مقدمة
شكَّل التحول السياسي الذي تعيش فيه إثيوبيا مفارقة سياسية منذ مجي آبي أحمد رئيسًا للحكومة الإثيوبية في أبريل/نيسان 2018، ومثَّلت خطواته المتسارعة نحو إصلاح سياسي منشود واقتصاد إثيوبي واعد "الانفجار العظيم" في نقل أديس أبابا من خانة الصراعات إلى دولة تنشد المصالحة مع الجوار، وذلك بهدف إعادة تموضعها على نحو جديد يمكِّنها من مواصلة نهوضها الاقتصادي ويجنِّبها فتح صراعات سياسية أو عسكرية تكون على حساب نموها الاقتصادي الراهن.
ورغم أن دول القرن الإفريقي عانت من صراعات الجغرافيا السياسية منذ قرن أو يزيد، إلا أن التحول السياسي في إثيوبيا، يبدو أنه سيوقف عجلة الصراعات السياسية والعسكرية هذه، وذلك بعد حصول تغيرات جذرية في المشهد الإثيوبي مؤخرًا، ما عكس تطورًا مهمًّا ومفاجئًا في صعيد العلاقات الإثيوبية مع دول الجوار والمحيط العربي، من خلال تبني سياسة الانفتاح وطي صفحة المواجهة التي أبقت أديس أبابا سنوات عجافًا في خندق العزلة وحرمتها من فوائد النمو الاقتصادي.
في هذا التقرير نبحث مسارات التطور الجيوسياسي المتغير في إثيوبيا، وجدوى المصالحة والانفتاح مع الجوار بغية تحقيق إنماء اقتصادي رغم ضخامة التحديات الداخلية السياسية والاقتصادية، وحسابات الداخل والخارج، بالإضافة إلى استشراف مآلات الاستراتيجية الإثيوبية في تحقيق سياسات اقتصادية جديدة لمواصلة نموها الاقتصادي المتصاعد، من خلال جذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
المشهد الإثيوبي منذ وصول آبي أحمد: منظور سياسي متغير
لقد اختلف المشهد السياسي في أديس أبابا كليًّا وليس جزئيًّا، داخليًّا وخارجيًّا، منذ وصول آبي أحمد إلى مقاليد السلطة، فقد أزاح الطبقة المنتفعة السياسية والعسكرية، وفتح حوارات بنَّاءة مع قوميات الأكثرية المهمشة سياسيًّا واقتصاديًّا، ما يعكس تغير السياسات الداخلية الإثيوبية في تعاطيها مع المسائل الداخلية الحرجة والتي كانت سببًا رئيسًا للاحتجاجات الشعبية التي ضحَّى الإثيوبيون بدمائهم فيها منذ عام 2016.
يمكن حصر تطورات المشهد الإثيوبي منذ أبريل/نيسان 2018 في السياقين الآتيين:
أولًا: السياق الداخلي
- إبعاد الجيش عن السياسية: ظل القياديون العسكريون من قومية "تيغراي" يهيمنون على مفاصل السياسة الإثيوبية الداخلية والخارجية، لأكثر من عقدين، إلا أن الخبر المفاجئ جاء على لسان فيتسوم أريجا، مدير مكتب رئيس الوزراء، آبي أحمد؛ حيث عُيِّن سيري مكونن قائدًا للقوات المسلحة خلفًا لسامورا يونس الذي خدم في الجيش الإثيوبي لأربعة عقود، كما عُين قائد القوات الجوية، آدم محمد، رئيسًا لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني ليحل محل جيتاتشو أسافا. ويأتي هذه في إطار الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تعهد بها رئيس الوزراء الإثيوبي بعد توليه منصبه، في أبريل/نيسان 2018، استجابة لمطالب المحتجين بعد الاضطرابات التي شهدتها إثيوبيا في السنوات الثلاث الأخيرة(1).
- المصالحة الداخلية:كان من بين مفردات الخطاب السياسي الذي أدلى به آبي أحمد بعد تسلمه السلطة أنه سيترجم أقواله إلى أفعال، فقام بزيارة الأقاليم المختلفة في البلاد، بل كانت زيارته الأولى لإقليم الصومال "الذي ضمَّته إثيوبيا بعد حرب الأوغادين"، والذي يعاني حاليًّا من اضطرابات سواء بسبب ممارسات الحكومة المحلية، أو بسبب الخلافات الحدودية مع إقليم الأورومو.
كما زار بلدة أمبو في أوروميا التي كانت في قلب الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن منذ عام 2015 حيث تعهد بمعالجة المظالم. كذلك عمل على لقاء زعماء وقوى المعارضة المختلفة، والتي كانت ترفض التواصل مع ديسالين، بل كانت تقود الاحتجاجات في الأورومو وغيرها، ومن أبرز هؤلاء: ميرارا جودينا، رئيس حزب مؤتمر الأورومو الفيدرالي، وبيكيلي جيربا، الأمين العام للحزب، وغيرهم(2).
- عودة المعارضة الإثيوبية: تبني سياسة الانفتاح الداخلية ورد الاعتبار للسياسيين المعارضين للدولة، عبر إطلاق سراحهم وتوفير ضمانات للمعارضين في الخارج؛ الأمر الذي دفع لينشو ليتا رئيس "جبهة أورومو الديمقراطية" الإثيوبية المعارضة، و4 من قيادات الجبهة إلى العودة إلى أديس أبابا، وذلك بعد سنوات مديدة بقوا فيها في المنفى.
وعلى خلفية التوجهات التصالحية الأخيرة للسلطات الإثيوبية مع الحركات المعارضة، وتأكيدها حرية ممارسة العمل السياسي السلمي، جاءت عودة ليتا ورفقائه الأربعة؛ حيث استقبلهم في مطار أديس أبابا مستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، أبادولا غمدا، ووزير مكتب الاتصال الحكومي، أحمد شيدي(3).
- رفع القيود عن الإعلام في إثيوبيا: كانت سياسة تكميم الأفواه جزءًا من ممارسات العسكر لتحجيم أصوات المعارضة والمحتجين، فتم رفع الحظر المفروض على العديد من المواقع الإخبارية، ليمارس أصحابها حقوقهم في الحريات والحقوق التي يكفلها الإعلام للصحافيين، ما يعكس أن سياسة البوق الإعلامي الواحد لم يعد لها مكان في سياسات إثيوبيا الجديدة.
ثانيًا: السياق الخارجي
- سياسة "صفر مشاكل" مع الجوار:يُعَدُّ الملف الخارجي بالنسبة لإثيوبيا من أبرز المعوقات التي كانت تشل تطورها الاقتصادي والسياسي لردح من الزمن، فقد كانت الصراعات السياسية والعسكرية تأكل إنجازاتها الداخلية واتسمت بالقمع والبارود. إلا أن غياب رؤية استراتيجية وفكر سياسي إثيوبي لخلق تحالفات مع دول الجوار أو التقليل من خطر السياسات الخارجية عليها، أجَّج صراعات داخلية وثورات شعبية في الفترة الأخيرة، لكن رجل إثيوبيا الجديد، يريد تطبيق سياسة "صفر مشاكل" التركية، كنموذج يحتذى به للتصالح مع دول الجوار، وخاصة إريتريا والصومال، كدول تحظى بموقع استراتيجي وحيوي بالنسبة لإثيوبيا الحبيسة.
ويريد آبي أحمد احتواء المشاكل السياسية والحدودية مع كل من الصومال وإريتريا؛ إذ زار وبشكل مفاجئ العاصمة الصومالية مقديشو، ليصبح أول رئيس وزراء إثيوبي يزور مقديشو منذ عقود، ليعيد قراءة الواقع السياسي والأمني بين البلدين، فبعد عودته إلى أديس قال في كلمة متلفزة: "إن الحديث عن تجاوزات العقيد منغستو هيلا مريم والجنرال محمد سياد بري، ضد الشعبين في إثيوبيا والصومال أمر لا طائل من ورائه". ما يعني رغبة إثيوبية جامحة في تجاوز سنوات الحرب والعداء، والانتقال إلى نهضة اقتصادية تمكِّن الشعبين من رخاء اقتصادي واستقرار سياسي وأمني(4).
أما على صعيد إريتريا، فقد كشف آبي أحمد عن رغبته في إنهاء الخلاف مع إريتريا، في أول خطاب له أمام البرلمان في الثاني من أبريل/نيسان 2018، عقب توليه المنصب. وقال آنذاك إنه مستعد للجلوس مع الحكومة الإريترية لإنهاء الخلاف عبر الحوار، فيما دعاها في الوقت ذاته إلى مبادلته نفس الرغبة(5).
- ترميم العلاقات مع الخليج ومصر: تحاول كل من السعودية والإمارات إثبات وجودهما وحضورهما في إثيوبيا عبر استثمارات مالية ضخمة؛ لذا يحاول آبي أحمد ترميم العلاقات مع دول الخليج بصفة عامة وعلى نحو خاص الرياض وأبوظبي، بغية جذب استثمارات سعودية/إماراتية ضخمة؛ فقد زار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أديس أبابا في يونيو/حزيران 2018، ووقَّع مع الحاكم الإثيوبي الجديد مذكرات تفاهم عدة، تهدف إلى تعزيز الشراكات الثنائية والتعاون بين البلدين، ودعم اقتصاد إثيوبيا بـ11 مليار درهم، أي ما يعادل 3 مليارات دولار(6).
أما مصريًّا، فأعلنت الرئاسة المصرية أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، توافق مع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، على احترام حق التنمية دون مساس بحقوق الطرف الآخر، أثناء مناقشة تطورات موقف سد النهضة الإثيوبي. جاء ذلك عقب استقبال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في زيارة له لمصر في يونيو/حزيران 2018. وتأتي الزيارة الإثيوبية في ظل قلق مصري بالغ -وفق مراقبين- من تداعيات سد النهضة وأن تكون لسرعة ملء خزانه آثار سلبية، خشية أن يقلِّل من حصة مصر من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب سنويًّا)، مصدر المياه الرئيسي في البلاد(7).
أيًّا كانت التحركات الداخلية والخارجية التي يجريها آبي أحمد فإن الطريق طويل لتحقيق مصالحة حقيقية واستقرار سياسي ونمو اقتصادي في إثيوبيا الجديدة، فالحسابات الداخلية والخارجية ما زالت تمثل تحديًا أمام رغبة رئيس الوزراء الإثيوبي لنفض غبار السياسات الماضية عبر الانفتاح على الخارج وسياسة صفر مشاكل مع الداخل والخارج.
إثيوبيا ودول القرن الإفريقي: سياسة التخلي عن "نزعة" المواجهة
تعتبر إثيوبيا لاعبًا سياسيًّا بارزًا في منطقة القرن الإفريقي وشريكًا قويًّا مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية، وبموجب ثقلها السياسي الذي تحظى به أديس أبابا، يريد رئيسها الجديد توظيف دبلوماسية إثيوبية قوية في المنطقة، وتحويرها إلى سياسة عمادها الأساس التخلي عن نزعة المواجهة الطرفية مع دول الجوار تحديدًا وعلى نحو خاص في العمق الإثيوبي، وهي سياسة محورية في الوضع الراهن لترسم معالم السياسة الخارجية الإثيوبية، بغية اكتساب قوة اقتصادية وسياسية تؤهلها إلى أن تصبح شريكًا ضامنًا للغرب وأميركا وأن يكون لها مستقبلًا تأثيرٌ اقتصادي وسياسي في القرن الإفريقي.
وسعيًا لترسيخ نظرية صفر مشاكل التي أشرنا إليها سابقًا، لابد من الوقوف على أبرز القضايا السياسية والأمنية المهيمنة على ملفات آبي أحمد الخارجية، والتي ينبغي احتواء مشاكلها:
1. النزاع الإريتري وانعكاساته على السياسة الإثيوبية
يتجذر النزاع الإثيوبي-الإريتري حول المنطقة الحدودية بينهما، "بادمي"، والتي مثَّلت على مدى عقدين مستنقع البارود المتأجج بين الجانبين؛ حيث اندلعت المواجهات بين البلدين في مايو/أيار 1998، وكانت تلك المواجهات فتحت أبواب صراعات عسكرية أخرى؛ إذ خاض البلدان بعدها ثلاث جولات من القتال. أولى الجولات بدأت في يونيو/حزيران 1999 ثم تلتها جولتان، واحدة في فبراير/شباط 1999 والأخرى في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2000. لم تقتصر المعارك على منطقة بادمي بل شملت مناطق أخرى هي زالامبسا على الجبهة الوسطى وبوري في الشرق بالقرب من سواحل البحر الأحمر(8).
وبعد جهود إقليمية ودولية مضنية، وقَّع كل من وزيري خارجية البلدين، الإريتري، هيلي درع، والإثيوبي، سيوم مسفنفي، على اتفاق لوقف إطلاق النار بين بلديهما برعاية جزائرية. وفي 12 من ديسمبر/كانون الأول 2000 وقَّع زعيما البلدين، رئيس دولة إريتريا، آسياس أفورقي، ورئيس وزراء إثيوبيا الراحل، ميلس زيناوي، على اتفاقية سلام بين بلديهما في الجزائر أيضًا، بحضور شهود دوليين.
وأحال البلدان نزاعهما الحدودي، وفقًا لاتفاقية السلام، إلى لجنة دولية مستقلة، ووفقًا للفقرة 15 في المادة الرابعة من الاتفاقية فإن ترسيم الحدود بين الدولتين من قبل اللجنة الدولية نهائي وملزم. وأصدرت لجنة الحدود قرارها بشأن النزاع في 13 أبريل/نيسان 2002. بموجب قرار اللجنة، صارت منطقة بادمي، التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحرب، ضمن حدود إريتريا. غير أن رئيس الوزراء الإثيوبي، ميلس زيناوي، امتعض من قرار اللجنة الدولية، ووصف قرارها بأنه غير قانوني وغير عادل وغير مسؤول(9).
كلفت الحرب الطاحنة البلدين خسائر بشرية هائلة؛ حيث قُتل في الحرب ما لا يقل عن 80.000 جندي، كما ألحقت الحرب بالبلدين أضرارًا جسيمة وخسائر اقتصادية ضخمة بسبب الصرف على كلفة الحرب وتبعاتها وبسبب القطيعة المستمرة منذ اندلاعها قبل 20 عامًا.
لم يمض وقت على إعلان آبي أحمد رغبته في فتح صفحة جديدة مع إريتريا، حتى تمخضت اجتماعات اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم بإثيوبيا عن إعلان رسمي في هذا الاتجاه. وأعلن الائتلاف الحاكم (الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا) في 6 يونيو/حزيران الجاري 2018، موافقته على التنفيذ الكامل لـ"اتفاقية الجزائر"، فضلًا عن قرارات لجنة ترسيم الحدود مع إريتريا. وبعد أسبوع من الإعلان، دافع رئيس الوزراء الإثيوبي عن قرارات اللجنة التنفيذية لتطبيع العلاقات مع إريتريا، معتبرًا أن هذا القرار "ليس بالجديد". وقال أمام البرلمان: إن قرار الائتلاف حول تطبيع العلاقات مع إريتريا يعود لعهد رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زيناوي؛ إذ جرى إرسال خطاب للاتحاد الإفريقي بهذا الشأن.
وعلاوة على ذلك، فإن ثمة أسئلة كثيرة حول نجاح أو فشل الجهود التي تبذلها الإدارة الإثيوبية الجديدة، وهي أسئلة مصيرية تحدد معالم سلام دائم أو فصام نكد بين أديس أبابا وأسمرة، وهي: هل النظام الإريتري ممثلًا برئيسه، آسياس أفورقي، جادٌّ في قبول السلام الإثيوبي أم أنه سيُبدي لاحقًا امتعاضه وتعنته؟ وهل حزب جبهة تحرير شعب تيغراي يؤمن بالسلام مع أسمرة، على الرغم من أنه سيكون مضطرًّا لقبول فرض أمر الواقع؟ وما نظرة الحسابات الإقليمية إلى هذا التحول المفاجئ في علاقات أسمرة وأديس أبابا؟ وما تأثيراتها على واقعها الجيوسياسي والجيواقتصادي؟
وهناك عناصر داخلية وخارجية ستحدد مصير ومستقبل النزاع الإريتري-الإثيوبي في المنطقة، وهي:
- الدولة الفيدرالية الإثيوبية الممثَّلة في رئيس الوزراء، آبي أحمد، والائتلاف الحاكم، الجبهة الإثيوبية لشعوب إثيوبيا.
- النظام الحاكم في إريتريا (أفورقى).
- حزب جبهة تحرير شعب تيغراى (TPLF) والعضو في الائتلاف الحاكم في إثيوبيا (الدولة العميقة).
- العامل الخارجي (الغرب وأميركا)، وكان الغرب في الوهلة الأولى ساعيًا لكبح جماح النزاع العسكري والسياسي بين الجانبين، من خلال تأييده لاتفاقية الجزائر(10).
في حال انقلبت الأوضاع السياسية بين الطرفين إيجابًا فإن هذا سيفتح بابًا جديدًا لمستقبل العلاقات والتعاون الاقتصادي بين الجانبين، فميناء عصب الإريتري سيغذِّي الاقتصاد الإثيوبي بلا شك، وستخرج إثيوبيا من عنق الزجاجة، أي من الدولة الحبيسة في القرن الإفريقي، إلى دولة تتمتع باستثمارات اقتصادية ضخمة في موانئ إريتريا الحيوية، كما أن أسمرة ستعيد تجارتها نحو إثيوبيا؛ إذ خسرت إريتريا مليارات الدولارات بسبب توقف تجارتها الحدودية مع إثيوبيا والتي بلغت في 1997 ما نسبته 67% من تجارتها الخارجية، وبسبب توقف إثيوبيا عن استخدام مينائي عصب ومصوع، تكبدت إريتريا خسائر اقتصادية ضخمة(11).
2. الوضع الصومالي وتداعياته على السياسة الإثيوبية
يمتد جذور النزاع الإثيوبي-الصومالي منذ القرون الوسطى، فهو صراع يستمد روافده من الجغرافيا السياسية؛ فالاقتتال بين الجانبين كان سجالًا مفتوحًا، ولم يكد يمضي قرن إلا وشهد حروبًا طاحنة بين الصوماليين والإثيوبيين، فهي حرب سياسية وعسكرية موغلة في التاريخ، وإن كانت حرب عام 1977 هي الأشد ضراوة، والأكثر تأثيرًا على البلدين، نتيجة الخسائر البشرية والاقتصادية التي نجمت عنها وأصابت أوضاع البلدين السياسية والاقتصادية في مقتل.
فمنذ العقدين الأخيرين، وخاصة في ظل رئيس الوزراء الراحل، ميلس زيناوي (1995- 2012)، كانت إثيوبيا لها اليد الطولى في تأزيم الوضع الصومالي عبر الحرب بالوكالة (أمراء الحرب) تارة، والتدخلات السياسية والعسكرية المباشرة تارة أخرى (1996، و2006)، كما أنها كانت من بين دول إقليمية وعربية تستضيف مؤتمرات المصالحة بين الأطراف الصومالية، بحكم استضافتها ورعايتها لأطراف صومالية كانت نافذة في السياسة الصومالية وقتذاك، واليوم تعد إثيوبيا جزءًا من عمليات حفظ السلام الإفريقية في الصومال؛ إذ يصل تعداد قواتها المتمركزة في الجنوب ووسط البلاد إلى نحو خمسة آلاف جندي إثيوبي.
ونظرًا للصورة الرمادية الجاثمة في الرأي العام الصومالي تجاه التدخلات السياسية الإثيوبية في شأن بلادهم، إلا أن خطاب آبي أحمد بعد لقائه الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، بالعاصمة مقديشو، في يونيو/حزيران 2018، أثار علامات استفهام كثيرة في المشهد السياسي الصومالي، كما ترك خطابه حول تكامل اقتصادي وانفتاح اجتماعي بين الشعبين كثيرًا من الشكوك، وعزَّز نظرية المؤامرة عند المواطن الصومالي، رغم أن تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي كان واضحًا؛ حيث قال فيه: "إن العلاقات بين بلاده والصومال ستتخذ مسارًا جديدًا مبنيًّا على التعاون المشترك في جميع المجالات، وإن البلدين تربطهما علاقات وثيقة تمكنهما من تعزيز فرص التعاون في مجالي الأمن والاقتصاد. وأوضح أن البلدين سيعملان على خلق فرص تجارية وأسواق مفتوحة من خلال تسهيل وفتح المعابر الحدودية "(12).
وأصبح التقارب الصومالي/الإثيوبي مسألة رأي عام وقضية ألهبت حماس الكثيرين، وتحولت إلى قصة تثير الجدل والريبة في مواقع التواصل الاجتماعي، ودفعت الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، إلى عقد لقاء تليفزيوني، يزيل الشكوك، ونفى أن دولته وقَّعت اتفاقيات مع الجارة الإثيوبية تتضمن تشغيل موانئ صومالية باستثمارات إثيوبية.
بالعودة إلى مساعي آبي أحمد لفتح باب سياسي جديد بين البلدين، هناك ثلاث مسائل تهيمن على الوضع الصومالي، والتي ستكون حجر عثرة أمام تحقيق تقدم ملموس في التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي بين مقديشو وأديس أبابا، وهي:
- غياب الاستقرار السياسي في الصومال:يبدو أن التحسن الأمني في الصومال لم يضف مزيدًا من دواعي الاستقرار السياسي على المشهد الصومالي برمته، فالظروف السياسية الناجمة عن غياب أطر للمصالحة بين الأطراف والقبائل الصومالية، تشكِّل أبوابًا مفتوحة في أية لحظة لانقلاب مفاجئ في المشهد السياسي، ومن دون استتباب الظروف الأمنية والسياسية في الصومال، فإنه من الصعوبة بمكان دخول اتفاقيات دولية ناهيك عن توقيع اتفاقيات مع دول الجوار، فقضية النزاع الحدودي البحري بين الصومال وكينيا لا تزال تثير الشكوك حول اتفاقيات بين مقديشو ودول الجوار، وهي اتفاقية وقَّعتها الحكومة الصومالية السابقة (2009)؛ مما يعني أن عدم الاستقرار السياسي في الصومال سيعرقل أية اتفاقيات دولية وإقليمية معه حاضرًا ومستقبلًا.
- أثر التدخلات الخارجية في الصومال:بحكم موقع الصومال الحيوي في منطقة القرن الإفريقي، عانى –ولا يزال- من أثر التدخلات الخارجية، فالدوائر الصومالية الراهنة ليست وحدها من تقرر مصير التفاوض والاتفاقيات مع دول أو منظمات أجنبية أخرى، بل هناك دول أخرى ومنظمات أجنبية يبني الصومال معها قراراته السيادية، ما يعكس حجم التدخلات الخارجية في الشأن الصومالي.
- مسألة الصومال الغربي:يعد ملف مسألة الصومال الغربي واحدًا من القضايا الساخنة بين الصومال وإثيوبيا، رغم أن الإقليم بات محسومًا أمره وأصبح جزءًا من الكونفيدرالية الإثيوبية، فإنه ومهما كان سيظل مسألة حدودية تثير القلاقل السياسية والعسكرية بين الصومال وإثيوبيا، مهما تبدلت الأوضاع السياسية في أديس أبابا ومقديشو.
3. سد النهضة وتأثيراته على السياسة الإثيوبية الجديدة
برز ملف سد النهضة كأحد القضايا الإقليمية ذات الأبعاد الجيواقتصادية في منطقة القرن الإفريقي في غضون عشر السنوات الأخيرة، ومع وصول رجل إثيوبيا الأول، آبي أحمد، إلى سدة الحكم، فإن رياح التغيير هبَّت على علاقات أديس أبابا مع كل من الخرطوم والقاهرة، وهي رياح تبدو في ظاهرها أنها تلطف أجواء التوتر وتزيل حدة الاحتقان والقلق في الساحة الإقليمية الإفريقية.
ومما لا شك فيه أن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى القاهرة، فتحت آفاقًا جديدة لتعاون اقتصادي بين إثيوبيا ودول الخليج، حصلت بموجبه إثيوبيا على دعم اقتصادي عبر وديعة دولارية، ولم يكن هذا الإنجاز بعيدًا عن قضية سد النهضة، فقد حرص رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد على أن يطمئن مصر على أن حصتها الراهنة من مياه النيل لن تتأثر سلبًا بقيام السد، وهذه قضية مركزية بالنسبة لمصر التي ما زالت تكرر أنها لا تحتمل أي انتقاص من نصيبها(13).
وبحسب المتابعين لموضوع الخلافات السياسية بين دولة المنبع (إثيوبيا) ودول المصب (مصر والسودان)، لم يحدث منذ أن نشأت أزمة سد النهضة أن كانت الأجواء مهيأة لإحداث اختراق حقيقي مثل هذه السانحة، ولابد من البناء على ما تحقق للوصول إلى تسوية تحفظ حقوق جميع الأطراف، وتعالج قضايا بالغة الأهمية، مثل تحديد سنوات ملء بحيرة السد، حتى يكون الملء تدريجيًّا، وعلى أطول مدى ممكن، كي لا يؤثر بدرجة كبيرة على حصيلة كل من مصر والسودان من مياه النهر.
فيما يخص السودان، فإنه سيفقد آلاف الأفدنة من أراضي (الجروف) التي ينحسر عنها الفيضان، والتي تُزرع بشتى المحاصيل التي تعتمد آلاف الأسر السودانية في تدبير شؤون حياتها على زراعتها، ولم يتم حتى الآن حصر هذه المساحات، ولم تُقدَّر خسائر السودان من جرَّاء توقف زراعتها. أما في الشأن المصري، فإن أي سياسات مائية إثيوبية جديدة بعدم التزام تعهداتها لملء بحيرة السد، لا يخدم تلك السياسة لمصلحة السواد الأعظم من الفلاحين المصريين، كما لا يخدم السياسات الاقتصادية المصرية المثقلة بالديون الخارجية والعجز المحلي(14).
كانت أزمة سد النهضة من بين القضايا الشائكة لكنها تبدو اليوم ورقة الاختبار الحقيقية للمشروع الإصلاحي لرجل إثيوبيا الجديد، فإذا تحقق له ما أراد من تطبيع العلاقات مع الخرطوم والقاهرة، وعلى نحو يخدم مصالحهما الاقتصادية وسياستهما المائية، فإن الكلفة التي سيدفعها آبي أحمد ستكون باهظة وعلى حساب مشروع النهضة الاقتصادية في إثيوبيا؛ إذ إن التوفيق بين متطلبات الداخل الاقتصادية وعدم الإضرار بمصالح السودان ومصر، سيكون صعبًا بالنسبة لـ"أحمد" الذي يسير في حقل من الألغام وسط قلَّة الإمكانات المادية والخبرة السياسية.
دوافع وأسباب الاستراتيجية الإثيوبية الجديدة
في النقاط الآتية، نسرد بعض الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء الإثيوبي إلى تبني المشروع الإصلاحي بعد عقود من المواجهة الطرفية مع عدد من دول القرن الإفريقي:
- رغبة أديس أبابا في حل المشاكل الداخلية وإيجاد مخرج من دائرة الانغلاق إلى فضاء من التوسع والنفوذ عبر آلات وماكينات السلام والتفاهم الدبلوماسي.
- مواكبة التطورات الدولية والإقليمية في القارة الإفريقية، والتحول من دولة بوليسية إلى دولة حديثة في شرق إفريقيا، يتوافر فيها شروط التنمية المستدامة وتحقق لشعبها حرياته الأساسية وحقوقه التي يكفلها الدستور الإثيوبي.
- تبنِّي سياسة صفر مشاكل مع الجيران، وخاصة مع إريتريا؛ إذ إن التصالح مع دول الجوار وسيلة مهمة تتجاوز بها أديس أبابا الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، لأن جزءًا كبيرا منها له روافد خارجية، وإريتريا من أهمها، جرَّاء التشابك القبلي، والإمعان في استثمار المعارضة الإثيوبية.
- مواصلة تبني سياسة الانفتاح، وذلك من أجل خلق توازن سياسي جديد في القرن الإفريقي يتسم بالاستقرار السياسي والانفتاح المتبادل بين دوله سياسيًّا واقتصاديًّا.
- وعلاوة على كل ذلك، فإن الكثافة السكانية في إثيوبيا تحتاج إلى اقتصاد واعد يمكِّنها من تحقيق النجاحات الاقتصادية، فإذا لم تحقق أديس أبابا وعودها فإن مطالب الثوار المهمشين والمعوزين ستتجدد وتؤثر على موقع آبي أحمد. وتحقيق النمو الاقتصادي لا يأتي إلا بانفتاح سياسي واقتصادي بنَّاء مع دول الجوار.
- إضعاف الجناح المتشدد في حزب جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF) الذين انحنوا للموجة العاتية، إلا أنهم لم ولن يرضوا عن التغييرات الكبيرة التي حدثت والمتوقعة أن تحدث. وإضعاف هذا الجناح لا يمكن أن يتحقق لآبى أحمد إلا عبر كسب الجناح المعتدل من ناحية وتحسين العلاقة مع دول الجوار وعلى الأخص النظام الإريتري.
- الرغبة في الحصول على الدعم الاقتصادي الكبير من المحور الإقليمي والدولي الذي يدعم تحقيق السلام بين إريتريا وإثيوبيا؛ وهذا التحالف يتمثل في: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛ وذلك بقيادة أميركية(15).
التحديات والمعوقات
بقدر سرعة الرياح التي تحركت بها دبلوماسية آبي أحمد في دول شرق إفريقيا وجولاته المكوكية بين كل من الإمارات والسعودية ومصر والسودان والصومال، يواجه الرجل جملة من التحديات والمعوقات التي تعترض سبيل تحقيق مشروعه الإصلاحي الطموح، في منطقة ملتهبة بالصراعات السياسية وتحتضن نفوذًا متزايدًا من قوى عالمية متناقضة الأجندات والمصالح نحو التسابق المحموم في منطقة القرن الإفريقي.
تتلخص أبرز التحديات السياسية التي تعوق جهود ومساعي الحكومة الإثيوبية نحو إعادة تموضعها في المشرق الإفريقي فيما يلي:
1. جدار أفورقي الحديدي:تصف الدوائر الغربية والأميركية الرئيس الإريتري، آسياس أفورقي، بأنه رجل براغماتي وعسكري عنيد، ويعد رجل إريتريا القوي الوحيد، من خلال تفرده بمقاليد الحكم منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي. وذلك عبر مقولة: إن من يسيطر على الجيش يسيطر على الحكم. هي قاعدة لا تزال يعمل بها الكثير من قيادات الدول الإفريقية. فرض نفوذه على الجيش الإريتري، المكون من جماعات قبلية وعرقية مختلفة، وأجاد توظيف التناقضات الاجتماعية والسياسية، وقطع الطريق على التفكير في الانقلاب عليه عبر تجفيف منابع المعارضة أولًا بأول(16). ويخشى المراقبون من أن يتراجع أفورقي عن المبادرة الإثيوبية الجديدة، نتيجة سياساته التي توصف بأنها غير مستقرة؛ إذ يجيد اللعب على وتر التناقضات.
2. الصراع الداخلي في إثيوبيا: كشف التفجير الذي شهدته أديس أبابا خلال كلمة لـ"آبي أحمد" أمام حشد من الجماهير عن وجود جهات في الداخل الإثيوبي لا يروق لها الخط السياسي الجديد في إثيوبيا، كما أن إقالة عدد من ضباط الجيش، والذين ينتمون إلى قومية تيغراي، سيُعتبر في نظر تلك القومية اجتثاثًا لجذورها واستهدافًا مباشرًا لحضورها القوي في مفاصل الدولة، لكن استمرار ضغوط آبي أحمد على التيغراي قد يدفعهم للبحث عن تحالف للإطاحة بآبي أحمد وإلى فتح حوار مع بقية الأقليات الإثيوبية الخائفة من استئثار الأورومو بالحكم، فإذا لم ينجح هذا، سيذهب التيغراي إلى خيار آخر وهو حماية أنفسهم بتفعيل مادة في دستور البلاد تنص على حق تقرير المصير لأي إقليم يطلبه، وهو خيار سيحوِّل إثيوبيا إلى يوغسلافيا إفريقيا، ما يهدد الوحدة الإثيوبية ويعرقل جهود السلام لحل شامل لأزمات إثيوبيا الداخلية والخارجية(17).
3. مسألة جبهة تحرير أوغادينيا:تعتبر جبهة تحرير أوغادينيا واحدة من الحركات المسلحة المناهضة للنظام الإثيوبي منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أن تلك الحركة مرت بمراحل مختلفة وكان نشاطها المسلح في العمق الإثيوبي بين المد والجزر، فتارة تتصاعد وتيرة هجماتها، بينما تخبو تارة أخرى، وفي ظل العقدين المنصرمين، لجأ نظام ميلس زيناوي إلى سياسة العصا والجزرة، لترويض الحركة، كما لم تنجح معاهدات الصلح والاتفاق بين الطرفين، لتعنت النظام الإثيوبي حينًا وتعقيدات عروض الحركة ومطالبها حينًا آخر.
حاليًّا، وبحسب مقربين من الجبهة، فإنها تتنفس الصعداء؛ إذ إن سياسة العفو الشامل عن سجناء الرأي السياسيين والصحافيين والمعارضين التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي شملت أيضًا أعضاء من الجبهة والذين أمضوا سنوات مديدة وراء القضبان، ومن بين القيادين للحركة الذين أُفرج عنهم رجل الظل للجبهة، عبد الكريم شيخ موسى المشهور بـ"قلب طغح"، والقيادي البارز، بشير بختل، وآلاف من أنصار وأتباع الحركة.
وغداة إعلان أديس أبابا عن بدء عمليات استخرج النفط في الإقليم الصومالي، برز إلى السطح، مسألة الجبهة الصومالية وعادت إلى دائرة النقاش، ويؤمن كثيرون من قيادييها بأنه من دون اتفاق رسمي بين أديس أبابا والجبهة، لا يمكن تحقيق إنجاز في عمليات استخراج النفط في الإقليم الصومالي، وتريد الإدارة الإثيوبية حاليًّا تغطية نفقات مصانع الإسمنت التي تستهلك يوميًّا نحو 450 برميل نفط، من خلال استخراج النفط من الإقليم المتنازع عليه بين الصومال وإثيوبيا، في هذه المرحلة.
يبدو أن ملف جبهة تحرير أوغادين، ومسألة هوية الإقليم الصومالي والنزاعات الدائرية حوله، من العقبات والتحديات الرئيسة التي تواجهها الإدارة الإثيوبية الحالية التي تمسك العصا من الوسط وتريد حلًّا شاملًا لأزماتها الداخلية والخارجية.
ديناميات مستقبل التوازن في القرن الإفريقي
إن دبلوماسية النظام الإثيوبي الجديد ستخلط أوراق التوازن في منطقة القرن الإفريقي، التي تستقطب نفوذًا متزايدًا من قوى عظمى عالمية، فالوجود الصيني وحضوره الاقتصادي القوي في القارة الإفريقية، إلى جانب وجود أميركي وغربي في المشرق الإفريقي سيضع أديس أبابا على صفيح معارك استقطاب سياسية دولية ساخنة.
إن التنافس بين المصالح الصينية وتلك الأميركية سيأخذ أشكالًا مختلفة في الأشهر والسنوات المقبلة، وهو ما عكَسَه تحذير وزير خارجية واشنطن السابق، ريكس تيلرسون، إثيوبيا، وإفريقيا بشكل عام، من خطورة التعامل مع الصين، رغم أن هذا التحذير اضمحل مع إقالة تيلرسون لحظة إنهاء جولته، وعقَّد الرئيس، دونالد ترامب، معركة أميركا للحفاظ على نفوذها في إفريقيا بتعليقات هجومية وبتخفيض المعونات الاقتصادية بنسبة 35 في المئة(18).
كما أن جولة آبي أحمد إلى كل من الإمارات والسعودية ومصر، حملت أبعادًا أخرى، ربما ستضطر إثيوبيا إلى إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة، فإثيوبيا التي كانت قريبة من المحور التركي/القطري/السوداني، ربما ستنحاز إلى المحور السعودي/الإماراتي، ما سيمهد المنطقة أمام تحالفات واستقطابات جديدة، بين دول القرن الإفريقي ودول الخليج وتركيا.
سودانيًّا، فمعلوم أن إثيوبيا منذ نزاعاتها العسكرية المتكررة مع إريتريا حاولت أن تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الخرطوم وتطويرها، لأسباب أمنية وتنموية، وكذلك الاستفادة من موانئ السودان البحرية، فضلًا عن دعم السودان لإثيوبيا في مشروع سد النهضة. الآن كل هذه المصالح الإثيوبية في السودان تكاد تتحقق بصورة أفضل ضمن المحور الجديد، ميناء عصب الإريتري أقرب لإثيوبيا من أي ميناء آخر في الإقليم، مصر وإثيوبيا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى تفاهمات حول (سد النهضة)، هكذا تقل حاجة إثيوبيا للسودان، لكن هذا لا يعنى أن إثيوبيا ستكون بالضرورة ضد السودان، لكن لن تكون حليفًا حقيقيًّا له كما كانت(19).
خلاصة
إذن، الأوراق كثيرة ومتشابكة والملفات معقدة أمام المشروع الإصلاحي الطموح لآبي أحمد، فإما أن يواصل الرجل عجلة النمو الاقتصادي المتصاعد أو أن يوقف فرامل النمو عند هذا الحد، وقد توقَّع صندوق النقد الدولي استمرار النمو بمعدل 6.2 في المئة حتى عام 2022. ثم إن معدل الفقر انخفض بنسبة 31%(20)، أما في المحور السياسي فقد تدفع دبلوماسية آبي أحمد أديس أبابا إلى خيارات واستقطابات جديدة، في مقابل تحقيق مشروعها المستقبلي، فإثيوبيا الجديدة بين تعقيدات جيوسياسية واقتصادية صعبة ليس من السهل تفكيك عُقدها من دون أن تدفع الثمن غاليًا.
__________________________________
* الشافعي ابتدون، كاتب وباحث مهتم بشؤون القرن الإفريقي
(1) – "إثيوبيا: إقالة قائد القوات المسلحة ورئيس المخابرات"، الصومال الجديد، 9 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 1 يوليو/تموز 2018):
(2) - الشافعي، بدر، "إثيوبيا: اختيارات الحكومة الجديدة وتحدياتها" مركز الجزيرة للدراسات، 5 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 1 يوليو/تموز 2018):
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/05/180507072546692.html
(3) - "جبهة أورومو الديمقراطية" المعارضة تعود إلى إثيوبيا بعد سنوات بالمنفى"، وكالة الأناضول، 23 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2018):
(4) – "آبي أحمد: الصومال وإثيوبيا يصبحان دولة واحدة"، موقع بي بي سي الناطق بالصومالية، 18 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2018):
http://www.bbc.com/somali/war-44521039
(5) – "بعد قطيعة دامت عقدين.. إثيوبيا وإريتريا تطرقان أبواب السلام"، وكالة الأناضول، 27 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2018):
(6) – "محمد بن زايد يزور إثيوبيا ويدعم اقتصادها بـ3 مليارات دولار"، 16 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2018):
https://aliqtisadi.com/1114861-أبوظبي-تبرم-مذكرات-تفاهم-مع-إثيوبيا/
(7) – "مصر تستقبل آبي أحمد وتعلن التوافق مع إثيوبيا"، الجزيرة نت، 10 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 3 يوليو/تموز 2018):
(8) – محمد عبد الله، ياسين، "إريتريا وإثيوبيا: الطريق الوعر إلى السلام"، سودانايل، 26 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2018):
(10) - نقاش، أحمد، "السلام الإثيوبي الإرتري دلالات محلية وتداعيات إقليمية"، فرجت.نت، 25 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2018):
(11) – محمد عبد الله، "إريتريا وإثيوبيا: الطريق الوعر إلى السلام" مرجع سابق.
(12) – "رئيس الوزراء الإثيوبي يتعهد بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الصومال"، وكالة الأناضول، 16 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2018):
(13) – محمد صالح، محجوب، "ثم ماذا بعد كل هذا الاختراق؟"، سودانايل، 22 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2018):
(15)- نقاش، "السلام الإثيوبي الإرتري دلالات محلية وتداعيات إقليمية"، مرجع سابق.
(16)– أبو الفضل، محمد، "آسياس أفورقي ثوري عنيد ينشد السلام ويحول السلاح إلى معدات بناء"، العربي الجديد، 1 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 4 يوليو/تموز 2018):
https://alarab.co.uk/أسياس-أفورقي-ثوري-عنيد-ينشد-السلام-ويحوّل-السلاح-إلى-معدات-بناء
(17)– نصر الدين، وائل علي، "بعد محاولة الاغتيال: هل تقف إثيوبيا على شفير حرب أهلية؟"، إضاءات، 26 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2018):
https://www.ida2at.com/is-ethiopia-going-to-a-civil-war/
(18)– الحسيني، هدى، "خرجت أميركا من القرن الإفريقي فدخلت الصين"، 31 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 5 يوليو/تموز 2018):
https://aawsat.com/home/article/1285171/هدى-الحسيني/خرجت-أميركا-من-القرن-الإفريقي-فدخلت-الصين
(19)- نقاش، "السلام الإثيوبي الإرتري دلالات محلية وتداعيات إقليمية"، مرجع سابق.
(20)- الحسيني، "خرجت أميركا من القرن الإفريقي فدخلت الصين"، مرجع سابق.