من الواضح أن السباق نحو كرسي الرئاسة بموريتانيا قد دخل مرحلة جديدة وجدية بُعيد إعلان المجلس الدستوري، وهو الجهة الوصية على المسار الانتخابي(1)، عن اللائحة النهائية للمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وذلك بعد أن استكمل الآجال القانونية المنصوص عليها(2)، مؤكدًا بما لا يدع مجالًا للشك حصر المتنافسين على الكرسي في ستة أشخاص.
ومع إعلان الحكومة لأسماء المترشحين، بعد إحالة الملف إليها من طرف المجلس الدستوري، تكون القوى السياسية أمام واقع جديد، بعد عشرية من التدافع والقلق من إمكانية تعديل الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، للدستور، والذهاب بالبلاد إلى ولاية رئاسية ثالثة، بما تعنيه من قلاقل وتصعيد داخل الساحة السياسة، وانتكاسة للحلم الذي خطط له قادة المرحلة الانتقالية الأهم في تاريخ البلد 2005-2007(3).
وبموجب اللائحة التي نشرتها الحكومة الموريتانية في الثاني عشر من مايو/أيار 2019، فقد اقتصر السباق إلى كرسي الرئاسة الموريتانية على وزير الدفاع السابق، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني(4)، والوزير الأول السابق، سيدي محمد ولد بوبكر(5)، ورئيس حركة إيرا الحقوقية، بيرام ولد الداه ولد اعبيدي(6)، ورئيس اتحاد قوى التقدم، محمد ولد مولود(7)، والسياسي، كان حاميدو بابا(8)، والإداري المالي، محمد الأمين ولد المرتجى(9).
ومن الملاحظ بدءًا أن المنافسة خلت من وجود أية سيدة، بينما كان التمثيل الشرائحي والجهوي على أشده، وهو ما يحمل رسالة بالغة عن حجم الاستقطاب الحاصل بين النخب السياسية الموريتانية، وعزوف السلطة القائمة عن الدفع بمرشحين لتنويع المشهد، كما كان معمولًا به في الاستحقاقات الماضية.
ومع دخول البلاد في الأجواء الممهدة للحملة الانتخابية بدأت الأوزان تتباين، والرؤى الحاكمة للمشهد في اتضاح، والعلاقة بين مكونات المجتمع السياسي تأخذ شكلها الجديد، وسط انهيار في التحالفات القديمة، وتضارب في المواقف بين التشكيلات السياسية، وإعادة التموقع قبل الحملة، وأخذ بعض القوى غير المشاركة في السباق نحو الكرسي مواقفها، وفق الرؤى والمصالح التي تحكم توجهها، أو لاختلال ميزان القوى المفترض نحو أحد المرشحين، أو الرغبة في الضغط باتجاه شوط ثانٍ يعيد ترتيب أوراق العملية السياسية، ويمنح بعض القوى فرصة المناورة، في بلد تجاوز عدد المسجلين فيه على اللوائح الانتخابية أكثر من مليون و500 ألف ناخب(10)، أكثرهم من سكان المدن الكبيرة، والغالبية الكبرى من القوى الشبابية، التي تشارك الآن في أول انتخابات تعددية لا يشارك فيها الرئيس المنتهية ولايته، ومن المنتظر أن تكون بداية للتداول السلمي على السلطة في بلد أنهكته الانقلابات العسكرية والمراحل الانتقالية، وصراع الحركات السياسية وقادة الجيوش. والواضح أن هنالك معطياتٍ شكَّلت فرصة لبعض القوى السياسية لإعادة تموقعها، بفعل الرغبة في تجاوز المرحلة الانتقالية الحالية بأقل التكاليف، وتكريس التناوب السلمي للسلطة كثقافة، بغضِّ النظر عمن سيكون هو الرئيس.
ورغم أن بعض الإشكالات من قبيل تمويلات الحملات الانتخابية، وشفافية الاقتراع، وسلمية الحملة، وضبط إيقاع الخطاب السياسي في بلد متنوع الأعراق والفئات وتحضر فيه الجهوية بشكل كبير، تعد أولويات مطروحة على السلطة والمعارضة على حد سواء، إلا أنها أشياء لم تأخذ قيمتها من اهتمام الناخبين، والكتل الصلبة في الساحة السياسية، بقدر ما كان التركيز على رسم ملامح المرحلة القادمة، عبر تموقع كل طرف مع الجهة التي يعتقد أنها قادرة على تحقيق حلمه، أو بالأصح قادرة على الوصول للسلطة من أجل مساعدته في تحقيق ذلك الحلم المؤجل لعقد أو عقدين أو بضع سنين على أقل تقدير.
اصطفافات اللحظة الأخيرة
رغم أن القوى السياسية الموريتانية عانت خلال المرحلة الأخيرة من التشرذم والانقسام والتحول من موقف لآخر، بفعل ضبابية المشهد داخل بلد متخم بالفقر والتهميش، وصراع الزعامة بين الكبار الطامحين إلى تسيير البلد والتأثير فيه، وضغط السلطة خلال سنوات المواجهة مع الشارع المعارض وإكراهات الواقع الناتج عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، إلا أن حجم التحول الذى تعيشه البلاد الآن غير مسبوق في حياة النخب السياسية، والتشظي على أَوْجِهِ، بفعل المواقف المرتبكة لبعض القوى السياسية، والتحييد القسري الذى مارسته نصوص الدستور المعمول به على آخرين كانت لهم كلمتهم المسموعة في الحياة السياسية ووزنهم الكبير داخل الشارع طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، وخصوصًا رئيس الجمهورية، محمد ولد عبد العزيز، ورئيس تكتل القوى الديمقراطية، أحمد ولد داداه، ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي المعارض، مسعود ولد بلخير(11).
تحولات اختلط فيها المعارض القح خلال العشرية الأخيرة، بالموالي الصرف لدرجة التزلف والدفع باتجاه تعديل الدستور لضمان بقاء الرئيس، واليساري الثائر من أجل دولة حديثة بالوجيه التقليدي الممسك بخيوط الماضي خوفًا من تحييده بدعوى الحداثة والعصرنة، والإسلامي المعارض، بالقبلي المساند، والحقوقي المندفع من أجل تحرير الشعب، بالجلاد المتهم بجرائم يندى لها الجبين خلال مسار الدولة الموريتانية الحديث، والنقابي المعتكف في صومعة النضال، برجل الأعمال الممسك بخيوط العملية الاقتصادية.
لقد كان لهذا الحراك الأثرُ الكبيرُ على تماسك العديد من الأحزاب والحركات السياسية، وأطاح بعدد من رموز المعارضة التقليدية واقعة في شراك السلطة، ولما يغادر رأس المنظومة التنفيذية بالبلد، الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قصرَ الرئاسة، مما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، والصحف المحلية، وأعاد طرح بعض الأسئلة التقليدية حول مدى جدية أصحاب الصوت المرتفع في أوقات الرخاء، والنهاية السيزيفية لجهود النخب المنتفضة منذ عقدين أو ثلاثة ضد ما تسميه حكم الجيش، وعلاقة التحول الحاصل بالإحباط داخل معسكر المعارضة، أو ضبابية الرؤية لبعض المنتمين لصفوف الأغلبية، ناهيك عن جاذبية بعض المرشحين كما يتم تداوله، وقدرة البعض الآخر على الإقناع بمشروعه الجديد.
ولعل أكثر التحولات المثيرة للدهشة خلال الانتخابات الحالية هي دعم الإسلاميين للوزير الأول، سيدي محمد ولد بوبكر، ومساندة أبرز رموز حزب التكتل المعارض، وبعض قادة الجمعيات الإسلامية التي تعرضت للمضايقة أو الحل من قبل السلطة، لمرشح السلطة وزير الدفاع السابق، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني.
ففي الثالث عشر من مارس/آذار 2019، أعلن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض "تواصل" دعمه للوزير الأول، سيدى محمد ولد بوبكر، في الانتخابات الرئاسية، رغم ماضيه كوزير أول في نظام كان التيار الإسلامي أبرز ضحاياه، حينما قرر قائده ورئيس البلاد السابق، العقيد معاوية ولد الطايع، استهداف التيار الإسلامي بغية اجتثاثه من موريتانيا، في حرب استمرت عدة سنوات، وانتهت بانقلاب عسكري قاده العقيد الراحل، اعلي ولد محمد فال، بعدما امتلأت سجون البلاد بالمعتقلين، وشوارع العاصمة وكبريات المدن بمظاهر الاستنفار، وتعرض الجيش لحرب استنزاف بفعل دخول السلفية الجهادية على الخط، والإعلان عن حركة عسكرية معارضة في الخارج، بعد فشل المحاولة الانقلابية 2003، واعتقال أكثر من 170 من الضباط والجنود، في أكبر حدث هز أركان نظام العقيد معاوية ولد الطايع.
غير أن الحزب الذي يتصدر المشهد المعارض في الوقت الراهن، لم يجد في الأمر أي غضاضة، معتبرًا أن ترشيحه "لجلاده" السابق، بمنزلة الفعل السياسي الذي يختار أصحابه مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية، ويضحون من أجل استقراره وتطوير منظومته الديمقراطية بمكاسب آنية أو صورة وردية يرسمها البعض للقوى الإسلامية الساعية من أجل التغيير.
ولخص الحزب رؤيته في بيان نشره بعد اتخاذه للقرار قائلًا: "إن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الفخور بتجديد الشعب الموريتاني الثقة فيه لزعامة المعارضة الديمقراطية مع شركائه في المعارضة، يجدد في هذه اللحظة لجماهير المعارضة الوطنية (وجمهور تواصل في القلب منها) ولعموم الشعب الموريتاني أنه يستحضر وهو يتخذ هذا القرار:
- أن موريتانيا تحتاج اليوم ميلاد جبهة مدنية ديمقراطية تفرض أن تكون انتخابات 2019 موعدًا للقطيعة مع نظام الفساد والاستبداد وعشريته السوداء.
- أن موريتانيا تحتاج برنامج إصلاح شامل ينطلق من الهوية الإسلامية الجامعة، ويكرِّس مقتضياتها؛ ويقيم العدل والقسط بين أهلها ويقضي على كل أشكال ومخلفات العبودية والعنصرية والتهميش، ويجد حلًّا عادلًا ونهائيًّا للإرث الإنساني، وينشر الحرية وقيم التسامح والمحبة والأخوة والاعتزاز بكل مكونات هذا الشعب ويضع أسس التنمية والرفاه والأمن والاستقرار.
- تحتاج موريتانيا كذلك في هذه اللحظة الحاسمة من يمتلك الخبرة والكفاءة والتجربة في إدارة شؤون البلد ويتمتع بعلاقات واسعة مع مختلف مكوناته وأطيافه.
على هذه الأرضية، وضمن هذا الأفق، ننطلق على بركة الله مع رفاق المعارضة وشركاء الوطن في محطة جديدة من محطات نضالنا الصبور من أجل تحقيق التناوب الديمقراطي"(12) .
غير أن الشارع المعارض الذي انتفضت بعض أحزابه ونخبه ضد ما أسموه ترشيح حزب "تواصل" وبعض الأحزاب المتحالفة معه كحاتم والمستقبل، لرمز من رموز الأنظمة السابقة، لم يكد يفيق من الصدمة حتى كانت قوى معارضة أخرى لها مكانتها التاريخية في المشهد تشد الرحال، وهذه المرحلة إلى مرشح السلطة القائمة بعينه.
تحولٌ أثار الكثير من الجدل داخل الساحة المحلية، وأربك المشهد المحلى، خصوصًا بعد الاستقالات الوازنة من حزبي "التكتل" و"تواصل"، ودعم أبرز رموز حزب التكتل بقيادة المرشح السابق للرئاسيات، أحمد ولد داداه، مرشح السلطة، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني.
حظوظ المرشحين ومخاطر المرحلة
يُجمع أغلب المراقبين للانتخابات الرئاسية الموريتانية الحالية، على أنها انتخابات تنافسية بامتياز، وأنها المرة الأولى منذ وصول الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، التي تُجرى فيها انتخابات تشارك فيها كل القوى السياسية المحلية دون استثناء أو إقصاء أو عزوف عن التنافس.
ومع ارتفاع نسبة المسجلين في الانتخابات الرئاسية إلى أكثر من مليون ونصف المليون ناخب، أغلبهم في المدن الكبيرة، تبدو حظوظ المرشحين الثلاثة الكبار شبه متقاربة، مع أولوية للمرشح المدعوم من قبل الرئيس ومجمل أعضاء الحكومة، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني.
ويعتمد المرشح، ولد الغزواني، على كتلة ناخبة قوية تضم القوى التالية:
- أحزاب الأغلبية الداعمة للرئيس، محمد ولد عبد العزيز، وهي 21 حزبًا، بينها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، وهو الحزب الذي يمتلك 102 من نواب الجمعية الوطنية البالغ عددهم 157 نائبًا خلال الدورة البرلمانية الحالية.
- دعم كبار الجنرالات، وخصوصًا من اشتهروا بالوقوف وراء كتل سياسة وازنة، كقائد الحرس، الفريق مسغارو ولد الغويزي، أبرز ضباط الشرق الموريتاني، والفريق محمد ولد مكت، قائد جهاز الشرطة، أبرز ضباط لبراكنه وسط البلاد، والفريق أبرور، قائد الجيوش العامة، وأحد أبرز ضباط الشمال، وتدعمه كتلة سياسية وقبلية لها حضور كبير في الساحة المحلية خلال الفترة الأخيرة.
- دعم قوي من بعض رموز المعارضة السابقين، ومن أبرزهم: قادة حزب عادل الذي يرأسه الوزير الأول السابق، يحي ولد أحمد الوقف، وقادة "راشدون"، وهم كتلة من تيار الإخوان المسلمين يتزعمها السيناتور السابق، عمر الفتح، وكتلة منشقة من حزب تكتل القوى الديمقراطية أبرز القوى السياسية المعارضة، ويقود الكتلة الحالية محمد محمود ولد أمات، وهو نائب رئيس الحزب سابقًا، وأحد أبرز مؤسسيه، وقيادي له وزنه في الساحة المحلية.
- أما الوزير الأول السابق، سيدي محمد ولد بوبكر، فقد بدأ يأخذ مكانته داخل الساحة السياسية، ويُنظر إليه كمرشح منافس جدي لمرشح السلطة بحكم علاقاته الواسعة والاستقبالات الشعبية الكبيرة له، والكتل السياسية النشطة التي ساندته خلال المرحلة الأخيرة.
ويحظى المرشح، سيدي محمد ولد بوبكر، بدعم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" المعارض، أبرز أحزاب المعارضة، وهو حزب لديه كتلة تبلغ 16 نائبًا في البرلمان و7 مجالس رئيسية، بينها دائرة مقاطعة عرفات وهي أبرز دوائر الصراع في العاصمة، نواكشوط، خلال الفترة الأخيرة.
ويحظى حزب تواصل بقوة تعبئة كبيرة، وحضور إعلامي هو الأهم داخل الساحة السياسية. وقد تمكن خلال الانتخابات الجهوية الأخيرة من الذهاب بالحزب الحاكم إلى جولة الإعادة في مجمل الولايات، حيث كان المنافس الأبرز لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وتمكن من حصد 250 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، رغم الحملة الإعلامية الشرسة التي خاضها الرئيس ضده.
كما حظي المرشح بمساندة حزب حاتم بقيادة النائب السابق، صالح ولد حننا، وهو شخصية محورية في تاريخ الصراع السياسي الموريتاني، بحكم دوره في الإطاحة بنظام الرئيس معاوية، من خلال قيادته لثلاث محاولات انقلابية خلال الفترة ما بين 2003-2005.
وبدورها، قررت كتلة حزب المستقبل أو حركة الحر، أبرز تنظيم تاريخي للأرقاء السابقين مساندة المرشح، ولد بوبكر، مع كتل قبلية وأخرى شبابية، بعضها عمل معه خلال توليه السلطة ما بين 1994-1996 أو إبان إدارته للمرحلة الانتقالية 2005-2007.
ولعل أهم نقطة قوة لدى المرشح، سيدي ولد بوبكر، هي أنه عنصر اطمئنان لمعارضيه وداعميه، بحكم أنه مرشح من قبل السلطة، تدعمه قوى المعارضة الأساسية. فهو إلى غاية ترشيحه أحد أركان نظام الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، من خلال توليه حقائب دبلوماسية مهمة، كالسفارة الموريتانية في إسبانيا والسفارة الموريتانية في نيويورك، والسفارة الموريتانية في القاهرة.
أما المرشح الثالث المحتمل في ترتيب المرشحين، بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، فقد شكَّل مفاجأة كبيرة في الساحة المحلية خلال السنوات الأخيرة، بعدما تمكن من حصد 10% من أصوات الناخبين سنة 2014، كما أنه تمكن من دخول البرلمان وهو سجين، ومعه دخل اثنان من حزب الصواب القومي الذي احتضنه خلال الفترة الأخيرة.
ويحظى بيرام ولد اعبيدى بشعبية كبيرة في أوساط الأرقاء السابقين "الحراطين" وبعض الكتل الزنجية الباحثة عن تغيير داخل البلد، خصوصًا من سكان الضفة وبعض سكان العاصمة نواكشوط.
ويشكِّل المرشح، محمد ولد مولود، إضافة للجهد المعارض خلال الانتخابات الرئاسية المقررة يونيو/حزيران 2019 بحكم دعمه من قبل حزبه الذي يمتلك ثلاثة نواب في البرلمان، وحزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض الذي يمتلك هو الآخر ثلاثة نواب، مع رمزية زعيمه، أحمد ولد داداه، المحروم من الترشح للانتخابات الرئاسية الحالية بحكم عامل السن.
ويخوض السباق الرئاسي المرشح السابق للانتخابات الرئاسية وزعيم تكتل القوى الزنجية المعارضة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز "كان حاميدو بابا"، وهو مرشح يتوقع البعض أن يستقطب أبرز أصوات الزنوج، مع حضور ضعيف في مجمل الشرائح الأخرى. ويشكِّل كان حاميدو بابا أمل الزنوج في تأسيس كتلة معترف بها داخل الحياة السياسية، وقادرة على حسم المعركة في الجولة الثانية، في حالة نجاح القوى السياسية المعارضة لمرشح السلطة في جرِّه إلى شوط ثان، وهو ما سيخلق تهديدًا جديًّا له، في بلد يشكل فيه تحالف القوى السياسية أبرز خطر يتهدد القوى المحسوبة على النظام، كما تقول ذلك تجارب عديدة من أبرزها الانتخابات الأخيرة في الدوائر الكبيرة كالعاصمة نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو، وكما تم سنة 2007، حينما تمكنت المعارضة من حصد 47.8% من أصوات الناخبين في جولة الإعادة.
ويواجه مرشح السلطة عدة مخاطر انتخابية، أبرزها:
- عزوف سكان الريف عن التصويت بفعل الجفاف وصعوبة النقل في فصل الصيف وضعف التعبئة.
- المشاركة الواسعة للشباب في الانتخابات الرئاسية، وخصوصًا في كبريات المدن.
- التصويت العقابي، في ظل تذمر بعض القوى السياسية من بعض سياسات الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، خلال السنوات الأخيرة، والنظر له كامتداد للعشرية الأخيرة، وما شابها من مشاكل خلال الفترة الأخيرة.
- قدرة المرشحين المنافسين على الحصول على تمويل كاف للحملة الانتخابية.
- حدوث استنزاف كبير لبعض داعميه في المرحلة الأخيرة، عبر شراء الذمم، أو انهيار بعض تحالفاته بفعل عدم قدرته على استيعاب كل الداعمين له خلال الحملة.
أما الأطراف السياسية المعارضة فالمخاطر التي تتهددها كثيرة، وأبرزها:
- استمرار ضغط السلطة من أجل تغيير قناعات الناخبين، واستغلال المال العمومي في انتخابات يونيو/حزيران 2019.
- حصول عمليات تزوير واسعة في الانتخابات، وخصوصًا في مناطق الريف الموريتاني.
- العجز عن تمويل الحملات الرئاسية، بفعل محاصرة التجار والقوى الاقتصادية النشطة، أو تهديدها لمنع أي حراك قوي.
- انسحاب بعض القوى الداعمة لمرشحيها خلال الأيام الأخيرة قبل التصويت.
خاتمة
بغضِّ النظر عن أوزان القوى السياسية المشاركة، وإمكانية حسم الصراع من الشوط الأول من طرف مرشح السلطة أو الذهاب إلى الجولة الثانية بينه وبين المرشح المدعوم بقوة من الإسلاميين، إلا أن الكل متفق في موريتانيا على أن البلد يمر بمرحلة من أهم مراحل التدافع السياسي في تاريخه، وأن الانتخابات الحالية تشكِّل مصدر تحول في الثقافة الديمقراطية في البلد، ونقطة مضيئة في عتمة الليل الحالك الذي تمر به الأمة العربية، وفرصة لتعزيز المسار الديمقراطي بموريتانيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سيدي أحمد ولد بابا، كاتب وصحفي موريتاني.
(1) انظر: المجلس الدستوري ينشر اللائحة المؤقتة للمترشحين للانتخابات الرئاسية، 9 مايو/أيار 2019، تاريخ الدخول 15 مايو/أيار 2019:http://www.ami.mr/Depeche-57685.html
(2) المادة 83 من الدستور تنص على أنه "يسهر المجلس الدستوري على صحة انتخاب رئيس الجمهورية وينظر في الدعاوى ويعلن نتائج الاقتراع".
(3) شكلت سنة 2005-2007 أهم مرحلة انتقالية بموريتانيا، بعدما قرر المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية إنهاء حكم الرئيس الأسبق، معاوية ولد الطايع، وتشكيل حكومة مدنية وتنظيم انتخابات رئاسية لا يشارك فيها الجيش ولا أعضاء الحكومة.
(4) محمد ولد الغزواني: عسكري وسياسي موريتاني؛ شغل مناصب عسكرية وأمنية رفيعة، من بينها: الإدارة العامة للأمن الوطني، وقيادة الأركان، وقيادة الأركان العامة للجيوش التي استمر فيها إلى أن عُيِّن وزيرًا للدفاع في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أسابيع قليلة قبل تقاعده.
(5) سيدي محمد ولد بوبكر: هو الوزير الأول السابق الذي تولى تسيير الأمور من عام 1992 إلى عام 1996 ومرة أخرى في الفترة من عام 2005 إلى عام 2007.
(6) بيرام ولد اعبيدي: نائب برلماني عن حزب الصواب، ورئيس حركة إيرا المناهضة للعبودية، ومرشح سابق للانتخابات الرئاسية سنة 2014، وأحد أبناء الأرقاء السابقين.
(7) محمد ولد مولود: قيادي يساري بارز، ورئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، مرشح من قبل بعض أحزاب المعارضة الموريتانية، وينتمي لولاية تكانت وسط البلاد.
(8) كان حاميدو بابا: مرشح سابق للانتخابات الرئاسية سنة 2009، وقيادي معارض لحكم ولد عبد العزيز، ومرشح ائتلاف أحزاب الزنوج بموريتانيا.
(9) محمد الأمين ولد المرتجى: شاب من مواليد النعمة شرق البلاد، إداري من سلك المالية، يخوض الحملة الانتخابية لأول مرة، وهو أصغر مرشح يخوض سباق الرئاسة الموريتانية.
(10) انظر: اللجنة الانتخابية تعلن عن العدد النهائي لمجموع المسجلين على اللائحة الانتخابية (بيان)، موقع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، 19 مايو/أيار 2019، تاريخ الدخول 19 مايو/أيار 2019:http://ceni.mr/node/56
(11) ينص الدستور الموريتاني في نسخته التي تم إقرارها سنة 2007 على منع الترشح لمنصب رئيس الجمهورية على من تجاوزت سنه 75 سنة.
(12) انظر: حزب "تواصل" يعلن دعمه للمرشح ولد بوبكر، موقع الأنباء، 15 مارس/آذار 2019، تاريخ الدخول 16 مارس/آذار 2019:https://www.anbaa.info/?p=47235