إيران وروسيا: متطلبات الشراكة وشروط التحالف

تناقش هذه الورقة آفاق التعاون والتنسيق بين الإيرانيين والروس في عدد من الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري، وتبحث دلالات سماح إيران للطائرات الروسية باستخدام قاعدة "نوژه" في همدان، وما إذا كان ذلك يؤشر على حدوث تغيير في شكل العلاقات بين البلدين.
29 August 2016
84a36b1d9cef43efb11bd9f666b70226_18.jpg
إيران وروسيا: متطلبات الشراكة وشروط التحالف [Al Jazeera]
تبحث هذه الورقة في تصاعد وتيرة التعاون والتنسيق بين الإيرانيين والروس في عدد من الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري، خاصة مع التطور ذي الدلالات الكثيرة والذي تمثَّل بسماح إيران للطائرات الروسية باستخدام قاعدة "نوژه" في همدان، وترى أن ذلك يكشف عن حدوث تغيير في شكل العلاقات بين البلدين، بعد أن كانت تتبع نمطًا تقليديًّا يقوم على النفوذ والاحتواء.
هذه الورقة هي عبارة عن تحديث لورقة سبق لمركز الجزيرة للدراسات أن نشرها تحت عنوان: إيران وروسيا: شراكة أم تحالف استراتيجي؟، وتحاول أن تجيب على ما إذا كان هذا التغيير يسير في طريق بناء حلف استراتيجي، أم أنه سيقف عند حدود الشراكة، وربما لن يغادر حدود التكتيك.
وتخلص الورقة إلى أن إيران اليوم قد تعني شريكًا استراتيجيًّا لروسيا، لكن، وعلى الرغم من التعاون الإيراني-الروسي وما قدَّمه الإيرانيون في قاعدة همدان، فإن الحديث عن حلف استراتيجي بالمعنى السياسي يصطدم بمعوقات جيوسياسية، ويحول دونه عقبات كثيرة في الاقتصاد والسياسة، فضلًا عن الإرث التاريخي وحالة طويلة من انعدام الثقة.
وأيًّا يكن من شأن هذه الشراكة فإن حدوثها في هذا المقطع الزمني يعني أن شكل ومستقبل المنطقة لن يكون بعيدًا عن مقتضياتها وما ستفرزه من نتائج، وهي النتائج التي سنشهدها بوضوح في الساحة السورية سواء استمر الصراع أو جرى ترتيب حل سياسي.

 

مقدمة 

سرَّعت الحالة السورية من وتيرة العلاقات الإيرانية-الروسية، بصورة لم تشهدها من قبل، وهو ما يجعل الحديث عن توصيف جديد لطبيعتها وشكلها وجيهًا وصائبًا. وإذا ما جاء التنسيق والتعاون في عدد من الملفات وفي مقدمتها الملف السوري، بالنتائج المرجوة لكلا الجانبين، فذلك يعني أن العلاقات بدأت تأخذ مسارًا مختلفًا قد يصل إلى مستويات استراتيجية عالية، تتجاوز الفكرة السائدة بأن العلاقات بين إيران وروسيا منذ المعارك التي درات في عهد القاجاريين (1813 و1828) حتى اليوم تتبع النمط التقليدي. ويقوم هذا النمط على أساس توسعة النفوذ في الغرب والجنوب من قِبل الروس، واحتواء الغرب من قِبل الإيرانيين. ووفقًا لهذا التحول ستدفع الرغبة في توسعة النفوذ والحاجة لاحتواء ولجم الأعداء والمنافسين، صناَّع القرار ليعقدوا العزم، وينتقلوا بهذه العلاقات إلى مرحلة جديدة، وهي النية التي لم تتوفر لدى أيٍّ من الطرفين على مدى تاريخ العلاقات الإيرانية-الروسية الطويل.

تبحث هذه الورقة إمكانية انتقال العلاقات الإيرانية-الروسية إلى مستويات استراتيجية جديدة بعد أن سمحت إيران للطائرات الروسية باستخدام قاعدة همدان، بالتركيز على التطورات في سوريا، مع محاولة الإجابة على ما إذا كانت حالة التعاون والتنسيق ستتسع لتطول ملفات أخرى، أم أنها ستقتصر على الملف السوري.

 

سيتم تجاوز الصدام وانعدام الثقة

شهدت العلاقات الإيرانية-الروسية بعض اللحظات التاريخية الفارقة، منها على سبيل المثال، 1962-1979، تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وكذلك بعد نهاية الحرب العراقية-الإيرانية؛ إذ تحسنت العلاقات لتأخذ شكل سلام بارد، كما يصفها الباحث الإيراني المتخصص في هذا المجال، إبراهيم متقي، في كثير من كتاباته. ومع أهمية التغيير الذي شهدته هذه المراحل إلا أن العلاقات لم تتطور لتصبح عميقة واستراتيجية. وفي معظم المراحل التاريخية تشاركت الدولتان في حالة من التردد والتوجس بشأن علاقتهما، ورغم قِدم هذه العلاقات، كثيرًا ما كشف السلوك السياسي لدى الجانبين عن وجود التوتر وعدم الثقة، ويرجع ذلك إلى عوامل كثيرة، أهمها: الوضع الجيوسياسي الذي يحكم علاقة البلدين.

منذ عام 2000، تشکَّل الأساس لصعود بوتين إلى السلطة في روسيا. وكانت سياسة بوتين تقول بتنظيم العلاقات بين إيران وروسيا على أساس الاحتياجات الأمنية لكلا البلدين. كان بوتين مدركًا، أن خلق توازن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، سيُوجِد الكثير من المنافع لإيران والمنطقة. كانت مقاربة بوتين للعلاقة مع إيران في تلك الفترة مقاربة أمنية. وبناء عليه، فإن أي نشاط لروسيا في مجال الأمن سيخلق تأثيرات وعواقب على صعيد العلاقات مع إيران. أوجدت سياسة بوتين حالة من التقارب مع إيران، ودعم هذا التقارب مجموعة من العوامل الجيوسياسية، أهمها: المصالح المشتركة والتنافس الإقليمي.

جاء مستوى العلاقات بين إيران وروسيا في السنوات التي أعقبت العام 2000 استنادًا إلى استراتيجية الحرب الوقائية لمكافحة الإرهاب التي أطلقتها واشنطن(1)، وتشاركت إيران وروسيا الترحيب بسقوط نظام طالبان، وتراجع تأثير الجماعات الأصولية في آسيا الوسطى، ونظرتا إليه كتطور إيجابي بالنسبة للأمن القومي الروسي والإيراني.

وإذا كان من المنطقي أن تندفع طهران نحو تعزيز علاقاتها بموسكو كلما ازداد العداء بينها وبين واشنطن، ولاسيما بعد أزمة البرنامج النووي التي بدأت عام 2002، وتشديد العقوبات الغربية مع الوقت على إيران، إلا أن روسيا وبسبب ظروفها الداخلية، ترددت طويلًا قبل تطوير علاقات الشراكة مع طهران.

رافق الصعودُ والهبوط العلاقات الإيرانية-الروسية في العقد الأخير من القرن العشرين، وجاء التبدل وعدم الاستقرار لأسباب مختلفة داخلية وخارجية؛ لكن وفي ذات الوقت تم تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتوقيع إيران عقود شراء الأسلحة الروسية، وقد لعبت الأزمات الاقتصادية الروسية آنذاك دورًا مهمًّا في تشجيع الشركات والمجمعات الصناعية والعسكرية الروسية على التوجه نحو السوق الإيرانية، لكن الضغوط الأميركية والعقوبات التي فُرضت على الشركات الروسية أدَّت في النهاية إلى تراجع موسكو عن تنفيذ عقودها العسكرية والتكنولوجيَّة مع إيران وهو ما عزَّز من حالة غياب الثقة، وذلك بعد توقيع مذكرة غور-تشيرنوميردين عام 1995، كما أوقفت موسكو عقدًا لتزويد إيران بمفاعل أبحاث عام 1998(2).

مع الرئاسة الثالثة لبوتين تصاعدت المساعي الروسية لاستعادة دور القوة الدولية العظمى والعودة لرُوح التنافس مع الولايات المتحدة، وترك ذلك بصمة واضحة على الوضع الإقليمي؛ إذ سعت روسيا إلى تعزيز مكانتها في آسيا الوسطى والعودة إلى الشرق الأوسط؛ لتعيد قراءة ووزن دور إيران من الناحية الجيوسياسية، وما يمكن أن يتركه هذا الوزن من حضور وتأثير في منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. ولعل المخاوف الروسية، والتي تلتقي في الكثير من جوانبها مع المخاوف الإيرانية، رغم التنافس، قادت لتطوير العلاقات، ومن ذلك تشكيل تكتل معارض لسياسة للولايات المتحدة يضم الصين وإيران والهند والبرازيل، لإعادة خلق نوع من التوازن في العلاقات الدولية لإنهاء سياسة القطب الواحد الأميركية(3).


التجارة: الاقتصاد والتسلح

تحدَّث بعض التكهنات عن أنَّ إيران بعد الاتفاق النووي، يمكن أن تقايض الصداقة مع موسكو، مقابل معاملة تفضيلية من واشنطن؛ وهو ما سنشهد تجلياته في ملفات الشرق الأوسط(4). لكن هذه التكهنات سريعًا ما ناقضتها حالة من التنسيق والتعاون الروسي-الإيراني شهدته ملفات عدَّة في مقدمتها الملف السوري.

اتسمت مقاربة روسيا للملف النووي الإيراني، بالخصائص التالية:

ليس من مصلحة روسيا امتلاك إيران أسلحة نووية أو قدرات تطوير سلاح نووي، والاتفاق النووي من شأنه أن يعزِّز من الأمن الروسي.

عارضت روسيا بشكل قاطع استخدام القوة في حلِّ المشكلة النووية الإيرانية(5)، سواء من خلال الضربات الصاروخية أو الجوية أو التخريب والهجمات على مواقع الإنترنت، أو أية وسيلة أخرى.

• لا تؤيد روسيا فرض عقوبات أحادية أو متعددة الأطراف ضد إيران، وتطالب برفعها(6).

ورغم التردد؛ إذ أدَّت الضغوط الأميركية وقتها إلى حصر هذا التعاون في إطار استكمال مفاعل بوشهر، الذي أخَّرت موسكو تسليمه أكثر من مرة، إلا أن روسيا لعبت دورًا كبيرًا في برنامج إيران النووي جاء أساسًا من كون امتلاك موسكو لتكنولوجيا الطاقة النووية وبناء المفاعلات هو أحد أهم مقومات الاقتصاد الروسي(7).

ومنذ تفعيل أزمة البرنامج النووي الإيراني، عام 2002، سعت روسيا لتعزيز دورها كوسيط يساعد على حلِّ هذه الأزمة بالطرق السلمية، وبعد التهديدات الأميركية والإسرائيلية عام 2005 بشنِّ هجوم عسكري على إيران، تقدمت موسكو باقتراح لتخصيب اليورانيوم الإيراني على الأراضي الروسية، رفضته طهران.

لم يَرُق الرفض الإيراني لروسيا، فدعمت بعد ذلك عقوبات مجلس الأمن على إيران في الأعوام 2006، 2007، 2008، 2011؛ وهو ما أثَّر على علاقات البلدين وصولًا إلى تباطؤ موسكو في استكمال مراحل مفاعل بوشهر لأكثر من سبع سنوات، فضلًا عن رفض تزويد إيران بالوقود النووي، وتعطيلها إلى اليوم طلب انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي. وقد أضاف ذلك أسبابًا جديدة إلى قائمة المعوقات التي تحول دون بناء علاقات استراتيجية بين إيران وروسيا(8).

بعد مفاوضات طويلة وصعبة توصَّلت إيران إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي مع مجموعة 5+1، في يوليو/تموز 2015، وإذا اختار الغرب عدم الانخراط مع إيران في مشاريع اقتصادية بعد الاتفاق النووي، فستكون هذه فرصة كبيرة لروسيا التي ستستفيد من نفوذها السياسي والاقتصادي، في بناء مزيد من الشراكة مع إيران(9)، وبدأت ملامح هذه الشراكة بالظهور ولعل أبرزها تسليم روسيا إيرانَ المنظومة الدفاعية (إس 300) التي كانت تُحجِم عن تسليمها بفعل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وسيكون ذلك فاتحة للكثير من صفقات السلاح بمجرد رفع العقوبات خاصة مع حاجة إيران الكبيرة لأسلحة حديثة. 

تنوي روسيا بناء علاقات عسكرية طويلة المدى مع إيران، ووصل حجم المشتريات الإيرانية من السلاح الروسي في الفترة (1991-2015) إلى 304 مليارات دولار(10). وعلى صعيد التبادل التجاري، تقول التصريحات بنيَّة الجانبين زيادة حجم التبادل التجاري بينهما من 5 مليارات إلى 70 مليار دولار سنويًّا. وفي العام 2014 وقَّعت روسيا وإيران اتفاقًا لبناء مرحلة جديدة في مفاعل بوشهر، وسيستمر التعاون في مجال التقنية النووية بينهما(11).

وفي المجمل، فإنَّ الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية من الممكن أن تحققها روسيا نتيجة الاتفاق النووي، ولن يكون الاتفاق مانعًا أمام مزيد من التعاون الروسي-الإيراني في الشرق الأوسط، وكذلك الحال في منطقة القوقاز ووسط آسيا رغم التنافس الدولي في تلك المنطقة. وبدون تحول سياسي كبير في العلاقة بين الغرب وإيران، فإن العلاقات الروسية-الإيرانية ستكون الأقوى وسيحدث تنسيق روسي-إيراني كبير في عدد من ملفات الشرق الأوسط، خاصة وأن إيران تتحدث عن أن الكثير من العقبات التي كانت تعترض العلاقة قد جرى التخلص منها، وأن المرحلة الثانية من بناء مفاعل بوشهر من قِبَل الروس ستبدأ قريبًا بكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، فضلًا عن تأسيس بنك مشترك، ورغبة روسيا بمد خط جلفا للسكك الحديدية الكهربائية(12).


إيران وروسيا في سوريا

"التعاون والتنسيق" وصفان يناسبان العلاقة الإيرانية-الروسية في الساحة السورية، وعقب زيارة بوتين إلى طهران، في 2015، واجتماعه مع مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بدأت بعض التحليلات تغادر موقفها المتحفظ بشأن العلاقة مع روسيا لتبدأ الحديث عن علاقات استراتيجية(13). ومع ذلك، فإن وجهات النظر داخل إيران تجاه الدور الروسي في سوريا لا تبدو متطابقة في غالب الأحيان، تبعًا لما يقدمه كل فريق من إجابات على الأسئلة التالية (14)

- ما أهداف روسيا ودوافعها من التدخل العسكري في سوريا؟

- ما التأثيرات التي سيُحدثها هذا التدخل على المعادلات السياسية والأمنية إقليميًّا ودوليًّا؟

- ما التأثيرات التي سيتركها هذا التدخل على مصالح وأمن الجمهورية الإسلامية في المنطقة والعالم؟

تغصُّ الساحة السياسية الإيرانية بروايات مختلفة لتحليل دوافع روسيا في سوريا، يأخذ بعضها بُعدًا تآمريًّا، مدلِّلين على ذلك بتزايد أعداد القتلى من الحرس الثوري منذ التدخل الروسي، فيما يصنِّفها البعض بصورة منهجية إلى وجهات نظر متشائمة من هذا التدخل، وأخرى متفائلة به، وتبعًا لذلك تختلف زاوية النظر التي يجري من خلالها تحديد الأهداف والدوافع الروسية، ومن أهمها:

1) دعم شريكها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وهو حكومة الأسد في سوريا.

2) منع صعود قوة تُشكِّل حكومة حليفة للغرب في سوريا في حال سقوط الأسد.

3) مكافحة التيارات الجهادية؛ إذ ترى روسيا أن حضور هذه الجماعات في شمال القوقاز وآسيا الوسطى يشكِّل تهديدًا لها، وتقول: إن 5000-7000 مقاتل من هذه المناطق التحقوا بصفوف القاعدة وتنظيم الدولة في العراق وسوريا .وترى روسيا أن مواجهتهم بشكل جادٍّ في هاتين الساحتين، يقدِّم ضمانات للأمن القومي الروسي.

4) المحافظة على موقعها في ميناء طرطوس الاستراتيجي في سوريا، لاسيما في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط؛ وهو الطموح الروسي المطروح من أكثر من خمسين عامًا أثناء الحقبة السوفيتية، وتتصاعد أهميته اليوم أكثر من ذي قبل(15).

5) مقارعة الولايات المتحدة في "فنائها الخلفي"، وهو -من وجهة نظر موسكو- منطقة الشرق الأوسط، كما أن الأميركيين يزاحمونها في شرق أوروبا، إلى أوكرانيا، وصولًا إلى كييف ذات الأهمية الكبرى بالنسبة لموسكو، لأنها شكَّلت دائمًا جسرًا بين روسيا والغرب. ولذلك، فإن سيطرة الغرب على كييف مسألة حسَّاسة بالنسبة لروسيا التي سارعت إلى ضمِّ القرم في البحر الأسود كخطوة أولى ألحقتها بخطوة ثانية تمثَّلت في التدخل في سوريا.

6) سوريا هي بوابة الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا، وشكَّلت على الدوام سواء في فترة الاتحاد السوفيتي أو اليوم شريكًا استراتيجيًّا لموسكو(16).


متفائلون ومتشائمون

تترواح المواقف الإيرانية من التدخل الروسي في سوريا بين عنوانين، أحدهما يبني تحليله على اعتبار أن السياسية الروسية، سياسة هجومية ذات أهداف توسعية تصبُّ في مصلحة روسيا، والآخر يبني تحليله على اعتبارها سياسة دفاعية هدفها الأول محاربة الإرهاب ومنع وصوله إلى الأراضي الروسية.

تستند وجهة النظر المتشائمة حيال التدخل الروسي في تحديد الأهداف والدوافع الروسية على ثلاثة أمور، هي:

1- النهج القائم على أساس الجغرافيا والمصالح الجيوسياسية لروسيا، وتتجلَّى هذه المصالح في السعي للحفاظ على مكانتها في البحر الأبيض المتوسط حيث إنها طريق الوصول إلى الموانئ الروسية على البحر الأسود، ودخل ميناء طرطوس على معادلة الموقف في سوريا كميناء مؤثِّر في التزود بالوقود والصيانة والخدمات اللوجستية وأيضًا، للحفاظ على القاعدة الجوية في اللاذقية. 

2- تعزيز المكانة العالمية لروسيا، وهذا النهج يتركز على قناعة بأن روسيا تريد تعزيز موقعها العالمي، لتحقيق التوازن في القوة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية؛ مما سينعكس إيجابيًّا على موقع روسيا في عدد من الأزمات من أبرزها الأزمة في أوكرانيا.

3- شخصية بوتين، والنظر إليها كونها أسيرة التراث التاريخي والسعي لعودة الإمبراطورية الروسية كإمبراطورية عالمية. 

لا تجد هذه الدوافع ترحيبًا لدى صانع القرار الإيراني، فهي في هذا الاتجاه تصطدم ومنافع إيران وسعيها لتعزيز أمنها القومي، ودورها الإقليمي، ونفوذها في سوريا. وفي مقابل هذه الرأي هناك رأي آخر يقول بالجانب الدفاعي للتدخل الروسي ويأتي محكومًا بصبغة تفاؤلية، ويأتي مناقضًا للرأي الأول ويرى أن روسيا تدخلت في سوريا فعلًا لحماية مصالحها الوطنية وأمنها من التهديدات الإرهابية. وبناء عليه يضع أصحاب هذا التوجه، التدخل الروسي ضمن الحدود التالية:

1- مشاركة روسيا في الحرب ضد الإرهاب، هي حقيقة واقعية، لأنها تخشى نقلها إلى روسيا، ويدعم هذا التوجه وجود عدد كبير من المقاتلين من الأصول الشيشانية والقوقازية ومن دول آسيا الوسطى يقاتلون في سوريا ولديهم عداء كبير مع روسيا؛ مما يجعل انتقالهم للقتال في الأراضي الروسية مسألة وقت، وهذه حُجَّة تراها الأوساط الإيرانية مقنعة ومنطقية.

2- تريد روسيا بالفعل أن تجعل من مكافحة الإرهاب قضية عالمية ذات أولوية للمجتمع الدولي، وتركز هذه الزاوية على التهديدات الأمنية الإقليمية بوصفها مدخلًا لتهديد الأمن العالمي.

3- روسيا تدافع بصورة طبيعية عن حلفائها في سوريا، وبشكل آخر تدافع عن إيران.


تداعيات التدخل الروسي

في تقييم تداعيات التدخل الروسي على المعادلات السياسية وتأثيرات ذلك على الأمن الإقليمي والعالمي، يجري النظر إلى هذه المسألة من زاويتين إحداهما متشائمة، والأخرى متفائلة، وترى الأولى أن التدخل الروسي سيترك تأثيرات مدمِّرة على هذا الصعيد، للأسباب التالية:

- هذا التدخل سيكون سببًا في تصاعد الإرهاب في سوريا وإضعاف المعارضين المعتدلين للأسد، وسيؤدي استهدافهم إلى انضمام الكثير من أعضائهم إلى تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة. 

- سيوسِّع التدخل الروسي من الفجوة في العلاقات بين السعودية وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، خاصة أن هذا التدخل يصبُّ في صالح إيران على حساب جيرانها ويأتي مناوئًا للمصالح التركية والسعودية.

- توسيع تنافس الحرب الباردة عالميًّا، ومن ذلك التنافس الروسي-الأميركي-الأوروبي، وفي المجموع فإن التدخل الروسي في المنطقة لن يكون في صالح إيران سياسيّا وأمنيًّا.

وتقابلها وجهة النظر المتفائلة مستندة إلى ثلاث أرضيات:

- التدخل الروسي سيكون سببًا مساعِدًا على تسريع الحل السياسي في سوريا، وسيفرض على اللاعبين المختلفين السعي لتحقيق ذلك، بالنظر إلى أن هذا التدخل أوجد فضاء سياسيًّا جديدًا في المنطقة.

- سيعزِّز هذا التدخل من قوة النظام في سوريا وسيمنع تجزئة البلد.

- سيعزِّز من التعددية وهو ما سيقود إلى مشاركة الفاعلين الإقليميين وخاصة إيران في محادثات الحل السياسي.

التدخل الروسي والأمن الإيراني

يبدو تقييم التدخل الروسي وتأثيراته على المصالح والأمن الإيراني محكومًا بالأبعاد السابقة جميعها، ويأخذ بُعدًا متشائمًا في بعض الجوانب وآخر متفائلًا في جوانب أخرى.

ويحكم البُعد المتشائم في التقييم ثلاث قضايا، هي:

- أن روسيا تسعى إلى تحجيم القوة الإيرانية في المنطقة.

- أن روسيا تاريخيًّا لا تُعد حليفًا يمكن الوثوق به، وقد تضحِّي بإيران في صفقة مصالح مع واشنطن.

- أن التدخل الروسي القوي والمؤثِّر في سوريا من شأنه أن يبهت الدور السياسي لإيران، ولذلك فلن يصب الانتقال السياسي في سوريا لاحقًا في مصلحة الجمهورية الإسلامية، ومن الممكن أن تتوافق موسكو وواشنطن على مصير الأسد دون الرجوع إلى إيران.

أمَّا البعد المتفائل داخل إيران بشأن هذه المسألة فيعدِّد نقاط تفاؤله بالآتي:

- سيعزِّز الوجود الروسي الحل السياسي، وهذا سيخفِّف من العبء الكبير الذي تتحمله إيران في الأزمة السورية.

- بواسطة الروس، يتعاظم القبول الدولي للدور الإيراني في الأزمة السورية، ويتجه البُعد الدولي لصالح إيران من خلال إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب في المنطقة ودورها على هذا الصعيد، ويصبح دور إيران أكثر بروزًا مع إصرار الروس على وجود إيران في المفاوضات حول سوريا.

- سيرفع ذلك من قيمة الشراكة الغربية مع إيران، خاصة مع تصاعد القلق الغربي تجاه الدور الإقليمي لروسيا مفضِّلين التقارب مع إيران. 

ينظر بعض المحللين في إيران بقلق إلى التدخل الروسي وما يمكن أن يتركه من تأثيرات على الأمن الإيراني، وممن يحملون هذا الرأي د. حسين علايي، القائد السابق للبحرية في الحرس الثوري، والأستاذ في جامعة الإمام الحسين؛ إذ يعتقد أن التدخل العسكري من حيث المبدأ هو تهديد للأمن القومي لجميع الدول وأن الترحيب بهذا التدخل يضع أمن الدول موضع التهديد(17)، ويدلِّل على ذلك بالقول: منذ احتلال العراق للكويت والمنطقة تشهد حالة من انعدام الأمن(18)، ويرى أن ذلك سيوسِّع من نشاط القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. ولمواجهة معضلة الأمن، ينبغي لجميع الدول أن تضع ثلاث خطوات في جدول أعمالها:

1. إدانة ومعارضة التدخل العسكري من قِبل أي بلد.

2. مكافحة الإرهاب بشكل شامل من قِبل جميع البلدان، بالنظر إلى الإرهاب كآفةٍ تهدِّد الأمن الإنساني.

3. القبول بسيادة الدول واحترام إرادة الشعوب في جميع البلدان، بصورة ترمي إلى العدل لا التدخل.

ويمكن لهذه الخطوات مع الحوار والدبلوماسية أن تضمن مسارًا يوصِّل نحو السلام والأمن(19).

 وزير الدفاع الايراني العميد حسين دهقان
 

همدان: ما وراء العبور الروسي

بصورة متسارعة جرى الإعلان عن استخدام ووقف استخدام روسيا للأراضي الإيرانية في الغارات التي تشنها في سوريا، ويبدو أن الإعلان الروسي عن هذا التعاون وليس التعاون نفسه هو ما أغضب الإيرانيين، ليصفه وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، بأنه فعل "استعراضي" وينم عن "عدم الاكتراث"(20). ورغم الغضب الإيراني من مسألة الإعلان إلا أن استخدام قاعدة همدان قد فتح بابًا جديدًا للتعاون الإيراني-الروسي، لم ينفِ الإيرانيون إمكانية تكراره رغم وقف استخدام القاعدة.

وجاء الكشف عن ذلك من قِبل وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت في السادس عشر من أغسطس/آب الحالي أن قاذفات توبوليف-22، وإس يو 34 انطلقت من مطار همدان في إيران وقصفت أهدافًا لتنظيم الدولة، وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام) في مناطق حلب ودير الزور وإدلب، ليكشف هذا التطور عن مزيد من التعاون الإيراني-الروسي، الذي أخذ منحى جديدًا منذ التدخل الروسي في سوريا.

ومع أن الدستور الإيراني، يحظر بصورة واضحة استخدام أية دولة أجنبية لقاعدة عسكرية في البلاد، إلا أن هذا القرار جرى اتخاذه بإجماع كافة المسؤولين ذوي العلاقة، ووفقًا لتصريحات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، النائب علاء الدين بروجردي، فإن انطلاق القاذفات الروسية من مطار همدان لضرب أهداف في سوريا جاء بناء على موافقة من المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني. ولذلك، فهذا القرار خرج بموافقة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي يرأس المجلس بحكم القانون وبعلم ومشاركة من رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس مؤسسة الموازنة والتخطيط، وممثليْن اثنيْن عن المرشد، وقائد الجيش، وقائد الحرس الثوري، ووزراء الخارجية والداخلية والأمن، وهم أعضاء في المجلس وفق القانون. والأهم أن القرار حظي بمباركة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، لأن قرارات المجلس تصبح نافذة بعد مصادقة المرشد عليها(21).

وعلى الرغم من هذا الإجماع إلا أن عددًا من نواب مجلس الشورى وصل عددهم إلى عشرين نائبًا، بدأوا يثيرون أسئلة حول هذه الخطوة، ويطالبون بمناقشتها داخل المجلس في جلسة علنية.

وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، قابل احتجاج نواب البرلمان على استقرار القاذفات الروسية، بلهجة حادَّة، ودافع عن قرار استقرار طائرات روسية، وقال ردًّا على ما اعتُبر انتهاكًا للدستور: إنه "لا صلة للبرلمان باستقرار الطائرات الروسية في إيران". وألمح إلى أمكانية منح المزيد من القواعد الجوية على الأراضي الإيرانية للروس "إذا اقتضت الحالة"(22)، وهو ما يؤكد استمرار التعاون والتنسيق في عدد من الملفات الأمنية وفي مقدمتها الملف المعنون ب"مكافحة الإرهاب".

ويرى وزير الدفاع الإيراني أن موقف البرلمانيين من تقديم إيران قاعدة جوية لروسيا والنظر إليه على أنه انتهاك للدستور الإيراني جاء بفعل "انطباعات خاطئة ومغلوطة"، وأن الوجود الروسي في قاعدة نوجة هو "قرار النظام".

ويبدو أن اللهجة التي استخدمها وزير الدفاع تجاه مجلس الشورى لم تكن في محلها، وهو ما جعل وزارة الدفاع عبر مستشارها القانوني تقدِّم توضيحًا بأن تصريحات وزير الدفاع قد أُسيء فهمها، وأن ما قصده هو أن القرار لا يحتاج إلى موافقة المجلس(23). ولم يُفلحْ هذا التوضيح في تخفيف الأزمة بين النواب ووزير الدفاع وهو ما جعل رئيس مجلس الشورى، رغم دفاعه عن التعاون مع روسيا وتأكيده أن انطلاق الطائرات الروسية من همدان لم يتوقف، يصف سلوك الوزير بأنه كان خاطئًا ولم يُراعِ آداب التعامل مع المجلس(24). وهو ما يناقض ما كان الناطق باسم الخارجية الإيرانية قد أعلنه، بانتهاء الاستفادة الروسية من قاعدة همدان، مؤكِّدًا أن لا قاعدة لروسيا في إيران ولا قوات مستقرة(25).

وتكشف هذه القضية، جانبًا من التعاون الاستراتيجي الانتقائي بين الجانبين الروسي والإيراني، وهو ما نجده في حديث علي شمخاني -أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني- بأن طهران وموسكو قد يتبادلان "القدرات والإمكانيات" في قتال تنظيم الدولة(26). ونجد في أحاديث شمخاني وغيره من المسؤولين الإيرانين حديثًا متزايدًا عن "التعاون البنَّاء والمتطوِّر بين إيران وروسيا وسوريا وحزب الله، وأن هذا التعاون سيستمر في هذا الاتجاه"(27).

ورغم أن إيران لاتبدو مرتاحة من عدم تقديم روسيا لحماية كاملة للعمليات البرية التي تقوم بها قوات إيرانية وقوات من حزب الله في سوريا، إلا أن السماح باستخدام قاعدة همدان جاء لتوسيع مظلة الحماية الروسية لعمليات إيران في سوريا، خاصة مع التطورات التي شهدتها جبهة حلب مؤخرًا(28)

ولعل السؤال الذي يفرضه التطور الأخير يتعلق بإمكانية تصاعد العلاقات وصولًا إلى حلف استراتيجي أم أن العلاقات لن تتجاوز مستوى الشراكة الاستراتيجية المحدودة في أحسن الأحوال أو ربما هي أدنى من ذلك، بمعنى أنها لم ولن تغادر إطار التكتيك والاستجابة للتحديات الآنية.

من الواضح أن ما قدَّمته إيران في همدان يؤشِّر بوضوح على ثمار التعاون السياسي والعسكري بين إيران وروسيا، وهو التعاون الذي جرى تأطيره في زيارات واجتماعات ضمَّت قيادات عسكرية وسياسية على أعلى المستويات عُقِدت في موسكو وطهران ودول أخرى، بدأت قبل التدخل الروسي في سوريا واستمرت إلى اليوم. بالرغم من ذلك لا يمكن الحديث عن تعاون أمني شامل يطال كل ملفات العلاقة، لأن ما تقوم به روسيا وإيران هو تعاون في ملفات أمنية منتقاة بعينها، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ملفات أخرى تتضارب فيها مصالح الجهتين.


نتيجة: إلى أين تسير العلاقات؟ 

إن العلاقات السياسية وعلاقات القوة بين روسيا وإيران اليوم، ومع بروز الأزمة السورية، تشهد حالة من التغيير، وبالنظر إلى هذه القضية متجاوزين الأبعاد السلبية المرتكِزة على جوانب تاريخية في العلاقة، تبدو العلاقات بين البلدين اليوم تحمل ملامح المساواة السياسية، وتقوم على المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية المشتركة للبلدين، وهو ما يصب في مصلحة إيران إقليميًّا ودوليًّا، لا ينفي ذلك أن العلاقة ما زالت محكومة بعدم الثقة والتنافس. ولعل الإعلان الروسي عن استخدام قاعدة همدان وردود الفعل الإيرانية في المقابل يكشفان عن هذا الجانب بوضوح. لكن السؤال يتعلق بالمدى الذي يمكِّن من المناورة خارج البُعد التاريخي للعلاقة، الذي يحمل محطات من الصراع وعدم الثقة، بصورة تعطي أدوات مؤشِّرات دقيقة لشكل العلاقات اليوم وما يمكن أن تكون عليه مستقبلًا. 

مما لا شك فيه أن إيران تنساق إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق على الرغم من أن روسيا شكَّلت على الدوام لغزًا محيرًا لسياسة إيران الخارجية، وعلى الرغم أيضًا من أن تقييم السياسية الروسية في بؤرة صناعة القرار الإيرانية حملت دائمًا نظرة مزدوجة لهذه السياسة. 

من اللافت أنَّ واحدًا من صُنَّاع السياسة الخارجية الإيرانية، ممن يعُون هذه الأبعاد جيدًا، هو وزير الخارجية السابق د. علي ولايتي، يرى أن "العلاقات بين إيران وروسيا وسوريا، هي علاقات استراتيجية.. وأن مستقبل المنطقة بيد هذا المثلث"(29).

وإذا ما جرى الإقرار بأن المكونات الجيوسياسية تلعب على الدوام الدور المؤثِّر والمحدِّد الفعَّال في مجال السياسة الخارجية، فإن الواقع يقول بأن الحالة الجيوسياسية لم تتغير كثيرًا بالنسبة للبلدين، فالثقافة السياسية الروسية مستمرة بنسقها السابق والوضع الجغرافي والجيوسياسي لإيران لم يشهد تغييرًا يُذكَر. وهذا الثبات يجعلنا نصل إلى نتيجة تقول: إن روسيا لا تثق بالطرف الإيراني على الصعيد الأمني؛ إذ مثَّلت إيران في مراحل تاريخية مختلفة عَقَبَة أَمنيَّة بالنسبة لروسيا، وهي الفكرة التي تأخذ حضورًا في مقاربات المنظِّرين والمحلِّلين الروس في قضايا الأمن والدفاع، والنظرة مشابهة لدى الطرف الإيراني. وفيما تحاول إيران تبنِّي نهج يمكِّنها من لعب دور فعَّال في فضاء المنطقة، لا يزال بُعد الهيمنة حاضرًا في العلاقة، فضلاً عن التوجس وغياب الثقة.

ولعل هذه الهواجس، هي التي تجعل أصواتًا في إيران، تتجاوز الترحيب الشعبوي بتدخل بوتين في سوريا والدعاء له على منابر الجمعة في طهران، وتقرأ بقلق أن ما تقوم به روسيا وما تذهب في اتجاهه إيران اليوم، مشابه لمثال "اللعبة الكبرى" بين الروس والبريطانيين أواخر الـ19 وأوائل القرن العشرين، وهو انعكاس للعبة نفسها التي وفرت أرضية لاحتلال إيران في 1941، وهي اللعبة التي صدمت الشاه رضا بهلوي الذي لم يكن يتوقع أن تجتمع، وبشكل استراتيجي، مصالح الشيوعيين في روسيا مع الرأسماليين في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية(30).

وبما تمتلكه وجهة النظر هذه من معطيات تدعمها بقوة، فلن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ روسيا بالنظر إلى الدور الإيراني كدور باعث على الاضطراب، ويتحرك خارج قواعد النظام الدولي. إن الفضاء الحاكم في المنطقة فرض على روسيا أن تتعامل تكتيكيًّا مع إيران(31)، دون أن تتخلى عن النموذج الروسي في التعاون التكتيكي. وبالتزامن مع القوة العسكرية المتصاعدة لروسيا، تتسع حرية عملها في السياسة الخارجية، في حين يتراجع هامش الحرية على صعيد السياسة الخارجية بالنسبة للإيرانيين، وبعد أن كانت إيران الدولة رقم (1) من حيث التأثير في الملف السوري، تراجعت عقب التدخل الروسي، فيما تعاظمت خسائرها وتزايدت أعداد من يُقتَل من نخبة الحرس الثوري في سوريا.

قد تمثِّل إيران اليوم بالنسبة لروسيا شريكًا استراتيجيًّا، تقدِّم لها الدعم في الشرق الأوسط فيما تتلقى منها دعمًا مقابلًا في القوقاز وآسيا الوسطى، وهو الهدف الذي وضعه صانع السياسة الإيراني عندما قرر رفع مستوى العلاقات مع روسيا(32)، لكن الحديث عن حلف استراتيجي بالمعنى السياسي لذلك يصادم الواقعية الجيوسياسية، ويحول دونه عقبات كثيرة في الاقتصاد والسياسة، وإذا ما توفرت النيَّة لدى صُنَّاع القرار في البلدين (وهي غير متوفرة إلى اليوم) لبناء مثل هذا التحالف فتذليل العقبات الماثلة يحتاج في الحد الأدنى ووفق ما يعلنه المسؤولون الإيرانيون إلى خمس سنوات(33).

خلال السنوات الأخيرة أظهرت موسكو في أكثر من مناسبة، أنها صديق يمكن لإيران أن تثق فيه بحذر، لكن ذلك لا يعني أنهما تحوَّلا إلى حليفين استراتيجيين، والمسافة ما زالت طويلة ليتحول الشريك إلى حليف. إن ما يجب أخذه بعين الاعتبار أن الشراكة الإيرانية الروسية، وإن كانت ذات طبيعة انتقائية إلا أنها باتت تفرض شروطها على المنطقة.

ABOUT THE AUTHOR

References
1 - ابراهيم متقي، صلح سرد در روابط ايران و روسيه، مجلة زمانه، شهريور 1387 - العدد 72. (ص 83 تا 88):
2 - فرح الزمان أبو شعير، العلاقات الإيرانية-الروسية: شراكة حَذِرة تُميِّز حلف الضرورة، مركز الجزيرة للدراسات, 7 أكتوبر/تشرين الأول 2013 (تاريخ الدخول 10 مايو/أيار 2016):
3- روابط إيران وروسيه چالش ها وفرصت ها، (العلاقات الإيرانية-الروسية: التحديات والفرص)، مركز مطالعات صلح، المركز الدولي لدراسات السلام ،20 بهمن 1391، 8 فبراير/شباط 2013 (تاريخ الدخول 10 مايو/أيار 2016):
4-- Petr Topychkanov, What Does Russia Really Want in Iran?,Carnegie, December 19, 2014:
5- مساعد الرئيس الروسي: لا حلَّ عسكريًّا للقضية النووية الإيرانية، موقع روسيا اليوم، 12 سبتمبر/أيلول 2013 (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2016):

6 - Petr Topychkanov, What Does Russia Really Want in Iran?,Ibid

7- فرح الزمان أبو شعير، العلاقات الإيرانية-الروسية: شراكة حذرة تميز حلف الضرورة، مركز الجزيرة للدراسات, 07 أكتوبر/تشرين الأول 2013 (تاريخ الدخول 10 مايو/أيار 2016):

8-أبو شعير، المرجع السابق

9- Elena Holodny, Business Insider , Russia is ready to jump on the 'new opening' in Iran
10 - فاطمة الصمادي، ماذا بعد الاتفاق النووي الإيراني؟.. الرابحون والخاسرون، مركز الجزيرة للدراسات، 25 يونيو/حزيران 2015 (تاريخ الدخول: 10مايو/أيار 2016):
11- توافق هسته‌اي إيران چه معنايي براي روسيه دارد؟ (ماذا يعني الاتفاق النووي بالنسبة لروسيا؟)، مشرق نيوز، 19 خرداد 1394(تاريخ الدخول 10مايو/ أيار 2016):
12 - سفير ايران در روسيه:موانع بسياري از مسير توسعه روابط دو جانبه برداشته شده است (سفير إيران في روسيا: عقبات كثيرة تعترض تنمية العلاقات جرى رفعها)، ديدبان روسيه، ?? ارديبهشت ???? (تاريخ الدخول: 10 مايو/أيار 2016):
13- هماهنگي استراتژيک ايران و روسيه درسوريه/نگراني غرب از گسترش روابط (التنسيق الاستراتيجي الإيراني-الروسي في سوريا: الغرب يخشى من توسيع العلاقات)، مهر نيوز ? آذر ????، (تاريخ الدخول:25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015):
14- گزارش نشست حضور روسيه در سوريه و تاثير آن بر منافع و امنيت ملي ايران (تقرير جلسة حول التدخل الروسي في سوريا وتأثيره على المصالح الإيرانية)، مؤسسة العلوم السياسية الإيرانية، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول 20 يناير/كانون الثاني 2016):

15 - گزارش نشست حضور روسيه در سوريه و تاثير آن بر منافع و امنيت ملي ايران (تقرير جلسة حول التدخل الروسي في سوريا وتأثيره على المصالح الإيرانية)، مؤسسة العلوم السياسية الإيرانية، مرجع سابق.

16- گزارش نشست حضور روسيه در سوريه و تاثير آن بر منافع و امنيت ملي ايران (تقرير جلسة حول التدخل الروسي في سوريا وتأثيره على المصالح الإيرانية)، مؤسسة العلوم السياسية الإيرانية، مرجع سابق.

17 - جاءت مداخلة الدكتور علايي في : گزارش نشست حضور روسيه در سوريه و تاثير آن بر منافع و امنيت ملي ايران (تقرير جلسة حول التدخل الروسي في سوريا وتأثيره على المصالح الإيرانية)، مؤسسة العلوم السياسية الإيرانية، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول 20 يناير/كانون الثاني 2016):

18 - من مداخلة الدكتور علايي.

19- من المداخلة السابقة.

20- سردار دهقان: روس ها بي معرفتي کردند (القائد دهقان: الروس تعاملوا بدون اكتراث)، موقع ابارات، ا شهريور 1395 ش (تاريخ الدخول: 23 أغسطس/آب 2016):
21 - قانون اساسي جمهوري اسلامي ايران - فصل سيزدهم: شوراي عالي امنيت ملي - اصل 176(الدستور الإيراني، الفصل 13: مجلس الأمن القومي، المادة 176)، الموقع الرسمي لمجلس الشورى الإسلامي، (تاريخ الدخول: 22 أغسطس/ آب 2016):
22 - وزير دفاع ايران: استفاده روسيه از پايگاه همدان به مجلس ارتباطي ندارد،(وزير الدفاع الإيراني، لاعلاقة لمجلس الشورى باستفادة الروس من قاعدة همدان، بي بي سي فارسي، 20 اغسطس 2016 (تاريخ الدخول22 أغسطس/ آب 2016):
23-معاون حقوقي و امور مجلس وزارت دفاع: منظور وزير دفاع اين بود که پشتيباني‌هاي عملياتي نياز به مصوبه مجلس ندارد (المستشار القانوني في وزارة الدفاع: ما قصده وزير الدفاع كان أنَّ الدعم العملياتي لا يحتاج إلى موافقة مجلس الشورى)، وكالة تسنيم 30 مرداد 1395 ش (تاريخ الدخول: 22 أغسطس/ آب 2016):
24- رئيس مجلس:سردار دهقان درباره مجلس درست حرف نزد و ادب حکمراني را رعايت نکرد/ پرواز جنگنده‌هاي روسي از پايگاه هوايي همدان متوقف نشده است (رئيس المجلس: الجنرال دهقان لم يتحدث بشكل صائب حول المجلس ولم يُراعِ آداب المسؤولية/ انطلاق الطيران الروسي من قاعدة همدان لم يتوقف)، سايت انتخاب، 2 شهريور 1395 ش (تاريخ الدخول: 23 أغسطس/ آب2016):
25 - قاسمي: استفاده روسيه از پايگاه هوايي همدان عجالتا پايان يافته(قاسمي: استفادة روسيا من قاعدة همدان انتهى سريعا)، وكالة تسنيم، 1 شهريور 1395 ش (تاريخ الدخول 22 أغسطس/آب 2016):
26 - شمخاني در گفت و گو با ايرنا مطرح کرد:همکاري ايران و روسيه براي مبارزه با تروريسم در سوريه راهبردي است /هشدار به کشورهاي حامي تروريست (شمخاني في حوار مع إيرنا: تعاون إيران وروسيا لمواجهة الإرهاب في سوريا استراتيجي/نحذِّر الدول الداعمة للإرهاب)، وكالة إيرنا، 26 /5/1395 ش (تاريخ الدخول: 21 أغسطس/آب 2016):
27- شمخاني در گفت و گو با ايرنا مطرح کرد:همکاري ايران و روسيه براي مبارزه با تروريسم در سوريه راهبردي است /هشدار به کشورهاي حامي تروريست (شمخاني في حوار مع إيرنا: تعاون إيران وروسيا لمواجهة الإرهاب في سوريا استراتيجي/نحذر الدول الداعمة للإرهاب)، وكالة إيرنا، 26 /5/1395 ش (تاريخ الدخول: 21 أغسطس/آب 2016):

28- تحليلگر روسي: مجوز ايران به حضور روسيه در پايگاه نوژه، دستاوردي سياسي-نظامي است (محلل روسي: سماح إيران لروسيا باستخدام قاعدة نوجه نتيجة للتعاون السياسي العسكري، فارس نيوز، 29/5/ 1395 ش(تاريخ الدخول: 22 أغسطس/ آب 2016):

29 - ولايتي:آينده منطقه در دست مثلث ايران، روسيه و سوريه است (ولايتي: مستقبل المنطقة في يد مثلث إيران وروسيا وسوريا)، وكالة إيلنا، ????/??/?? (تاريخ الدخول: 12 مايو/أيار 2016):
30 - انظر مداخلة د. إبراهيم متقي، الأستاذ المتخصص في العلاقات الإيرانية-الروسية، گزارش نشست حضور روسيه در سوريه و تاثير آن بر منافع و امنيت ملي ايران (تقرير جلسة حول التدخل الروسي في سوريا وتأثيره على المصالح الإيرانية)، مؤسسة العلوم السياسية الإيرانية، مرجع سابق.
55- بازي روسيه در سوريه؛ تاکتيکي براي کسب منافع ملي (اللعبة الروسية في سوريا تكتيكية لكسب منافع وطنية)، ديدبان روسيه، ?? اسفند ????(تاريخ الدخول 20 مارس/آذار 2016):
31 - بازي روسيه در سوريه؛ تاکتيکي براي کسب منافع ملي (اللعبة الروسية في سوريا تكتيكية لكسب منافع وطنية)، ديدبان روسيه، ?? اسفند ????(تاريخ الدخول 20 مارس/آذار 2016):

32- جاء ذلك من خلال خطة معدَّة من قِبل مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهناك من يورد اسم رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، بوصفه أول من قدَّم توصية بتعميق العلاقة مع روسيا.

33- نتايج دوجانبه و منطقه‌اي سفر پوتين به تهران (النتائج الثنائية والإقليمية لسفر بوتين إلى طهران)، موقع ديده بان روسيه، ۸ آذر ۱۳۹۴ (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2016):