بعد الحسكة: ديناميات المشهد الكُردي في سوريا

تُؤشر المواجهات بين القوات الكردية والنظام في سوريا إلى دخولهما مرحلة صراع قد تكون طويلة، أملتها المخاوف التي أثارها توسع الأكراد، وتحالفهم المتنامي مع أمريكا.
29 August 2016
e19209275a2e4166a9dfee9444ac2ff9_18.jpg
توسع الأكراد وحَّدَ خصومهم
لقد باتت قوات سوريا الديمقراطية التي تُشكِّل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري على وشك السيطرة شبه الكاملة على الشمال السوري؛ مما أثار مخاوف النظام السوري الذي ترجم ذلك بتوجيه ضربات جوية موجعة لقوات سوريا الديمقراطية في أهم المدن الاستراتيجية (مدينة الحسكة) كرسالة مفادها أنه لن يسمح لها بتسلُّم الشمال السوري، ومن جهة أخرى لتوجيه رسالة بادرة حُسن النية تجاه تركيا بعد التفاهمات التي تمت بين كلٍّ من (إيران، وتركيا، وروسيا) تجاه الأزمة السورية مفادها أنها تستطيع أن تضع حدًّا لهذه القوات متى أرادت مقابل أن تقوم تركيا بإيقاف دعمها للمعارضة السورية.
وعلى الجانب الآخر فقد تطور مشهد وحدات حماية الشعب من حالة تقاسم السلطة مع النظام السوري في بعض المدن (الحسكة والقامشلي) إلى حالة الرغبة في السيطرة الكاملة؛ وذلك استنادًا إلى عدد من عوامل قوة وحدات حماية الشعب. إلا أنه إلى جانب عوامل القوة هناك عوامل ضعف أيضًا وهذا ما سنناقشه في هذه الورقة البحثية إضافة إلى السيناريوهات المستقبلية.

مُقدِّمة

شهدت الأيام الحالية في سوريا ثاني أكبر معركة كُبرى بين وحدات حماية الشعب والأسايش التابعة للإدارة الذاتية وقوات النظام السوري؛ حيثُ خاض الطرفان، في شهر إبريل/نيسان الماضي من عام 2016، معارك ضارية على مدى عدة أيام في مدينة القامشلي. والآن فقد اتسعت دائرة المعارك بين قوات النظام السوري وميليشياته وبين وحدات حماية الشعب في مدينة الحسكة لتصل إلى المربع الأمني الخاضع لسيطرة النظام السوري.

وتجدر الإشارة إلى أن نفوذ القوات الكُردية (قوات حماية الشعب "YPG"، وقوات الأمن الداخلية "الأسايش") تتركز في شمال وشمال شرقي سوريا فهم يسيطرون على مدن عفرين، وتل رفعت، ومنبج، وعين العرب (كوباني) في محافظة حلب. كذلك تمتد سيطرتهم إلى مدن شمالي محافظة الرقة المحاذية للحدود التركية، وعلى كامل محافظة الحسكة ما عدا مراكز كلٍّ من مدينتي القامشلي والحسكة. وتسيطر حاليًا وحدات حماية الشعب على أكثر من ثلثي مساحة مدينة الحسكة فيما تسيطر قوات النظام على الجزء الباقي من المدينة، والسيطرة الآن في حالة مدٍّ وجزر بين الطرفين.

ويأتي هذا التصعيد الخطير في مدينة الحسكة بعد تحقيق قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على مدينة منبج التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، تلك المدينة الاستراتيجية التي تُعتبر مركزًا حيويًّا يربط بين كُلٍّ من حلب وعنتاب والرقة ومحافظة الحسكة. وردًّا على هذا الانتصار الذي امتعض منه كُلٌّ من النظاميْن السوري والتركي، أقدم النظام على قصف معاقل وحدات حماية الشعب والأسايش في مدينة الحسكة بأسلحته الثقيلة من دبابات ومدفعية وبتنفيذ ضربات جوية ترتب عليها سقوط العديد من القتلى المدنيين، ومن جانبها رحَّبت تركيا بهذا القصف لأنها تعتبر وحدات حماية الشعب تنظيمات إرهابية وتُشكِّل فرعًا لحزب العمال الكُردستاني (PKK) في سوريا.

موقف كُرد سوريا في معادلة الصراع مع النظام السوري

هنا لابد لنا من أن نوضح في البداية أن الشارع الكُردي منقسم على نفسه وهو في حالة صراع حزبوي (كُردي-كُردي)؛ فهُناك الموقف الخاص بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي تتبعه وحدات حماية الشعب المقاتلة، وهُناك موقف المجلس الوطني الكُردي الذي ينضوي تحت جناح ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية.

فبالنسبة لموقف حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) من النظام السوري فقد صرَّح مرارًا بأنه قد انتهج سياسة الخط الثالث (لا مع النظام السوري ولا مع المعارضة السورية) وارتبط بمحور قنديل الذي يُدار من قِبل حزب العمال الكُردستاني (PKK) . وبمرور الوقت أصبح لهذا الحزب قوة عسكرية (قوات حماية الشعب "YPG"، وقوات الأمن الداخلية "الأسايش") استطاع من خلالهما، وبدعم من قوات التحالف الدولي، انتزاع مناطق جغرافية عدَّة من تنظيم الدولة ليصبح قوة عسكرية متنامية بتشكيله قوات سوريا الديمقراطية التي أصبحت في موقف يمكِّنها من التمدد إلى مناطق سيطرة النظام السوري، خاصة أن الدعم الأميركي لها أصبح بدون نظير بفضل الدعم المباشر في المطار المدشَّن بالقرب من مدينة الرميلان شمال شرق سوريا، من خلال الطلعات الجوية ومن خلال إمدادهم بالعدة والعتاد العسكري.

وبخصوص الصراع في مدينة الحسكة، فقد قالت وحدات حماية الشعب -في بيان صدر بتاريخ 19 أغسطس/آب 2016- إنها لن تصمت على هجمات الحكومة السورية التي قالت: إنها اعتداء سافر يخدم تنظيم الدولة. وأضافت: "التصعيد العسكري الأخير جاء على خلفية عدم تمكن النظام من إيقاف تقدم وحدات حماية الشعب في المناطق الخاضعة لسيطرته"، وأضافت: "كل يد ملطخة بدماء شعبنا ستحاسَب بكل الوسائل المتاحة والممكنة" (1).

وبالنسبة لموقف المجلس الوطني الكُردي من النظام السوري فهو ماضٍ في المطالبة والعمل على إسقاط النظام السوري وإدخال بشمركة روج آفا إلى سوريا (المتواجدين في إقليم كُردستان العراق) لدحر تواجد النظام في المُدن الكُردية، ويطالب بسورية ديمقراطية، علمانية، ونظام لا مركزي سياسيًّا تُراعى فيه حقوق كافة المكونات، والاهتمام بالبنية الاقتصادية والاجتماعية. فقد توجه المجلس الوطني الكُردي نحو المعارضة وشارك في كافة مؤتمراتها التمهيدية ودخل في حوار مع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة وتكلَّل الحوار بانضمام المجلس الكُردي إلى الائتلاف ولا يزال عضوًا فعَّالًا فيه، مسهِمًا إلى جانب حلفائه من كافة مكونات المجتمع السوري في رسم سياسة الائتلاف.

بعد خروج الثورة عن مسارها السلمي، والتحول تدريجيًّا نحو العسكرة وبدفع متعمد من النظام، حاول الكُرد من جانبهم أيضًا تشكيل فصائل عسكرية من الشباب والجنود والضباط المنشقين رغم قلَّتهم في الجيش، إلا أن قادة الجيش الحر آنذاك أداروا لهم الظهر، ولم يكترثوا لوجودهم، ولم يقدموا لهم الدعم المطلوب لهذا بقي المجلس الوطني الكُردي مفتقرًا إلى الذراع العسكرية حتى اليوم مكتفيًا بالعمل السياسي ضمن إطار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة (2).

الجزيرة 

 

الأسباب المباشرة لاندلاع الصراع في مدينة الحسكة بين قوات النظام ووحدات حماية الشعب

يُمكن أن نلخص الأسباب المباشرة لاندلاع الصراع بين قوات النظام السوري ووحدات حماية الشعب والأسايش بما يلي: 

1- تخوُّف النظام من ابتعاد حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) عن تحالفه والتناغم أكثر فأكثر مع حليف جديد هو الولايات المتحدة الأميركية (خاصة بعد الانتصار العسكري في مدينة منبج)، وبالتالي قد يصل لمرحلة ينسف فيها الـ (PYD) التنسيق والتفاهم مع النظام، وعندها يخسر النظام الكثير من أوراق القوة، نظرًا لسيطرة قوات الحماية الشعبية على مساحة جغرافية واسعة. 

2- أن أي شكل من أشكال الحكم للكُرد في سوريا يُعتبر مؤشرًا للانفصال ليس في سوريا وحدها وإنما سيُطول كُلًّا من تركيا وإيران، بالتالي فالنظام السوري بقصفه لوحدات حماية الشعب يكون قد حقق غايتين، وهما: منع إقامة أي كيان كُردي على الأراضي السورية من جهة، ومن جهة أخرى تطمين تركيا كي تبادر برد الجميل من خلال قطع الدعم عن المعارضة السورية.

 

نقاط قوة الكُرد في سوريا

تتركز نقاط قوة الكُرد في سوريا في الأمور التالية:

1-دعم قوات التحالف لوحدات حماية الشعب (القوة الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية):

ترى الولايات المتحدة الأميركية (التي تشكِّل الجزء الأعظم من قوات التحالف) أن إسقاط رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لم يعد أساسًا للحل بالنسبة لواشنطن، فهي تكتفي بتسوية سلمية تجمع النظام والمعارضة في إطار معين برعاية أميركية-روسية، أما الأولوية فهي لمحاربة تنظيم الدولة. وبالنسبة لواشنطن لا يوجد على الأرض من يمكن الوثوق به لتنفيذ هذه المهمة سوى وحدات حماية الشعب (3). إذ توصف وحدات حماية الشعب بأنها الذراع البرية لقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة.

وضمن هذه الاستراتيجة قامت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بالتغطية الجوية لقوات سوريا الديمقراطية، التي استطاعت بفضل ذلك استرجاع الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة (كوباني وريفها، وتل أبيض وريفها، والشدادي وريفها، ومنبج وريفها حاليًّا).

تجدر الإشارة، بخصوص التصعيد الأخير بين قوات النظام السوري ووحدات حماية الشعب والأسايش في مدينة الحسكة، إلى أن نحو خمسين عنصرًا أميركيًّا بين مستشار ومقاتل وصلوا قبل أيام لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكِّل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري- بريف الحسكة (4). وقد أعلن البنتاغون، بتاريخ 20 أغسطس/آب 2016، أن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة أرسلت مقاتلات لحماية قوات سوريا الديمقراطية العاملة مع مستشارين أميركيين في سوريا بينما كانت تستهدفهم طائرات نظام بشار الأسد. فقد قال المتحدث الكابتن جيف ديفيس: "تم ذلك كإجراء لحماية قوات التحالف" مشيرًا إلى غارات جوية استهدفت، بتاريخ 19 أغسطس/آب 2016، قوات التحالف في محيط مدينة الحسكة". وأضاف: "أعلنَّاها بوضوح أن الطائرات الأميركية ستُدافع عن القوات على الأرض إذا تعرضت لتهديد" (5).

وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 300 عنصر من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي في سوريا، تقدِّم مشورات وتدريب لقوات مكونة من العرب والكُرد "قوات سوريا الديمقراطية" (6).

2- تمتع الإدارة الذاتية بالموارد المالية الضخمة في المناطق التي تحكمها (عائدات النفط والغاز والكهرباء):

تمتلك الإدارة الذاتية موارد مالية ضخمة؛ إذ تسيطر الإدارة الذاتية على كامل حقول الرميلان وعلى مصفاة الرميلان، وعلى حقول كراتشوك وحمزة وعليان ومعشوق وليلاك، ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة للحقل 1322 بئرًا، وهناك 25 بئرًا للغاز المسال في حقل السويدية بالقرب من حقل الرميلان النفطي؛ حيث تقوم الإدارة الذاتية بإنتاج النفط وتكريره وتوزيعه.

وبذلك تستطيع الإدارة الذاتية أن تموِّل وحدات حماية الشعب في عملياته العسكرية، بالإضافة إلى دفع رواتب مقاتليها وتأمين استمرارية انضمام المزيد من الشباب إلى جانبهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها عُموم سوريا.

3- ضعف قدرات قوات النظام السوري عن القتال في عدة جبهات:

منذُ أكثر من خمس سنوات يخوض جيش النظام السوري أعتى المعارك في الكثير من الجبهات وضد الكثير من القوى العسكرية (قوى المعارضة، تنظيم الدولة، تنظيم جبهة النصرة، وحدات حماية الشعب)؛ مما ترتب عليه أعباء اقتصادية ومالية وبشرية كبيرة جدًّا بالرغم من الدعم العسكري الإيراني بميليشياته، والدعم الروسي البري والجوي، ودعم حزب الله اللبناني. وهذا الضعف الناجم عن فتح عدة جبهات يعتبر ميزة قوة بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية التي تعي تمامًا أن الجبهة المفتوحة عليها من قبل النظام السوري أقل خطرًا مما ستكون عليه في حال عدم وجود القوى المقاتلة الأخرى. بالتالي، فإن إمكانية دحر النظام من مدينة الحسكة وريفها ستكون أقل كلفة على وحدات حماية الشعب، وبخاصة أن المنطقة تتمتع ببُعد جغرافي عن العاصمة دمشق.

4-تحرير مدينة مبنج من تنظيم الدولة الإسلامية:

لا شك أن عملية تحرير منبج وضمها إلى مجموع المناطق التي يتم حمايتها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي إدارتها من قِبل سلطة الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد (PYD)، شكَّلت منعطفًا في مسار المتغيرات السياسية والعسكرية على الساحة السورية، لدرجة أن بعض القيادات الكُردية يراهن على أنها ستعزز من مواقع ومنجزات الكُرد، وستكون منبج ورقة تفاوضية قوية بيد مجلس سوريا الديمقراطي مستقبلًا (7).

 

نقاط ضعف الكُرد

تتركز نقاط ضعف الكُرد في سوريا في الأمور التالية:

1- الرفض المحلي والإقليمي لأية فيدرالية أو حكم ذاتي للكُرد في سوريا:

هناك إجماع مشترك بين الأنظمة الأربعة (سوريا، وتركيا، والعراق، وإيران) على أنهم سيكونون ضد أي شكل من أشكال الحكم التي يمكن أن يحصل عليها الكُرد في سوريا كي لا يُثار نفس الشعور لدى الكُرد الذين يقطنون في دولهم. بالتالي، فهناك تخوف دائم لدى تلك الأنظمة وشكوك بأن الكُرد في سوريا هم بصدد الإعلان المستقبلي عن كيان مُنفصل عن الجسد السوري، وهذا ما لا يقبلونه. وبناء على ذلك، فقد ارتفعت وتيرة تصنيف التنظيمات الكُردية في كلٍّ من إيران وتركيا وسوريا كمصدر لتهديد الأمن القومي التركي والإيراني، خاصة بعد التوافق من جديد على أن أمن إيران جزء من أمن تركيا.

فقد سارعت إيران لطلب عقد لقاء ثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران ستكون مواضيعه وحدة الأراضي السورية واستقلال الإقليم الكُردي المُزعج والمرفوض من قِبل إيران، وتجاوز الكُرد لخط نهر الفرات ومصير الأسد كقضايا تهم تركيا (8). وبالمقابل، فإن الكُرد لا يكفُّون عن إطلاق رسائل الطمأنة للسوريين بمكوناتهم الأخرى، ودول الجوار العربي والإقليمي والمجتمع الدولي، يؤكدن من خلالها مرارًا وتكرارًا أنهم جزء من سوريا، ولا ينوون الانفصال عنها (9).

2- الخلافات الكُردية- الكُردية في سوريا: 

لا يخفى على أحد أن الخلافات الكُردية-الكُردية في سوريا هي أحد عوامل الضعف الذي أثَّر سلبًا على الوضع القائم، فحركة المجتمع الديمقراطي التي يترأسها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) على خلاف شديد جدًّا مع أحزاب المجلس الوطني الكُردي، وهذا الأخير لا يملك حتى الآن أية سيطرة فعلية على الشمال السوري بينما يمتلك قاعدة شعبية قوية بين الأكراد الذين هم على خلاف مع رؤية وشكل الحكم الذي يمارسه حركة المجتمع الديمقراطي عليهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد عمَّ الاستياء غالبية مدن محافظة الحسكة السورية التي تدير شؤونها "الإدارة الذاتية" التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) ، وذلك بسبب ممارسات الحزب، واعتقال قواته عددًا من القيادات الكُردية التابعة للمجلس الكُردي. وخلال الأيام الماضية شهدت غالبية المدن الكُردية اضطرابات ومظاهرات احتجاجية، خرجت إحداها 16 أغسطس/آب 2016 تندد باعتقال خمسة قياديين من الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري وقياديين من حزب يكيتي الكردي في سوريا، أثناء مشاركتهم في تشييع أحد القتلى الكُرد، واقتيادهم إلى جهة مجهولة (10).

3- ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بحزب العمال الكردستاني (PKK):

يُعتبر الارتباط العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (الذي شكَّل الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا) بحزب العمال الكُردستاني نقطة ضعف بسبب تصنيف الأخير ضمن المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب، كما أن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يستطيع الانفكاك عن هذا الحزب وهذا ما يُضعف موقفه في الأجندات والحسابات الدولية.

4- العلاقات المتوترة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمعارضة السورية:

حزب الاتحاد الديمقراطي يقف موقفًا معاديًا للأغلبية الواسعة من المعارضة السورية المنظمة، ويتهم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بأنه تابع لتركيا، وبأنه يلعب دور المعادي للإدارة الذاتية الديمقراطية، ولا ترحب دول عربية مهمة بانتزاعه للأراضي التي كانت تخضع لتنظيم الدولة أو لنظام الأسد، فاستبعدته لاحقًا من المشاركة في مؤتمر الرياض الذي عُقد بتاريخ 8-10 ديسمبر/كانون الأول 2015 وفق مخرجات اجتماع فيينا 2.

وقد أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي، في 7 يناير/كانون الثاني 2016، عن تجميد عضويته في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي ومن كافة مكاتبه وفروعه متهمًا الهيئة بالتعامل مع جهات تتعارض مع رؤاه ومبادئه وسياساته؛ وكذلك عدم تفاعلها الإيجابي مع وثيقة التفاهم التي وقَّعها وفد الهيئة مع قوى الإدارة الذاتية والتوقيع مع الائتلاف في بروكسل في أغسطس/آب 2015 دون موافقة غالبية أعضاء المكتب التنفيذي، وتمرير أعضاء من المكتب التنفيذي مسألة إدراج وحدات حماية الشعب في قائمة الإرهاب (11).

 

السيناريوهات المستقبلية

هناك سيناريوهان متوقَّعان فيما يتعلق بنفوذ كُل من وحدات حماية الشعب وقوات النظام السوري في مدينة الحسكة، وهما:

السيناريو الأول: احتفاظ النظام السوري بوجود رمزي في مدينة الحسكة (منطقة المربع الأمني، وفرع الهجرة والجوازات، ودائرة الأحوال المدنية، والمصرف المركزي، وبعض المؤسسات الخدمية) تحت الضغط الذي تعرض له خلال الأيام الأخيرة من قبل قوات التحالف الدولي ووحدات حماية الشعب عبر وساطة روسية، وتسليم النظام باقي الإدارة بأسلوب غير مباشر إلى وحدات حماية الشعب والأسايش وذلك ضمن ترتيبات أميركية-روسية، وذلك ليقنع مؤيدي النظام أيضًا بأنه لم يكن بإمكانه المحافظة على مدينة الحسكة، وبإرسال رسالة إلى القيادة التركية مغزاها أنها إذا استمرت في دعم المعارضة السورية ولم تتعاطَ بإيجابية مع النظام السوري في إيجاد حل للأزمة السورية، فإن وحدات حماية الشعب ستسيطر على كامل الشريط الشمالي والشمالي الشرقي السوري بعد سيطرتها على مدينة منبج وستربط عفرين بكلٍّ من كوباني والجزيرة، وبالتالي سيتحقق مشروع فيدرالية الشمال التي يطرحها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).

تواجه حسابات حزب الاتحاد الديمقراطي تعقيدات جديدة بعد دخول القوات التركية مع الجيش الحر إلى مدينة جرابلس، ومطالبة أميركا له بأن ينسحب من غرب الفرات.

السيناريو الثاني: تجدد المعارك بين وحدات حماية الشعب والأسايش والنظام السوري بعد هدنة قصيرة وانتقالها إلى مدينة القامشلي، وهنا سيكون واجبًا دخول قوات بشمركة روج آفا (القوات الكُردية التابعة للمجلس الكردي في إقليم كردستان العراق) تحت راية واحدة وبضغط أميركي للدفاع عن مكونات المنطقة من العرب والسريان والكلدآشوريين والتركمان، وسيضطر عندها النظام لترك المنطقة ليتفرغ لحماية مناطق استراتيجية له في دمشق والساحل السوري (12).

ABOUT THE AUTHOR

References
1- ناشطون، "تنظيم الدولة يقتل ثلاثين من قوات سوريا الديمقراطية"، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
2 - عليكو، فؤاد، "الكرد والثورة السورية"، السورية نت، 3 فبراير/شباط 2015، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
3- الزهراء عامر، "دعم أميركي للأكراد في سوريا.. هل تركيا صديق أم خصم لواشنطن؟"، جريدة شؤون خليجية، صحيفة إلكترونية يومية، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
4- "تواصل غارات النظام على الحسكة"، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
5- طائرات أميركية لحماية القوات الكردية قرب الحسكة، قناة العربية، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
6- "مسؤول أميركي لـ CNN: قصف الحسكة "غير عادي" وقريب من عناصرنا" موقع سي إن إن، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
7- علي، آزاد أحمد، "هل ستفتح منبج الطريق إلى أربيل أم دمشق"، 14 أغسطس/ آب 2016، دراسات، روداو نت، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
8- إبراهيم، شفان، "بعد التقاربات الأخيرة... هل سيكون الأكراد هم الضحية"، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
9- الرنتاوي، عريب، "أكراد سوريا... مفارقة التاريخ وسخرية القدر"، جريدة الدستور، العدد رقم 50، 21 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
10- إبراهيم، شفان، "أكراد الحسكة يشكون استبداد "الإدارة الذاتية""، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
11- ثلاثة أحزاب تجمِّد عضويتها في هيئة التنسيق، بيان صادر عن حزب الاتحاد الديمقراطي، ميللت برس (7 يناير/كانون الثاني 2016)

12- تجدر الإشارة إلى أن بشمركة روج آفا تُقاتل ضد تنظيم الدولة في إقليم كُردستان العراق وبدعم من قوات التحالف، وهم من كُرد سوريا كانوا ضمن صفوف جيش النظام السوري وانشقوا في بداية الثورة السورية ولجؤوا إلى الإقليم، كما تتكون من متطوعين كُرد من سوريا أيضًا وقوامها يقارب 5000 مقاتل كُردي.