مع تعيين سلامي: تدشين الجيل الرابع للحرس الثوري

تستعرض الورقة نشأة الحرس الثوري والظروف التي رافقت ذلك، وترسم ملاح المراحل الأربع التي مرَّ بها إلى اليوم، وتحاول قراءة تعيين حسين سلامي قائدًا عامًّا للحرس خلَفًا لمحمد علي جعفري وما يحمله من رسائل خاصة مع تصنيف الولايات المتحدة الأميركية له كمنظمة إرهابية.
25 April 2019
4c3bdc2954f1427eb713dfc8aa1e51ae_18.jpg
قادة الحرس الثوري (الجزيرة)

مقدمة 

مع إعلان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، تعيين حسين سلامي (59 عامًا) قائدًا جديدًا للحرس الثوري الإيراني، تكون مؤسسة الحرس الثوري قد دخلت مرحلة جديدة بملامح صدام عالية خاصة في علاقات واشنطن وطهران. وخَلَفَ سلامي محمد علي جعفري عقب تصنيف الولايات المتحدة للحرس كمنظمة إرهابية. ويشير مرسوم التعيين إلى أن هذا القرار هو استجابة لطلب من جعفري نفسه بـ"ضرورة إجراء تغيير في قيادة الحرس" في وقت تقول مؤشرات أخرى إنه عُزِل من قبل المرشد الذي قرأ معطيات التهديد الخارجي بصورة جعلته يسارع إلى إجراء هذا التغيير.

ونظرًا لطبيعة ومكانة الحرس الثوري كمؤسسة مؤثرة في بنية الدولة الإيرانية، لا يمكن التقليل من أهمية وتأثير هذا التغيير، خاصة أن الحرس الثوري ينشط في المجالات السياسية والأمنية الإيرانية مستظلًّا بنصٍّ دستوري أعطى له وظيفة الدفاع عن الثورة الإسلامية ومنجزاتها، وهو ما نجده في المادة 150 والتي تنص: تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية، التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها (1). تقدم هذه الورقة قراءة في نشأة الحرس الثوري والظروف التي رافقت ذلك، وتبحث ملامح المراحل التي مرَّ بها إلى اليوم، كما تناقش ما يحمله تعيين حسين سلامي من رسائل.

سنوات النشأة: صراع وروايات مختلفة 

تم تشكيل حرس الثورة الإسلامية في 2 أبريل/نيسان 1979، بأمر من آية الله الخميني. وقبل الانتصار الكامل للثورة كانت مجموعات ثورية شبابية وشعبية تقوم بحماية وتأمين الأحياء في مواجهة قوات الشاه وأصبحت هذه المجموعات مسؤولة عن أمن الإمام الخميني وتلبية احتياجاته بعد استقراره في المدرسة العلوية (2)

هناك روايات مختلفة عن الفترة الأولى التي تم فيها تشكيل الحرس الثوري، لكن المرجح أن لجنته التأسيسية الأولى تكونت من 12 شخصًا. وبالعودة إلى مذكرات جواد منصوري، أول قائد للحرس الثوري بعد تدوين نظامه الأساسي، نجد حديثًا عن أخذ ورد بين المجموعات الثورية ذات التوجه الإسلامي، ومجموعات تتبع لحكومة مهدي بازرجان، اقترحت إنشاء قوات باسم الحرس الوطني لمواجهة المؤامرات والفوضى في الداخل. ويشير منصوري إلى أن هذا المقترح وإن كان لم يلق معارضة رسمية من قبل مجلس الثورة، إلا أنه لقي اعتراضًا من قبل شخصيات ثورية منهم محمد منتظري (3). وينقل عن محمد توسلي، أحد قادة حركة الحرية، أنه قدم مقترحًا بذلك إلى رئيس الوزراء آنذاك، مهدي بازرجان، والإمام الخميني، الذي أصدر قرارًا بتكليف حجة الإسلام لاهوتي بتشكيل هذه المؤسسة. فيما يقدم منصوري رواية أخرى تقول بأن هدف حكومة بازرجان المؤقتة من تشكيل قوات الحرس الوطني كان تطبيق قرارات الحكومة وحل اللجان المختلفة. أما وجهة نظر الإمام الخميني فكانت تقوم على ضرورة وجود تشكيلات شعبية مسلحة مؤمنة بالثورة، إلى جانب الجيش النظامي وأن هذا الجيش يجب أن يبقى وأن يجري تطهيره من مؤيدي الشاه(4)

ونجد في بعض المصادر حديثًا عن اجتماع لأعضاء من المجموعات الثورية، جرى 28 مارس/آذار 1979، في قاعدة عباس آباد. ومن أبرز من حضر هذا الاجتماع ، عباس آقا زماني (أبو شريف)، ومحسن رفيقوست، ومرتضى الويري، وعلي محمد بشاراتي، ومحمد غرازي، وحسن جعفري، وعلي فرزين، وضرابي، وهاشم صباغيان، وعلي دانش منفرد وغيرهم، واتفق الحضور على اختيار دانش منفرد قائدًا لقوات الحرس مما يجعله أول قائد للحرس الثوري قبل تدوين نظامه الأساسي. ووفقًا لمذكرات وزير الحرس الثوري السابق، محسن رفيق دوست، فقد تم الاتفاق على اسم دانش آشتياني كقائد للحرس، وغلام علي أفروز، كمسؤول للموارد البشرية، وعلي محمد بشارتي مسؤولًا للاستخبارات، ومرتضى الويري مسؤولًا للعلاقات العامة(5).

(وثيقة تبين التشكيلة الأولى لحرس الثورة في عام 1979، ويظهر من بين الأسماء جواد منصوري أول قائد رسمي للحرس)، المصدر: مذكرات جواد منصوري، ص 542. 

في ذلك الوقت، كانت هناك ثلاث فئات من القوات الثورية النشطة موزعة في طهران. وكان الحرس المعروف باسم حرس الثورة في قاعدة جمشيديه بقيادة عباس أقا زماني، وحرس الجامعات بقيادة محمد منتظري والقوات المسلحة لمنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بقيادة محمد بروجردي. وبعد هذا الاجتماع، تقرر التحدث مع مجموعتين أخريين لتنضويا تحت مظلة الحرس الثوري وفق توجيهات آية الله الخميني وجرى تشكيل مجلس القيادة المركزي من 12 شخصًا. ويتحدث رفيق دوست عن أن فكرة تشكيل الحرس جاءت من محمد منتظري وباركها الخميني، ويُرجعها آخرون إلى الخميني نفسه.

وفي اجتماع صياغة النظام الأساسي للحرس الثوري، الذي حضره 12 شخصًا، تقرر أن يعمل الحرس الثوري تحت إشراف المجلس الثوري وأن يُنَصَّب قائدُه من قِبل الإمام الخميني. وشمل مجلس الحرس الثوري 12 عضوًا، نجد أسماءهم في وثيقة النظام الأساسي، وهم: عباس زماني، وجواد منصوري، وعباس دوزدوزاني، ومحمد منتظري، ويوسف كلاه دوز، ومحمد كاظم موسوي بوجنوردي، ومرتضى الويري، ومحمد بوروجردي، ومحسن رضائي، ومحسن رفيق دوست، وعلي دانش منفرد، ويرد اسم هاشمي رفسنجاني أيضًا بوصفه ممثلًا لمجلس الثورة.

بعد تدوين النظام الأساسي لحرس الثورة، أُعلن عن تعيين جواد منصوري كأول قائد للحرس بعد الإعلان رسميًّا عن تشكيله. وأصدر منصوري، في الأول من مايو/أيار 1979، بيانًا، أعلن فيه المواد الثمانية التي تنظم عمل الحرس الثوري الإيراني. وقاد منصوري، الحرس حتى فبراير/شباط 1980. ومع وصول بني صدر إلى الرئاسة، استقال ليعمل في وزارة الخارجية. وجاءت استقالة منصوري احتجاجًا على تعيين بني صدر نائبًا للقائد العام للقوات المسلحة، ويورد منصوري في مذكراته الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة "اعتراضًا على تعيين بني صدر، ولاعتقادي بأنه جاسوس وأنا لست مستعدًّا للعمل معه"(6)

استعراض للحرس الثوري في ذكرى الحرب العراقية الإيرانية (رويترز)

انتقلت قيادة الحرس إلى عباس دوزدوزاني، الذي استقال بعد ثلاثة أشهر بسبب خلاف مع بني صدر وخلفه عباس أقا زماني الملقب بـ"أبو شريف" في مايو/أيار 1980 الذي استقال أيضًا بعد شهر واحد، وفي 13 يوليو/تموز 1980، أصدر بني صدر قرارا بتعيين مرتضى رضايي قائدًا للحرس الثوري، الذي رفض قبول المنصب ثم تقلده بقرار من آية الله الخميني، لكنه ما لبث أن استقال هو الآخر بسبب خلاف مع بني صدر. ليتولى مرشد الثورة الإسلامية الحالي، علي خامنئي، قيادة الحرس حتى تعيين محسن رضائي قائدًا للحرس عقب الإطاحة ببني صدر في سبتمبر/أيلول من العام 1981.

وتُظهر مذكرات منصوري وغيره من مسؤولي الحرس حالة من غياب الثقة في العلاقة مع بني صدر، يقول منصوري في تعليقه على محاولة البعض ثنيه عن الاستقالة: "قلتُ لهم: لست مجبرًا على إطاعة شخص أعتبره خائنًا.. وفي اجتماع لمسؤولي الحرس، قلت: من معرفتي ببني صدر خلال عام سيثور الناس عليه وسيهرب إلى باريس"(7). في عام 1981، قام مجلس قيادة الحرس الثوري الإيراني بتقديم ثلاثة أشخاص كانوا من المرشحين السبعة الأوائل لقيادة الحرس الثوري، وهم: محمد بروجردي، ويوسف كلاه دوز، ومحسن رضائي، وجرى التوافق على ترشيح رضائي.

كان سبزوار رضائي (لاحقًا اتخذ اسم محسن) يدرس الهندسة الميكانيكية قبل الثورة، وانخرط في مواجهة مسلحة من خلال مجموعة "المنصورون" التي نفذت حرب عصابات ضد قوات الشاه. ومع صدور قرار تعيينه قائدًا للحرس من قبل آية الله الخميني بدأ ما يمكن أن نطلق عليه مأسسة الحرس، وطوال 16 عامًا قاد فيها الحرس سعى رضائي إلى جعل هيكلية الحرس هيكلية مؤسسية متماسكة. واتسمت علاقته خلال الحرب العراقية-الإيرانية بالتوتر مع حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني اللذين سعيا لوقف الحرب في وقت كان الحرس يعارض ذلك. وتكشف مذكرات رفسنجاني عن صراع وتنافس قديم بين روحاني والحرس وقيادته، ويعود للفترة التي كان فيها محسن رضائي قائدًا عامًّا للحرس الثوري (8)، وعاد مجددا ليعبِّر عن رفضه لذلك في مناسبة أخرى (9). ويكتب رفسنجاني أن روحاني كان معارضًا أن يكون رضائي نائبًا لرئيس الهيئة العامة للقوات المسلحة عند إعادة تشكيلها في العام 1986، وعبَّر عن قلقه من سعي الحرس للتمدد والتوسع (10).

مع الإبقاء على الصبغة الأيديولوجية للحرس في فترة رضائي، شهدت إيران ظهور عدد من المؤسسات والأذرع التابعة للحرس، مثل: إنشاء قوات حماية الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني، وإنشاء جامعة الإمام الحسين، وإنشاء جامعة بقية الله للعلوم الطبية، وافتتاح كلية القيادة ومجمع خاتم الأنبياء الذي صار فيما بعد أهم المؤسسات الاقتصادية التابعة للحرس. كما شهدت فترته تأسيس فيلق القدس. 

بعد استقالة رضائي وتعيينه أمينًا عامًّا لمجلس صيانة الدستور، تولى رحيم صفوي الذي يحمل الدكتوراه في الجغرافيا السياسية قيادة الحرس وتقلد في هذه المؤسسة مناصب عدة منها قيادة العمليات وقيادة القوات البرية، وذلك بقرار من آية الله خامنئي في صيف 1997. في السنوات العشر التي تولى فيها رحيم صفوي قيادة الحرس شهدت إيران حوادث عدة أهمها الاحتجاجات التي شهدتها جامعة طهران، واتجه صفوي في تلك الفترة إلى بذل مزيد من الاهتمام لقوات التعبئة "بسيج" بالسعي لزيادة عددها وإمكانياتها، لكن العلامة الأبرز في مرحلة صفوي كانت قرار تعزيز القدرة الصاروخية للحرس الثوري، كما كان الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق من أهم ملامح تلك المرحلة. داخليًّا، ساد توتر في علاقة الحرس بالرئيس الإيراني، محمد خاتمي، ووجَّه 24 من قادته رسالة تحذيرية لخاتمي، في يوليو/تموز عام 1999، بأن "صبرهم أوشك أن ينفد".

جاء تعيين محمد علي جعفري المعروف بـ"عزيز" قائدًا للحرس، في عام 2007، بعد أن تقلد مناصب عدة داخل هذه المؤسسة، حيث تولى مسؤولية مقر قيادة العمليات المشتركة، ونائبًا لقائد القوات البرية للحرس الثوري مدة 13 عامًا، كما تولى في السنوات الخمس الأخيرة منها قيادة معسكر ثأر الله في طهران، وتأسيس ورئاسة مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع للحرس في 2005. حملت فترة قيادة جعفري للحرس ملامح عدة، أهمها: إجراء تغييرات في هيكلية الحرس في المحافظات، والتعزيز الهائل للقوة السيبرانية للحرس الثوري الإيراني، ومواجهة ما يطلق عليه الحرس "التهديد الناعم"، وتولي مسؤولية أمن الخليج، وتعزيز القوة الجوية للحرس الثوري. 

وتعرض الحرس لانتقادات كبيرة لدوره في مواجهة الحركة الخضراء، والتي نظر إليها الحرس على أنها رد على تحدٍّ أمني أوجدته مظاهرات 2009 احتجاجًا على إعادة انتخاب أحمدي نجاد. ويُعد الحرس الثوري من أبرز الجهات التي تحدثت عن الحرب الناعمة، والتي رأت في الحركة الخضراء منفذًا لها، ففي تحليل لما حدث بعد الانتخابات اعتبر مسؤول الشؤون السياسية في حرس الثورة، العميد يد الله جواني، أن إيـران دخلـت فعـلًا سـاحة الحرب الناعمة (11)، واستشهد على ذلك بـ"الدعم الأميركي والإسرائيلي السافر لمير حسين موسوي بعد أزمة النتائج". وربط جواني بين ذلك وبين الهجوم الذي تعرض له الحرس الثوري وقوات التعبئة الشعبية "بسيج"، قبل الانتخابات، حين اتُّهما بالتدخل لمصلحة أحمدي نجاد، وقدم قراءة اعتبرت: "تصاعد حدة الإساءات قبل الانتخابات کان بهدف إخراج الحرس الثوري من الساحة وإنجاح مثيري الشغب، لكن عليهم أن يدرکوا أن الحرس الثوري لن يسمح لأي تيار ومجموعة بتجاوز مبادئ الثورة"(12).

وينظر الحرس إلى الوضع الذي ساد إيران بعد الانتخابات على أنه مواجهة في ساحة الحرب الناعمة، وقيادة الحرس تُرجع هذا التهديد إلى فترات سابقة؛ إذ تقول: "إن موضوع التهديد الناعم ليس وليد اليوم، فالعدو قام بتفعيل تهديداته، كما أن مساعيه في الأحداث التي تلت الانتخابات جاءت للإطاحة الناعمة بالنظام"(13). فالدعم الذي تلقته الحركة الخضراء من أميركا والغرب، هو دليل يسوقه قادة الحرس الثوري لإثبات حدوث المواجهة الناعمة، و"هذا الدعم الجلي يدل على أن العدو كان مطمئنًّا إلى نتائج مساعيه التي قام بها على مدى الأعوام الماضية"(14). واستخدم الحرس مصطلح "الفتنة" لتوصيف ما حدث، فيقول: "إذا كنا في فترة الإصلاحات قد واجهنا فتنة، فنحن اليوم، كما يقول قائد الثورة، نواجه فتنة عميقة"(15)، ولعل الصدام مع أحمدي نجاد في فترته الرئاسية الثانية على خلفية الدور الاقتصادي للحرس الثوري ملمح بارز آخر من ملامح تلك الفترة. والحال نفسه في علاقة الحرس الثوري وحسن روحاني. 

ورغم كل النقد الموجه للدور الاقتصادي للحرس إلا أنه أصبح واقعًا من الصعب تجاوزه اقتصاديًّا، فوفق حديث مسؤوليه، "ينشط الحرس في 10 قطاعات اقتصادية رئيسية من البلاد، يعمل فيها 150 ألف شخص يشاركون بشكل مباشر، وأكثر من مليون ونصف مليون شخص يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في مشروعات يديرها مجمع خاتم الأنبياء، وتمتلك المؤسسة أكثر من 12 ألفًا من المعدات والآلات الحديثة" (16).

كان ملف الاقتصاد يطفو إلى السطح كملف خلافي واضح مع حكومة روحاني، ففي ديسمبر/كانون الأول من العام 2013، تحدث الجنرال جعفري عن قبول الحرس الثوري بالخروج من القطاع الاقتصادي لصالح القطاع الخاص، إذا كان الأخير يملك الكفاءة ليحل محل الحرس على هذا الصعيد (17). وبدأت شكوى الحرس تتعالى بأن حكومة روحاني لا تريد أن تتعاون مع المؤسسة اقتصاديًّا. بدأ الحرس يلتف على نوايا روحاني بإبعادهم عن القطاع الاقتصادي بعقد صفقات مع قطاعات أخرى في إيران، ومن ذلك مشروع بمليارات الدولارات جرى التوقيع عليه مع بلدية طهران (18). ومع عودة العقوبات وانسحاب الشركات الغربية من مشروعات اتفقت عليها مع حكومة روحاني، أعلن الحرس استعداده ليحل محل الشركات الغربية المنسحبة. 

كما شهدت فترة جعفري تعزيز الدور الخارجي للحرس والتدخل في ساحات عدة، وجاءت مصبوغة بدورات متتالية من العقوبات على إيران بصورة غير مسبوقة، والتي أعقبها تفاوض وتوقيع الاتفاق النووي ثم الانسحاب الأميركي من هذا الاتفاق وتصنيف الحرس مؤسسة إرهابية. 

في 21 أبريل/نيسان 2019، أعلن مرسوم صادر عن آية الله علي خامنئي، تعيين حسين سلامي قائدًا عامًّا للحرس الثوري، خلفًا لمحمد علي جعفري، بعد ترفيعه إلى رتبة لواء. وجاء هذا التغيير على قيادة الحرس بعد أسبوعين من تصنيف الإدارة الأميركية له بأنه "منظمة إرهابية" يُمنَع التعامل معها. وتبوأ سلامي مناصب عدة، منها: قائد سلاح جو الحرس الثوري، وعضو هيئة التدريس في الجامعة العليا للدفاع الوطني، ثم نائب للقائد العام للحرس الثوري منذ العام 2009.

مظاهرة في طهران احتجاجا على تصنيف الحرس الثوري "منظمة إرهابية" (الأناضول) 

الخارج: بناء آليات للتعامل مع التهديد

كانت العلاقة مع الخارج عاملًا مهمًّا في جميع التغييرات التي شهدتها مؤسسة الحرس الثوري، وقد وُصف التغيير الذي أُجري في قيادة الحرس الثوري، في سنة 2007، وتعيين جعفري قائدًا كأكبر تغيير طال الحرس الثوري منذ عشرة أعوام. وقد شكَّل ذلك بداية الجيل الثالث من عمر هذه المؤسسة التي تُعد الأهم في إيران، والحال كذلك يمكن أن يقال عن تعيين حسين سلامي وما رافق تعيينه خاصة على صعيد عودة التوتر والتصعيد في العلاقات الإيرانية-الأميركية؛ إذ مرَّ على الحرس الثوري منذ تأسيسه، وضمن أقسام متعددة اجتماعية وسياسية، أربعة أجيال، وذلك نظرًا إلى فكره الأيديولوجي.

في الأعوام الأولى لتشكيل الحرس الثوري، والتي اتسمت بالصدام وتعدد الأسماء التي تناوبت على قيادته، كانت مسؤوليته الأصلية هي الحفاظ على الثورة والتصدي لأعدائها، وعندما بدأت الحرب العراقية-الإيرانية أدى فيها دورًا مؤثرًا عزَّز من مكانته داخل المجتمع وفي بنية الدولة الإيرانية. ومع نهاية الحرب كان هذا الحرس يدخل مرحلة جديدة من تاريخه، لتتم مأسسة هذا الكيان على يد محسن رضائي (19).

ومع استقالة رضائي ومجيء رحيم صفوي، تركَّز جهد الحرس الثوري بشكل مكثف على التعافي من خسائر الحرب، فشارك في إعادة الإعمار والتخطيط؛ الأمر الذي فتح الباب شيئًا فشيئًا أمام دخوله إلى ساحة النشاط الاقتصادي، كما أنه على صعيد تعزيز البنية النظامية اضطلع، إلى جانب وزارة الدفاع، برسم الخطط المتعلقة بالتسليح الدفاعي، وتحول بالتدريج، بقيادة صفوي، من مؤسسة أيديولوجية إلى مؤسسة عمل وتنفيذ (20).

ومع نهاية فترة حكم الإصلاحيين، تنحَّت مجموعة من شخصيات الحرس ودخلت معترك الحياة السياسية عبر بوابة انتخابات مجلس الشورى، أما اليوم فإن عددًا لا يستهان به، ممن كانوا في صفوف الحرس الثوري، يحتلون مناصب مهمة في مؤسسات الدولة وفي مجلس الشورى. وعلاوة على دخول عدد منهم ساحة العمل السياسي، اتجهت مجموعة أخرى إلى الميدان الاقتصادي، لكن هذه التحولات لم تمنع من استمرار فئة واسعة في الحفاظ على الدور الأساسي الذي قام من أجله الحرس الثوري بعنوان "المدافع عن الثورة والحامي لأرض إيران واستقلالها"، وذلك كله مع استمرار استقلاله كمؤسسة تتبع المرشد مباشرة، وتتمتع بامتيازات تفوق تلك المعطاة للجيش. 

مرشد الثورة الإسلامية خلال تشييع جثمان محسن حججي عضو الحرس الثوري الذي قتل في سوريا (الأناضول)

أما المرحلة الثالثة، فبدأت بالتزامن مع السعي الأميركي لإدراج الحرس الثوري في قائمة الإرهاب من ناحية، ومع تزايد الضغوط الغربية والأوروبية بشأن ملف إيران النووي والتهديد بفرض عقوبات عليها من ناحية أخرى؛ الأمر الذي جعل الجيل الثالث من الحرس شبيهًا بالجيل الأول منه مع الإقرار بوجود اختلافات في التوجه الأيديولوجي والنظر إلى روح الثورة بين الجيل الأول والجيل الثالث وكذلك الرابع، فضلًا عن أن الأوضاع التي حكمت إيران والمنطقة في بدايات الثورة ليست تلك التي تحكمها اليوم. ومع ذلك، فإنه ليس مجازفة اليوم الحديث عن دور أكبر لـ"الحرس" في السياسة الداخلية والخارجية لإيران (21). واتسمت مرحلة جعفري بعودة البعد الأيديولوجي في خطاب الحرس وأدائه لكن أيضًا مع تعزيز للبعد العملي والتنفيذي. 

ويمكن القول بأن المرحلة الرابعة بدأت مع انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي وعودة العقوبات، وبمواكبة تنامي دور إيران الخارجي، كانت التحديات تتعاظم أمام مؤسسة الحرس، وأخذت هذه التحديات بعدًا أشد خطورة مع تصنيفه كمؤسسة إرهابية، لتبدأ مرحلة جديدة بتعيين العميد حسين سلامي قائدًا للحرس الثوري بدل محمد علي جعفري الذي عُيِّن رئيسًا لمؤسسة "بقية الله".

تعيين سلامي: ماذا بعد؟

- لا يوجد في النظام الأساسي للحرس الثوري أو القوانين الناظمة لعمله ما يشير إلى مدة محددة لقيادة الحرس الثوري، وكما أشرنا في استعراضنا السابق، فبعض قياداته أمضى 16 عامًا وبعضها لم يزد عن شهر، لكن جرى الحديث عن تقليد في سياسة آية الله خامنئي في تعيين المسؤولين السياسيين والعسكريين بأن تكون المدة 10 سنوات، وكان من المفترض انتهاء مدة جعفري في 2017، إلا أنه تحدث بأن مرشد الثورة قد مدَّد ولايته لثلاث سنوات، وحدث التغيير قبل انتهاء مدة التمديد وهو ما يشير إلى وجود واقع فرض الإسراع بذلك. ونجد في مرسوم آية الله خامنئي لتعيين سلامي، إشارة واضحة بأن ذلك جاء ردًّا على طلب من محمد علي جعفري بـ"ضرورة تغيير قيادة الحرس"، ويكشف ذلك عن قراءة مؤسسية من داخل الحرس الثوري نفسه رأت أن طبيعة المرحلة تقتضي إجراء تغييرات في قيادة الحرس، وهنا يظهر العامل الخارجي واضحًا في خلفيات القرار.

- لا يمكن القول بوجود تباينات جوهرية في توجهات سلامي مقارنة بمحمد علي جعفري، لكن سلامي يميل إلى استخدام خطاب تهديدي واضح وصريح، بل إن أبرز التهديدات الصادرة عن الحرس كمؤسسة صدرت على لسانه، ومنها: التهديد بإغلاق مضيق هرمز، في 4 مايو/أيار 2016. كما استخدم لغة تهديدية عالية في الحديث عن إسرائيل: "الحماقات التي ترتكبها إسرائيل اذا استمرت تجعلها أقرب إلى زوالها وحتى إنها لن تجد مكانًا لدفن قتلاها". وفي فبراير/شباط 2019، وجَّه -ومن خلال التليفزيون الرسمي- تحذيرًا للدول الأوروبية بشأن البرنامج الصاروخي: "إذا قررت أوروبا أو غيرها وفقًا للمؤامرة، الإصرار على نزع السلاح الصاروخي للجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف نضطر لإحداث قفزة في استراتيجيتنا". وعقب الهجمات التي شهدتها إيران في الأهواز، وجَّه سلامي تهديدًا مباشرًا للسعودية والإمارات بأنها تتجاوز الخطوط الحمراء وأن عليها أن تتحمل تبعات الانتقام. 

- يبدو البرنامج الصاروخي الإيراني عنوانًا بارزًا في مسيرة سلامي الذي دخل اسمه في قوائم الإرهاب الأميركية؛ فالقائد الجديد للحرس معروف بدفاعه عن البرنامج الصاروخي وضرورة تعزيز قدراته، وقد وجَّه تحذيرًا يقارب التهديد إلى الأطراف الأوروبية بهذا الشأن. 

- على الصعيد الداخلي، كان لسلامي مواقف حادة تجاه الحركة الخضراء ووصفها بـ"الفتنة".

- إن صعود سلامي يشير بصورة واضحة إلى تغيير في تركيبة المسؤولين حيث لا يمكن اعتباره من الجيل الأول أو الثاني في حرس الثورة، وعلى الرغم من مشاركته في الحرب العراقية-الإيرانية إلا أن سلامي لم يكن من جيل الثورة المؤثِّر في العقد الأول والثاني من عمر الجمهورية الإسلامية، وحتى قبل تعيين محمد علي جعفري لم يتردد اسمه كواحد من الأسماء البارزة في الحرس. ولا نجد اسمه في قائمة قادة الحرس الموقعين على الرسالة الموجهة إلى خاتمي. ولذلك، فإن مكانة سلامي اليوم تأتي من موقعه المؤسسي كقائد للحرس وليس من كاريزما شخصية.

لا يمكن النظر إلى هذا التعيين بمعزل عن التعيينات في مناصب رفيعة شهدتها الجمهورية الإسلامية مؤخرًا، ومن أبرزها: تعيين آية الله إبراهيم رئيسي رئيسًا للسلطة القضائية وتعيين آية الله صادق لاريجاني رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام وكلا الرجلين يتردد اسمه كخليفة محتمل لخامنئي؛ مما يشير إلى سعي مرشد الثورة الإسلامية لمرحلة انتقالية قادمة، تكون فيها مؤسسات الدولة متماسكة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.فاطمة الصمادي،  باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.

ABOUT THE AUTHOR

References

1-   الدستور الإيراني، المادة 150، انظر: دستور إيران الصادر عام 1979 شاملًا تعديلاته لغايaام 1989، ترجمة المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات؛ تحديث مشروع الدساتير المقارنة:

https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar

2-  36 سال پيش در مدرسه علوي چه گذشت؟/مرور خاطرات انقلابيون از مدرسه علوي (ماذا حدث قبل 36 عامًا؟: مذكرات الثوار حول المدرسة العلوية)، وكالة كتاب، 14 بهمن 1397 (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2019): اضغط هنا 

3-  محمد محسن مصحفي، خاطرات يك ديپلمات 1 (خاطرات جواد منصوري) (مذكرات دبلوماسي (مذكرات جواد منصوري))، (تهران، انتشارات سوره مهر، 1394ش)، ط 1، ص41.

4-  المرجع السابق، ص 41-42.

5-  روايت دانش منفرد از تشکيل سپاه (رواية دانش منفرد لكيف تشكل الحرس)، موقع جماران، 2/2/ 1389 ش (تاريخ الدخول: 22 أبريل/نيسان 1389): اضغط هنا 

6-  محمد محسن مصحفي، خاطرات يك ديپلمات 1 (خاطرات جواد منصوري)، مرجع سابق، ص217.

7-  المرجع السابق، ص 217 و218.

8-  يكشف فيلم وثائقي بثَّته شبكة "مستند" الإيرانية بعنوان: "اتاق جنگ: مديريت نظامي ايران در جنگ با عراق چگونه بود؟" (غرفة عمليات الحرب: كيف كانت إدارة إيران العسكرية للحرب مع العراق؟)، في 18 يوليو/تموز 2017، عن وجود خلافات واضحة بين محسن رضائي من جهة وروحاني ورفسنجاني من جهة أخرى، خاصة عند الحديث عن سقوط الفاو، ويمكن مشاهدة هذه الفيلم الوثائقي على يوتيوب:

https://www.youtube.com/watch?v=0MoCUzBCYbs

9-  على أكبر هاشمي رفسنجاني، "کارنامه و خاطرات هاشمى رفسنجانى اوج دفاع"، (مسؤوليات ومذكرات رفسنجاني، أوج الدفاع)، (تهران: دفتر نشر معارف انقلاب، 1388)، ط6، صص 65-67.

10-  مذكرات رفسنجاني، أوج الدفاع ص 89.

11-  "سردار جواني:‌ اوباما، کلينتون ورژيم صهيونيستي از موسوي.. حمايت کردند دوره تهديد نرم نيست، وارد مرحله جنك نرم شده‌ايم" ("القائد جواني: أوباما وكلينتون والكيان الصهيوني ناصروا موسوي.. ليست مرحلة تهديد ناعمة، لقد دخلنا مرحلة الحرب الناعمة")، الموقع الإلكتروني "آفتاب"، 12 شهريور 1388 (2 سبتمبر/أيلول 2009)، (تاريخ الدخول: 5 فبراير/شباط 2018):

http://www.aftabnews.ir/vdcc40qo.2bqix8laa2.html

12-  المصدر نفسه.

13-  المصدر نفسه.

14-  "سردار جواني..."، مصدر سبق ذكره.

15-  المصدر نفسه.

16-  اختلاف دولت و قرارگاه خاتم‌الانبياء برسر قرارداد ساخت کشتي با کره جنوبي (خلاف بين الحكومة وقاعدة خاتم الأنبياء على خلفية اتفاقية لبناء السفن مع كوريا الجنوبية)، راديو زمانه، 22 أذر 1395، (تاريخ الدخول: 16 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://www.radiozamaneh.com/313217

17-  سردار جعفري اعلام کرد سپاه آماده خروج از اقتصاد (القائد جعفري أعلن: الحرس مستعد للخروج من الاقتصاد)، صحيفة دنياى اقتصاد، 21 أذر 1392، العدد 3087، (تاريخ الدخول: 16 ديسمبر/كانون الأول 2017): اضغط هنا 

18-  تفاهم ميلياردي سپاه و شهرداري (اتفاقية بالمليارات بين الحرس والبلدية)، وكالة ايسنا، 17 تير 1394، (تاريخ الدخول: 16 ديسمبر/كانون الأول 2017): اضغط هنا

19-  المصدر نفسه.

20-  المصدر نفسه.

21-  المصدر نفسه.