الأبعاد الاجتماعية للتصوف في غرب إفريقيا: البنى والوظائف والعلاقات

تتناول هذه الورقة تفاعل التصوف في غرب إفريقيا مع سياقه الاجتماعي، وكيف استوعب المجتمع غرب الإفريقي ظاهرة التصوف الإسلامي وأعطاها صبغة إفريقية تتجلى في كثير من المظاهر يحاول هذا التقرير فهمها ورصدها.
b4b5442a7a87464d820517b68713be4d_18.jpg
من أبرز مراكز الطريقة التجانية في غرب إفريقيا ويوجد في مدينة كولخ في السنغال (الجزيرة)

يمثِّل التصوف طبعة الإسلام الأكثر رواجًا وانتشارًا في إفريقيا، وقد امتدت في الزمان طولًا مرافقةً تاريخ الإسلام ونضاله من أجل تقليص مساحات الوثنية التي كانت اللباس الديني للقارة السمراء، وامتدت في المجتمع عمقًا لتوجه القيم والأفكار والعادات وتعيد ترتيب المراكز والمواقع، وبناء المجتمعات واستقرار نظمها واستقرار حاضرتها.

والحق أن إفريقيا ما عرفت الإسلام إلا من خلال التصوف وأن التصوف كان النهر الإسلامي الأكثر تدفقًا -بين الأفكار والنحل الإسلامية- إلى بلاد السود، فاستقر في أرجائها وخصوصًا في منطقة الغرب الإفريقي، وبين رياض التصوف وحضرات الأشياخ والمريدين، نشأت قصة الإسلام في هذا الجزء من بلاد المسلمين وفي ذلك الركن من القارة السمراء.

وإذا جاز أن نبحث عن خصائص للإسلام أو لظاهرة التدين والتفكير الإسلامي في الغرب الإفريقي فلا نراها خارجة عن الميزات والصفات الآتية:

إسلام سُنِّي: وهذا الوسم بالسنية عمومي، خارج عن مقتضيات الجدل داخل الإسلاميين اليوم حول مفهومي البدعة والسنة، وإنما المقصود به عموم أهل السنة كقسيم إسلامي منفصل عن القسيم الشيعي، وإذا تحدثت المصادر عن دور لبعض الدعاة الشيعة في منطقة الغرب الإسلامي ودور آخر لبعض التجار الإباضيين في نشر الإسلام في مجالنا المدروس، فإن السنية بشكل عام سرعان ما رسمت خارطة الانتماء، وحددت الهوية العامة للمسلمين في غرب إفريقيا.

المالكية والأشعرية مذهبًا: والغرب الإفريقي في ذلك تبع للظاهرة المغاربية عمومًا حيث ألقى المذهب المالكي ظلاله على المغرب العربي والغرب الإفريقي، والمقررات المالكية في منطقة الغرب الإفريقي هي ذاتها السائدة في منطقة المغرب الإسلامي حيث فَرَضَ مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي نفسه كمرجعية أساسية للتمذهب، واستقر الأفارقة على رواية تلميذ الإمام مالك: عبد الرحمن بن القاسم من مذهب شيخه مالك فلم يعدوها قيد أنملة إلى ما سواها من المذاهب إلا في وقت متأخر ومع بوادر ما اصطُلح عليه بالصحوة الإسلامية.

الصوفية مشربًا: والتصوف ثالث خصائص الإسلام في إفريقيا، وقد امتد في شرايين القارة الإفريقية فلم تعدَّ سواه مشربًا روحيًّا، وحول التصوف امتدت شجرة الإسلام في إفريقيا، وضمن حوزاته وحضراته وبين مريديه نشأت حركات علمية وجهادية ودعوات تجديدية، وتأسست معاهد ومدارس علمية طبق إشعاعها القارة الإفريقية، وضمن التصوف أيضًا تأسست فرق وانتماءات وقامت أنساق وبنى اجتماعية جديدة كادت أن تجعل من النِّحلة الصوفية نَسَبًا وآصرة اجتماعية وهوية ورباطًا.

إسلام احتفالي: والإسلام في إفريقيا، مناسباتي شعائري ذو صبغة شعبية راسخة في النفوس، وأيام الإسلام الإفريقي متعددة، تأتي احتفاء بالأعلام والمعالم وتنتظم الزمان والمكان والإنسان في رحلة من التقديس والاحتفاء لا حد لها، وهي قابلة للتجدد، فمع ظهور كل زعيم أو طريقة صوفية جديدة في الغرب الإفريقي تظهر تلك الاحتفالية احتفاء بالميلاد وتخليدًا للوفاة، وتقديسًا للضريح والمسجد والصورة والآثار. وإذا اقتطع سيف التمحيص والتأصيل الإسلامي الاحتفاءَ والاحتفالَ من الإسلام الإفريقي فقد اقتطع منه جزءًا كبيرًا إن لم يكن الجزء الأكبر منه والناظم الجماهيري الأعظم في هذا الإسلام الذي تشرَّبه الغرب الإفريقي منذ قرون عديدة.

إسلام ثوري: وشواهد ذلك ماثلة في حجم الحراك الثوري الذي تأسس حول المساجد والحضرات الصوفية. ومن بين حلقات العلم وعلى أيدي طلابه، نشأت بوادر المقاومات الإفريقية للاحتلال الفرنسي والإنجليزي في المنطقة، وظلت تلك المقاومات في جملتها مستندة على بُعد ديني واضح، دون أن ينفي ذلك أن بعض حضرات ومشايخ التصوف رأت في مهادنة المستعمر أيضًا موقفًا فقهيًّا واجتهادًا يستجلب الأدلة. وللجانب الاجتماعي في هذه الثورية حضور قوي فقد كان شيوخ التصوف قادة الثورة على الديكتاتوريات الإفريقية القديمة التي كانت تذيق شعوبها أشد أنواع الظلم والتنكيل والتحقير الاجتماعي، وكان لتلك الثورات التكريمية دور أساسي في تدفق الأفارقة إلى الإسلام(1).

التصالح مع القيم الإفريقية: يتداخل الدِّين والعِرق في عدد من دول إفريقيا، وبموجب ذلك التداخل يتآكل المضمون القيمي والفكري للإسلام ويكون أكثر تصالحًا وانسجامًا مع العادات والتقاليد والقيم الإفريقية السائدة، وإن كان بعضها لا ينسجم بداهة مع بعض الأساسيات الإسلامية، وكما تصالح الإسلام الإفريقي مع القيم الاجتماعية السائدة، فقد تصالح أيضًا في أقطار كثيرة من إفريقيا مع العلمانية التي تركت له تسيير الشأن الديني واستندت عليه في بعض الأحيان في حشد الدعم السياسي.

خارطة التصوف في غرب إفريقيا

أدت السياسة للتصوف في غرب إفريقيا مدارس وطرق متعددة، لعل من أبرزها:

الطريقة القادرية

القادرية إحدى أعرق وأقدم وأوسع الطرق الصوفية انتشارًا في العالم الإسلامي، وهي أيضًا أولى الطرق الصوفية وصولًا إلى الغرب الإفريقي، وتنتشر في إفريقيا طبعات متعددة من القادرية، أبرزها:

- البكائية: نسبة إلى الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي (كان حيًّا 1514). ومن أبناء البكاي وتلاميذه، تمددت الطريقة القادرية وترسخت في أصقاع عديدة من غرب إفريقيا، وكانت منطقة أزواد بمالي وكذلك الشرق الموريتاني مركز البكائية الأول إلا أنها امتدت إلى نيجيريا عبر الشيخ عثمان دان فوديو (توفي حوالي 1817)(2) الذي كان من أبرز تلاميذ الشيخ سيدي المختار الكنتي (توفي 6 يونيو/حزيران 1811)(3) أحد أبرز أعلام وأحفاد مؤسس البكائية، بل يمكن اعتبارها المؤسس الثاني للطريقة البكائية في الغرب الإفريقي. وللقادرية في طبعتها الكنتية تأثير قوي جدًّا في مالي حيث ينتمي عشرات الآلاف من البمبارة إلى الورد البكائي، ولها في السنغال أيضًا مكانة كبيرة، حيث تمثل مدينة أنجاسان مركز ثقل القادرية البكائية، وتعتبر أسرة أهل بونعامه الموريتانية الأصل بيت الخلافة القادرية الكنتية في السنغال.

- الفاضلية: نسبة إلى مؤسسها الشيخ، محمد فاضل بن مامينا (توفي 23 أبريل/نيسان 1869)(4)، الذي سلَّم رايتها إلى أبنائها الذين توزعوا في إفريقيا والمغرب، وامتد صيتهم الرُّوحي إلى أصقاع عديدة، حيث كان الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل (توفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 1910) مؤسس رباط وجهاد وحراك سياسي وفكري ورُوحي عميق في صحراء المملكة المغربية، فيما كان أخوه الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل (توفي 12 يوليو/تموز 1917) على موعد مع ثورة روحية وانتشار واسع في الصيت والتأثير في غرب موريتانيا ومناطق واسعة من السنغال، وإذا كان الشيخان الأخوان قد تباينا في دائرتي المكان والأتباع فقد تباينا أيضًا في الموقف من الاستعمار الفرنسي، فكان الشيخ ماء العينين وأبناؤه وتلاميذه أبرز رموز المقاومة ضد الفرنسيين، وكان الشيخ سعد بوه -على الضفة الأخرى- من أبرز رموز المهادنة ومسالمة الفرنسيين(5).

وللفاضلية تأثير قوي في السنغال عبر مشربين صوفيين، هما: مشرب الشيخ المحفوظ بن الطالب أخيار (توفي في نوفمبر/تشرين الثاني 1919) في مدينة دار السلام، ومشرب الطريقة السعدية، نسبة للشيخ سعد بوه، التي جعلت من قرية النمجاط الموريتانية محجة يفد إليها آلاف المريدين في نهاية رمضان من كل عام، حيث يقيمون شعائر الاحتفاء والتقديس حول ضريح الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل، وللفاضلية أيضًا حضور قوي في غامبيا وساحل العاج ودولة غينيا.

والقادرية أم الطرق الصوفية في إفريقيا، وأبرز بوابات الإسلام إلى إفريقيا، بل إن الغالبية العظمى من الأفارقة ما عرفوا الإسلام إلا من خلال القادرية وعلمائها ودعاتها وزواياها والتجار المنتمين إليها، ويصف بعض الباحثين علماء ودعاة الطريقة القادرية بأنهم "من أحسن مبشِّري الدين الإسلامي في غرب إفريقيا من السنغال إلى بنين وهم ينشرون الإسلام بطريقة سلمية بعيدة عن القتل والضرب"(6).

ومع ذلك، لا يخفى أن القادرية تعيش في الغرب الإفريقي حالة تراجع بفعل عوامل متعددة أبرزها:

• ضعف الآليات التنظيمية للطريقة حيث لا توجد أنظمة لتجميع وتوزيع أتباع الطريقة في دوائر ووحدات كما هو عند التجانية والمريدية.

• غياب أو ضعف الاحتفاليات والمواسم الكبرى للطريقة، وهي مناسبات تضفي على الطرق الصوفية الأخرى حركية مستمرة سواء تعلق الأمر بإحياء ذكرى مولد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وموالد وأضرحة المشايخ الطرقيين الآخرين.

• الثورات التصحيحية التي قادها شيوخ قادريون من أجل تشذيب التصوف وتنقيته مما يرون أنه دخن البدع والانحرافات السلوكية والسير به قدمًا إلى التقارب مع السلفية (7).

الطريقة التجانية 

لقد مثَّل الغرب الإفريقي الحاضنة المثلى والمنشأ الثاني والمستقر الأبرز للطريقة التجانية بعد منطلقها الأول في الجزائر ومستقرها بعد ذلك في فاس المغربية، ودخلت التجانية إلى إفريقيا الغربية عبر بوابات ورموز ومشايخ متعددين، أبرزهم الشيخ محمد الحافظ بن حبيب الله العلوي الشنقيطي (توفي 1831) الذي كلَّفه الشيخ سيدي أحمد التجاني (توفي في سبتمبر/أيلول 1815) بنشر الطريقة في الغرب الإفريقي، وصار سنده في الطريقة التجانية معروفًا بالسند الحافظي، وعن العلوي الشنقيطي أخذ جُلُّ علماء ومقدمي الطبقة الأولى من أشياخ التجانية في الغرب الإفريقي.

ومن أبرز رموز الطريقة أيضًا الحاج عمر الفوتي (توفي في 12 فبراير/شباط 1864) الذي أخذها عن الشيخ مولود فال اليعقوبي الشنقيطي (توفي في يناير/كانون الثاني 1851)، وكذلك الحاج مالك سي (توفي في 17 يونيو/حزيران 1922) الذي أسس أحد أهم مراكز الصوفية في غرب إفريقيا، وجعل من مدينة تيواون السنغالية مركز إشعاع تيجاني طويل المدى.

ولقد بلغت التجانية أوج انتشارها مع الشيخ إبراهيم انياس (توفي 27 يوليو/تموز 1975)(8) الذي نقل السند الحافظي للطريقة التجانية إلى مرحلة عميقة من الانتشار والتمدد، وكان لمريده الموريتاني، الشيخ الهادي بن السيد بن الشيخ بن سيدي مولود فال (توفي مايو/أيار 1982)، دور عميق في نشر التجانية في نيجيريا، وما جاورها من بلاد إفريقيا، كما امتدت التجانية إلى مختلف دول غرب إفريقيا وكانت أحد أهم منافذ الهوية الروحية لشعوب إفريقيا الغربية.

الحموية: وهي فرع من الطريقة التجانية نافس الطريقة الأم وأعاد تحوير بعض أورادها، وقد أسس الطريقة الشيخ الموريتاني، أحمد حماه الله بن سيدينا عمر التيشيتي (توفي 16 يناير/كانون الثاني 1943)، واستطاعت في زمن قياسي مد ظلالها على أصقاع كبيرة من إفريقيا الغربية وخصوصًا في مالي وساحل العاج والغينيتين.

وقد كان أن ارتبطت الحموية بشيخها المؤسس، الشيخ حماه الله، الذي توفي منفيًّا في فرنسا بعد فترات نفي أخرى في دول إفريقية متعددة، وقد أسهمت تلك المنافي في نشر الإسلام والطريقة الحموية في دول عديدة من الغرب الإفريقي، وكان المنفى الأخير بداية إشعاع روحي ربط سيرة الشيخ حماه الله بفكرة الغيبة والانتظار التي تتقاطع بشكل كبير مع بعض الأدبيات الشيعية.

وتتخذ الطريقة الحموية من مدينة انيور المالية مستقرًّا لها حيث يقيم خليفتها الحالي، الشيخ محمدو بن الشيخ حماه الله، وهو أحد رموز السياسة والتأثير الروحي القوي في مالي بشكل عام وفي شرق موريتانيا بشكل قوي وفعال (9).

وقد توسعت التجانية في غرب إفريقيا عبر شيوخ وعلماء ومدارس متعددة، وكان للشيخ، الحاج عمر الفوتي، السبق في نشر الطريقة التجانية في المنطقة، وتوزع تلاميذه من بعده في أقطار متعددة من إفريقيا، حيث كان للشيخ محمد المختار بن أحمد بيللي سال (1860 – 1930) دور مهم "في تقديم الطريقة التجانية إلى المناطق الساحلية، مثل: الغابون وغانا وتوغو، وساحل العاج، وسيراليون". وفي بوركينافاسو كان للشيخين، أبوبكر ميغا وعبد الله دوكري دور مهم في مد ظلال التجانية بين السكان، وقد مارس عليهما الاستعمار الفرنسي اضطهادًا سياسيًّا عزَّز من مكانتهما الاجتماعية (10).

والتجانية في الغرب الإفريقي متغلغلة في دوائر النفوذ بشكل كبير جدًّا وإليها تنتمي نخب كبيرة من مختلف قطاعات المجتمعات الإفريقية وفي كل مفاصل الدول ومجالات التأثير الفعال في المجتمعات. وإلى جانب ذلك، فإن للطريقة التجانية أيضًا سندًا كبيرًا وهو المملكة المغربية التي تحتضن الخلافة العامة للتجانية. ويمكن اعتبار التجانية إحدى أوراق التأثير القوية للمملكة المغربية في مختلف دول إفريقيا.

المريدية: وهي طريقة أسسها الشيخ، أحمدو بمبا بن حبيب الله السنغالي (توفي 19 يوليو/تموز 1927)، وأنهى بتأسيسها فترته القادرية التي أخذ أورادها على يد الشيخ الموريتاني، بابا بن الشيخ سيديا الأبييري (توفي 12 يناير/كانون الثاني 1924)، وتنتهي أوراد المريدية عند الشيخ أحمدو بمبا ثم ترتفع بعد ذلك إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كما تقول التعاليم والأدبيات المريدية الشائعة (11).

وللمريدية انتشار مذهل في السنغال وفي غرب إفريقيا بشكل خاص، وقد عانى مؤسسها من النفي والاضطهاد من قبل الفرنسيين؛ حيث تعرض للنفي في موريتانيا والكاميرون.

ومقر الطريقة المريدية الآن هو مدينة طوبى التي أسسها الشيخ أحمدو بمبا مستلهمًا اسمها من الآية القرآنية "طوبى لهم وحسن مآب" ويجتمع في طوبى سنويًّا موسم للطريقة يصل حضوره السنوي إلى خمسة ملايين زائر (12). والخليفة العام للمريدية الآن هو الشيخ سيدي المختار امباكي وهو، إضافةً إلى رتبته الروحية، أحد الشخصيات العلمية المرموقة في السنغال وقد افتتح خلافته بإيلاء التعليم اهتمامًا خاصًّا.

التصوف والتشكيل الاجتماعي

التصوف في نهاية مطافه ظاهرة اجتماعية، فهو مجموعة من القيم تؤدَّى من خلال مجتمعات ووظائف اجتماعية وتتمدد أفقيًّا وعموديًّا في أنساق. ولهذه الوظائف الاجتماعية التي يؤديها التصوف باعتبارها نسقًا أخلاقيًّا أيضًا دون شك تأثير بالغ على الأفراد والجماعات المتناغمة معه أو الدائرين في فَلَكِه، عبر معالم متعددة، أبرزها:

- بناء المجتمع الخاص للتصوف: وذلك من خلال تحديد الغايات الكبرى الفعالة في حياة الناس، الحافظة لقيمهم المشتركة والراسمة لأهداف واسعة لهم في الدنيا التي يعيشون والآخرة التي يرون التصوف خير زوارق النجاة فيها.

ولقد أدت هذه الغائية إلى تشكيل شخصية المريد، بمعالمها المتعددة التي تنطلق مع البيعة التي هي عقد انتماء ودخول إلى مجتمع التصوف. ثم تستمر بعد ذلك مسيرة التربية الصوفية وتغذية المريد أو التلميذ أو الصحاب بالأوراد والقيم الطرقية التي ستجعل منه مع الزمن النموذج والترسيم الفعلي لرأي الطريقة ونظرتها للحياة ولشخصية الفرد وشبكة علاقاته في المجتمع.

وتُظهر تعاليم الطريقة التجانية بشكل خاص جملة من الآداب والقيم المتعددة التي تصنع في مجملها دوائر متعددة للعلاقة المجتمعية وتفتح للمريد أو العضو التجاني طريقه إلى مجتمع الطريقة الخاص، ثم المجتمع العام الذي يتحرك فيه، وأغلب هذه القيم دائرة تمامًا حول مركزية الشيخ، وتلك صفة ثابتة في مختلف الطرق الصوفية:

- امتثال أوامره واجتناب نواهيه.

- إيثاره بكل شيء، حتى الوالدين في حالة عدم توافقهما مع الشرع.

- أن ينوي بإكرامه لشيخه وجه الله تعالى.

- أن يحافظ على عهده وسره ولا يتتبع عوراته وعثراته.

- أن يحب من يحب شيخه ويكره من يكره شيخه.

- ألا يدخل فيما لا يعنيه.

- أن يفاتح شيخه بالكلام بعد أن يفاتحه هو لا قَبل ولا يُكثر عليه حتى يمله.

- ألا يتجسس على عيوب إخوانه لينقلها إلى شيخه ليُوقِع بينه وبينهم.

- ألا يخاصم مريدي شيخه ولا يبغضهم (13).

وعلى هذه الأخلاق والقيم تتوارد أغلب بل كل تعاليم الطرق الصوفية؛ إذ إن الفروع الصوفية لا تعدم جذرًا للتلاقي حول الأوراد والقيم ومكانة الشيوخ ووظائف المريدين فتتشابه وتتقاطع الطرق وتختلف في بعض البنى التنظيمية ومستوى استخدام المغيب والتأثير الروحي.

والأكيد أن هذه القيم والأخلاق واللوازم تؤول مع الزمن إلى بنية تنظيمية، ذات مسارين: أحدهما عمودي يترقى فيه التجانيون من مريد إلى مقدم فمقدم مطلق، فشيخ مأذون له بتلقين الأوراد، وفي الغالب فإن مرحلة التقديم والتصدير النهائية ستدفع صاحبها إلى أن يقيم مركزه الخاص به، قرية أو مدينة أو شعبة من شعب التربية والبناء الصوفي.

أما المسار الأفقي لهذا الانتماء فهو مسار الدائرة، وهي أشبه بالوحدة القاعدية عند الأحزاب. والدوائر مجموعات من المريدين موزعة في الأحياء والمناطق المتجاورة، يقودها مقدم تلتزم بأداء الأوراد الجماعية، وتنظيم العلاقات البينية وإقامة مؤاخاة وأرحام موصولة بحبال الآصرة الطرقية، وتتفاوت الدوائر التجانية وكذا المريدية في السنغال على سبيل المثال تبعًا للوضعيات الاجتماعية والاقتصادية لأعضائها، ويؤدي أعضاؤها في الغالب زيارة سنوية للمراكز الكبرى في طوبى وكولخ وتيواوون، حيث يؤدون الصلوات والأذكار وحلقات الحفظ، وفي الغالب يهدون إلى الحضرة من فائض ميزانية الدائرة.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن غالبية قومية الفولان بفصائلها المختلفة تنتمي إلى مدارس التجانية وأن غالبية مجتمع الولوف في السنغال تنتمي إلى الطريقة المريدية.

قداسة الزعامة الصوفية

يضفي التصوف في غرب إفريقيا حالة من القداسة على المشايخ والزعامات الصوفية، ويصل هذا التبجيل إلى:

- تقديس الحضرة والمشيخة الصوفية واستدرار بركاتها من أجل قضاء حوائج المريدين وفق الأدبيات السائدة في مجتمعات التصوف بشكل عام.

- الزعامة الاجتماعية: حيث إن رتبة الشيخ والمقدم الصوفي تفوق رتبة زعيم القبيلة والوجيه السياسي. وقد أخذ المشايخ جانبًا من هذه الزعامة من خلال البُعد القيمي الذي يمثِّلونه وما حافظوا عليه من زهد وإنفاق وتعليم ومجالات إصلاح، بل ومقاومة في وجه الزعامات الاجتماعية التقليدية وخصوصًا الوثنية التي كانت تضطهد رعاياها بشكل كبير.

وقد تصالح التصوف بشكل كبير في مجال تقديس الزعامات الروحية مع العادات الإفريقية العريقة في هذا المجال؛ حيث يُحمل الشيخ على الأعناق في بلدان إفريقية كثيرة ويُتلقى بالسمع والطاعة، والهدايا والهبات.. إلخ.

وقد فرضت هذه المكانة للزعامات الصوفية حضورًا قويًّا في التسيير والشراكة في الملف السياسي في بلدانهم، ففي السنغال يسعى جميع السياسيين إلى خطب ود الطريقة المريدية ويؤدي الرئيس الذي ينتمي إلى الطريقة التجانية زيارات متعددة مع تقديم بعض الهدايا إلى كثير من أقطاب التصوف وخصوصًا الرموز الجديدة، وربما ضِمن مسعى لخلق طبقة صوفية مساندة له.

وقد ظهر حضور التصوف وقوته في المشهد السياسي في انتخابات مالي الأخيرة، حيث التقى الرئيس المنتخب، إبراهيما كيتا، برموز وعلماء وشخصيات صوفية، ساعيًا إلى نيل بركاتهم وأصوات أتباعهم، كما حرَّك الشيخ الحموي، محمدو بن حماه الله، أتباعه بقوة لدعم أحد المرشحين الخاسرين.

وفي موريتانيا، استُخدم التصوف بقوة كورقة سياسية مؤثِّرة، من قِبَل كل الأنظمة السياسية المتعاقبة وخصوصًا منذ 1978، وذلك بعد سقوط نظام الرئيس، المختار ولد داداه، الذي سعى إلى تقليص نفوذ وحضور الزعامات الصوفية في البلاد، ضمن سعيه لفرض نظام سياسي جديد في بلد لم يعرف الدولة المستقرة قبل استقلاله في 1960.

وفي الغالب، فإن قداسة الزعامة الصوفية في الغرب الإفريقي مستندة على عوامل أساسية، من أبرزها:

- حجم الوعود والإشارات الروحية التي يطلقها المشايخ الصوفيون فيما يتعلق بالآخرة وتحقيق الرغبات والمطالب وهو ما يضفي جوًّا من التقدير من المريدين تجاه أشياخهم.

- البنية التنظيمية وشبكة العلاقات في المجتمعات والدوائر الصوفية، وهي علاقات متحركة فعالة تنتقل عبر الأجيال. 

- المصاهرات لتعزيز العلاقات الصوفية: للمصاهرات دور وثيق في تمتين علاقات الطرق الصوفية في غرب إفريقيا، وقد نسجت هذه العلاقات جسورًا قوية بين الطريقة التجانية على سبيل المثال وفروعها في مختلف دول غرب إفريقيا وبينها وبين الطرق الأخرى، وقد كان للشيخ إبراهيم انياس تفكير نوعي في هذا المجال حيث أضاف إلى الرابطة الروحية مع أتباعه نسبًا وصهرًا، وجعل منهم بنين للفكرة وحَفَدَة للمؤسس. وتضفي مصاهرة الأسر الصوفية رفعة في المجتمعات الإفريقية، وفي بعض الأحيان، تحرص بعض الأسر الصوفية على حصر التزاوج بين أبنائها أو أسر صوفية مماثلة في الرتبة. وهو ما قد تنجرُّ عنه حالات واسعة من العنوسة في الأسر الصوفية.

نحو المدينة الفاضلة

بديهي أن التصوف في الأصل هو نشدان للكمال وسعي إلى الترقي في مدارج الصلاح الديني والدنيوي. وفي هذا السياق، أخذت التعاليم الصوفية ووصايا المشايخ الطرقيين في الغرب الإفريقي، جانب العلاقة مع الآخر، باهتمام كبير؛ وذلك في سعي لإقامة المدينة الفاضلة، وهو مطلب عزيز المنال في حياة البشر التي لم تخل في أي وقت من الأوقات من اشتباك الأمراض التي يحاربها التصوف.

ويلاحظ الباحث السنغالي، سام بوسو امباكي، أن موضوع المدينة الفاضلة كان حاضرًا بقوة عند الشيخ أحمدو بمبا، مؤسس الطريقة المريدية، الذي أراد لمدينته طوبى أن تجمع: 

- قيم الدين الإسلامي من صفاء روحي وبُعد عن اللغو والعبث وحماس في الذب عن السنة ومواجهة البدع.

- ارتباط الأسماء بالمدلول القيمي: وذلك عبر أسماء القرى التي حملت على سبيل المثال أسماء: دار السلام، دار المنن، دار العليم الخبير، البقعة المباركة، طوبى.. إلخ.

- مركزية المسجد: حيث جعل الشيخ أحمدو بمبا من المسجد قلب مدنه الفاضلة التي عمل على أساسها، وحول المسجد تتناثر المساكن والمحاضن والمدارس، ولا يخفى ما للمسجد من مركزية في التصور الإسلامي وما له من قيم روحية لدى الصوفية باعتبارها محل الرباط والتربية والمجاهدة.

- التوزيع الوظيفي: للمساكن والقطاعات السكانية، حيث توجد قطاعات خاصة بالطلاب وأخرى خاصة بكُتَّاب المصاحف ونُسَّاخ الكتب وأخرى بالمهنيين العاملين في خدمة الطريقة وشيخها، مما يضفي بُعدًا عمليًّا مستمرًّا على المدينة. 

- كسر حاجز الطبقية: من خلال تحويل الطلاب والمريدين إلى وظائف تناسب قدراتهم البدنية والذهنية وليس طبقاتهم الاجتماعية، فيعمل بعض أبناء الزعامات في مجال الدباغة والتطريز، وربما انتقل بعض أبناء الحرفيين إلى مهنة التدريس والإمامة.

- إحياء قيمة الجد: حيث تمنع في المدن المريدية أعمال اللهو والأنشطة الترفيهية، بل يحرم فيها التدخين في الغالب وهو ما يضفي جانبًا من القداسة واحترام النظام على سكان المدن المريدية (14).

وضمن السعي للمدينة الفاضلة، كان للتصوف دور أخير في حماية الهوية الإسلامية؛ فنجد الشيخ إبراهيم انياس يحدد بشكل قاطع ونهائي هوية الشعب السنغالي بأنه "شعب مسلم يتبع محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم".

إدارة مؤسسات المجتمع

غير خافٍ أن علاقات التصوف قد انسابت بقوة في الأنسجة والبنى الاجتماعية في غرب إفريقيا وتداخلت الوظائف التي تؤديها الحضرات والخلفاء الصوفيون مع مختلف أدوار الدولة ووظائف المجتمع المدني، ومن أبرز تلك الوظائف: 

- إدارة الشأن الديني: بكل محطاته ومراكزه من مساجد وزوايا ورباطات تعليم وتربية، وقد ارتبط كثير من المساجد في غرب إفريقيا بأشياخ ورموز من الصوفية، وفي أحيان كثيرة تحافظ المساجد الصوفية على معمار موحد وذلك اسلتهامًا لروح المركز وسعيًا إلى نقل ذكراه إلى بقية الأقطار كما هي حال مساجد أتباع الطريقة الإبراهيمية في غرب إفريقيا؛ حيث تتشابه المساجد الإبراهيمية في شكل منائرها الأربع وألوانها الخضراء محققة وحدة معمارية تتناغم مع وحدة الأذكار والتراتيل والوظائف الصوفية. وضمن هذه الوظيفة أيًضا تصدت الطرق الصوفية بقوة للتنصير في غرب إفريقيا واستطاعت أيضًا أن تُدخل الإسلام ملايين الوثنيين من الأفارقة، وأن تحمي الهوية الإسلامية للغرب الإفريقي قرونًا عديدة.

- إدارة العلاقة مع الأتباع: وذلك عبر بنى اجتماعية وتنظيمية محكمة من أبرزها نظام الخلافة الذي يتم من خلاله انتقال السلطة الصوفية، وغالبًا ما يتم داخل أبناء الشيخ المؤسس، هذا إضافة إلى مؤسسة الزاوية، وهي مؤسسات أقل انتشارًا وقدرة من الخلافة المركزية، وتنتشر في موريتانيا على سبيل المثال عشرات الزوايا الصوفية مثل زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي، وزاوية الشيخ محمد المامي، وزاوية الشيخ محمد فاضل، وزاوية الشيخ أحمد أبو المعالي..إلخ.

- إدارة الأحوال الشخصية: نظَّمت الطرق الصوفية قضاء شرعيًّا أهليًّا تتعامل معه السلطات العلمانية في الغرب الإفريقي بمرونة، ومن خلاله يمارس المسلمون تعاليم دينهم في الزواج والتعازي وبقية المناسبات الاجتماعية، وغالبًا ما يتم تعيين القضاة والفقهاء الذين يديرون مهمة العقود والبيوعات من قبل الشيخ أو الزعيم الصوفي في منطقتهم.

- إدارة التعليم: حيث يرتبط أهم وأبرز مؤسسات التعليم الإسلامي في غرب إفريقيا بالتصوف، ففي السنغال على سبيل المثال تمثِّل مدارس الأزهر(15) التابعة للحضرة المريدية منصة تعليمية بالغة التميز يصل طلابها إلى أكثر من 72 ألف طالب استطاعوا أن يضعوا بصمات قوية على حاضر السنغال في مجالات الثقافة الإسلامية والاستعراب الذي بات ظاهرة ثقافية واجتماعية تتمدد بشكل كبير في تلك البلاد، ولم تغب الحضرة التجانية عن مجال التعليم حيث تشكِّل معاهد شيخ الإسلام، إبراهيم انياس، محضنًا تعليميًّا يؤوي عشرات الآلاف من الطلاب، ونجد نفس الأمر صادقًا أيضًا على حاضرة تيواون وإن كانت بقدرة أقل(16). كما مثَّل معهد إبراهيم الخليل الذي يديره الشيخ والسياسي المشهور، محمد الحافظ النحوي، أحد أهم المحاضن العلمية التي آوت مئات الطلاب الأفارقة.

وللحضرات الصوفية تأثير في مدراس التعليم الأصلية؛ ففي موريتانيا على سبيل المثال ينتمي غالبية شيوخ المحاظر وكبار العلماء إلى الطرق الصوفية، ومن أكبر المراكز التقليدية لتلقي العلوم الشرعية في موريتانيا محظرة التيسير للشيخ العلامة، محمد الحسن بن أحمد الخديم، ومحظرة النباغية لشيخها محمد فال بن عبد الله، وكلا الشيخاني تجاني، وكلتا المحظرتين منهل مورود لآلاف الطلاب من مختلف بقاع العالم الإسلامي.

وقد مكنت إدارة الحضرات الصوفية ملف التعليم في غرب إفريقيا من مد جسور العلاقة بين إفريقيا والعالم العربي وجعلت من الاستعراب ظاهرة تتمدد في شرايين المجتمعات الإفريقية (17).

دبلوماسية التصوف: وضمن الأدوار المهمة للتصوف في الغرب الإفريقي يظهر مفهوم دبلوماسية التصوف الذي بدأ يحتل مكانة من الاهتمام خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب الأدوار التي أداها رموز ومشايخ صوفيون في حل بعض الأزمات الداخلية للدول أو البينية، ويمكن في هذا السياق التمثيل بالدور الكبير الذي لعبته الطرق الصوفية في السنغال وموريتانيا من أجل تلافي أحداث 1989 المؤلمة في السنغال، حيث وفرت الطريقة التجانية المأوى والأمان لعشرات الآلاف من الموريتانيين المطرودين من السنغال، وسعت الطريقة المريدية جاهدة إلى تحريك ملف السلام بين البلدين بكل ما أمكن من وسائط وعلاقات(18).

وفي نيجيريا، ارتبط التعليم الإسلامي بالتصوف وترك الشيخ عثمان دان فوديو كلمته باقية في مؤسسات وعلماء واصلوا مسيرته، حيث تمثل مدينة لكنو في نيجريا إحدى أهم مراكز التعليم الديني في البلد.

الحضرات مؤسسات خيرية

ولا يخفى ضمن الأبعاد الاجتماعية للتصوف جانب الخدمة الاجتماعية والعمل الخيري، حيث تعتمد آلاف الأسر في إفريقيا الغربية على معونات ودعم مشايخ الطرق الذين يتولون تكاليفهم من معيشة ودراسة، ولقد ظل هذا مرافقًا للتصوف في غرب إفريقيا منذ قرون، وسجلته خالدات الشعر ودواوين التاريخ، حيث يصف أحد الشعراء الموريتانيين حضرة الشيخ سيديا بن المختار الأبييري (توفي في أبريل/نيسان 1868) بأنها مأوى الجميع: 

كل بنية ما يحاول خصه * من قوت أفئدة وقوت جسوم

ولقد دفعت حالة الكرم التي جسدها الشيخ أحمدو بمبا إلى تدفق عشرات الآلاف من المريدين الفقراء الذين رأوه فيه محضنًا روحيًّا ومصدرًا ماليًّا، وخصوصًا من الموريتانيين الذين وفدوا إليه بالقصائد المطولات والأدب الرفيع، وعادوا من عنده بالعطايا والهبات الجزيلة (19).

وتشمل المناشط الخيرية للتصوف في الغرب الإفريقي أبعادًا مختلفة؛ فمنها:

- الإنفاق على الفقراء: حيث تعيش مئات الآلاف من الأسر الفقيرة، إضافة إلى خدام الطريقة وآلاف المريدين الذين يعيشون في أروقة الحضرات وفي أحيائها.

- إحياء الفعاليات الإسلامية: في رمضان والأعياد الإسلامية حيث توزع الحضرات الصوفية الكبرى في المنطقة الأضاحي والملابس على عدد من فقراء المريدين ومن الأحياء الفقيرة المجاورة له.

- حل أزمات المريدين: ومن بين تلك الأبعاد الإغاثية أيضًا حل أزمات المريدين من خلال دفع الديون والإنقاذ من السجون ودفع الديات والحِمالات والمشاركة في فعاليات المريدين في المناسبات الاجتماعية من زواج وعقيقة وجنائز وتعاز وغيرها من أيام الأفراح والأتراح (20).

تجديد الرموز

يملك التصوف آليات تنظيمية لتجديد الرموز، لكنها آليات رتيبة في الغالب نظرًا لاعتمادها على فكرة الخلافة، ويظل الخليفة محتفظًا بمكانته الروحية وصلاحياته في إدارة مجتمع الحضرة ومواردها وبسط نفوذها وإشعاعها التربوي والروحي إلى أن يسلِّم الراية إلى خَلَفه الذي ينبغي أن يكون من نفس أسرة الشيخ المؤسس.

لكن عملية تجديد الرموز وحتى آليات العمل بدت ظاهرة واضحة في مجتمعات التصوف خلال العقود الأربعة الماضية؛ حيث برزت شخصيات وزعامات صوفية كثيرة، تدين بالولاء للخلافة العامة للطريقة لكنها تختط لنفسها طريقًا خاصًّا في العلاقة بالطريقة والمريدين والمجتمع.

فعلى سبيل المثال، مثَّلت ظاهرة الشيخ الشريف عثمان حيدرة في مالي حالة فريدة في سياق تجديد الرموز والآليات في الطريقة التجانية؛ حيث استند الشيخ الشاب على مرتكزات أساسية، أبرزها:

- رمزية النسب الشريف: حيث يضفي هذا البُعد الذي يركز عليه عثمان حيدرة عاملًا تقديسيًّا كبيرًا لدى مجتمعات الزنوج التي تضفي على الشرفاء أعلى صفات ومراسيم التبجيل.

- البنية التنظيمية المحكمة للأفراد: والذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون مريد في مالي وعدة ملايين في دول الجوار، ويندمج هؤلاء في وحدات ورتب تنظيمية، كما أنهم يدفعون رسوم اشتراك سنوية للحضرة.

- إمبراطورية اقتصادية كبيرة: تتوزع بين مؤسسات تجارية وقنوات إعلامية وموارد مالية متعددة.

- رمزية شعبوية: وإلى جانب ذلك، فقد استطاع عثمان حيدرة أن يحرك حالة من الشعبوية في خطابته جعله يتمدد أفقيًّا بين الماليين، وخصوصًا الفئات الشبابية رغم ما يوجَّه إليه من انتقادات لاذعة وخصوصًا في رؤاه المتعلقة بالفقه وتفسير بعض الأحكام الإسلامية.

أما في السنغال، فإن حركة التجديد تتوسع وتتوزع بشكل كبير، بسبب كثرة المشايخ الجدد، وتعدد المناسبات والمناشط، لكن هذه الرموز تظل دائمًا دائنة بالولاء للخلافة العامة للطريقة.

وضمن سياق التجديد، لا يمكن إغفال الدور والتأثير الذي يؤديه الشيخ الحاج ولد المشري في موريتانيا ومدينته "معطى مولانا" التي تحولت مع الزمن إلى موريتانيا مصغرة بقبائلها واتجاهاتها المجتمعية والعرقية. 

وتأخذ هذه المدينة شكلًا تنظيميًّا متقنًا في توزيع الأحياء والسكان وفي الوظائف التنظيمية والإدارية التي يؤديها سكانها، وكذا في اقتصادها الذي يعتمد على نشاط وفعالية سكانها وخصوصًا عنصر النساء الذي يعتبر قطاعًا ناشطًا ومنتجًا في معطى مولانا، وقد استقطبت قرية معطى مولانا مع الزمن عددًا غير قليل من أبناء المسلمين من خارج موريتانيا وخصوصًا من دول الاتحاد الأوروبي، مما سلَّط عليها في أوقات كثيرة سهام التحريض والاتهام بالإرهاب (21).

ولم يقتصر التجديد في التصوف على الرموز وإنما دخل إلى الوسائل والمناهج، وتمثِّل تجربة مدارس عقول الواحات في الشمال الموريتاني تجربة نوعية في التفكير الصوفي والتعاطي مع متغيرات الواقع بعقل إبداعي.

فقد استطاع الشيخ التجاني، محمد الأمين ولد سيدينا (توفي 2003)، رغم ما يوجِّهه إليه أنصار وخصوم التجانية من نقد لاذع، أن يؤسس مدينة متقنة، وأن يكون العمل والتعليم عنصرها الفعال، وأن يعمل الجميع بغضِّ النظر عن طبقته الاجتماعية في نفس المشغل المهني والتربوي الذي يؤديه الجميع، لكن قيمة التجديد والإنجاز التي أداها ولد سيدينا تمثَّلت أساسًا في نمطه التعليمي الذي يختصر المراحل التعليمية ما قبل الجامعة في ثلاث سنوات، وقد تخرج في مدارس عقول الواحات شخصيات متعددة منها من وصل إلى مناصب عليا، وتوزعوا في مجالات متعددة من الوظائف السامية، وأكثر من ذلك حاول ولد سيدينا كسر تراتبية المجتمع من خلال تزويج إحدى كريماته برجل ينتمي إلى طبقات مسحوقة سابقًا(22).

ولا يمكن في هذا السياق أيضًا إغفال الدور الاجتماعي والسياسي للشيخ الموريتاني، سيدي محمد بن الشيخ سيديا، المعروف بالفخامة، وقد استطاع هذا الشيخ أن يكون من أبرز الأسماء المتداولة في الإعلام خلال السنتين المنصرمين، وخصوصًا مع تأسيس مدينته الجديدة المعروفة باسم البلد الأمين.

وينتمي الشيخ الفخامة إلى واحدة من أعرق بيوتات التصوف في موريتانيا إضافة إلى شخصيته العلمية المعروفة في محيطها في جنوب ووسط موريتانيا، ويتحلق حول الشيخ الفخامة آلاف الطلاب في مدرسته العلمية وكذا في مناشط متعددة منها العلمي والدعوي ومنها السياسي الذي بات جزءًا من دائرة التأثير الواسعة للشيخ الفخامة، وتشمل مجالات تأثير الفخامة التعليم الإسلامي في معهده الشرعي، وكذا المصالحات بين القبائل والمجموعات، إضافة إلى العمل الخيري المتعدد الملامح ثم الحضور السياسي ضمن الفريق الداعم للرئيس الحالي لموريتانيا، محمد ولد عبد العزيز، ومن ضمن الدائرين في فَلَكِ الشيخ الفخامة وزراء وقادة أمنيون كبار ورجال أعمال إضافة إلى طلاب علم وزعامات اجتماعية متعددة. ويمكن في هذا السياق اعتبار الشيخ الفخامة وحضرته الصوفية حالة من حالات التجديد في تعامل الطريقة القادرية مع المتغيرات السياسية والاجتماعية في موريتانيا، رغم حالة الرتابة الشديدة وتآكل كثير من مضامينها الروحية والفكرية خلال العقود الأخيرة.

ومن بين الشخصيات الصوفية التي طبعت المشهد الاجتماعي والسياسي في موريتانيا على سبيل المثال خلال الفترات الأخيرة: الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي، وهو أحد رموز الطريقة الصعيدية المحدودة الانتشار في الجنوب الموريتاني، وقد ظهر البُعد الاجتماعي للشيخ الرضا في اتجاهين أساسيين:

- التفاف الآلاف من سكان الجنوب الموريتاني حول الشيخ الشاب الذي وجدوا فيه مصدرًا للمعارف والتربية الصوفية، هذا إضافة إلى كونه مصدرًا ماليًّا مهمًّا عُرِف بسخائه تجاه مريديه وطلابه، وهو ما مكَّنه من التأثير في دوائر متعددة من أصحاب النفوذ والقطاعات الاجتماعية، إضافة إلى خطابه الفكري والتصوفي الذي يعلن بين الحين والآخر عن مواقف تجديدية تنتقد بعض ممارسات التصوف وتحدد علاقة المريد بشيخه ومنهج التربية الذي يؤديه.

- اتجاه ضرب السوق العقارية من خلال ما يُعرف بأزمة الشيخ الرضا، وهي أزمة أضرت بسوق العقارات ودفعت الشيخ إلى إعلان إفلاسه، بعد أن كان يتحرك في ثروة مالية مرموقة (23).

ولا يخفى أن حالة التجدد للرموز والمشايخ الصوفية مرتبطة بعاملين أساسيين، هما:

- عامل التصدير: وهو ضامن أساسي لاستمرار الطرق واستمرار النخب المنتمية إليها.

- التَّوْق إلى الزعامة والتصدر بما فيهما من جاه وحظوة ومكانة مالية، وهي حالة أضافت عنصرًا انتشاريًّا قويًّا إلى الصوفية في غرب إفريقيا؛ حيث يمكن لأي شيخ أن يؤسس نحلته الصوفية ومدينته وأن يجد من الأتباع النصاب الكافي للتبشير والتأثير.

صراعات التصوف

وعلى كلٍّ، فإن جدار السلم وأسوار الإخاء الصوفي في الغرب الإفريقي لم تخل من ثغرات ومنافذ دخلت منها رياح الفرقة ولهب الحرب الفكرية وحتى القتال ذو المعارك والأيام المروعة التي تساقى فيها المريدون كأس المَنُون فوارة الدماء.

وتحتفظ حقائب التاريخ الصوفي غرب إفريقيا بحوادث كثيرة من بينها الحرب الطحون التي دارت رحاها بين الشيخ عمر الفوتي، والشيخ أحمد بن أحمد الكبير، أمير دولة ماسينا القادرية، وقد أخذت الحرب طابعًا عقائديًّا وتكتيكًا استنزافيًّا، أضرَّ بالطرفين وسبح بهما في بحار من دماء الأشقاء مكنت المستعمر الفرنسي من العبور والاستقرار في المنطقة وفق ما يلاحظ الباحث، عبد الله محمود با. وإذا كانت حروب الحاج عمر الفوتي وأحمد بن أحمد الكبير الفلاني الماسني قد مزقت جسد مجتمع الفولان الذي ينتمي إليه القائدان ومزقت حبل المودة بين الطريقتين القادرية والتجانية فقد كان لها دور آخر أكثر بشاعة وهو تغذية أسواق النخاسة في الغرب الإفريقي بآلاف المسترقين المهضومي الحقوق (24).

وقد تجددت حروب القادرية والتجانية مرة أخرى عبر حرب أم اشكاك المروعة في الشرق الموريتاني بين أتباع الطريقة الحموية وأتباع القادرية، وأخذت طابعًا اجتماعيًّا عميقًا جدًّا، خلال وقائعها المؤلمة (25).

ولم يزل الصراع بين الطريقتين يأخذ جوانب من الشد والجذب في المنطقة، ليتحول في مرحلة لاحقة إلى "حرب زوايا ومحابر" بدلًا من حروب الأسنة والرماح، وتحتفظ ذاكرة التأليف في الغرب الإفريقي وخصوصًا في موريتانيا بسيل كبير من المؤلفات والقصائد السجالية بين شعراء وعلماء الطرفين، ومع الزمن أخذت حدة الصراع تخفت بين الأطراف نظرًا لدخول طرف ثالث يهاجم الطرفين وينتقد رؤاهما الفكرية والعقدية وإن كانت نبال نقده أقسى على التجانية من غيرها، وهو التيار السلفي بشكل عام، الذي كاد أن يوحد الأطراف الصوفية المتنازعة في المنطقة.

اقتصاديات التصوف

يمثل التصوف حالة اجتماعية ذات بعد اقتصادي مشهود في غرب إفريقيا، وخصوصًا في السنغال حيث تتحرك أسواق موازية وأنشطة واسعة الانتشار تصاحب المشاهد والمناشط الصوفية، فعلى سبيل المثال تتحول مدينة طوبى خلال موسم ماغال -16 صَفَر من كل عام- إلى معرض يصل زبائنه إلى أكثر من خمسة ملايين زائر ومتبرك بمقام الشيخ أحمدو بمبا؛ حيث تنشط سوق النقل والملابس والمطاعم، ضمن سوق متعددة الملامح والأركان.

وتنشط خلال هذه المواسم أنواع متعددة من المناشط التجارية المتعددة من بينها البضائع والمنتجات ذات البعد الصوفي مثل الكتب والتسابيح والصور والتماثيل والأيقونات والقبعات التي تحمل صورًا أو شعارات أو علامات للشيخ أحمدو بمبا وخلفائه.

وأكثر من ذلك، مثلت طوبى، وهي ثاني مدينة سنغالية من حيث السكان، مركزًا أساسيًّا للتبادل التجاري خصوصًا أنها أقرب إلى أن تكون دولة صغيرة تابعة لأسرة الشيخ أحمدو بمبا، وظلت الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء مجانية أو شبه مجانية في طوبى وضواحيها، وأسهمت طبيعة طوبى باعتبارها مدينة مقدسة لا تعيش نفس السيطرة الأمنية والإدارية في بقية مدن السنغال من انتشار وتوسع عمليات التجارة والتهريب التجاري بعيدًا عن أعين المصالح الأمنية والرقابة الاقتصادية، وهو ما دفع الخلافة المريدية بعد ذلك إلى التعاون أكثر فأكثر مع الأمن والدرك السنغالي من أجل ضبط هذا المجال ووضع اليد عليه بقوة.

ويصدق الأمر في مجال الأبعاد الاقتصادية كذلك على مدينة كولخ عاصمة الطريقة الإبراهيمية التجانية في السنغال، التي يفد عليها هي الأخرى أكثر من مليون زائر، وعلى مئات المواسم والاحتفاليات التي تقام في أغلب مدن الغرب الإفريقي.

وضمن هذه الأسواق تنشط أيضًا سوق الطريقة السعدية في موريتانيا خلال الزيارة السنوية التي يؤديها أكثر من 20 ألف زائر أغلبهم من السنغال ينعشون أسواق المدن الجنوبية في موريتانيا خلال زيارة تستمر لأيام.

وفي مالي، تدير الطريقة الحموية حراكًا تجاريًّا واسعًا في منطقة غرب البلاد، تضم آلاف التجار والمراكز التجارية التقليدية، وتسيطر بقوة على نقاط قوة في الاقتصاد المالي.

ومع الزمن تحولت مراكز التصوف الكبرى في الغرب الإفريقي إلى مراكز مالية كبرى، تُجبى إليها الهدايا من ملايين المريدين والأتباع، وتتبع لها مؤسسات مالية ورموز وزعامات اقتصادية. وفي الغالب، فإن صور المشايخ والزعماء الصوفيين تتحول مع الزمن إلى علامات تجارية وماركات مسجلة تدخل السوق الإفريقية بميزة تنافسية كبيرة.

وضمن المعطى الاقتصادي، مثَّل العمل والإنتاج والفعاليات الاقتصادية جزءًا أساسيًّا من دعوة الشيخ أحمدو بمبا الشهير بلقبه "الخديم" ودوره في مواجهة الفرنسيين، حيث كانت "زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية"، جزءًا من حالة المقاومة الاقتصادية التي تظهر فعالية وانتشار الطريقة (26). ويلاحظ الباحث السنغالي أن تطور ونمو زارعة الفول السوداني أسهم بكثرة في شهرة مشايخ التصوف وأن الزعامات الصوفية في السنغال لم تتوان في الاستفادة من الثقل الاقتصادي الذي أكسبها قوة تعمقت مع الأيام وزادت من نفوذ المشايخ ودورهم في الحياة السياسية والاجتماعية للسنغاليين (27).

التصوف والفن والأدب

احتضن التصوف في غرب إفريقيا ظواهر اجتماعية عديدة ومن بينها الفن والغناء والأدب. ويمكن اعتبار أدب التصوف بمواضيعه المختلفة هو الجزء الغالب على الأدب المكتوب بالعربية في غرب إفريقيا. فقد تسابق الشعراء إلى تدبيج القصائد الرائعة والخالدة في مدح أشياخهم أو الانتصار لطرقهم ونحلهم الصوفية. كما خلَّد المشايخ أيضًا كثيرًا من تعاليم وأخلاقيات طرقهم ومذاهبهم التربوية في قصائد وملاحم أدبية خالدة ومستقرة.

وعلى ضفاف التصوف أيضًا استقرت فنون أخرى من الأدب ومثَّلت الاحتفاليات التي تنظمها الحضرات الصوفية مهرجانات مفتوحة لأنماط كثيرة من الفن غناء ورقصًا وأدبًا وفلكورًا شعبيًّا إضافة إلى النحت والرسم. ويحمل الأفارقة في الغالب صور أشياخهم تمائم وتعاويذ على الصدور وفي واجهات المحال التجارية. وبهذا، يكون التصوف محركًا أساسيًّا للفن والثقافة والأدب في الغرب الإفريقي مثلما كان محركًا أساسيًّا للدين ومؤثرًا في سائر أنماط الحياة الإفريقية.

خلاصة

يمكن إجمال أهم ما تناولته هذه الورقة في نقاط أربع، هي:

- تظهر المحاور السالفة عمق سيطرة التصوف في الغرب الإفريقي، فالإنسان هنالك يولد صوفيًّا بالفطرة.

- تأخذ الطريقة الصوفية لون أرضها وطبائع مجتمعه، فتكاد تكون الشريان الروحي للمجتمعات في غرب إفريقيا.

- حافظت الطرق الصوفية في غرب إفريقيا على الإسلام دينًا والمجتمعات حاضنًا والهوية الإسلامية ثقافة وواجهت التنصير ومحاولات التهميش.

- لا يزال مستقبل التصوف مزدهرًا في غرب إفريقيا بسبب ارتباطه بالمقدس وقدرته الفعالة على تجديده مناهجه ورموزه وفعالياته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* محمد سالم محمد، باحث مهتم بالشأن الإفريقي.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1)      سيلا، عبد القادر، المسلمون في السنغال معالم الحاضر وآفاق المستقبل، (كتاب الأمة، 1983)، ص 25.

(2)      الشيخ عثمان دان فوديو عالم ومصلح نيجيري (1754-1817) أسس دعوة تجديدية واسعة في نيجيريا وكان له دور أساسي في النهضة الإسلامية في النيجر.

(3)      الشيخ سيدي المختار بن أحمد الكنتي، عالم موريتاني جليل وقائد حركة إصلاحية واسعة في مناطق موريتانيا وشمال مالي امتد صيتها إلى مناطق كثيرة من غرب إفريقيا.

(4)      محمد فاضل بن مامين القلقمي الموريتاني ينتمي إلى أسرة من الأشراف الحسنيين وهو أب لعدد كبير من المشايخ المشهورين في موريتانيا وغرب إفريقيا.

(5)      جاء ذلك ضمن حالة تباين واسعة طبعت المشهد العلمي والروحي في موريتانيا تجاه المستعمر الفرنسي بين من رآه غازيًا كافرًا تتوجب مقاومته، ومن رآه حلًّا لأزمة الأمن والفوضى التي كانت تعصف بالمجال الموريتاني عمومًا.

(6)      ابن الشيخ إبراهيم، جوهر، الصوفية والدعوة الإسلامية، (دار الهجرة الأولى، د.ت)، ص 17.

(7)      يمكن التمثيل بالآراء السلفية للشيخ باب بن الشيخ سيديا وكذا بعض آثار الشيخ التراد بن الشيخ محمد فاضل.

(8)      الشيخ إبراهيم بن عبد الله انياس السنغالي (1900-1975) عالم وشيخ كبير له الفضل في النقلة النوعية التي شهدتها الطريقة التجانية في إفريقيا بشكل عام.

(9)      "من الحافظية إلى الحموية"، مركز الدراسات الولاتية، 4 مارس/آذار 2011، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2013):https://bit.ly/2OT7NxM

(10)    غانمي، عمر سعيد، "الطريقة التجانية ودورها في نشر الإسلام بغرب إفريقيا"، موقع المدى، 4 مارس/آذار 2011، (تاريخ الدخول: 28 أغسطس/آب2018):http://elmeda.net/spip.php?article39

(11)    للتوسع في دراسة شخصية الشيخ أحمدو بمبا، يمكن مراجعة كتاب: إرواء النديم في سيرة الشيخ الخديم للشيخ محمد الأمين جوب السنغالي.

(12)    "طوبى تحكم السنغال بالمال والأتباع"، الجزيرة نت، 13 مايو/أيار 2010، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/آب 2018):https://goo.gl/qJCofm

(13)    النوي، صالح حسين، النهج الحميد فيما يجب على المريد، (طبعة بدون تاريخ ولا دار نشر).

(14)    المرجع السابق.

(15)    سام بوسو، عبد الرحمن، المدينة الفاضلة عند الشيخ أحمدو بمبا، محاضرة ضمن أعمال ماغال طوبى سنة 2011، صادرة عن دائرة روض الرياحين الصوفية في السنغال.

(16)    مدارس تعليمية شرعية متناغمة مع مناهج الأزهر الشريف أسسها الشيخ محمد المرتضى البكي السنغالي.

(17)    "معاهد العربية بالسنغال.. روافد الشريعة وجسر مع العرب"، الجزيرة نت، 31 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/آب 2018):

https://goo.gl/bxUUgH

(18)    بوسو، مرتضى، "دبلوماسية التصوف كفيلة بحل الأزمات العارضة بين موريتانيا والسنغال"، ريم آفريك، د.ت، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/آب 2018):http://rimafric.info/node/1209

(19)    تشيع عند الموريتانيين العبارة المنسوبة إلى الشيخ أحمدو بمبا: "لقد اتخذني السنغاليون ربًّا والموريتانيون بيت مال".

(20)    على سبيل المثال: دفع الشيخ الموريتاني، إسماعيل بن الشيخ سيديا، كفالة مالية كبيرة عن الوزيرة السنغالي.

(21)    "الحاج ولد المشري ربان سفينة التطوير"، السراج، 12 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/آب 2018):http://essirage.net/node/1789

(22)    "كيف نجح الوزير في البكالوريا"، موقع مراسلون، 27 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 30 أغسطس/آب 2018http://mourassiloun.com/article/347

(23)    تمثلت الأزمة في عجز الشيخ عن تسديد ديون عدد كبير من الموريتانيين الذين باعوا أراضي ومنازل وسيارات إلى وكلاء الشيخ بأسعار تفوق أثمانها الأصلية.

(24)    مجموعة من الباحثين، مالي.. عودة الاستعمار القديم، (منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة، 2014)، ص 25.

(25)    حرب أم الشكَّاك: وتنطق الكاف قافًا معقودة، وأم الشكَّاك وهي بحيرة بشرق موريتانيا وقعت عندها مقتلة في يونيو/حزيران 1941 بين الحمويين وهم أتباع الشيخ حماه الله وفخذ من قبيلة تنواجيو بالحوض الغربي بموريتانيا ومات العشرات من قبيلة تنواجيو رجالًا ونساء وأطفالًا. وقد اعتقلت السلطات الفرنسية ثلاثين من أتباع الشيخ حماه الله واثنين من أبنائه وتمت محاكمتهم في موضع الليوانة على بعد 140 كلم جنوب شرق أم الشكَّاك. فأعدم بعضهم خصوصًا بابه وسيدي أحمد ابني الشيخ حماه الله وسجن البعض. وعلى إثر وقعة أم الشكَّاك اعتقل الشيخ حماه الله مرة ثانية وذلك في يونيو/حزيران 1941 ليُنْفَى منفاه الثاني إلى الجزائر ومنها إلى فرنسا.

(26)    جوب السنغالي، محمد الأمين، إرواء النديم في سيرة الشيخ الخديم، مرجع سابق.

(27)    "طوبى تحكم السنغال بالمال والأتباع"، مرجع سابق.