من اليسار، بنيامين نتنياهو، شاؤول موفاز، افيغدور ليبرمان (الجزيرة) |
لأول وهلة بدا من المستهجن أن يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل مفاجئ عن قراره السابق بحل البرلمان وتبكير موعد إجراء الانتخابات التشريعية، وإقدامه – بدلاً من ذلك - على تشكيل حكومة " وحدة وطنية " بضم حزب " كاديما "، الذي يمثل حزب المعارضة الرئيس في البرلمان. فقد أكدت جميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخراً في إسرائيل بأن يكون حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، وتوقعت حصوله على ضعف عدد المقاعد التي سيحصل عليها الحزب الذي يليه. فما هي المسوغات الداخلية والعوامل الخارجية التي أسهمت في إقناع كل من نتنياهو وشاؤول موفاز، رئيس " كاديما "، بتجاوز خلافاتهما وتشكيل حكومة " الوحدة الوطنية "، وحالت بذلك دون حل الكنيست وتبكير الانتخابات في آخر لحظة؟
توسيع هامش المناورة الداخلية
العوامل الداخلية لعبت الدور المركزي في تشكيل حكومة " الوحدة الوطنية "، بخلاف كل التوقعات، حيث أن الإعلان المفاجئ عن تشكيلها جاء قبل ساعات من موعد تمرير قانون في البرلمان يقضي بحله وتبكير موعد الانتخابات، بعد أن تم تحديد موعد الرابع من سبتمبر/أيلول 2012 لإجراء الانتخابات المبكرة. ومن الواضح أنه لا يمكن تشكيل حكومة " الوحدة الوطنية " لولا التنازلات الكبيرة التي قدمها شاؤول موفاز الذي تزايدت مخاوفه بعد أن تواترت استطلاعات الرأي العام متوقعة انهيار القوة التمثيلية لحزبه في البرلمان القادم، مع العلم أنه يملك حالياً أكبر عدد من المقاعد في الكنيست. فقد توقعت استطلاعات الرأي أن " كاديما " سيحصل على عشرة مقاعد فقط في البرلمان القادم، في حين أنه يملك في البرلمان الحالي 29 مقعداً. ومما يدل على تخوف قيادة " كاديما " أنها حاولت بكل قوة إحباط تمرير قانون حل البرلمان، وهذا أمر غير مألوف، إذ أن أحزاب المعارضة تسعى دوماً لإسقاط الحكومات عبر تمرير مشاريع لحل البرلمانات. وقد انضم " كاديما " للحكومة بدون الحصول على مكاسب تذكر باستثناء حقيبة وزارية واحدة، رغم أن عدد مقاعده في البرلمان أكبر من عدد المقاعد التي يملكها حزب الليكود. وعلى صعيد برنامج حكومة " الوحدة "، لم يحصل " كاديما " على ما يحفظ ماء وجه، باستثناء التزام فضفاض بسن قانون يلزم الحكومة بتجنيد طلاب المدارس الدينية في الجيش، ووعد بالعمل على تغيير طريقة الحكم.
تشكيل حكومة " الوحدة " يمنح نتنياهو القدرة على تحقيق عددٍ من الأهداف على الصعيد الداخلي. فانضمام حزب " كاديما " للحكومة يجعلها تستند إلى أكبر قاعدة برلمانية في تاريخ إسرائيل، إذ أن 94 نائباً من أصل 120 نائباً، يؤيدونها، أي أن الحكومة الجديدة ستتمتع باستقرار سياسي حتى موعد إجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2013. وفي الوقت نفسه، فإن حكومة موسعة بهذا الشكل ستسهم في تمكين نتنياهو من تحجيم شريكه في الائتلاف ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب " إسرائيل بيتنا "، الذي كان يعتبر ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، قبل انضمام " كاديما". فعلى مدى سنوات حكومة نتنياهو الثلاث تعمد ليبرمان المزايدة على نتنياهو، وتبني مواقف وسياسات لا تتفق مع توجهاته، من أجل توسيع دائرة مؤيديه في المعسكر اليميني. فعلى سبيل المثال، انزعج نتنياهو كثيراً عندما أحبط ليبرمان جهوداً أمريكية كانت تبذل سراً لتسوية الخلاف مع تركيا، حيث أسرع ليبرمان إلى إطلاق تصريحات نارية ضد رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، فتوقف الأتراك عن التعاون مع الجهد الأمريكي. لم يكن بوسع نتنياهو اتخاذ أي إجراء ضد ليبرمان، لأن انسحابه من الائتلاف الحاكم يعني إسقاط الحكومة لأنها ستفقد الأغلبية البرلمانية.
من ناحية ثانية، فإن توسيع الحكومة يساعد نتنياهو على مواجهة عمليات الابتزاز التي تقوم بها الحركات الدينية، سواءً على صعيد توظيف قوتها السياسية من أجل تغيير طابع العلاقة بين الدين والدولة، عبر تمرير المزيد من القوانين التي تعزز الهوية الدينية للدولة، أو على صعيد مطالباتها المتواصلة بمزيد من المخصصات المالية لمؤسساتها الدينية والاجتماعية والتعليمية، في الوقت الذي تقوم الحكومة بتقليص الخدمات لبقية الجمهور. علاوة على ذلك، فإن تشكيل حكومة الوحدة سيسمح لنتنياهو بمواجهة التحدي المتعاظم الذي بات يشكله التيار الديني الصهيوني داخل حزب الليكود، الذي يرأسه، والذي تمثله مجموعة " القيادة اليهودية " بزعامة موشيه فايغلين. فقد تفاجأ نتنياهو مؤخراً بحجم التأييد الذي تحظى به هذه المجموعة، حيث نجحت في الحصول على انتساب عشرات الآلاف من المستوطنين المتدينين إلى صفوف الليكود، وسيكون بإمكان هؤلاء المشاركة في تحديد هوية نواب الليكود في الكنيست القادم. وبالفعل فقد أكد استطلاع للرأي أُجري في أوساط منتسبي حزب الليكود أنه في حال أجريت انتخابات داخلية لاختيار قائمة مرشحي الحزب للانتخابات، فإن الأغلبية الساحقة من نواب الليكود في البرلمان القادم سيكونون من المحسوبين على " القيادة اليهودية "؛ مع العلم أن هذه المجموعة تتبنى مواقف سياسية بالغة التطرف، وبالتالي ستعمل على تقليص قدرة نتنياهو على المناورة في الساحة الدولية. فعلى سبيل المثال، يدعو فايغلين إلى فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، علاوة على مطالبته بانسحاب إسرائيل من الأمم المتحدة، بل إنه وصل إلى حد المطالبة بتقليد الأساليب التي انتهجها هتلر في التعامل مع الفلسطينيين. ورأى نتنياهو قوة " القيادة اليهودية " عندما أحبطت مؤخراً اقتراحاً تقدم به للجنة التنفيذية لحزب الليكود يقضي بتعيين أحد مقربيه كرئيس للجنة التنفيذية، فاضطر إلى الموافقة على تحديد موعد آخر لاختيار الرئيس. ويأمل نتنياهو أن يسهم تشكيل حكومة الوحدة في منحه الوقت الكافي لتغيير التركيبة الايديولوجية لمنتسبي الليكود عبر تنسيب مجموعات كبيرة من المحسوبين على الجناح العلماني.
العامل الاقتصادي: موازنة "قاسية"
لقد لعب العامل الاقتصادي دوراً مهماً في إغراء نتنياهو بتشكيل حكومة الوحدة والتراجع عن فكرة تبكير موعد الانتخابات. فمن المعروف أنه من المقرر أن تتم المصادقة على مشروع موازنة إسرائيل للعام 2013 في أغسطس/آب 2012. وقد كان من المتوقع أنه في حال تبكير الانتخابات، فإن نتنياهو سيكون مضطراً لتقديم مشروع موازنة يسهم في توسيع شعبيته، بحيث يتضمن تقليص الضرائب والتوسع في تقديم المخصصات للطبقات الفقيرة وغيرها من الإجراءات. لكن في ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي والتي أثرت على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن هذه الإجراءات ستؤدي إلى التضخم المالي وتقلص من مستوى النمو. إلا أنه مع تشكيل حكومة الوحدة وتراجع موعد الانتخابات، لم يعد هناك سبب يحث نتنياهو على تضمين مشروع الموازنة إغراءات انتخابية للجمهور. وقد عبر عن ذلك وزير المالية يوفال شطاينتس حين قال بأن تشكيل حكومة الوحدة سيساعده على تمرير موازنة " قاسية ".
الملف الإيراني: تصاعد احتمالات الحرب
يستدل من خلال التحذيرات التي أطلقها مؤخراً يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية " الشاباك " ، ومئير دغان الرئيس السابق لجهاز الموساد، بشكل واضح على أن نتنياهو يرى في القضاء على البرنامج النووي الإيراني هدف حياته الأسمى. ويستشف من أحاديث ديسكين ودغان، أن الذي أحبط مخطط نتنياهو لضرب المشروع النووي الإيراني هو تحفظات قادة الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى أن نتنياهو يؤمن أن القيام بعملية ذات بعد استراتيجي على هذا النحو يتطلب وجود حكومة عريضة. من هنا، فإن تشكيل حكومة " الوحدة " يسهم في توفير البيئة التي تساعد نتنياهو على اتخاذ قرار بضرب إيران، وذلك للأسباب التالية:
-
ينطلق نتنياهو من افتراض مفاده أن وجود موفاز إلى جانبه في الحكومة سيقلص من مستوى معارضة المؤسسة الأمنية لفكرة توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، خصوصا رئيس هيئة أركان الجيش بني غانز، الذي لا يمكن شن أي عمل عسكري كبير دون موافقته. ففي إسرائيل هناك إجماع على أن موفاز يحظى بتأثير كبير على غانز. لأن غانز مدين له بالوصول إلى قمة الهرم القيادي العسكري؛ فحين كان موفاز رئيسا للأركان ووزيرا للدفاع حرص على ترقيته بشكل خاص، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من الانتقادات.
-
إن حكومة إسرائيلية تستند إلى قاعدة برلمانية عريضة، تكون قادرة على شن عمل عسكري بحجم مهاجمة إيران بأقل قدر من المعارضة الداخلية.
-
حكومة إسرائيلية ذات تأييد برلماني كبير بإمكانها أن تمارس بشكل أفضل ضغوطاً على إدارة أوباما لفرض عقوبات على إيران تضمن إجبارها على وقف برنامجها النووي، أو تكسب الدعم الأمريكي في توجيه ضربة عسكرية استباقية في حال فشل المسار السياسي والعقوبات. وحسب ما كُشف عنه النقاب في إسرائيل، فإن حكومة نتنياهو حددت الأول من تموز/يوليو القادم 2012، كموعد لنهاية الجهود الدبلوماسية الهادفة لإقناع إيران بوقف برنامجها النووي، فتكون إسرائيل بعد هذا الموعد في حِلِّ من أمرها. ومما لا خلاف حوله أن أوباما الذي سيكون في ذروة حملته الانتخابية، سيضطر لتأييد إسرائيل في حال قامت بضرب إيران، على اعتبار أن مثل هذه الخطوة تضمن له عدم وقوف المنظمات اليهودية ضده.
مواصلة الاستيطان
لن يسهم انضمام كاديما للحكومة في إحداث أي تغيير على طابع التعاطي الإسرائيلي مع الجهود التي تبذل لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني. فبُعيِد انضمامه للحكومة، سارع موفاز إلى تحميل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المسؤولية عن الجمود الذي وصلت إليه عملية التسوية. ليس هذا فحسب، بل إنه عرض على نتنياهو " صيغ إبداعية " تساعد في إضفاء شرعية على قيام المستوطنين اليهود بالاستيلاء على أراضي فلسطينية، وذلك عبر سن قانون يحول دون تدخل المحكمة الإسرائيلية العليا في بحث هذه القضايا. في الوقت نفسه، سارع نواب من " كاديما " بعيد تشكيل حكومة " الوحدة " بتقديم اقتراحات تطالب بإقامة المزيد من " المدن الاستيطانية " في الضفة الغربية، والتي تضمن استيعاب عشرات الآلاف من المستوطنين.
مع غزة: ضبط النفس
بخلاف ما ذهب إليه معظم التحليلات العربية، فإن انضمام حزب " كاديما " لن يؤثر بشكل جوهري على السلوك الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، حيث أن السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، في أعقاب تفجر الثورات العربية، لم تعد ترتبط بشكل أساسي بطابع التركيبة الحزبية أو الشخصية للائتلاف الإسرائيلي الحاكم، بل أجمعت الدراسات التي أعدتها مراكز البحث الإسرائيلية المرموقة على أن دوائر صنع القرار في تل أبيب باتت تدرك أنه يتوجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الردود المحتملة للرأي العام العربي قبل اتخاذ أي قرار بشن عمل عسكري على قطاع غزة. وتنطلق دوائر التقدير الاستراتيجي في تل أبيب من افتراض مفاده أن أية عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة يمكن أن تؤدي إلى تدهور العلاقات مع دول عربية مهمة بالنسبة لإسرائيل، وعلى وجه الخصوص مصر، مع العلم أن المكاسب الاستراتيجية التي يمكن لإسرائيل أن تجنيها من عمل عسكري ضد قطاع غزة أقل بكثير من حجم الأضرار الناجمة عن تدهور العلاقات مع مصر.
مواجهة حزب الله
بات في حكم المؤكد أن أية مخططات عسكرية إسرائيلية تجاه حزب الله ستكون مرتبطة بشكل أساسي بحقيقة نوايا تل أبيب تجاه إيران، حيث أن الافتراض السائد لدى دوائر صنع القرار في إسرائيل هو أن إيران ستعتمد بشكل أساسي على حزب الله في الرد على أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. وتسود في إسرائيل وجهتا نظر فيما يتعلق بحزب الله، فهناك من يرى أنه يتوجب على إسرائيل توجيه ضربة استباقية له قبل توجيه ضربة لإيران لتقليص قدرته على مهاجمة إسرائيل بعد مهاجمة إيران، لكن هناك من يقول أن هناك احتمالا كبيرا ألا ينجر حزب الله إلى مواجهة مع إسرائيل، وبالتالي يتوجب الانتظار إلى ما بعد توجيه الضربة لإيران. يمكن الافتراض أن انضمام " كاديما " سيعزز المعسكر الثاني بشكل مؤكد، لأن " كاديما " قاد الحكومة أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز 2006، وقادة الحزب يدركون حجم الضرر الكبير الذي لحق بإسرائيل جراء تآكل قوة ردعها عندما عجزت عن إخضاع حزب الله واضطرت لإنهاء الحرب عبر اتفاق ضمنته الأمم المتحدة.
الخلاصة
لقد أسهمت العوامل الداخلية بشكل أساسي في توفير الظروف لولادة حكومة " الوحدة الوطنية " في إسرائيل، لكن في الوقت نفسه، فإن تشكيل هذه الحكومة سيلعب دوراً مهماً في مساعدة نتنياهو على تحقيق أهدافه، على صعيد مواجهة ما يعتبره " المخاطر الوجودية "، سيما الملف النووي الإيراني.