نافع" مع تنظيم الدولة الإسلامية وما تناولته بعض المواقع الجهادية سابقا من بيعتها للبغدادي، ومرد ذلك أن "كتيبة عقبة بن نافع"، أعلنت مع بداية الحرب التي يشنها التحالف الدولي على تنظيم الدولة الإسلامية، عن تأييدها للتنظيم في تلك الحرب، داعية إلى مناصرته في مواجهة التحالف الدولي، لكنها لم تبايعه، بل سارعت بعد ذلك رفعا للبس إلى إعلان تمسكها ببيعة القاعدة والولاء لأميرها أيمن الظواهري، واصفة بيانها السابق بأنه مجرد تأييد للدولة الإسلامية في مواجهة "حملة صليبية"، دون أن يكون بيعة أو إعلان ولاء.

قاعدة المغرب الإسلامي في مواجهة التحدي

وصل التنافس ذروته بين الفريقين في الجزائر التي يتخذ منها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي مقرا لقيادته المركزية، حين خسر تنظيم القاعدة إحدى مناطقه الثلاثة (منطقة الوسط) لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أعلن أمير هذه المنطقة "قوري عبد الملك" المكنى "خالد أبو سليمان" وأعضاء مجلس الشورى معه، عن بيعتهم لزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، وغيروا اسم تنظيمهم ليصبح "جند الخلافة في الجزائر"، بدلا من "المنطقة الوسط في تنظيم قاعدة الجهاد بالمغرب الإسلامي"،(6) وانخرطوا مباشرة في أعمال تنافسية معه، كان من أبرزها اختطاف الفرنسي "بيار غوديل" وقتله في شهر سبتمبر /أيلول عام 2014 بشرق الجزائر، في حين لم يبق لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي سوى منطقتين هما: المنطقة الشرقية في الجزائر، والتي تحتضن القيادة العامة للتنظيم بزعامة أميره عبد الملك دوركدال المكنى أبو مصعب عبد الودود، ومنطقة الصحراء الكبرى التي تتركز أساسا في شمال مالي بقيادة "جمال عكاشة" المكنى "يحيى أبو الهمام"، وتتعايش إمارة منطقة الصحراء مع تنظيمات جهادية أخرى بعضها منقسم الولاء بين تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية، كما هو الحال بالنسبة لـ "جماعة المرابطون" وبعضها عبارة عن جماعات جهادية محلية مثل "أنصار الدين"، و"جبهة تحرير ماسينا".

"بلمختار".. في طريق العودة إلى القاعدة

داخل المنطقة الصحراوية التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي المتمركزة في شمال مالي، ظهرت دعوات تنادي بضرورة تجاوز مرحلة التنظيمات والانخراط في بيعة البغدادي والدولة الإسلامية، وتحولت معسكرات التنظيم والمنتديات الجهادية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى مسرح لنقاش ساخن بين مؤيدي الدولة الإسلامية ومعارضيها، الأمر الذي دفع القيادات الموالية لتنظيم القاعدة في الصحراء إلى التحرك لتدارك الموقف ومحاولة إعادة لم الشمل ومواجهة الاختراقات اليومية لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي هذا السياق بدأ رئيس مجلس شورى "جماعة المرابطون" المختار بلمختار المكنى خالد أبو العباس، مفاوضات مع قيادة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، التي انشق عنها في أكتوبر/ تشرين أول عام 2012، وتهدف هذه المفاوضات إلى عودة بلمختار إلى أحضان تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وإن كان ذلك بصيغة جديدة، تضمن تفادي ما حصل من خلافات أدت إلى انشقاقه عن التنظيم قبل ثلاث سنوات تقريبا، وتضمن توفير نفسٍ جديد للقاعدة في المنطقة يجعلها قادرة على مواجهة المد المتنامي للدولة الإسلامية.

وهنا يمكن القول إن هذه المفاوضات بين "بلمختار" وقيادة القاعدة في الجزائر، تجري على ضوء التطورات التي عرفها تنظيم القاعدة في بلاد خراسان (القاعدة الأم في أفغانستان وباكستان وإيران) وما عرفته أوساط التنظيم من بوادر مراجعات تمثلت في أفكار كان أسامة بن لادن يطرحها منذ عام 2010 قبل مقتله، وهي دعوات بدأت فروع التنظيم في شتى أنحاء العالم تتجاوب معها بدرجات متفاوتة، حيث سبق لابن لادن قبل مقتله سنة 2011 أن أبدى تأثرا كبيرا بالثورات العربية، ودعا إلى القيام بمراجعات من شأنها تقريب التنظيم من جماهير المسلمين واندماجه فيهم، مقترحا في البداية تغيير اسم التنظيم لاعتبارات عديدة منها أن الاسم الرسمي له وهو "قاعدة الجهاد" لم يعد هو المتداول إعلاميا، وإنما أصبحت كملة "القاعدة" هي الاسم الرسمي، دون أن تحمل هذه التسمية أي مدلول إسلامي أو جهادي، هذا فضلا عن أن اسم القاعدة تلوث بسبب ما سماه التجاوزات الكبيرة التي ارتكبت باسمه في شتى أنحاء العالم، وقد شرع التنظيم في تنفيذ هذه التوصية من خلال أسماء التنظيمات والفروع التابعة للقاعدة التي تأسست بعد عام 2011، حيث لا تحمل أي منها اسم القاعدة، وإنما تحمل أسماء أخرى، من قبيل "جبهة النصرة" في سوريا، و"أنصار الشريعة" في ليبيا، و"جماعة المرابطون" في شمال مالي، وغيرها.

كان بن لادن قد قدم مقترحات جديدة ستمكن قيادة تنظيم القاعدة المركزية في خراسان، من فرض سيطرتها بشكل أكثر فاعلية على فروع التنظيم في شتى أنحاء العالم، وكذلك الجماعات التابعة له، وفي مقدمة تلك المقترحات تحديد مأمورية محددة لقادة التنظيمات التابعة للقاعدة، أو ما يعرفون في أدبيات التنظيم بأمراء الفروع، واشتراط موافقة القيادة المركزية على تعينهم، حيث اقترح أن تكون فترة كل أمير سنتين قابلة للتجديد، وذلك بالتشاور مع القيادة المركزية للقاعدة، وفي حال تعذر الاتصال والتشاور تكون المأمورية سنة واحدة قابلة للتجديد.(7)

على ضوء هذه المقترحات يتحدث بعض العارفين بقضايا الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا والصحراء الكبرى عن تأثر المفاوضات الحالية بين " المختار بلمختار" وقيادة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بمثل هذه الأفكار قبل إعلان الاندماج، مرجحين احتمال طرح مقترح بإحداث تغييرات في قيادة التنظيم قبل إعلان الاندماج، وربما تغيير في الاسم، وذلك رغم تشبث أغلبية أعضاء التنظيم باسم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

"المرابطون".. انقسام بين "الدولة" و"القاعدة"

ولأن المفوضات بين "المختار بلمختار" وقيادة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تأتي ضمن محاولات القاعدة قطع الطريق على توغل أنصار الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، فقد جاء الرد سريعا واستباقيا من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أعلن أمير جماعة المرابطون "عدنان أبو الوليد الصحراوي" بيعته للبغدادي باسم التنظيم، محاولا بذلك قطع الطريق على أي إعلان مرتقب من بلمختار يتضمن انضمام المرابطون لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي،(8) الأمر الذي أعاد الأمور في التنظيم إلى ما قبل يوليو عام 2013، تاريخ تأسيس تنظيم المرابطون من تحالف بين "جماعة الملثمون" بقيادة المختار بلمختار و"جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" بقيادة أحمد التلمسي وأبو الوليد الصحراوي، حيث انقسم التنظيم اليوم إلى مؤيدين من عناصر التوحيد والجهاد لقرار "الصحراوي" بيعة البغدادي والانضمام للدولة الإسلامية، وأعضاء "جماعة الملثمون" المؤيدين لتمسك المختار بلمختار ببيعة القاعدة والظواهري، والداعمين لمسار التشاور من أجل العودة إلى حضن القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.(9)

وهنا لابد من التذكير أن الخلاف داخل تنظيم "جماعة المرابطون" بين أميره الجديد "أبو الوليد الصحراوي" المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية، ورئيس مجلس الشورى "المختار بلمختار" المبايع للظواهري والقاعدة، لم يكن وليد تطورات التنافس بين التنظيمين على الساحة في الصحراء الكبرى، بل إن بيعة "الصحراوي" للبغدادي لم تكن إلا تطورا في صراع قديم بين الرجلين وجماعتيهما، بدأت بوادره تظهر منذ تأسيس تنظيم "جماعة المرابطون"، عام 2013، عندما رفض "أبو الوليد الصحراوي" رئيس مجلس شورى جماعة التوحيد والجهاد حينها، ومعه "حمادَه ولد محمد الخير" رئيس اللجنة الشرعية للتنظيم، بيعة "أبو بكر المصري" كأول أمير لتنظيم المرابطون بعد تأسيسه، وهو المقرب من "بلمختار"، قبل أن يتراجع "الصحراوي" عن موقفه ويقبل البيعة، في حين غادر "حمادَه ولد محمد الخير" الصحراء إلى ليبيا للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية هناك، وبعد مقتل "أبو بكر المصري"، في إبريل/ نيسان عام 2014، قبل "أبو الوليد الصحراوي" بيعة التنظيم لرفيقه "أحمد التلمسي"، أميرا جديدا للمرابطين، وبعد مقتل هذا الأخير على يد القوات الفرنسية، نهاية عام 2014، أعلن "أبو الوليد الصحراوي" نفسه أميرا لتنظيم المرابطون، وبايعه أعضاء مجلس الشورى الموجودين معه في شمال مالي (أغلبهم من عناصر جماعة التوحيد والجهاد سابقا) في حين رفض "المختار بلمختار" ومن معه من أعضاء مجلس الشورى في ليبيا حينها (أغلبهم من عناصر جماعة الملثمون سابقا) تلك البيعة، واعتبروها غير شرعية، ومضى "بلمختار" في مسار التفاوض مع قيادة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من أجل دمج التنظيم في القاعدة وحله نهائيا، وهو ما يواجه رفضا قاطعا من "الصحراوي" ومؤيديه، الذين حولوا الصراع مع بلمختار، إلى حلقة من حلقات الصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، فأعلن "الصحراوي" بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية ليضيف اسمه إلى قائمة تنظيمات وجماعات في المنطقة فكت ارتباطها بتنظيم القاعدة وأعلنت البيعة والولاء للدولة الإسلامية، مثل جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام) في نيجيريا، والجيش الإسلامي في ليبيا، وجند الخلافة في الجزائر، أما "بلمختار" فقد سارع إلى إعلان رفض بيعة "الصحراوي" للبغدادي وطعن في شرعيتها، وأكد تمسك مجلس شورى التنظيم ببيعته للقاعدة وأميرها أيمن الظواهري.

"الجهاديون القبليون" في الصحراء.. تيار ثالث

يتعايش مع أنصار الدولة الإسلامية ومؤيدي القاعدة في الصحراء الكبرى، خصوصا في شمال مالي، تيار ثالث من الجهاديين، يشكلون ظاهرة استعصت حتى الآن على الاحتواء من طرف أي من التنظيمين المتصارعين، (القاعدة والدولة الإسلامية)، ويتعلق الأمر هنا بمن يمكن أن نسميهم "الجهاديين المحليين"، أو "الجهاديين القوميين"، أو "الجهاديين القبليين"، وهم: "جماعة أنصار الدين" بقيادة إياد أغ غالي، وهي عبارة عن تنظيم جهادي محلي يتألف أساسا من مقاتلين ينتمون لقبائل الإفوغاس من قومية الطوارق، ويرفعون مطالب محلية من قبيل إنصاف السكان المحليين وتطبيق الشريعة الإسلامية في مناطقهم،(10) لكنهم يقاتلون جنبا إلى جنب مع القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة المرابطون ضمن تحالف بدأ مطلع عام 2012، إضافة إلى حركة جهادية محلية أخرى، أعلن عن ميلادها قبل أشهر من الآن، وهي "جبهة تحرير ماسينا"، بقيادة الشيخ "محمد كوفي"، وتتألف أساسا من مقاتلين من قبائل الفلان الإفريقية، وترفع بدورها مطالب محلية، من قبيل رفع الظلم والغبن عن مناطق الفلان في شمال ووسط مالي،(11) وتضم مقاتلين سبق وأن انخرطوا في تنظيم أنصار الدين من قبائل الفلان في المنطقة الغربية، وآخرين كنوا يقاتلون في صفوف جماعة التوحيد والجهاد من قبائل الفلان في المنطقة الشرقية، ويتهم مقاتلو قبائل "الفلان" قبائل "البمبارا" المسيطرة على الحكم في جنوب البلاد باضطهادهم وغمطهم حقوقهم، والتنكيل بهم.

وتتبنى الحركتان (أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا) المدرسة السلفية الجهادية في نهجهما، وتتعاونان مع الحركات الجهادية الأخرى، ضد الحكومة المالية والقوات الفرنسية، وإن كانت مطالبهما محلية بخلاف مطالب وأهداف الحركات الجهادية الأخرى في المنطقة مثل القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وجماعة المرابطون، إلا أن استمرا تعاونهما مع المتمسكين بخيار القاعدة يبقى الاحتمال الأكبر بسبب استعداد أنصار القاعدة للتنسيق مع غيرهم، في حين لا يقبل أنصار الدولة الإسلامية أي نشاط جهادي في مناطق وجودهم لا يتبع لهم ويقاتل تحت رايتهم.
_______________________________________
محمد محمود أبو المعالي - كاتب موريتاني مختص في الجماعات الإسلامية

مراجع
1 ـ موقع سي أن أن بالعربي ـ داعش تعلن تأسيس دولة الخلافة وتسميها "الدولة الإسلامية" ـ تاريخ النشر 29 يونيو/ حزيران 2014 ـ تاريخ الدخول 22 يونيو/ حزيران 2015
http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/06/29/urgent-isis-declares-caliphate
 2 ـ مروان شحادة، أبو قتادة: "داعش" كلاب أهل النار ـ موقع شبكة إرم الإخبارية ـ تاريخ الدخول 20 يونيو حزيران 2015 ـ اريخ النشر 23 يناير/كانون الثاني 2015
http://www.eremnews.com/who-we-are
3 ـ موقع سي أن أن بالعربي ـ "داعش تهاجم الظواهري وتنفي أنها فرع للقاعدة" ـ تاريخ الدخول 22 يونيو حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 10 يناير كانون الثاني 2015
http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/05/12/isis-zawahiri-egypt-army-sisi-morsi
4 ـ اندرو انجيل "توسع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا" ـ معهد واشنطن ـ تاريخ الدخول 22 يونيو حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 11 فبراير شباط 2015
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-islamic-states-expansion-in-libya
 5 ـ موقع الجزيرة مباشر "تنظيم الدولة يتبنى هجوم باردو بتونس" تاريخ الدخول 21 يونيو حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 20 مارس/ آذار 2015
http://mubasher.aljazeera.net/news/2015/03/201532010645543775.htm
6 ـ لامين شيخي ـ وكالة رويتيرز "جماعة تنشق عن القاعدة في بلاد المغرب وتبايع زعيم تنظيم الدولة الإسلامية" ـ تاريخ الدخول 21 يونيو/حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 14 سبتمبر/أيلويو 2014
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0H90O920140914
7 ـ "وثائق أوبت أباد" التي عثر عليها مع أسامة بن لادن عند مقتله
توجد بحوزة الكاتب بعض الوثائق المسربة التي عثر عليها مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عند مقتله يوم 2 مايو/أيار 2015 في مدينة بوت أباد بباكستان
8 ـ موقع البوابة: "المرابطون يبايعون أبوبكر البغدادي.. ويتعهدون باقتحام إفريقيا" ـ تاريخ الدخول 21 يونيو/ حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 14 مايو/أيار2015
http://www.albawabhnews.com/1290867
9 ـ أ ف ب، القدس العربي: "الجهادي الجزائري بلمختار ينفى بيعة جماعته لتنظيم الدولة" تاريخ الدخول 21 يونيو/حزيران 2015 ـ تاريخ النشر 16 مايو/أيار2015
http://www.alquds.co.uk/?p=342445
10ـ رندة أبو شقرة ـ فرانس24 : "جماعة "أنصار الدين" تطالب بحكم ذاتي وبتطبيق الشريعة الإسلامية في شمال مالي" تاريخ الدخول 21 يونيو/حزيران2015 ـ تاريخ النشر 9 يناير/كانون الثاني 2013 .
http://www.france24.com/ar/20130104-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A
11 ـ موقع الحدث الأزوادي: "الفلان يعلنون عن إنشاء “جبهة تحرير ماسينا “ـ تاريخ الدخول 21يناير/كانون الثاني 2015، تاريخ النشر 16 يناير/كانون الثاني2015
http://h-azawad.com/ar/?p=21689

ABOUT THE AUTHOR