الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا الجديد عديدة وعميقة، حيث أنّه من المتوقع تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، كنتيجة لثلاث قنوات رئيسية. أولًا: يتأثر جانب العرض بسبب تعطل الإنتاج نتيجة للإصابات بالفيروس، وكذلك إجراءات احتوائه. ثانيًا: يتأثر جانب الطلب عالميًا وخصوصًا في قطاع السياحة وصناعة الترفيه. ثالثًا: انتشار هذه الآثار عالميا نتيجة لانتقال الفيروس عبر الحدود، وكذلك نتيجة لتراجع معدلات الطلب العالمية في الدول الصناعية الكبرى والصين. وستتأثر الاقتصادات العربية سلبًا من خلال العديد من القنوات أهمها السياحة، وعائدات صادرات النفط. كما أنّ هناك بعض المستفيدين من انتشار فيروس كورونا، فقد تراجعت معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون نتيجة لتراجع النشاط الصناعي العالمي، وكذلك إمكانية استفادة العديد من القطاعات الأخرى مثل: الأدوية، والاتصالات، وشركات التجارة الإلكترونية. وستحتاج الدول والمؤسسات الاقتصادية إلى مجموعة من السياسات التي من شأنها التخفيف من حدة الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا الجديد.
هبوط حاد
في 2015، على منصة منمقة ومسرح مكتظ بالحضور في إحدى حلقات TED الشهيرة، وقف بيل جيتس، الملياردير، ومؤسس شركة ميكروسوفت العالمية، محذرًا من وباء محتمل، ومؤكدًا على عدم جاهزية الإنسانية لمواجهة مثل هذا النوع من الكوارث (1). ويبدو أنّ نبوءة الرجل قد تحققت، فبعد ما يقرب من خمس سنوات من كلمة بيل جيتس، يقف العالم - الآن - مذهولًا أمام فيروس كورونا الجديد COVID19 والذي انطلق من الصين، ثم انتشر في عدة دول ليست في المحيط الإقليمي لبلد المنشأ فحسب، ولكن في مختلف القارات كنتيجة لزيادة حركة السفر والتجارة العالمية بشكل غير مسبوق، مما جعل العالم قرية صغيرة بحق. وعلى ما يبدو أنّ الإنسانية، بكل تقدمها العلمي والتكنولوجي في جميع المجالات، ما تزال غير جاهزة للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات والكوارث البيولوجية. فإحصاءات ضحايا الفيروس الجديد سواء عدد المصابين أو القتلى في تزايد مستمر على مدار الساعة. الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية World Health Organisation (WHO) في الثاني عشر من الشهر الحالي إلى وصف فيروس كورونا الجديد بالوباء (2). فقد بلغ عدد الحالات المصابة بالفيروس أكثر من 300.000 حالة، بالإضافة إلى تزايد عدد الوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا إلى 13.000 حالة وفاة، وذلك طبقًا لآخر الإحصاءات المتاحة على موقع منظمة الصحة العالمية حتى تاريخ نشر التقرير(3) .
وتتخطى الآثار السلبية المترتبة على اندلاع فيروس كورونا المستجد الخسائر البشرية المباشرة في شكل الأعداد المتزايدة من الوفيات والإصابات بالفيروس، لتمتد لتشمل العديد من الآثار الاقتصادية الوخيمة، والتي تنذر بإمكانية دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد لا يمكن التنبؤ بكافة تداعياتها في هذه اللحظة. وهو ما جعل العديد من الدول تتخذ إجراءات غير مسبوقة، كإغلاق الحدود والمطارات وكذلك فرض حظر التجول في بعض المدن، وذلك في محاولة للحد من انتشار الفيروس. وكذلك تحاول الحكومات والمنظمات الاقتصادية الدولية جاهدة التخفيف من حدة الآثار السلبية لانتشار الفيروس على الاقتصاد العالمي. وعلى ذلك، يسعى هذا التقرير إلى بيان الآثار الاقتصادية الناجمة عن اندلاع فيروس كورونا الجديد، سواء كان ذلك على الاقتصاد العالمي والاقتصادات المتقدمة، أو اقتصادات المنطقة العربية. ويركز التقرير الحالي على سرد الحصيلة الاقتصادية لانتشار الفيروس استنادًا إلى أحدث التقديرات الصادرة عن المنظمات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي IMF، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وغيرهما من المنظمات ومراكز الأبحاث المعنية. ويجب التنويه إلى أنّه من الصعوبة بمكان التنبؤ بكل الآثار الاقتصادية وحصرها، حيث أنّ الموقف في تطور متواصل، ولا أحد يعلم إلى متى ستستمر أزمة وباء كورونا الجديد.
توقف القاطرات
ليس بوقت بعيد عندما كانت توقعات نمو الاقتصاد العالمي وردية وأكثر تفاؤلًا مما هي عليه الآن. فبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير/كانون الثاني 2020، كان الاقتصاد العالمي في حالة تعافٍ، حيث كان متوقعًا أن يرتفع معدل النمو العالمي من 2,9 ٪ في العام 2019 إلى ما يعادل 3,3 % في العام 2020 ليصل إلى 3,4 ٪ بحلول عام 2021. وقد أقام خبراء الصندوق هذه التقديرات المتفائلة – حينئذ - على نمو الناتج الصناعي العالمي، وتحسّن وضع التجارة العالمية عندما لاحت في الأفق بوادر إحراز بعض التقدم على صعيد نزع فتيل أزمة الحرب التجارية القائمة بين عملاقي الاقتصاد العالمي، الصين والولايات المتحدة (4). الآن ومع تفشي وباء كورونا الجديد، ذهبت موجة التفاؤل هذه أدراج الرياح، وتبعثرت معها توقعات النمو الإيجابية، وحلّت محلها موجة تشاؤمية تنذر بموجة كساد عالمية. فطبقًا لمنظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة UNICTAD، فإنّ من المتوقع أن يخسر الاقتصاد العالمي حوالي تريليون دولار أمريكي - على أقل تقدير - كنتيجة لانتشار فيروس كورونا، وأن يتراجع النمو العالمي إلى أقل من 2,5 ٪ وأن تدخل مجموعة كبيرة من الدول في موجة كساد (5).
الحقيقة أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تتفشى فيها أوبئة، وما يصاحبها من خسائر بشرية واقتصادية. ففي العام 2003، انتشر فيروس سارس SARS – أيضًا - في الصين، ولكن يتوقع الخبراء أن الخسائر الاقتصادية هذه المرة ستكون أكثر فداحة نتيجة لتنامي الدور الصيني في الاقتصاد العالمي، وكذلك نتيجة الإجراءات القاسية المتخذة للحد من انتشار الفيروس. فقد ازداد حجم الاقتصاد الصيني من المرتبة السادسة عالميًا من حيث حجم الناتج الإجمالي في العام 2003 ليصبح الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وطبقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإنّ الصين اليوم تعتبر واحدة من أهم محركات النمو في الاقتصاد العالمي، حيث ساهمت منفردة بحوالي 39 ٪ من النمو الاقتصادي العالمي في 2019 (6). ففي المرات السابقة كان الأثر على الاقتصاد العالمي محدودًا مقارنة بالآثار الاقتصادية السلبية المتوقعة جراء انتشار فيروس كورونا، لأنّ الدول المتأثرة – آنذاك - كانت ضعيفة التأثير على الاقتصاد العالمي. ومن الدلائل على أنّ الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا الجديد أشدّ وطأة عن آثار الأوبئة السابقة، أنّ الفيروس الجديد قد ضرب وبشدة العديد من الاقتصادات المتقدمة، ومنها مجموعة الدول السبع والصين. فالدول المتأثرة باندلاع الوباء في هذه المرة تساهم بأكثر من 60 ٪ من إجمالي الناتج العالمي، و 65 ٪ من الناتج الصناعي، و 41 ٪ من إجمالي الصادرات المصنعة. بالإضافة إلى أنّ بعضًا من هذه الدول كالصين، والولايات المتحدة، واليابان تلعب دورًا أساسيًا في سلاسل التوريد العالمية. وبالتالي فإنّ توقعات موجة الكساد العالمي القادمة لها وجاهتها وما يدلل عليها.
ومن المتوقع أن يتأثر القطاع الصناعي من خلال ثلاثة عوامل رئيسية. العامل الأول وهو توقف الإنتاج، حيث ضرب الفيروس مركز الإنتاج الصناعي العالمي في شرق آسيا وكذلك الولايات المتحدة وألمانيا. أمّا العامل الثاني فيتمثل في تعطل سلاسل التوريد العالمية، حيث أنّ توقف الإنتاج في الدولة الموردة يؤثر بشكل أساسي ومباشر على الصناعات المعتمدة على هذه المدخلات في الدول الأخرى. في حين يتمثل العامل الثالث في تراجع حجم الطلب العالمي وكذلك التجارة العالمية.
ويعتبر القطاع السياحي وصناعة الترفيه (كالسينما والمسارح) من أكثر القطاعات تضررًا بانتشار فيروس كورونا الجديد، حيث أثّــر سلبًا على جانبي العرض والطلب، كنتيجة طبيعية لإجراءات منع السفر وإغلاق المطارات ودور الترفيه كإجراء احترازي للحدّ من تفشي الفيروس. فطبقًا لمنظمة السياحة العالمية World Tourism Organisation، فإنّ التقديرات الأولية تشير إلى تراجع السياحة الدولية بشكل حاد بسبب حظر السفر وإلغاء العديد من الرحلات الجوية، وهو ما سبب خسائر تقدر بحوالي 30 إلى 50 مليار دولار أمريكي في عوائد السياحة (7).
من ناحية أخرى، فإنّ التجارة العالمية تأثرت بانتشار فيروس كورونا كنتيجة مباشرة لمعاناة الاقتصاد الصيني، فهو يعدّ من أهم الشركاء التجاريين لمعظم الدول. فبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية World Trade Organisation (WTO)، تعدّ الصين منذ العام 2009 أكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم للعديد من السلع ومنها النفط، والحديد الخام، وفول الصويا. وبالتالي فإنّ تراجع النشاط الاقتصادي في الصين من المتوقع أن يؤثر بشكل كبير على حجم التجارة العالمية (8).
كابوس الاقتصادات العربية
ليست مفاجأة أن تُـلقي الأزمة العالمية لانتشار وباء كورونا الجديد بظلالها على المنطقة العربية، بما يصاحبها من آثار اقتصادية. فبالرغم من أنّ إيران هي الدولة الأكثر تأثرًا بالفيروس بالنسبة لعدد الإصابات في المنطقة، فإنّ العديد من الدول العربية كالإمارات، والعراق، والبحرين، والكويت، ومصر قد أعلنت عن عدد من الإصابات والوفيات جراء انتشار الفيروس (9). علاوة على الآثار الاقتصادية المباشرة نتيجة لاتخاذ إجراءات حاسمة من قبل بعض الحكومات العربية للحدّ من انتشار الفيروس بين مواطنيها والمقيمين فيها، فإنّه من المتوقع تأثر الاقتصادات العربية بشكل سلبي من خلال تراجع معدلات النمو الاقتصادية العالمية للأسباب السابق تفصيلها في هذا التقرير. فالدول العربية منفتحة اقتصاديًا، ومتصلة بالاقتصاد العالمي من خلال العديد من القنوات، أهمها السياحة، وعائدات صادرات النفط. هذا في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول العربية من انقسامات سياسية وصراعات عسكرية كما هو الحال في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق، وهو ما يلقي بظلاله ليس فقط على هذه الدول فحسب، ولكن يضع ضغوطًا اقتصادية على دول الجوار، كما هو الحال في أزمة اللاجئين في الأردن وتركيا، وكذلك انخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة بحوالي 2 ٪ حسب تقديرات إحدى الدراسات المنشورة حديثًا (10). أضف إلى ذلك التطورات الراهنة لأزمة أسعار النفط المزمنة منذ منتصف عام 2014، وهو ما بدا وكأنّه حرب أسعار بقيادة المملكة العربية السعودية والتي أدت إلى انخفاض أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة خلال الثلاثة عقود المنصرمة (أقل من 30 دولارًا للبرميل) (11). وفي هذا السياق، نجد أنّ انتشار فيروس كورونا من المتوقع أن يزيد الطين بلة، وأن يرفع من الكلفة الاقتصادية في ظلّ منطقة ملتهبة بالأحداث الجيوسياسية بطبيعة الحال. فبالنسبة للسياحة، فقد توقفت حركة السفر الواردة إلى المنطقة العربية، حيث أغلقت بعض الدول العربية كالكويت حدودها الجوية، فيما عطّلت السعودية السياحة الدينية لأداء العمرة في محاولة للحدّ من انتشار الفيروس. وهناك شكوك حول قدرة الإمارات العربية المتحدة على إقامة الملتقى الدولي إكسبو 2020 دبي، المزمع عقده في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
ويعتبر النفط المكون الرئيسي لصادرات العديد من الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج العربي. وفي ظلّ تراجع معدلات الطلب العالمية، خصوصًا من الصين، وكذلك فشل مجموعة أوبك في الالتزام بقرار خفض إنتاج النفط، في محاولة لضبط أسواق النفط العالمية، وإيقاف انزلاق سعر النفط لمستويات متدنية، فإنّه يُستبعد تعافي أسعار البترول في الفترة القادمة، خصوصًا بعد إعلان السعودية عزمها على زيادة إنتاجها النفطي خلال الشهرين القادمين إلى 10 ملايين برميل يوميًا. وبالتالي، في منطقة تعتمد على عائدات البترول فإنّ انخفاض سعر البترول يؤدي إلى انخفاض العائدات الحكومية، وهو ما يُؤثر بشكل مباشر على المساحة المالية المتاحة لهذه الحكومات في حال الدخول في كساد اقتصادي.
إنعاش اقتصادي
في محاولة للحدّ من الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا الجديد، سعت المنظمات الدولية والحكومات المختلفة لتبني مجموعة من السياسات الاقتصادية التوسعية في شكل منح وقروض، وكذلك زيادة الإنفاق الحكومي، والتوسع في الإعفاءات الضريبية، وتخفيض أسعار الفائدة. فقد أعلن صندوق النقد الدولي عن إتاحة 50 مليار دولار من خلال تسهيلات تمويل الطوارئ، والتي تستهدف مساعدة الدول منخفضة الدخل والأسواق الناشئة، في سعيها لاحتواء الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن انتشار الفيروس (12). في المقابل فقد أعلنت العديد من الحكومات والبنوك المركزية في الدول المتقدمة عن مجموعة من السياسات المختلفة والتي من شأنها إتاحة السيولة المالية للشركات والأفراد المتضررين بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد. فعلى سبيل المثال، أتاحت الحكومة البريطانية حزمة مالية قدرها 30 مليار جنية إسترليني بالإضافة إلى ضمان 80 ٪ من أجور العمال في القطاعات المتضررة من انتشار الفيروس. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن خطة لتحفيز الاقتصاد بما يعادل تريليون دولار أمريكي، وصرف مبالغ نقدية لمساعدة المواطنين الأمريكيين خلال أزمة وباء كورونا الجديد.
هواء أنظف
بالرغم من موجة التشاؤم القاتمة التي غطت معظم التقارير الدولية التي تناولت الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا، إلا أنّ هناك بصيصًا من الضوء في بعض هذه التقارير، وذلك بالنسبة لظهور ما قد يُبشر بتحسن طفيف في مؤشرات الحدّ من التلوث البيئي؛ وذلك بسبب تقلص حجم الأنشطة الصناعية المسئولة بشكل كبير عن ظاهرة الاحتباس الحراري للكرة الأرضية. وفي هذا الصدد، تشير بعض التقارير إلى أنّ تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي الناجم عن انتشار فيروس كورونا الجديد، وكذلك توقف حركة السفر في كثير من المناطق حول العالم، قد أدى إلى تحسن ملحوظ في الغلاف الجوي، وتراجع معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الهواء. فحسب وكالة الطاقة الدولية IEA، فإنّ تراجع الطلب على البترول نتيجة انخفاض حركة النقل والسفر بشكل حاد على إثر انتشار الفيروس، قد أدى إلى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء (13)، ولكن يحذر التقرير ذاته من أنّ هذا التحسن - في غالب الأمر - هو أمر مؤقت سرعان ما سينتهي بعد انقضاء الأزمة. وتشير تقارير أخرى من الصين إلى أنّه كنتيجة لانخفاض معدلات الناتج في القطاعات الصناعية (بما فيها الفحم، وتكرير البترول، وكذلك الرحلات الجوية) ما بين 15 ٪ إلى 40 ٪، قد أدى إلى انخفاض حاد في استهلاك الطاقة والانبعاثات بمعدل 25 ٪ خلال أسبوعين فقط، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الانبعاثات في الصين بمعدل 1 ٪ هذه السنة (14). وهناك تقديرات مماثلة لتحسن جودة الهواء في بعض البلدان الأخرى والتي تأثر النشاط الصناعي فيها بانتشار الفيروس، مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية. فطبقًا لصور الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبيةEuropean Space Agency فإنّ هناك انخفاضًا ملحوظًا في تلوث الهواء فوق إيطاليا، وخاصة انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) (15). وفي مدينة نيويورك شديدة الازدحام المروري، أدى انخفاض حركة السيارات إلى انخفاض معدل الانبعاثات بحوالي 50 ٪ مقارنة بالعام المنصرم (16).
أرباح كورونا
بالإضافة إلى التحسن الملحوظ في جودة الهواء نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي، فإنّ هناك العديد من المستفيدين الآخرين من انتشار فيروس كورونا الجديد. ويأتي على رأس المستفيدين صناع الأقنعة، والقفازات، وسوائل تعقيم اليدين، حيث سارع الأفراد إلى اقتناء هذه السلع في محاولة لحماية أنفسهم وذويهم من الإصابة بالفيروس. وتندرج – أيضا - شركات قطاع التجارة الإلكترونية كالعملاق التجاري أمازون تحت مظلة المستفيدين من انتشار الفيروس، حيث أنه في ظلّ القيود المفروضة على التجمعات في العديد من البلدان، أصبح التسوق عبر شبكة الإنترنت هو الملجأ الوحيد لكثير من الأفراد. ومن المتوقع – أيضا - أن تستفيد شركات الأدوية التي تعمل على إنتاج الأمصال المضادة للفيروسات مثل فيروس كورونا المستجد. شركات الاتصالات أيضا مستفيدة، حيث أنّه في ظلّ القيود على حركة الأفراد وكذلك على مجال الترفيه كدور السينما والمسارح، فإنّ الطلب من المتوقع أن يزداد على تطبيقات الاتصال الإلكترونية، وكذلك مقدمي خدمات الترفيه عبر الإنترنت. وفي ظلّ السياسات النقدية التوسعية والتي من شأنها إتاحة حجم كبير من السيولة بتكلفة منخفضة، فقد يقتنص بعض رجال الأعمال هذه الفرصة لتوسعة أعمالهم من خلال الاقتراض بسعر فائدة متدنٍ للغاية.
التعافي الصعب
يُعد انتشار فيروس كورونا الجديد من أصعب التحديات الحالية للإنسانية. وتكمن خطورة المرض الجديد في سرعة انتشاره، فبينما احتاج الفيروس الجديد إلى ثلاثة شهور لإصابة أول مئة ألف شخص حول العالم، فقد احتاج إلى 12 يومًا فقط لإصابة مئة ألف أخرى (مرجع سبق ذكره، تقرير منظمة الصحة العالمية) (17). وبجانب الخسائر البشرية الفادحة في شكل الارتفاع المتزايد في عدد الإصابات والوفيات، فإنّ الانتشار الواسع والسريع للفيروس كان له العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد العالمي، وهو ما ينذر بموجة كساد اقتصادي تخيم على معظم دول العالم. وبالرغم من صعوبة التنبؤ بالآثار الاقتصادية لفيروس كورونا الجديد، وذلك نظرًا لعدم معرفة مدى استمرارية انتشار الفيروس، إلا أنّ هناك العديد من التقارير الدولية والأبحاث التي حاولت جاهدة رصد الحصيلة الاقتصادية للوباء الجديد. وتؤكد معظم هذه التقديرات على تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي في العام 2020، وهو ما سيؤثر على الاقتصادات العربية خصوصًا في ظل اعتمادها على قطاعي السياحة وصادرات النفط. ومهما يكن من أمر، فإنّه من الأهمية بمكان اتباع سياسات مالية ونقدية توسعية من شأنها الحد من الآثار السلبية لانتشار الفيروس.
(1) Gates, Bill, The next outbreak? We are not ready! TED talk, April 3rd, 2015 (accessed on March 20th, 2020). https://youtu.be/6Af6b_wyiwI
(2)World Health Organization, WHO announces COVID-19 outbreak a pandemic, March 12th, 2020 (accessed on March 20th). http://www.euro.who.int/en/health-topics/health-emergencies/coronavirus-covid-19/news/news/2020/3/who-announces-covid-19-outbreak-a-pandemic
(3) World Health Organization, Corona virus disease 2019 (COVID19) – Situation report 59, March 19th, 2020 (accessed on March 21st, 2020).
(4) International Monetary Fund, World Economic Outlook, January 2020 (accessed on March 21st, 2020). https://www.imf.org/en/Publications/WEO/Issues/2020/01/20/weo-update-january2020
(5) United Nations Conference on Trade and Development. The corona virus shock: A story of another global crisis foretold and what policymakers should be doing about it, March 9th 2020 (accessed on March 21st). https://unctad.org/en/PublicationsLibrary/gds_tdr2019_update_coronavirus.pdf
(6) International Monetary Fund. Prolonged uncertainty weighs on Asia’s economy - IMF country focus, October 22nd, 2019 (accessed on March 20th, 2020).https://www.imf.org/en/News/Articles/2019/10/18/na102319-prolonged-uncertainty-weighs-on-asias-economy
(7) World Tourism Organization. Tourism and Coronavirus disease (Covid-19), March 17th, 2020 (accessed on March 22nd, 2020). https://www.unwto.org/tourism-covid-19-coronavirus
(8) Lee, Yen Nee, “5 charts show why the global economy is more vulnerable now than during SARS”, CNBC, February 4th, 2020 (accessed on March 20th, 2020).https://www.cnbc.com/2020/02/05/coronavirus-how-china-economy-has-changed-since-sars.html
(9) World Meters, COVID-19 Coronavirus Pandemic, March 22nd, 2020 (accessed on March 22nd, 2020)https://www.worldometers.info/coronavirus/
(10) Abdel-Latif, Hany “FDI response to political shocks: What can the Arab Spring tell us?” Journal of Behavioral and Experimental Finance, 24, 100233, 2019. https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S2214635019300310
(11) Murtaugh, Dan “Oil Plunges Most Since 1991 After Producers Embark on Price War”. Bloomberg March 8th, 2020 (accessed on 22nd 2020). https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-03-08/oil-in-freefall-after-saudis-slash-prices-in-all-out-crude-war
(12) International Monetary Fund. IMF Makes Available $50 Billion to Help Address Coronavirus, March 4,2020 (accessed March 21st, 2020). https://www.imf.org/en/News/Articles/2020/03/04/sp030420-imf-makes-available-50-billion-to-help-address-coronavirus
(13) International Energy Agency. Put clean energy at the heart of stimulus plans to counter the coronavirus crisis. March 14th, 2020 (accessed 21st 2020). https://www.iea.org/commentaries/put-clean-energy-at-the-heart-of-stimulus-plans-to-counter-the-coronavirus-crisis
(14) Carbon Brief. Coronavirus has temporarily reduced China’s CO2 emissions by a quarter, February 12th, 2020 (accessed on March 21st)https://www.carbonbrief.org/analysis-coronavirus-has-temporarily-reduced-chinas-co2-emissions-by-a-quarter
(15) European Space Agency. Coronavirus: nitrogen dioxide emissions drop over Italy. (accessed on March 22nd, 2020) http://www.esa.int/ESA_Multimedia/Videos/2020/03/Coronavirus_nitrogen_dioxide_emissions_drop_over_Italy
(16) Columbia University in New York, Research in Atmospheric Composition (accessed on March 21st , 2020). https://atmoscomp.ldeo.columbia.edu
(17) World Health Organization. Coronavirus disease 2019 (COVID-19) – Situation Report 59, March 19th, 2020 (accessed on March21st 2020)https://www.who.int/docs/default-source/coronaviruse/situation-reports/20200319-sitrep-59-covid-19.pdf