شكَّلت التظاهرات العراقية المستمرة والتي انطلقت في بغداد والعديد من المحافظات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري (2019)، مفاجأة للسلطات العراقية من حيث أعداد المتظاهرين ونوعية المطالب والفئات العمرية المشاركة فيها، بما دفعها لاستخدام القوة المفرطة لمواجهتها ومحاولة منع انتشارها إلى عموم مناطق العراق، وأيضًا لمنع تعاظم المطالب المرفوعة خلالها؛ من الدعوة لتوفير حاجات اجتماعية واقتصادية، إلى محددات سياسية لم تكتف بالمطالبة بإسقاط النظام بل تعدته إلى رفض كل أقطاب العملية السياسية و"كل من جاء للسلطة بعد احتلال العراق عام 2003م"(1)، وبضمنها باقة الأحزاب السياسية وبخاصة منها ذات الصبغة الدينية، وكان المطلب الأبرز لكل هتافات المتظاهرين هو المطالبة بإنهاء الدور الإيراني داخل هذا البلد. ورغم تجاوز الحكومة العراقية حدود المواجهة الإنسانية والقانونية مع المتظاهرين العزل وتصاعد أعداد القتلى والجرحى إلى أرقام مخيفة، إلا أن التظاهرات امتدت إلى محافظات وسط وجنوب العراق بما جعل مساحة أي حل توافقي لأية جهة داخل وخارج الحكومة العراقية أمرًا بالغ الصعوبة؛ خاصة أن الرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية والوزراء والنواب) لم تنجح في إطلاق وعودها المقنعة للمتظاهرين بما أسقط تمامًا من "هيبة" الدولة العراقية بعيون مواطنيها بحسب التعاملات اللاحقة بين هذه السلطات والمتظاهرين من جهة، وبين بعض أطراف العملية السياسية فيما بينها من جهة أخرى .
طبيعة التظاهرات العراقية وظروف تطورها
لم تكن التظاهرات الحالية حدثًا استثنائيًّا بحد ذاتها رغم أنها كانت الأضخم والأهم والأخطر على النظام السياسي منذ غزو العراق 2003.
شهدت الفترة التي تلت الغزو العديد من الاحتجاجات الشعبية؛ كانت تتركز بشكل عام حول سوء الإدارة وتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والفساد وتهميش مكونات معينة وبسبب السياسات الطائفية ومظاهر التغيير الديمغرافي والتغييب القسري.
ورغم أن الدستور العراقي الصادر في العام 2005، كفل حق التظاهر في مادته (38)، (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتُنظَّم بقانون). إلا أن كل الاحتجاجات السابقة كانت تُقابَل بمستويات مختلفة من القمع، وكثيرًا ما اتُّهمت بالتعامل مع تنظيمات إرهابية أو مع حزب البعث أو بالارتباط بقوى أجنبية، وكانت غالبًا ما تعبِّر عن مصالح فئوية تسعى لتحقيق مطالب خدمية واقتصادية وبسقوف محدودة.
وقد شهد العراق العديد من التظاهرات المحدودة زمانًا ومكانًا قبل بدء الربيع العربي مع مطلع العام 2011، لكن أبرز الحركات الاحتجاجية تزامنت مع الثورات العربية وكانت متواصلة معها، حيث خرجت يوم 25 فبراير/شباط 2011، مظاهرات ما سمي حينها (مظاهرات الربيع العراقي)، في ساحة التحرير ببغداد ومدن أخرى، لاسيما في شمال وغرب البلاد، واقتحم المحتجون المقار الحكومية في الموصل والبصرة وواسط والرمادي، وسيطروا على المجلس البلدي في الحويجة وحاصروا مقار ودوائر أخرى.
جرى استخدام القمع لإنهاء تلك المظاهرات، قبل أن تندلع الحركات الاحتجاجية قبيل نهاية عام 2012، في ست محافظات وتحولت إلى اعتصامات دامت نحو عام كامل.
جرت الاعتصامات في محافظات الأنبار، والموصل، وديالى، وصلاح الدين، وكركوك، وبغداد، وكان سببها الأساسي شعور سكان هذه المحافظات بتهميش طائفي لهم من قبل الحكومة، وتواصلت هذه الحركة حتى ديسمبر/كانون الأول 2013، حينما قرر رئيس الحكومة، آنذاك، نوري المالكي، إنهاءها بشكل عنيف. وكانت السلطات قد تدخلت بقوة، في أبريل/نيسان 2013" من نفس العام لفض اعتصام المتظاهرين في مدينة الحويجة بشكل دموي، حيث قتل عشرات المعتصمين آنذاك.
في فبراير/شباط 2017، نظَّم التيار الصدرى مظاهرات كبيرة في بغداد، اقتحمت المنطقة الخضراء من دون تصدٍّ كبير من قبل القوات الأمنية. وفي صيف عام 2018، اندلعت احتجاجات غاضبة في مدن الجنوب العراقي لاسيما في البصرة بسبب سوء الخدمات والإهمال والفساد، وجرت مهاجمة مقار الأحزاب الحاكمة، وحرقوا صور بعض الرموز الدينية والسياسية(2(.
لقد بات القمع باستخدام العنف أو العنف المفرط على الأغلب هو الأسلوب الأكثر وضوحًا في تعامل السلطات مع التظاهرات في العراق، كما أدى انتشار الميليشيات المسلحة المرتبطة بالأحزاب الدينية إلى تفشي الاختفاء القسري والاعتقال غير القانوني والاغتيالات للناشطين في تنظيم المظاهرات وفي مجال حقوق الإنسان.
مع عودة التظاهرات التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول (2019) للتحشيد بشكل أكبر وأوسع وأكثر تنظيمًا في الخامس والعشرين من ذات الشهر، بدأ الخناق يضيق على طرفي المعادلة؛ فالنظام السياسي بتركيبته المتمثلة برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والنواب باتت في حرج كبير وتحت ضغط أكبر بسبب ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى إلى أعداد لم تصلها في أية احتجاجات سابقة حيث بلغت أكثر من 300 قتيل ونحو 15 ألف جريح مع أعداد كبيرة من المعتقلين (3).
وقد تسبب ذلك بتحريك المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية وكذلك بعض وسائل الإعلام وسقوط أعداد كبيرة الضحايا ودخول ميليشيات، وبخاصة في جنوب العراق، على خط المواجهة بين الطرفين، وكان تعاملها أكثر دموية وعنفًا.
ولعل من أسباب تميز التظاهرات الحالية عن سابقاتها أنها تجاوزت محدودية التظاهرات السابقة، حيث رفع المتظاهرون سقف المطالب بشكل كبير إلى إسقاط النظام بكامله، وعدم القبول بأية إصلاحات ذات طبيعة جزئية.
زيادة التحدي مع ارتفاع مستوى العنف
تعاملت حكومة عادل عبد المهدي مع التظاهرات التي خرجت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمستوى مرتفع من العنف، وفي نفس الوقت تعامل المحتجون بقدر عال من التصميم على استمرار التظاهر وعدم الاكتراث بحجم هذا العنف والتضحيات المقدمة، وبحسب رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث بواشنطن فإن " قمع (الانتفاضة الشعبية) الأخيرة أثبت طائفية الحكومة؛ إذ إنه لم يكن بسبب أن المتظاهرين ثاروا على النظام فقط، وإنما لسعي المتظاهرين ومناداتهم بتغيير طبيعة النظام الطائفي الديني الحالي، وبالتالي فإن الدعم الإيراني الكبير للحكومة خلال المظاهرات كان السبب في القمع، إذ يراد لهذا النظام الديني بالعراق أن يستمر في الحكم وأن يقلد الولي الفقيه الإيراني، وإن من قمع المتظاهرين هم من يتبعون الولي الفقيه"(4).
ويتهم المتظاهرون العراقيون المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، بالمغالطة وتحريف الحقائق بسبب اختزالها لكل أسباب هذه الانتفاضة الشعبية بالقول: "إن الشباب العراقي خرجوا للتظاهر بسبب الإحباط من قلة فرص العمل ونقص الخدمات والفساد وفشل الحكومة"(5)، فيما أن المطلب الأول الذي أعلن عنه شباب العراق في هذه التظاهرات وعند أول يوم منها كان (أريد وطنًا) في ترميز واضح ومباشر بأن وطنهم سُرق منهم وأنهم فقدوا هويتهم الوطنية وكذلك الحقوق المترتبة على هذه الهوية بسبب النظام المحاصصي والطائفي القائم منذ عام 2003 .
وكشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة المساعدة فى العراق (يونامي) عن انتهاكات للحق فى الحياة بما فى ذلك القتل العمد للمتظاهرين غير المسلحين والاستخدام المفرط للقوة من قبل الوحدات التي تم نشرها للتعامل مع المظاهرات، كما سلَّط التقرير الضوء على المخاوف المتعلقة بالاستخدام واسع النطاق للتدابير القمعية للحد من المعلومات المتاحة للجمهور حول المظاهرات(6).
إن سوء تصرف السلطات العراقية وتعاملها غير المبالي تجاه أبناء شعبها في التظاهرات الأخيرة أسهم في رفع مستوى المطالب، وبات نظام الحكم كله مستهدفًا من قبل القائمين عليها وعلى هذا الأساس نظموا صفوفهم وشعاراتهم، ساعدهم على ذلك تزايد التأييد الشعبي لها وتحشيد نقابات مهمة كالمحامين والمعلمين لأعضائها ليكونوا روافد داعمة لحشودهم في ساحات التظاهر والاعتصام في العاصمة بغداد وبقية محافظات الجنوب. أما أبرز المطالب التي تطورت بشكل يومي فهي: استقالة حكومة عبد المهدي، وحل البرلمان، وتشكيل مجلس سيادة مؤقت من المتقاعدين والمستقلين سياسيًّا، وتشكيل حكومة كفاءات مؤقتة، على أن يُستبعد منها، كل رموز الحقبة الحاكمة منذ عام 2003 وحتى الآن مع أحزابها الحاكمة، وإلغاء الدستور الحالي وتكليف لجنة متخصصة بصياغة دستور جديد للبلاد ينص على وحدة العراق ويجرِّم الطائفية، ويحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عنصري، ويعتمد النظامَ الرئاسيَّ، شكلًا للحكم في العراق الجديد، يصوِّت عليه كل الشعب العراقي، وإحالة المتورِّطين بقتل العراقيين وسرقة أموال الدولة وعقاراتها إلى القضاء، واسترداد الأموال العامة المسروقة بالتعاون مع الإنتربول والشركات المالية العالمية المتخصصة، إضافة إلى أهداف أخرى تتعلق بمحاسبة الفاسدين ومنع سفرهم وتفاصيل أخرى كثيرة(7).
ارتدادات التظاهرات على الواقع السياسي
عكست كل أساليب وبيانات الحكومة العراقية تخبطًا واضحًا منذ بدء التظاهرات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، فمع تأكيد المتظاهرين على سلمية تظاهراتهم، ومع عدم إعلان أية دولة عن دعمها وتأييدها لحراك المتظاهرين وبالأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إلا أن كل التصريحات الصادرة من حكومة عبد المهدي وقادة أهم الأحزاب والميليشيات العراقية وكذلك القيادات الإيرانية وحزب الله اللبناني، تصر على اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية بتأجيج هذه التظاهرات ودعمها، وهو ما يتناقض تمامًا مع واقع حال الحراك الشعبي الذي تنقل أفلام وصورٌ عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكاميرات بعض المحطات الفضائية حجم القوة والبساطة في التعبير عن احتجاجاته، ثم مطالبه.
إن تأكيد رئيس مجلس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في كل تصريحاته وبياناته على وجود "معتدين غير سلميين بين المتظاهرين" يفتح أبواب التعامل بعنف مع (كل) المتظاهرين، بينما رئيس مجلس النواب ومعه رئيس الجمهورية حاولا من خلال خطابات متلفزة تهدئة المتظاهرين بوعود يدرك المتظاهرون عدم قدرتهما على تحقيقها.
وبرغم إصرار النظام على الإمساك بالسلطة ورفض استقالة الحكومة مقابل الانفتاح على مطالب المتظاهرين، إلا أن فرص تغيير سياسي كبير في العراق بسبب هذه الاحتجاجات ظلت قائمة. ومع مرور عام كامل على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، باتت العملية السياسية في العراق في وضع حرج بسبب تكرار مشهد المحاصصة وإسقاطاتها على اختيار الوزارة الجديدة ثم التلكؤ في التعامل مع ملفات مهمة ورثتها من حكومات سابقة أهمها بالطبع موضوع مكافحة الفساد.
وإذا كان سياسيو العراق قد اعتادوا تقاسم ذات الأدوار فيما بينهم سواء على مستوى مجلس النواب أو المقاعد الوزارية، فإن المواطن العراقي سئم حياته اليومية ودخل في دوامة فقدان الأمل بحياة كريمة دون أن يكون للطائفة والأحزاب والقوميات شأن بها، لاسيما مع استمرار التدخل الإيراني السافر وتحكم طهران بكل مفاصل الدولة وبخاصة منها الاقتصادي والأمني. لقد وصلت حالات الفساد العلني أو المستتر مستويات قصوى، وهو ما أكدته منظمات عالمية كمنظمة الشفافية الدولية التي صنفت العراق باعتباره أحد أبرز دول العالم فسادًا، لهذا خرج شباب العراق (تحديدًا) في تظاهرات كبيرة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019.
لم تكن الاستجابة المتمثلة بالخطاب الرسمي وشبه الرسمي للحكومة العراقية بمستوى الإحباط والرغبة بالتغيير لدى شباب العراق، ولم تتضمن خطوات واضحة نحو إجراء إصلاحات، بل بدت منفصلة عن الواقع وبعيدة عن الإقناع، ومقترحات الحلول التي صدرت عن الرئاسات الثلاث لم تكن كافية لتلبية الحاجة الفعلية للإصلاح الموعود الذي يتطلب خطة عملية لتطمين مطالب المتظاهرين.
ورغم تحذير زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، بعزمه الإطاحة بحكومته من خلال التصويت بسحب الثقة منه في البرلمان، إلا أن هذا الشيء لم يحصل ولا توجد مؤشرات حالية حول إمكانيات حصوله وذلك بسبب دعم إيران لشخص عبد المهدي في هذه المرحلة. وقد أكدت وكالة رويترز تدخل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، لفرض بقاء عبد المهدي على رأس الحكومة(8).
المظاهرات في السياق الإقليمي والدولي
كانت إيران أول الأطراف الإقليمية التي أبدت مواقف تجاه المظاهرات في العراق، تزامنت مع ما انتشر من أنباء حول تدخلات مباشرة من قبل طهران لإخماد الاحتجاجات وصلت إلى المشاركة بقتل المحتجين(9).
وأطلق مسؤولون إيرانيون سلسلة من التصريحات والمواقف يتهمون فيها أعداء إيران بأنهم خلف التظاهرات في العراق، ونقل الحساب الرسمي على تويتر للمرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، قوله: "الأعداء يسعون للتفرقة بين العراق وإيران، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر"(10). إلى ذلك، قال مجلس خبراء القيادة في إيران: إن "عناصر مندسة" في احتجاجات العراق الأخيرة تلقت تدريبًا "في معسكرات خاصة بأميركا والسعودية". وقال عضو هيئة رئاسة المجلس، عباس كعبي: "إن أعداء الشعبين، العراقي والإيراني، أي بريطانيا الخبيثة وأميركا والسعوديين، كانوا يخططون منذ أكثر من عام، لإثارة الاضطرابات والفتن لتجيير سلاح المقاومة في العراق لصالح أميركا والسعودية"(11). وعلى هذا الأساس، فإن القيادة الإيرانية وحرسها الثوري وقفا إلى جانب الحكومة العراقية، كما تشير تقارير إلى أنها موجودة ضمن النشاطات الأمنية للجهات الرسمية العراقية لمواجهة المتظاهرين في بغداد ومحافظات الجنوب، وقد أكد مسؤولان أمنيان عراقيان "أن فصائل مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد لقنص المتظاهرين"(12).
إقليميًّا، لم يصدر من أي طرف آخر سوى إيران مواقف واضحة إزاء الاحتجاجات، وهو أمر يشمل المواقف الدولية التي اكتفت في حال صدورها بالدعوة إلى عدم استخدام القمع في مواجهة المتظاهرين. لكن مواقف لمنظمات دولية كانت أكثر وضوحًا في إدانة الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات.
وقد كان متوقعًا أن تكون الولايات المتحدة من بين أكثر الأطراف اهتمامًا بما يجري في العراق، لكن واشنطن لم تُبْدِ إلا مواقف حذرة حتى يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني حينما أصدر البيت الأبيض أول تصريح أميركي واضح طالب الحكومة بوقف العنف ضد المتظاهرين، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، معبِّرة عن قلقها البالغ تجاه الهجمات المستمرة ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلاميين في العراق، بالإضافة إلى فرض قيود على خدمة الإنترنت.
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفاني غريشام، في بيان، أن واشنطن تريد من الحكومة العراقية "وقف العنف ضد المحتجين والوفاء بوعد الرئيس العراقي، برهم صالح، بتبني إصلاح انتخابي وإجراء انتخابات مبكرة"(13). وهو ما رفضه بسرعة كل من زعيمي التيار الصدري، مقتدى الصدر، وعصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وهددا بأنهما سيحاربان أية انتخابات مبكرة برعاية أو إشراف أميركي.
أما الأمم المتحدة، فقد كان لها صوت اعتُبر في كثير من الحالات غير مناسب لمستوى الخسائر في الأرواح، كما تعرضت ممثلة الأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، إلى انتقادات من قبل المتظاهرين بسبب ما اعتُبر موقفًا قريبًا من السلطات العراقية.
تطور موقف ممثلة الأمم المتحدة بعد ساعات من صدور الموقف الجديد للبيت الأبيض، ولا يُعرف ما إن كان ذلك مجرد مصادفة أم باتفاق مسبق؛ حيث توجهت بلاسخارت إلى النجف والتقت هناك بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، وبعد هذا اللقاء، نقلت بلاسخارت في مؤتمر صحفي عن السيستاني قوله إنه يجب العمل على إصلاحات حقيقية بصورة معقولة، وإن "الرئاسات الثلاث إن لم تكن قادرة على تحقيق مطالب المتظاهرين، فلابد من سلوك طريق آخر"، (14) . وقد أكد بيان لاحق صدر عن مكتب المرجع الشيعي كلام بلاسخارت، فيما دخلت القوى السياسية المختلفة في مرحلة جديدة من الانكشاف، لا سيما مع التهديد الضمني الذي تضمنته عبارة "سلوك طريق آخر"، والذي قد يكون أشد إيلاما لهذه القوى.
ويبدو أن هذا التطور في موقف المنظمة الدولية بالاتفاق مع السيستاني سيكون له أثر مباشر على تطور الأحداث لاحقًا، سيما أنه تزامن مع الموقف الأميركي، الذي قد يكون بدوره نواة لمواقف غربية لاحقة تضغط باتجاه إعادة تشكيل الوضع في العراق، لكن مثل هذا التطور قد يقود أيضًا إلى ردِّ فعل من إيران التي لا يرضيها هذا التطور ويتحدى بشكل مباشر نفوذها في العراق، لكن الحرج الإيراني هذه المرة مختلف بشكل كبير بسبب دخول السيستاني كطرف مباشر في المعادلة هذه المرة بمواجهة طموحاتها في العراق؛ حيث تجد طهران نفسها في تحدٍّ قد يكون الأكبر منذ بدأت بفرض نفوذها في العراق بعد الغزو الأميركي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فارس الخطاب، محلل سياسي وخبير في الشأن العراقي.
1- المتظاهر سنان العراقي، مقابلة تليفزيونية، قناة الشرقية الفضائية، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019 .
2- جاسم الشمري، تاريخ المظاهرات في العراق بعد العام 2003، نون بوست، 23 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/joKLX
3- أكثر من 300 قتيل و15 ألف مصاب حصيلة ضحايا الاحتجاجات في العراق، القدس العربي، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/ivLOZ
4- أوجه الاختلاف بين مظاهرات 2013 و2019 في العراق، الجزيرة نت، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/DJLOV
5- الأمم المتحدة تدعو السلطات العراقية للتعامل وفقًا للمعايير الدولية خلال المظاهرات، اليوم السابع، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019 (تاريخ الدخول:10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/cnGL7
6- العراق: مفوضية حقوق الإنسان تدعو قوات الأمن إلى التصرف بشكل مدروس حتى لا تتكرر الخسائر الفادحة التي وقعت مطلع الشهر الجاري، أخبار الأمم المتحدة، 25نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول:10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): https://news.un.org/ar/story/2019/10/1042521
7- طه العاني، مظاهرات العراق.. أسباب التصعيد وسبيل الحل، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): shorturl.at/nGLMW
8- هكذا تمكنت إيران من حماية رئيس الوزراء العراقي، الجزيرة نت، 1نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 11نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/pvAR2
9- فورين بوليسي: إيران وراء قتل المحتجين العراقيين والتمسك بعبد المهدي، الجزيرة نت، 2نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/ehktH
10- "عجزوا ولن يكون لمؤامراتهم أثر" أول تعليق من خامنئي على مظاهرات العراق، سبوتنيك عربي،7 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/mvzI6
11- مجلس القيادة بإيران: "عناصر مُندسة" في احتجاجات العراق تدربت بمعسكرات السعودية وأمريكا، سي إن إن عربي، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/dwE48
12- حصري: فصائل تدعمها إيران نشرت قناصة في احتجاجات العراق، رويترز، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخزل:10نوفمبر/تشرين الثاني 2019): https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1WW1EX
13- البيت الأبيض يعلق على الاعتداءات ضد المتظاهرين والإعلام وحظر الإنترنت بالعراق، الحرة، 11نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 11نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/wxDEL
14- نص بيان المرجع السيستاني بعد لقائه بلاسخارت، السومرية، 11نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول:11نوفمبر/تشرين الثاني 2019): shorturl.at/pGKV4