الجماعات اللادولتية في العراق: آليات التأثير وأطر الاحتواء

تبحث الدراسة في الأدوات والآليات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمتلكها الجماعات اللادولتية في العراق للتأثير في نموذج الدولة المدنية الحديثة، وتستخدم عُدَّة المنهج التحليلي لمقاربة هذه الأدوات والآليات، وتُقدِّم معالجة شاملة لتلك الإشكالية من خلال أطر وآليات الاحتواء التي تقترحها.
الجماعات اللادولتية في العراق أصبحت تمتلك أدوات وآليات تهدد نموذج الدولة الحديثة وتقوض عملية التنمية في البلاد (الجزيرة)

إن واقع تَصدُّع الدولة العراقية بعد عام 2003، وفشلها في عملية بناء ذاتها، وإدراجها في مقدمة الدول الفاشلة، لصالح الجماعات اللادولتية المدعومة إقليميًّا، فرض تحديًّا هائلًا أمام التنمية في العراق ومسار بناء الدولة، وضيَّق الخيارات أمام الناس، ولا يزال يفرض تحديات كبيرة، تُعقِّد من عملية البناء وتقف حجر عثرة في طريق التنمية البشرية بمختلف مجالاتها.

إن التصدع الذي فرضته تلك الجماعات طيلة الفترة الماضية على واقع الدولة، أفرز واقعين متضادين على الساحة العراقية (السياسية والاجتماعية): واقع الأحزاب والنخب السياسية الذائبة في العملية السياسية، التي تدافع عن الوضع القائم، وواقع النخب الاجتماعية والثقافية، التي أصبحت بحكم المعارضة السياسية للنظام السياسي القائم وطبيعة إدارته، تستخدم مصطلح الدولة العميقة أو الموازية في وصفها لدور الجماعات المسلحة في إدارة الدولة العراقية ومؤسساتها. بذات الوقت، يشكِّل هذا الواقع حافزًا لتحريك تلك النخب لبناء دولة، تتجاوز الإخفاق العام وسدَّ الفراغ الثقافي والشلل الفكري للحياة الثقافية الذي تسببت فيه تلك الجماعات، من خلال مشروع سياسي-وطني، وخلق فرص حقيقية أمام التنمية البشرية والاقتصادية في العراق. في هذا السياق، تحاول الدراسة أن تبيِّن آليات تأثير الجماعات اللادولتية في التنمية، وبناء نموذجها السياسي والأيديولوجي في العراق وإشكاليته في بناء الدولة الحديثة في العراق، دون الخوض في مفاهيم التنمية وتفرعاتها.

1. اعتبارات منهجية

أ- إشكالية الدراسة وفرضيتها 

تركز الدراسة على مقاربة الآليات التي تعتمدها الجماعات اللادولتية في بناء نموذجها، وهي تمثِّل إشكاليات حقيقية أمام ترسيخ مفهوم وقيم الدولة الحديثة، وتسهم في عرقلة التنمية بالعراق. وفي ضوء ذلك، فإن السؤال الإشكالي الذي تسعى الدراسة للإجابة عنه هو: ما الآليات والأدوات التي تمتلكها الجماعات اللادولتية في العراق لتهديد أو تقويض نموذج الدولة المدنية في العراق بعد عام 2003؟

وتتطلب معالجة هذا السؤال الإشكالي بحث أسئلة فرعية تتمثَّل في الحقل الاستفهامي الآتي:

- ما الجماعات اللادولتية وما دوافع تشكيلها ونشأتها وكيف تمكن مقاربتها بالجماعات المسلحة في العراق؟

- ما الأدوات السياسية والاقتصادية التي تعتمدها الجماعات اللادولتية في ترسيخ نموذجها السياسي في العراق؟

- كيف استغلت الجماعات اللادولتية النظام السياسي العراقي والعملية السياسية لصالحها؟

- ما الأطر السياسية والأمنية والخطوات الإجرائية التي تمكِّن الحكومة العراقية من احتواء الجماعات اللادولتية؟

وتنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن الجماعات اللادولتية في العراق أصبحت تمتلك الأدوات والآليات الكافية لتهديد نموذج الدولة الحديثة وتقويض عملية التنمية، وتسعى إلى بناء نموذجها السياسي من خلال آليات محددة. وسيحاول الباحث استقصاء تلك الأدوات والآليات بطريقة علمية موثقة من خلال التجارب الواقعية والمصادر والمراجع ذات العلاقة.  

ب- منهج الدراسة

تعتمد الدراسة في تحليل أبعاد المشكلة البحثية وفرضيتها على المنهج الوصفي التحليلي بهدف الوصول إلى المعرفة الدقيقة لعناصر ومتغيرات البحث عبر وصف الجماعات اللادولتية ونشاطها، ودوافع تشكيلها والأدوات التي تعتمدها في إبراز نموذجها السياسي لإضعاف نموذج الدولة القائم، وتحليل سلوكها السياسي ومدى استفادتها من النظام السياسي العراقي واستغلاله لصالحها. ونظرًا لتعدد وتنوع متغيرات ومسارات الدراسة، وأيضًا لما تتضمنه طبيعة موضوع البحث من تعقيدات وعلاقات ممتدة ومتشابكة، فإنها تحتاج إلى أكثر من مدخل لتفكيكها، وستستند بجانب المنهج الوصفي التحليلي إلى المنهج التاريخي، وهو من أكثر مناهج البحث العلمي استعمالًا، خاصة في مجال العلوم الاجتماعية، لتتبُّع صيرورة الوقائع التي لها ارتباط بالظاهرة موضوع الدراسة، فضلًا عن المنهج المقارن.

ج- مدخل نظري: مفهوم الجماعات اللادولتية ونظريات تكوينها

ما نقصده بالجماعات اللادولتية ليست الجماعات الإرهابية التي تستهدف كيان الدولة وطبيعة وجودها بشكل عام عبر فكر وعقلية "إسلامية" راديكالية متطرفة، مثل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، وإنما الجماعات المسلحة التي تعمل بموازاة الدولة وتحتمي بمظلتها، ولها ارتباطات أيديولوجية إقليمية وأجندة سياسية، وتحمل مشروعًا سياسيًّا-عقائديًّا تجاه الدولة والمجتمع. ومن أجل ذلك، سنناقش مفهوم الجماعات اللادولتية، ونظريات تكوينها.

أولًا: الجماعات اللادولتية 

تُعرَّف الجماعات اللادولتية نظريًّا بأنها "جماعة من الأفراد تربطهم علاقة الدين واللغة أحيانًا، يعيشون في مناطق متفرقة من العالم، ويتفاعلون ويتواصلون مع بعضهم بوسائل اتصال متعددة الوسائط عبر العالم وهدفهم حمل السلاح ومهاجمة الأبرياء، كما أن لهم أداورًا اجتماعية وسياسية وجهادية يمارسونها فيما بينهم"(1). هذا التعريف لا ينطبق بالضرورة على كل الجماعات المسلحة أو الجماعات من غير الدول، وربما ينطبق على جماعات إرهابية، مثل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، وليس على الجماعات المسلحة التي تعمل بموازاة الدولة، كما هي الحال في العراق، وأن التعريف هنا للدلالة والاستدلال على مفهوم الميليشيات والجماعات المسلحة بشكل عام وليس على جماعة دون أخرى. وهو تعريف يختلف عن الوصف العام للجماعات في العراق، والأخيرة ربما ينطبق عليها التعريف الإجرائي؛ إذ يعرِّف الجماعات المسلحة أو الميليشيات أو الجماعات اللادولتية بأنها "الجماعة التي تنتمي لها الميليشيات، وتربطها بأفرادها وقيادتها علاقة الولاء والدين والفكر والهدف المشترك، ولا تعيش معهم في نطاق جغرافي أو دولي واحد، أو وحدة سكنية واحدة"(2).

إن مصطلح الميليشيات، أو الجماعات اللادولتية، موغل في القِدم، ومشتق من مصطلح (militia) اللاتيني، وتعود جذوره إلى (miles أو milites)، بمعنى جندي، ورجل مسلح، أو رجل محارب لقاء ثمن. وعرَّف عِلْم السياسة مصطلح الميليشيات بـ"تنظيم عسكري غير نظامي يُنفِّذ أعماله بصورة حرب العصابات، ضد قوات عدوة تفوقه عددًا وعُدَّة"(3). ومن الملاحظ هنا أن تعريف علم السياسة للميليشيا يُصنِّف حركات التحرير الوطنية العربية وقوى المقاومة المسلحة جميعها ضمن قائمة الميليشيات المسلحة الإرهابية غير الشرعية أو غير القانونية. وقد استُعمل هذا المصطلح في الأدبيات السياسية لوصف الأنظمة الاستبدادية التي تُكمِّم أفواه الأحرار بتضييق المعارضة.

ويظهر التناقض بين مفهومي أو مصطلحي الميليشيات في المعجم الفرنسي اللاتيني، وبين علماء السياسة؛ إذ يرى الأول أن الميليشيات "هي عبارة عن خدمة عسكرية يقوم بها مرتزقة عبر حملة عسكرية مقاتلة". ويرى الثاني أن الميليشيات "ما هي إلا تنظيم عسكري ينشأ بصورة غير نظامية ينهض على فعل الإغارة في صورة حرب عصابات لمواجهة قوات العدو التي تفوقها عددًا وعُدَّة". وهنا يكمن التناقض، فالأول يؤكد على نظامية الميليشيات، لكنه يعطيها وصفًا بعيدًا عن الواقع "نوعًا ما"، في حين أن الثاني يناقض فكرة نظامية الميليشيات، لكنه يعطيها بعض التصور الواقعي المعاصر(4).

وتتألَّف الجماعات اللادولتية (الجماعات المسلحة أو الميليشيات) من مجاميع مسلحة منظمة ومدربة ومدعومة وموجَّهة لتنفيذ مصالح شخصية وحزبية، وتمتلك هيكلية خاصة بها. وتُعرَّف أيضًا بأنها "جناح عسكري لطائفة سياسية أو دينية تُقحِم نفسها في صراعات لصالح طائفتها السياسية أو الدينية أيًّا كان دافعها أو هدفها". ويمكن أن تحمل كلمة الميليشيا معنى الاصطلاح الذي يُطلق على جنود منظَّمين من الذين ليست الجندية مهنتهم، ولا مستديمي الوجود، أي حالة مؤقتة لظرف طارئ كما هي الحال في التعريف التالي: الميليشيا "مطلح سياسي عسكري يُعرِّف قوة محلية غير متفرغة للعمل العسكري بشكل تام، وإنما تكمِّل أداء الجيش النظامي أو تحل مكانه في حالات الطوارئ، وتتشكَّل الميليشيات غالبًا من عناصر لديها الخبرة العسكرية، وتنشط الميليشيات أثناء الأزمات الشديدة لتُعزِّز موقف أحد الطرفين المتنازعين وليس لرفع المظلمة أو نصرة طرف معين، والأولوية في أجندة وأهداف عناصر الميليشيات مادية تمامًا، فالاقتتال عند الميليشيات سبيل للعيش وكسب الرزق. أما حالة السلم فمعناه الموت الحقيقي للميليشيات، وهذا ما يدفعها لخلق الأزمات وإشعال بعض المواقف للكسب المادي وضمان البقاء في أماكن وجودها"(5)، واستمرار ديمومتها، وهذا ما نشاهده في بعض البلدان العربية التي تشهد حالة عدم استقرار بشكل عام.

وتتشكَّل الميليشيات، أو الجماعات المسلحة، من المدنيين، ويجري تسليحها بعيدًا عن الجيش والشرطة، وفي بعض الأحيان يقال عنهم: إنهم عبارة عن مجاميع مسلحة منظَّمة ومتدرِّبة، ومدعومة وموجَّهة تعبويًّا لتحقيق مصالح حزبية معينة، وفي أحيان أخرى يتم تشكيل هذ الجماعات كقوة عسكرية ضاربة تهيمن عليها توجُّهات رجال الدين وبما يخدم طموحاتهم في القضايا الداخلية والخارجية. والهدف الأساسي من هذ الميليشيات هو "تحويل أبناء الأمة أو الشعب كقوة ميليشياوية متدربة ومتمرسة كذراع عسكرية لمنظمات وأحزاب سياسية، أو كأدوات مسلحة لتنفيذ أهداف سياسية محددة، وكذلك يجري توظيفها في الصراع التنافسي على السلطة، وفي التصفيات الجسدية، والممارسات الطائفية لفرض أجنداتها... وفي بعض الأوقات تصبح هذ الجماعات قوة عسكرية موازية للمؤسسة العسكرية"(6).

وقد ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن مصطلح الميليشيات، أو الجماعات اللادولتية، ظهر في منتصف الخمسينيات عبر الأدبيات الغربية لوصف المقاومة الشعبية، التي تُكوِّنها الشعوب الواقعة تحت الاحتلال(7). وهناك من يرى أن الميليشيات تعني "التنظيم المسلح، أو شبه الرسمي، أو الخاص، المدفوع الثمن، أو مجموعة تسوقها قضية معينة جامعة، سواء كانت وطنية أو سياسية أو عقائدية، وهناك من يتحفظ على عبارة رسمية، ويتفق في المفهوم الذي يراها أنها عبارة عن جنود يتقاضون ثمن عملهم من قِبَل الدولة المُسْتَأْجِرَة لهم"(8). ولا يختلف هذا الفهم كثيرًا عمَّا ذهب إليه آخرون في اعتبار الجماعات المسلحة، أو الميليشيات، أنها "قوى عسكرية أوليغارية تختلف عن الجيوش النظامية الخاصة بالمؤسسات العسكرية الرسمية لدولةٍ ما لانتفاء أية صلة لها بقوانين البلاد العامة وقواعدها النظامية ومؤسساتها الرسمية. وبالرغم من ذلك، فإن الدولة التي تحتاج إلى هذا النوع من الميليشيات تضطر إلى الاعتراف بجيش الميليشيات حينما ترغب في الاستفادة منه بصورة رسمية، وذلك من خلال تعميد أعمالها شبه الرسمية لصالح نظامها كدولة وليس العكس"(9).

في حين ترى الموسوعة الثقافية السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية مفهوم الميليشيات على أنها إطار عسكري منضبط منبثق عن الأحزاب والمنظمات السياسية، وتعدُّها نوعًا من القوات العسكرية، مؤكدة أن الصفة العسكرية للميليشيات ليست في الشكل فحسب، بل في التركيب، وذلك لأنها ترتكز على قاعدة من مجموعات صغيرة جدًّا تتجمع بشكل هرمي لتأليف وحدات أكثر حجمًا(10). وقد عرَّفتها الموسوعة الأميركية بـ"جيوش تتميز بالصبغة أو الصفة الشعبية التي تتلقى التدريبات العسكرية الأولية وتستنهض لأغراض دفاعية"(11). ويقترب هذا التعريف كثيرًا من مفهوم المجموعات المسلحة أو اللادولتية التي تنامت في العراق بعد عام 2003، إذا ما ربطنا فيه الجانب العقائدي والمصالح السياسية، بغضِّ النظر عن مقاصد التعريف في ربط تلك الميليشيات بالمجاميع التي ارتبط نشاطها بفترة وجود الاستعمار؛ إذ تتصل اليوم برابطة عقائدية-سياسية جامعة، تتخذ من الوجود الأميركي والدور الإسرائيلي في المنطقة أساسًا لمشروعها السياسي والعسكري.  

وعُرِّفت الميليشيات أيضًا بأنها "مجموعات مسلحة ومنظمة ومدربة ومدعومة، تمتلك هيكلية خاصة بها، تهدف إلى تحقيق مصلحة حزبية معينة، خاضعة لسلطة مركزية"(12). ووفقًا لهذا السياق، يمكن تعريف الميليشيات باعتبارها الذراع العسكرية لفئة سياسية أو دينية تخوض صراعًا أيًّا كان دافعه. وهو تعريف يؤكد مسؤولية الأحزاب السياسية والدينية عن نشأة الميليشيات والفصائل المسلحة؛ وذلك بهدف تحقيق التوازن في الصراع الذي تقوده فيما بينها وبين السلطة الحاكمة والأحزاب الأخرى من أجل فرض هيمنتها على كافة مفاصل المجتمع والدولة المركزية، كما حصل في العراق بعد عام 2003 وحتى الآن، من تشكيل فصائل وميليشيات ومجاميع مسلحة خارج إطار الدولة، على الرغم من أن أغلب تلك المجاميع وُجدت نتيجةً لتعسف السلطة الاستبدادية قبل عام 2003(13). وقد تنامت تدريجيًّا بعد الإطاحة بالنظام السياسي السابق نتيجة الصراع السياسي المتنامي في العراق وحالة عدم الاستقرار التي لازمت عملية بناء الدولة بعد عام 2003.

ونفهم مما تقدم أن الجماعات اللادولتية أو المسلحة، هي مجاميع مسلحة، تكون على نوعين أو أكثر، أولًا: مجاميع إرهابية تستهدف الدولة والمجتمع والنظام وإشاعة الفوضى، بدوافع دينية (إرهابية متطرفة)، وثانيًا: مجاميع شبه عسكرية ربما تكون منضوية تحت الدولة والقانون والنظام، أو خارجه، لكنها تهدد الدولة والنظام وتتحدى القانون، وتحمل مشروعًا سياسيًّا عقائديًّا مغايرًا لمشروع الدولة القائم، وهي لا تستهدف الدولة والمجتمع، كما تستهدفها المجاميع الإرهابية "الراديكالية"، وإنما استهدافها يكون للقوات المحتلة ومن يساندها، فضلًا عمَّن يقف في طريق مشروعها السياسي والعقائدي، أو ممن تراه يشكِّل خطرًا على مشروعها برؤى ومشاريع وأهداف مغايرة، كما يحصل في العراق بعد عام 2003. وتنشط هذه الجماعات في العادة أثناء شيوع الفوضى وظاهرة عدم الاستقرار السياسي وضعف القانون والفساد، وهي ظواهر طبيعية رافقت عملية بناء الدول والعملية السياسية في العراق بعد عملية التغيير السياسي.  

ثانيًا: دوافع تشكيل الجماعات اللادولتية

هناك مجموعة من العوامل التي تُفسِّر ظاهرة تشكيل الجماعات المسلحة أو الميليشيات، ودوافع تكوينها، منها:

- الدافع السياسي: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن القصور في أداء الحكومات أو الأنظمة السياسية وإساءة تعاملها مع المعارضين لها أو حتى مع مواطنيها، أو إساءتها في استخدام السلطة، هو الدافع الأساس لتشكيل الميليشيات التي تلجأ إلى تأسيس قوى معارضة للنظام السياسي القائم في أية دولة. كما قد تنشأ بدافع الكراهية للحكومة والرغبة الملحَّة في الانتقام والثأر منها(14)؛ إذ إن ظاهرة الميليشيات تتشكَّل إما كمقاومة أو قوى معارضة للنظام السياسي القائم، كما هي الحال مع الميليشيات الكردية والشيعية التي تشكَّلت ضد النظام العراقي السابق، وكذلك ميليشيات نمور التاميل* وميليشيات الجيش الإيرلندي الجمهوري (الشين فين)... وغيرها(15).

ومن ثم، فإن سوء أداء الحكومات، أو الأنظمة السياسية وسوء تعاملها مع المعارضين لها، هو دافع أساسي لتشكيل تلك الميليشيات، حتى يصبح كره الحكومة والرغبة في الانتقام منها هو العامل الأساسي وراء تشكيل تلك الميليشيات، وربما قد يستمر ذلك النهج حتى ما بعد إسقاط النظام الاستبدادي والاستيلاء على السلطة. وهذا ما حصل في العراق بعد عام 2003، فأغلب الجماعات والتنظيمات المسلحة، التي تشكَّلت لمقاتلة النظام السياسي العراقي السابق، قد استمرت بذات النهج، مع الأخذ بنظر الاعتبار التغيرات التي طرأت على عملها السياسي بشكل رسمي بعد استيلائها على السلطة السياسية بعد الإطاحة بالنظام السياسي العراقي السابق. وقد تتشكَّل الميليشيات أيضًا بدوافع سياسية-دينية "أيديولوجية" كقوات مقاومة ضد الاحتلال الأجنبي، نتيجة لضعف السلطة السياسية وقوة إنفاذ القانون، ومن ثم تكتسب الخبرة، والأخيرة عادة ما تكون عابرة لحدود الدولة الحديثة، وتربطها عقيدة سياسية-أيديولوجية متقاربة، تضع لنفسها أهدافًا سياسية بشعارات ثيوقراطية، تستمدها من خلفيتها أو مرجعيتها الدينية "التقليدية"، كما يحصل اليوم في عدة دول عربية مثل لبنان والعراق واليمن... وغيرها من الدول، التي تربط نشاطها بالنظام السياسي الإيراني والمرجعية الدينية الإيرانية. 

- الدافع القانوني: يفسِّر هذا الدافع ظاهرة الميليشيات، أو الجماعات شبه العسكرية، باعتبارها "رد فعل لاضمحلال قوة القانون، فعندما تنعدم الأسس القانونية في التعامل سواء داخل البلد أو على الصعيدين الإقليمي أو الدولي، لابد أن يترتب على ذلك نمو الميليشيات وتحوُّلها إلى قوة موازية للدولة والنظام، ومن ثم تحوُّلها إلى قوى مسلحة خارجة عن القانون"(16). فالأنظمة السياسية التي تتجاوز القانون وتسعى إلى تهميشه لابد أن تتوقع نشوء مثل تلك الميليشيات التي تصبح عنصرًا من عناصر إشاعة الفوضى. وكذلك الأمر بالنسبة للقانون الدولي، فالولايات المتحدة عندما بدأت باتباع سياسة القوة الغاشمة، وتحدي القانون الدولي والشرعية الدولية، مهدت بذلك لنمو تلك الميليشيات أو المنظمات التي تنتهج العنف ديدنًا لها. فعندما تدرك الشعوب أن أكبر القوى الدولية تصر على انتهاك القانون الدولي والشرعية الدولية، تصبح بالتالي مدركة أن لا قانون يمكن أن يلجم عنفوان تلك القوى، وبالتالي فهي بدورها تنتهج أسلوبها الخاص المنفلت عن كل القوانين والشرائع الدولية(17).

- الدافع السيكولوجي النفسي: يفسِّر هذا المدخل ظاهرة تنامي الميليشيات باعتبارها نتيجة وليست سببًا، بمعنى أنها تحدث "نتيجة جملة حالات الإهمال والضغط والإقصاء والإبادة والفقر والبطالة، التي تُسلَّط على جماعة معينة أو أقلية دينية أو سياسية، أو ربما حتى أن يخضع لها مجتمع بأكمله، وتؤدي بالتالي إلى تجمع أفراد هذه الأقلية في مجموعات تحركها زعامات تجيد الضغط على مشاعر تلك الأقليات والتحكُّم فيها ودفعها إلى استخدام العنف المسلح وسيلة للتعبير عن نفسها، خاصة مع تفاقم الشعور بالعزلة عن المجتمع والعداء والكراهية للسلطة والقانون والنظام باعتبارها أدوات لإقصاء تلك الأقليات. ويذهب دعاة هذا المدخل أبعد من ذلك؛ إذ يرون أن معظم الميليشيات تستخدم الرعب في الترويج لنفسها وذلك لكي تمنح لنفسها القوة والنفوذ في المجتمع الذي عاشت منبوذة ومهمشة فيه. وبالتالي، فإن شعور الاضطهاد هو الدافع الأساسي وراء تكوين وتبلور تلك الجماعات"(18). وهذا المدخل السيكولوجي ربما يفسِّر نشأة الميليشيات الكردية "البيشمركة" في شمال العراق إبان فترة حكم صدام حسين، وميليشيات بعض الأقليات الدينية العراقية التي تشكَّلت بعد اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" للعراق منتصف عام 2014. فضلًا عن ذلك، فإن تفسيرات هذا المدخل لتنامي الميليشيات، ربما تعطينا مسبِّبات انتماء الشباب وبعض أفراد المجتمع إلى الميليشيات والجماعات المسلحة بشكل عام بغضِّ النظر عن مفهوم الأقليات الدينية أو الجماعات الأثنية، لأن مبررات الانتماء إلى تلك الجماعات عادة ما تكون فيها قواسم مشتركة حتى وإن تعددت الدوافع، فمثلًا نجد التهميش والإقصاء والفقر والبطالة وغيرها مسببات ومبررات لكل دوافع الانتماء للجماعات المسلحة.

ثالثًا: نظريات نشأة الجماعات اللادولتية

هناك بعض النظريات التي تفسِّر ظاهرة تكوين الجماعات المسلحة أو اللادولتية من منظور سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني، منها(19):

- النظرية التقليدية: وهي النظرية التي يتبنَّاها عالم الاجتماع الألماني، ماكس فيبر (Max Weber)؛ إذ يرى أن الدولة تتكوَّن من الجماعة البشرية التي تحتكر بنجاح الاستخدام الشرعي للقوة، وعلى هذا الأساس تتبنَّى الدول ذات السيادة من خلال حكوماتها مكافحة الإرهاب. ومن خلال هذ المقولة لماكس فيبر، فإن الدولة تمثِّل الجهة الوحيدة والشرعية لاستخدام وسائل العنف لفرض الأمن داخل أراضيها وحماية خارجيتها، وفي حالة إذا لم تقم الدولة بمسؤولياتها الأمنية سوف تشعر هذه الدول بعدم الأمان من نوعية التهديدات والمخاطر التي تواجهها سواء داخليًّا أو خارجيًّا، التي نادرًا ما تكون منفصلة عن بعضها البعض(20). والتهديد العسكري أو الاقتصادي القادم من البيئة الخارجية، الذي يمارسه الفاعلون الدوليون، هو فقط مصدر التهديد الذي يواجه الدول. أما المخاطر التي تنبثق من البيئة الداخلية فتكون ناجمة عن فشل الإدارة السياسية وغياب التوافق الوطني، الذي سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد. وعند ضعف المؤسسات، ولاسيما المؤسسة الأمنية، لأي سبب كان، سوف تقوم الحكومة بتسليح مجموعات أخرى خارجة عن إطار المؤسسة بهدف الدفاع عن الدولة والمقاومة، ومن الأمثلة على ذلك بعض الفصائل العراقية المسلحة، التي تشكَّلت بعد عام 2003 عندما ضعفت سلطة الدولة إبان الصراع الطائفي.

- النظرية الحديثة: وهي النظرية التي يتبنَّاها عالم السياسة الأميركي وأحد رواد المدرسة الواقعية الحديثة، ستيفان وولت (Stephen Walt)؛ إذ يرى "أن الصراعات العرقية في البلدان قد تؤدي إلى ظهور الجماعات المسلحة (الميليشيا)، وذلك لاتباع السلطات الداخلية للدولة سياسات مذهبية، التي تمارسها طائفة واحدة على حساب الطوائف الأخرى، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين أبناء الشعب واستغلال حقوق الآخرين"(21). وخير مثال على ذلك الصراع المذهبي بين السُّنَّة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط بلبنان وسوريا والعراق واليمن، لاسيما بعد نجاح الثورة الإيرانية، عام 1979، على يد السيد آية الله الخميني وتبنِّيه نظرية ولاية الفقيه على الصعيد السياسي.

- نظرية أمن النظام: يتبنَّاها ريجاد جاكسون (Regad Jackson)، وتركز على جميع المآزق التي تصيب الدول النامية في العالم الثالث، وهي مآزق تشترك فيها أغلب تلك الدول، منها(22):

1. وجود مؤسسات ضعيفة وغير قادرة على استتباب الأمن.

2. عدم وجود القدرة القسرية لاستتباب الأمن والسلم في الدولة.

3. انعدام التماسك الوطني بين فئات الشعب.

حسب هذ النظرية، فإن أكثر الدول النامية والمتخلفة، تتقاسم الصفات المذكورة أعلاه، لأن لديها مشاكل أمنية، فضلًا عن المشاكل السياسية والاقتصادية، التي تؤدي إلى الإخلال بالأمن، بشكل أو بآخر، والسبب الرئيسي لهذه المشاكل يتمثَّل في ضعف الإدارة الداخلية، وليس المشاكل الإقليمية والدولية أو الخارجة عن الحدود، لأن عالم النظام الدولي عالم قائم على تفسيرات النظرية الواقعية بمختلف مسمياتها. ومن ثم، فإن كل دولة تبحث عن مصالحها ومقومات وجودها وديمومة بقائها مع الدول الأخرى والحفاظ على أمنها. ويقول جاكسون: "إن الدولة نفسها وليس غيرها هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وقيمها من التهديدات التي تواجهها، سواء بطريقة دفاعية أو هجومية، وعندما تفقد الدولة السيطرة واستتباب الأمن في الداخل تتوجَّه السلطات الحاكمة إلى حلِّ الأزمات الداخلية بتشكيل قوات جانبية غير المؤسسية، مثل الجماعات المسلحة، لاستخدامها بوجه النزعات القومية أو المذهبية وغيرها، وكل ذلك للحفاظ على النظام"(23) كما حصل في العراق بعد عام 2014، عند تشكيل قوات الحشد الشعبي إلى جانب القوات الأمنية المؤسسية، التي فقدت السيطرة على الأمن بعد اجتياح تنظيم الدولة للعراق. وتسمى هذ النظرية بنظرية أمن النظام، أي بمعنى أن هناك نوعين من القوة في هذه الدول: قوة مستبدة لإحكام السيطرة على جميع أركان الدولة ومن خلالها تنشأ الميليشيات، ثم هناك قوة البنية التحتية المؤسسية الداعمة للسلطة ويساندها الشعب. وحقيقة الأمر أن مجموع هذه النظريات قد تفسِّر ظاهرة نشأة الميليشيات أو الجماعات اللادولتية بمختلف تسمياتها وتوجهاتها، وقد تختلف أو تتوزع أسباب نشأتها بين دولة وأخرى.

2. الجماعات اللادولتية وآليات التأثير في بناء النموذج

يركز الباحث في هذا المحور البحثي على الآليات أو الأدوات التي تعتمدها الجماعات اللادولتية في بناء نموذجها السياسي العام في العراق، ولاسيما الآليات السياسية والاقتصادية التي أصبحت تمثِّل إشكاليات حقيقية أمام عملية بناء الدولة بشكل عام، وتفرض تحديًا كبيرًا أمام التنمية والاستثمار بشكل خاص.

أولًا: الآليات السياسية

اعتمدت الجماعات اللادولتية العراقية منذ بداية تشكيلاتها، ولاسيما بعد عام 2014، على العديد من الأدوات أو الآليات السياسية في تثبيت وجودها وبناء نموذجها السياسي في العراق.  

- الحفاظ على رمادية النظام السياسي

إن طبيعة النظام السياسي القائم في العراق لم تكن انعكاسًا حقيقيًّا للنصوص الدستورية، أو نتيجة لتطلعات شعب عانى كثيرًا من النظم التسلطية، وهو نظام هجين لم يلبِّ طموح الشعب العراقي، أي بمعنى أنه نظام محاصر بين هيكليتين: "بين الإطار الديمقراطي والإطار غير الديمقراطي، وهذا النوع من الأنظمة عادة ما يواجه صعوبة في تبني السلوك الديمقراطي، إما بسبب خلفيته الشمولية"(24)، أو بسبب القوى السياسية التي تُدِيره. ففي الوقت الذي تُوصف به الدولة الحديثة بأنها دولة قانون، أو دولة سيادة القانون، وهما توأمان لا ينفصلان، أضحت القوى السياسية والجماعات اللادولتية في العراق أعلى شأنًا من القانون والدستور؛ مما أحدث شرخًا كبيرًا وفجوة عميقة بين النظام السياسي وقاعدته الجماهيرية. ولعل إشكالية الجماعات المسلحة وانتشار السلاح خارج سلطة الدولة، عَمَّق من تلك الفجوة، ولاسيما في ظل الوجود العسكري والسياسي، التي تتمتع به تلك الجماعات سواء من خلال وجودها الرسمي والقانوني في قوات الحشد الشعبي والقوى السياسية الممثِّلَة لها في البرلمان، أو من خلال وجودها غير الرسمي كفصائل مسلحة خارج التشكيل الرسمي للقوات الأمنية. هذا الوجود وضع النظام السياسي في إشكالية حقيقية، وخلق منه حالة رمادية تتراوح بين مفاهيم متناقضة (النظام واللانظام، الدولة واللادولة، الديمقراطية واللاديمقراطية)، وذلك بسبب التشوهات التي رافقت عملية تكوينه، وطبيعة الخطاب والرؤية التي فرضتها تلك الجماعات عليه (شكلًا ومضمونًا)، مما خلق الكثير من التحديات أمام التنمية البشرية ومشروع الدولة في العراق.

وتظهر إشكالية نموذج النظام السياسي، كواحدة من الإشكاليات التي تمثِّل تحديًا كبيرًا أمام التنمية في العراق، من خلال جعله أسير أيديولوجيات معينة تتماشى مع المعتقدات السياسية والأيديولوجية للجماعات اللادولتية، والحفاظ عليه كواجهة سياسية رسمية أمام الرأي العام (الداخلي والدولي)، والاندماج الشكلي معه، بهدف إخضاعه لمفاهيم محددة وسياقات بيروقراطية تتناسب وطبيعة معتقداتها الأيديولوجية الإقليمية، وبما ينسجم مع الاستراتيجية الإيرانية في العراق، التي تهدف إلى عدم إنجاح النموذج العراقي، كعملية ديمقراطية ونظام سياسي، وعدم ظهور العراق كقوة منافسة، سواء كان ذات طبيعة عسكرية أو سياسية، أو كان مستمدًّا من إخفاقه النهائي (وقوعه في حرب أهلية)، أو نجاح حاسم (ظهوره كنموذج ديمقراطي حقيقي)، تلك الاستراتيجية القائمة على فرضية دعم الفوضى طويلة الأمد، والقابلة للسيطرة عليها في المدى القصير(25).

لقد شكَّلت هذه الفرضية التحدي الرئيس في مسار التنمية وبناء الدولة في العراق؛ لهذا فإن النظام السياسي الحالي يمثِّل بيئة خصبة وحاضنة رئيسة للجماعات اللادولتية، وهو بمنزلة المظلة التي تحتمي بها تلك الجماعات تارة، وتندد بها تارة أخرى؛ إذ تحتمي به كنظام ضامن لوجودها وحركتها كقوى موازية للدولة، وتُندِّد به من أجل قطع الطريق على عدم مشروعيته، بكونها متضررة منه. وهذا ما خلق لها وللنظام شكلًا رماديًّا غير واضح المعالم من أجل إغلاق أي نقاش حول طبيعة النظام ومستقبله، ولاسيما أن تلك الجماعات بدت مكتفية بالمناخ الريعي السائد في البلاد من خلال حصصها في أسواق النفط وسيطرتها على المنافذ الحدودية ومزاد بيع العملة، التي يؤمِّنها لها النموذج السياسي العراقي الحالي. لهذا، فإن أول نقاط المعالجة لهذا الموضوع تكمن في إزالة تلك الازدواجية وخلق نظام سياسي غير رمادي.

- تعويض غياب الدولة

عطفًا على فرضية إضعاف النظام السياسي العراقي، وانسجامًا مع ضعف القانون، وهشاشة العملية السياسية، تحاول الجماعات اللادولتية في العراق تعويض غياب الدولة، واستثمار الأزمات مثل كوفيد19-، لكسب تعاطف المجتمع وإضفاء شرعية على وجودها، وإحكام قبضتها على النموذج السياسي الحالي من خلال وجودها الرسمي في مؤسسات الدولة الأمنية أو المدنية، وهو ما يشبه الأعمال التي قام بها الحرس الثوري الإيراني أثناء تفشي الوباء؛ إذ "تمكن الحرس الثوري من سيطرة غير مسبوقة على المؤسسات الإيرانية، وساعد في تمكين نفسه أكثر من أي مؤسسة أخرى، بعيدًا عن دور المؤسسات الرسمية"(26). وهذا ما قامت به بعض المؤسسات العراقية، مثل الحشد الشعبي، فضلًا عمَّا تقوم به بعض الجماعات المسلحة -منذ أن تفشى وباء كوفيد19-- في محاولة لتحسين صورتها بعد الاتهامات التي طالتها في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، التي انطلقت في نهاية العام 2019، إضافة إلى خلق صورة لدى الرأي العام بمساعدتها للدولة.

- إضعاف المؤسسة العسكرية

هناك علاقة جدلية على مرِّ التاريخ بين الشيعة والمؤسسة العسكرية، وتحكمها عدة عوامل ومسببات عمَّقت من حجم الفجوة بين الطرفين، ووضعت الشيعة في مواجهة المؤسسات العسكرية الرسمية. ولطالما كانت المؤسسة العسكرية بيد السلطة السياسية التي اضطهدت الشيعة تاريخيًّا، ومنعتهم من إصلاح هرم السلطة. هذه الجدلية ألقت بظلالها على واقع الدولة والمؤسسة العسكرية بعد عام 2003، لذلك نرى أن أغلب الأحزاب الشيعية عمدت إلى تشكيل فصائل مسلحة موازية لوجودها السياسي والعسكري في الدولة؛ وهذا يعود لعدم إيمانها أو ثقتها بالمؤسسة العسكرية الرسمية، على الرغم من أن أغلب منتسبي القوات الأمنية هم من الشيعة، حتى أضحت المؤسسة العسكرية، وكأنها مؤسسة ثانوية، يُفتَخَر بها وبتاريخها أمام الرأي العام فقط، خلافًا لما يوجد على أرض الواقع. لذلك نرى العديد من التشكيلات العسكرية الرسمية وغير الرسمية أصبحت واقعة حقيقية في النموذج العراقي الحالي، ولعل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة (الشيعية والكردية)، فضلًا عن جهاز مكافحة الإرهاب، مثال واضح على ذلك. وهذا بالمجمل يضعنا أمام المقاربة مع النموذج الإيراني، الذي اعتمدته أغلب الأحزاب الشيعية، وهو نموذج يُراد منه تحقيق هدفين: أولًا: الحفاظ على النموذج السياسي القائم، وثانيًا: السيطرة على أي انقلاب أو ثورة أو حركة احتجاج في المستقبل (القريب أو البعيد) من شأنها أن تهدِّد النظام السياسي وتقوِّض وجوده السياسي والعسكري. وهذان الهدفان لا يمكن تحقيقهما إلا عن طريق ترهل وإهمال المؤسسة العسكرية الرسمية، مما يضع الجماعات اللادولتية بموضع القيادة الأمنية والسياسية؛ الأمر الذي يُغلق أية عملية بناء أو تنمية دونها، وهذا ما يضع العراق أمام مصدات إقليمية وعدم مقبولية دولية لأية تنمية في البلاد لكونها تؤخذ على أنها تؤدي إلى زيادة نشاط تلك الجماعات. 

- شيطنة الاحتجاجات الشعبية

طرحت حركات الاحتجاج التي اندلعت في العراق منذ عام 2011 -واستمرت بشكل متواصل حتى احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 التي لا تزال أشكالها الاحتجاجية مستمرة حتى الآن- أسئلة كبرى عن عوامل اندلاعها. وقد كشف هذا الانفجار عن أزمة الاغتراب الفكري والروحي والسياسي والاجتماعي البنيوي الشامل بين النظام السياسي والمجتمع. فلحدِّ الآن لم يتعرَّف المجتمع العراقي على نفسه في هذا النظام، الذي تجاهل كل حقوقه ومقومات التنمية فيه، ولم يعد يشعر أن هذه الدولة دولته، بل كائن "برَّاني" عنه، ولم يعد يعرفها إلا في شكلها التسلطي بنظامها السياسي المقيد والمؤدلج ضد كل حركة احتجاجية تستهدف إصلاح النظام، الذي تتحكَّم فيه فئة أوليغارشية تحتكر الدولة والسلطة، وتختصر طبيعة الاحتجاج طبقًا لمعتقداتها السياسية والأيديولوجية، وبما يتناسب مع تطلعات الجماعات المسلحة والمؤسسات الموازية، التي أضحت اللاعب الأكبر في الدولة والنظام السياسي. وقد ربطت تلك الجماعات بين الاحتجاجات والآراء والقوى المعارضة لها وبين المؤامرات الخارجية التي تستهدف سيادة الدولة، والتدخل في شؤونها الداخلية. وأخذت تنظر إلى كل حركة احتجاجية مخالفة لتوجهاتها الأيديولوجية بأنها مؤامرة خارجية تستهدف المجتمع وإشاعة الفوضى من أجل أن تغلق أي نقاش يستهدف وجودها اللادولتي ويهدد سيطرتها على منظومة الدولة العراقية، حتى وإن تطلب الأمر المواجهة المسلحة وقتل المحتجين كما حصل في حراك أكتوبر/تشرين الأول 2019. وهي ذات النظرية التي تعتمدها بعض الأنظمة السياسية الإقليمية في التعامل مع حركات الاحتجاج، وتقوم على سردية المؤامرة في التعامل مع الحراك الشعبي وشيطنته.

- أدلجة المفاهيم وشرعنة الوجود

يعتمد وجود الجماعات اللادولتية عادة على التوظيف الثيوقراطي وأدلجة المفاهيم، التي تتنافى مع مفهوم ومقومات وجود الدولة، وتتفق مع مصالحها الأيديولوجية ومقومات وجودها، بما يعزز من شرعية وجودها "الطائفي على أقل تقدير" ويحافظ على مكاسبها السياسية وحواضنها الشعبية، وبما يحقق هدفها الأساس. لذلك غالبًا ما تلجأ تلك الجماعات إلى أدلجة المفاهيم والمصطلحات من أجل استمالة شعور الناس وكسب تعاطفهم، وترهن وجودها تحت مسميات قد تبدو مشروعة بنظر البعض، بغضِّ النظر عن المخاطر التي تشكِّلها تجاه التنمية وبناء الدولة. وهي مفاهيم لها وظيفتها (التسويقية والتوظيفية)، التي تدخل في إطار تسويق المشاريع وشرعنة الوجود، بمفاهيم قد يبدو بعضها مقدسًا والبعض الآخر مشروعًا. فعلى سبيل المثال، كثيرًا ما تستخدم تلك الجماعات المفاهيم التي يُروِّج لها النظام الإيراني القائم على فكرة تصدير الثورة، مثل: المقاومة الإسلامية، والصراع مع إسرائيل وقوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر، وإدخالها بسياقات تاريخية وعقائدية، وربطها بعقيدة الإمام المهدي(27) المنتظر وحكومته العالمية، حتى وإن تعارضت مع وجود الدولة ومصالح شعبها ومقومات التنمية الاقتصادية. هذه الأدلجة من شأنها أن تُغلق طبيعة النقاش المستقبلي حول شرعية وجودها وشرعنة سلوكها وسلطتها المنافية لمشروع بناء الدولة ومقومات التنمية في العراق.

ثانيًا: الآليات الاقتصادية

تتنافس الميليشيات أو الجماعات اللادولتية من أجل السيطرة على الأرض والثروات، واستقطاع أكبر جزء ممكن من إقليم الدولة، والسيطرة على الموارد والتركيز على الوجود في المناطق الغنية بالثروات والموارد، والتحرك أيضًا للسيطرة على الموانئ البحرية وممرات التجارة الداخلية والخارجية، ليصبح المنطق الذي يحكم تحركات الجماعات اللادولتية هو المنطق الاقتصادي، والهدف هو تعظيم أكبر استفادة اقتصادية من الحرب والنزاع الداخلي والعمل على استمرار النزاع بمختلف الوسائل الممكنة، وهذا يعني أن استمرار الحرب يخدم الأهداف الاقتصادية لتلك الجماعات ويصب في تحقيق أهدافها الغنائمية(28). فلا ينحصر تأثير السلاح المنفلت في العراق، أو تأثير الجماعات المسلحة، عند حدود الوضع الأمني والسياسي، بل يُعد أحد أبرز معرقلات التنمية الاقتصادية والاستثمار؛ إذ يأخذ مصطلح "البيئة الاستثمارية غير الآمنة" حيزًا كبيرًا عند الحديث عن احتمالية استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التنمية في البلاد. ولعل قرار المفوضية الأوروبية بإدراج العراق ضمن قائمة الدول التي تشكِّل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي، وتشكِّل تهديدًا كبيرًا على نظامه المالي، نتيجة طبيعية في ظل الدور المالي والسياسي والاقتصادي والاحتيال الذي تقوم به الجماعات المسلحة في العراق، ولاسيما في ظل التقارير الدولية، التي تشير إلى دور بعض الجماعات في غسيل الأموال وفرض سيطرتها على الاستثمار في العراق وابتزاز الشركات الاستثمارية، مستغلة نفوذها السياسي والأمني، فضلًا عن نفوذها المالي والاقتصادي. وتؤكد الدراسة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان: "داخل نظام الكليبتوقراطية العراقية"(29) للكاتب روبرت ورث (Robert F. Worth) فرضية قرار المفوضية الأوروبية، ولاسيما أن القرار جاء بالتزامن مع حادثة اغتيال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي؛ إذ تشير بعض التقارير إلى أن اغتياله حدث إثر كشفه معلومات مالية تتعلق بأنشطة الفصائل المسلحة الموالية لإيران، بعد نشره لدراسة تطرقت إلى "تقديرات بالأرقام لتنامي نفوذ الفصائل الولائية داخل هيئة الحشد الشعبي، وهيمنتها على الموارد المالية والأوامر واتخاذ القرار، والنتائج التي تسبب بها هذا النفوذ"(30). من هذا المنطلق، سنحاول توضيح الآليات الاقتصادية التي تعتمدها الجماعات اللادولتية في العراق في السيطرة على المجال الاقتصادي وتقويض عملية التنمية والاستثمار في العراق.

- المكاتب (اللجان) الاقتصادية للأحزاب السياسية

إن فساد الأحزاب السياسية في العراق لا يمثِّل حدثًا مستقلًّا بذاته، إنما هو جزء من ظاهرة الفساد المستشري في البلد، وما يساعد على تفاقم هذه الظاهرة أن العراق شهد أمرين مشجعين على انتشار الفساد، وهما: تعرض نظام الحكم لخطر السقوط عام 2014 من قِبَل تنظيم الدولة، ثم التحول الاقتصادي من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وهذان الحدثان كان لهما دور كبير في نشاط بعض الجماعات اللادولتية وسيطرتها على بعض مفاصل الدولة العراقية، لاسيما أن أغلب تلك الجماعات لها أحزاب سياسية ممثِّلَة لها في السلطتين (التشريعية والتنفيذية) وتمتلك لجانًا اقتصادية. وتُعد تلك اللجان، أو المكاتب، الجهة السياسية المسؤولة عن ترشيح الوزير للوزارة المعينة؛ إذ يتعرض فيها المقاولون إلى عمليات ابتزاز من جهات غالبًا ما تكون تابعة لحزب أو كتلة الوزير لكونها تسيطر على كل المشاريع والمناقصات والاستثمارات. وهي ظاهرة غير قانونية ارتبطت بوجود الأحزاب السياسية بعد عام 2003 وتنامي دورها بعد عام 2005، وتعطي لكل كتلة نسبة تتراوح بين 5-10% وتصل في بعض الأحيان إلى 30% عن كل مقاولة، وتُعد السبب المباشر في تضخم ثروة السياسيين والأحزاب الكبيرة، على حدِّ قول النائب السابق القاضي، وائل عبد اللطيف(31).

وتتورط تلك المكاتب في بعض التفجيرات والأحداث الأمنية من أجل الضغط على التجار وسائقي الشاحنات والمستثمرين وفرض الإتاوات، وهو ما أكده رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، بقوله: "إن التفجيرات التي حصلت في الموصل كانت لأهداف اقتصادية وسياسية، والأهداف الاقتصادية المقصودة هي الإتاوات التي تفرضها هذه المكاتب على المواطنين والمستثمرين في هذه المحافظة"(32). فضلًا عن ذلك، فإن بعض الأحزاب تمتلك مكاتب للتمويل، وإن دورها لا ينشط على المستوى المركزي فقط، وإنما في مجالس المحافظات أيضًا، وبعضها يحصل على تمويل من الخارج عبر استثمارات ومنح من دول معينة. وهذه المكاتب تتفق قبل ترشيح أي وزير على نسبة محددة تأخذها من كل مشروع يحال إلى وزارته، وإلا يُسحب منه الترشيح، وتوجد في كل وزارة هيئات وشخصيات خاصة تساعد الوزير على عقد الصفقات وأخذ العمولات؛ إذ يروي أحد المستثمرين من دولة الكويت أنه جاء إلى محافظة البصرة وكان لديه مشروع لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود، إلا أن تدخل أحد الأحزاب المتنفذة منعه من ذلك، بعد أن طالبوه بعمولة عالية، ما اضطره الى إلغاء المشروع والعودة إلى بلده(33).

وفي الغالب، تتخذ تلك المكاتب تنظيمات سرية في عملية التمويل، وفي بعض الأحيان يجري تبديل أسماء اللجان بأسماء أخرى بعيدة عن الأنظار، أي بمعنى أن عمليات الابتزاز والتمويل ليس بالضرورة أن تتم عن طريق المكاتب العلنية، ولاسيما بعد أن بدأت هيئة النزاهة والقضاء العراقي والأجهزة الرقابية بملاحقة تلك المكاتب، لذلك نرى بعض التقاطعات والصراعات السياسية والحزبية على بعض الوزارات المهمة مع تشكل كل حكومة عراقية جديدة. وهذه المكاتب أصبحت أمرًا واقعًا في الوزارات والمؤسسات الحكومية. ولا يقتصر دور هذه اللجان على تحصيل الرسوم والعمولات غير القانونية من المتعاقدين، بل تمتد مهامها لتشمل قضايا استراتيجية تتعلق بتسهيل دخول بضائع وتحويل أموال وتعيين موظفي الدرجات الخاصة، ولعبت اللجان الاقتصادية أيضًا دورًا مؤثرًا في إعاقة حصول مصانع الإسمنت المحلية على التسهيلات القانونية والتمويل اللازم، طيلة أعوام، لتفسح المجال في السوق العراقية للمنتج الإيراني، الذي بقي لمدة طويلة خيارًا وحيدًا أمام الشركات والأشخاص، كما أسهمت هذه اللجان في إحدى أكبر عمليات غسيل الأموال في العالم، عندما استخدمت نفوذها السياسي لنقل عشرات المليارات من الدولارات الخاصة بالأحزاب إلى دول عديدة لتوضع في حسابات خاصة أو تُدفع لشراء عقارات وممتلكات مختلفة(34).

ونشطت العشرات من المكاتب التابعة لبعض الجماعات اللادولتية بعد عام 2015 في العراق بشكل ملحوظ، وداخل ما يُعرف بـ"المناطق المحررة" من قِبَل تنظيم الدولة بشكل خاص، وحسب تقرير لموقع "درج" فإن "بعض تلك الجماعات تحوَّلت من فصائل لمواجهة التنظيمات الإرهابية وضبط الأمن في نينوى إلى فصائل ذات نفوذ اقتصادي-سياسي بفضل مكاتبها الاقتصادية. فذلك التحول والاستحواذات العقارية والاستثمارات في ثاني أكبر محافظة عراقية "سيمنحها القدرة على تمويل نفسها لسنوات مقبلة حتى إذا انقطع التمويل الحكومي، وبالتالي إدامة تأثيرها السياسي وفرض إرادتها في بيئة ليست بيئتها"(35)؛ إذ تقوم بالسيطرة على الحركة التجارية داخل المدن وفرض الإتاوات وابتزاز التجار ورجال الأعمال، بالإضافة إلى السيطرة على المشاريع الاستثمارية في المدن المحررة، واشتراط الحصول على حصة من التجار والمقاولين، مقابل السماح بأي عمل أو مشروع في مناطق نفوذها. وهذه النشاطات غير المشروعة، أضرَّت بالاقتصاد العراقي والبيئة الاستثمارية وواقع الدولة، وهو ما أكدته عضو البرلمان، ندى شاكر جودت، بقولها: "في الوقت الذي تمر به البلاد بأزمة مالية كبيرة ألقت تبعاتها على المواطن العراقي، غير أن اللجان الاقتصادية للأحزاب السياسية لا تزال تستنزف عمل الوزارات ومقدراتها وتعطل مشاريعها الاستثمارية التي تساهم برفد الاقتصاد العراقي"(36). فغياب الأمن وسلطة الدولة والقوانين، جعل العراق بيئة طاردة للاستثمار في قطاعات مختلفة، وبيئة غير آمنة؛ حيث تشير تقارير دولية إلى أن الاقتصاد العراقي سيواجه تقلصًا بنسبة 10% خلال العام الحالي، كنتيجة طبيعية لتلك العوامل(37).

- السيطرة على حقول النفط

يشكِّل النفط ما بين 85 إلى 90% من الإيرادات الحكومية في العراق، إضافة إلى ذلك هو مصدر تمويل كبير للجماعات المسلحة التي تسيطر على حقول النفط وتهريبه بعيدًا عن سيطرة الدولة؛ إذ يقول الكاتب الأميركي، مايكل نايتس (Michael Knights): "إن بعض الجماعات العراقية المسلحة سيطرت على حقول نفطية صغيرة في مناطق (سُنِّيَّة)، مثل علاس والقيارة ونجمة، وقامت أيضًا بالاستفادة من شركات نقل وإمداد وشحن تسيطر عليها جماعات في البصرة لتهريب النفط المسروق من هذه الحقول، كما ثبَّتت تلك الجماعات موطئ قدم لها في الموانئ ومناطق التجارة الحرة في العراق لضمان تصدير النفط الخام العراقي والمنتجات النفطية المسروقة من الصناعات المحلية"(38). ففي العراق، أصبح تهريب النفط منذ عام 2003 من أهم مصادر تمويل الجماعات اللادولتية التي تسعى للحصول على الثروة لمصلحتها الخاصة وتمويل أنشطتها(39) كما تعمل هذه الجماعات على توفير الغطاء لتهريب النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية عبر منافذ حدودية منتشرة على طول الحدود مع العراق ومن ثم إعادة تعبئته وتصديره كنفط عراقي، لكن الموارد المتحصلة عن ذلك كانت تذهب لإيران(40).

وفي تقرير استقصائي لوكالة يقين "فإن العراق خسر جرَّاء عمليات تهريب النفط ما يقرب من اثنين مليار دولار خلال 18 شهرًا بسبب عمليات التهريب التي تقوم بها بعض الجماعات المسلحة في صلاح الدين ونينوى، والتي بدأت بتهريب النفط بعد استعادة السيطرة على المنطقة من تنظيم الدولة مباشرة"(41)؛ إذ تمكنت بعض الجماعات المسلحة العراقية من بناء منظومة اقتصادية متشعبة بعد عام 2014 ساعدتها على التغلغل في معظم مفاصل الدولة مستفيدة من سيطرة قادتها على وزارات ومراكز قوى مهمة، وبرزت بشكل أكبر في فترة تولي رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، وفرضت سيطرتها على عمليات اختيار الوزراء الأمنيين، وهيمنت على الشؤون التجارية في البلاد وقامت بتحويل مبالغ العديد من المشاريع الاقتصادية الرئيسية إلى حساباتها وحسابات حلفائها في المنطقة من الدول الإقليمية، فضلًا عن سيطرتها على أربعة بنوك، تستغل مزاد بيع الدولار لتأمين العملة، كذلك تمكنت تلك الجماعات من اختراق نظام "كي كارد" المخصص لدفع الرواتب الحكومية، عبر زجِّ أسماء موظفين وهميين في النظام الإلكتروني للحصول على أموال تبلغ قيمتها عشرات ملايين الدولارات شهريًّا، فضلًا عن استحواذها على الكثير من العقود المهمة في مطار بغداد الدولي(42) إلا أن الكاتب في مجلة "واشنطن إكزامينر"، مايكل روبن (Michael Rubin)، يرى أن "المعادلة باتت معكوسة الآن؛ إذ تستغل بعض هذه الجماعات نفوذها داخل مؤسسات الدولة العراقية لتقديم الدعم لإيران وللحرس الثوري، فضلًا عن قيامها "بنهب المساعدات الأميركية والدولية والموارد العراقية وتحويلها إلى إيران"(43).

- تقاسم النفوذ في المنافذ الحدودية والسيطرات الأمنية

توجه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في 11 يوليو/تموز 2020، إلى منفذ المنذرية الحدودي في ديالى مع إيران، وقد خوَّل القوات الأمنية بإطلاق النار على المتجاوزين على المنافذ الحدودية، وتعهد بمحاربة الفاسدين وملاحقتهم في كافة المنافذ الحدودية. وهذا التوجه جاء بعد أن تهاوت قدرة الدولة العراقية على دفع رواتب الموظفين وعجزها عن مواجهة وباء كوفيد-19 وتداعياته على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بموازاة الغضب الشعبي. وهو توجه مدفوع بحجم الفساد الذي تتقاسمه الأحزاب السياسية والجماعات اللادولتية في المنافذ الحدودية، مستغلة ضعف الدولة والقانون والجهات الأمنية، بموازاة قوتها السياسية والأمنية. وتقدر عائدات المنافذ الحدودية العراقية بشكل عام، والبالغ عددها 36 منفذًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا، بـ13 مليار دولار سنويًّا، لكن ما يصل إلى خزينة الدولة هو مليار واحد فقط، فيما يذهب 12 مليار دولار إلى بعض الأحزاب السياسية وأذرعها العسكرية المتنفذة، وهذا ما أكده نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ظافر العاني. بينما يؤكد الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، أن "الأموال المهدورة عبر المنافذ الحدودية منذ 2003 ولغاية اللحظة تُقدَّر بنحو 100 مليار دولار، لأن بعض المنافذ الحدودية تفقد الدولة السيطرة عليها ليلًا، وتكون تحت سيطرة الجماعات المسلحة"(44)، وهو ما أشار إليه رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، هيثم الجبوري، في العديد من التصريحات(45).

وتزامنًا مع عمليات التحرير وما بعدها، وضعت بعض الجماعات في استراتيجيتها الحفاظ على الأماكن الاستراتيجية، التي فيها مكاسب سياسية واقتصادية، واحتفظ بعضها بالمنافذ المحررة من سيطرة التنظيم، وعدم تسليمها لأية جهة حكومية أو جماعة أخرى، كالسيطرة على مصفى بيجي ونهب محتوياته ومخزونه الاستراتيجي من النفط. كذلك السيطرة على حاجز أو "سيطرة الصفرة" في محافظة ديالى؛ إذ فُرضت إتاوات وغرامات مالية على أصحاب الشاحنات والعربات الصغيرة، بمقدار 300 دولار للشاحنة و100 دولار للعربة الصغيرة، فضلًا عن عمليات تهريب النفط، التي أصبحت مكشوفة للجميع بما فيها الجماعات الكردية في شمال العراق(46). وتُقدَّر الواردات التي تحصل عليها الجماعات العراقية من الإتاوات التي تفرضها على سائقي الشاحنات بحوالي (80-100) ألف دولار يوميًّا، وقد حققت أموالًا طائلة من جمع الضرائب على التجارة وإعادة الإعمار ونقل النفط، فضلًا عن عمليات الخطف والحصول على الفدية.

- طرد المانحين والمستثمرين

في عام 2018، تعهَّد المشاركون في مؤتمر الكويت بمنح 30 مليار دولار لإعادة إعمار العراق، وستكون المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تُقدَّم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب. على الرغم من أن الأضرار التي لحقت بالعراق جرَّاء الحرب فاقت هذا الرقم بكثير، وتجاوزت 100 مليار دينار أي ما يعادل 666 مليون دولار، حسب ما أكده المستشار المالي لحكومة حيدر العبادي آنذاك، إلا أنه بعد مرور أكثر من عامين كاملين على المؤتمر، لم تفِ أغلب الدول بالتزاماتها وتعهداتها في المؤتمر الذي لم يحقق أي إنجاز. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الأوضاع المضطربة والفساد المستشري، وسيطرة الجماعات اللادولتية على البيئة الأمنية والاستثمارية وتحكُّمها في مفاصل مهمة بالدولة العراقية، لذلك يشكِّل وجود هذه الجماعات بيئة طاردة وتهديدًا دائمًا للمستثمرين ورجال الأعمال؛ الأمر الذي يدفعهم للهروب والبحث عن بيئة أفضل. وإذا ما قارنَّا بين إقليم كردستان وباقي مناطق العراق، نرى أن الإقليم نجح بشكل كبير في جذب الاستثمارات الخارجية بسبب توفير الأمن والاستقرار وغياب الجماعات المسلحة؛ إذ قدَّر "معهد الاقتصاد بالأرقام" -المعني بشؤون الاقتصاد والاستثمار في إقليم كردستان- حجم ومبالغ الاستثمار في الإقليم خلال 13 سنة الأخيرة بنحو 52 مليار دولار مع تنفيذ877 مشروعًا استثماريًّا حسب الأرقام الرسمية التي حصل عليها المعهد من هيئة الاستثمار في الإقليم(47).

- التعاطي مع المستثمرين أيديولوجيًّا

من جانب آخر، لا تتوقف خطورة الجماعات اللادولتية في العراق عند حدود المكاتب الاقتصادية، وسيطرتها على المعابر والمنافذ الحدودية وعمليات تهريب النفط، بل تتعداها إلى الدور التخريبي لكل منجز لا يتماشى مع مصالحها السياسية والاقتصادية والحزبية وارتباطاتها الأيديولوجية، فضلًا عن ذلك، فقد تحتكر الاستثمارات أو تعارضها وفقًا لمحدداتها الفكرية والفقهية، ولاسيما تلك التي تتقاطع معها أيديولوجيًّا ومذهبيًّا، كما حدث في الاستثمار السعودي في مجال الطاقة وربط المنظومة الكهربائية، والاستثمار الزراعي في صحراء محافظة السماوة والأنبار وذي قار؛ إذ اعترضت على تلك الاستثمارات أغلب تلك الجماعات وأحزابها السياسية، بحجة هدر المياه الجوفية، وخرق الأمن العراقي، ودور المملكة وموقفها من النظام السياسي الحالي، فضلًا عن ربط رفضها بمشروع التطبيع بين المملكة وإسرائيل. ويعزو بعض المتخصصين رفض الجماعات اللادولتية وبعض الأحزاب السياسية العراقية للاستثمار السعودي إلى رغبتهم في الحفاظ على الاستثمار الإيراني في العراق، ولاسيما في ظل العقوبات الأميركية القاسية. وهناك من أشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، طرح على الجانب السعودي التفاهم مع الجهات الفاعلة الرافضة للاستثمار السعودي في العراق، للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف من خلال دفع الأموال أو أي شيء آخر(48).

إن ما تجنيه طهران من أموال مشروعة وغير مشروعة من العراق، سواء عن طريق تبادلها التجاري وعقود الطاقة، أو من خلال الأموال التي تصلها بطريقة الالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال حلفائها السياسيين في العراق، أو عن طريق الأموال التي تصلها من الجماعات المسلحة، لن يسمح بأية تنمية اقتصادية في البلاد أو ما يمكن أن يحرمها من هذا النشاط الكبير، وستدفع بتلك الجماعات لصناعة مصدَّات كبيرة أمام أي تحرك عراقي في هذا السياق. ولن تسمح بأي استثمارات من دون ضمان حصص فيها، وأن "قضية إجهاضها عقْدَ استثمار الطريق الدولي في الأنبار لشركة أميركية دلالة على ذلك؛ لأنه كان سيحرمها موارد كثيرة بسبب نشاطاتها غير المشروعة على هذا الطريق"(49).

إن فتح باب الاستثمارات في البلاد أمام الشركات الأجنبية والمحلية بحاجة إلى وجود دولة ذات سيادة وسُلطة قانونية تنظِّم وتحمي تلك الاستثمارات من ابتزاز الجماعات المسلحة، وإن توفير البيئة الآمنة للاستثمار لا يتعلق بمكافحة الإرهاب الراديكالي، وإنما يتطلب بالضرورة فرض سلطة الدولة والقانون على كل أشكال الجماعات المسلحة، سواء تلك المنضوية تحت مظلة المؤسسة الأمنية والسياسية، أو غيرها من الجماعات التي تنتعش خارج المؤسسات الرسمية، ولاسيما أن الدور الاقتصادي لتلك الجماعات تطور بشكل لافت للنظر، وأصبح يأخذ ثلاثة أشكال:

1. الابتزاز من خلال مساومة المستثمرين.

2. الاحتكار من خلال الدولة في السيطرة على منافذ الاستثمار.

3. التحكيم في خلافات المستثمرين، لأن النظام القضائي في العراق لا يتصدى ويحل تلك الإشكاليات في ظل الظروف الأمنية، والواقع السياسي الذي تفرضه تلك الجماعات على كل قطاعات الدولة العراقية. لهذا يبدو أن مشاهد وسيناريوهات التنمية في العراق معقدة جدًّا في ظل اتساع رقعة نشاط الجماعات اللادولتية وتنامي سلطتها السياسية والأمنية.

وطالما لا يوجد استقرار سياسي في العراق، فإن الجماعات المسلحة تعمل في البيئة التي تناسبها(50)، ولاسيما في ظل اتساع دائرة الفساد لكل مفاصل الدولة. فالتنمية الاقتصادية في أي بلد مرتبطة بوجود مناخ استثماري ملائم وجاذب للمستثمرين ورأس المال، ويأخذ أيضًا بنظر الاعتبار المتغيرات السياسية والأمنية والإدارية والبيئية والاجتماعية. وتتمثَّل المشكلة في العراق في أن التنمية الاقتصادية لا تقف حدودها عند المتغير الاقتصادي، بل تتعداه إلى المتغيرات الأخرى، ولاسيما الأمنية والسياسية. لذلك، فإن رأس المال لا يستوطن في بيئة غير مستقرة سياسيًّا وأمنيًّا. ففي مقياس مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، حقَّق العراق 18 درجة من أصل 100 درجة، وجاء في المرتبة 168 من بين 180 دولة شملها المقياس. وفي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، احتل المرتبة 172 من بين 190 دولة(51)، وتراجع تصنيف العراق في معظم محاور التقرير، سواء التنفيذية منها (بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل الملكية، ودفع الضرائب)، وكذلك التشريعية (حماية المستثمرين، وإنفاذ العقود، والحصول على الائتمان وتصفية النشاط التجاري)(52). فضلًا عن ذلك، فإن تلك الجماعات دائمًا ما تقف أمام عملية الانتقال إلى إطار التنمية الشاملة، ولاسيما فيما يتعلق بمفاهيم التنمية السياسية، والانتقال من السياسة التقليدية إلى النظم الأكثر حداثة، ومن النظم الاستبدادية إلى النظم الديمقراطية، بحجج دينية عقائدية "فقهية"؛ وذلك من أجل الحفاظ على مكاسبها المتحققة، لأن مفهوم التنمية السياسية عادة ما يشير إلى عملية الارتقاء بالأداء السياسي على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات، مثل تحديث المؤسسات السياسية وتطوير الأحزاب من ناحية تنظيمها وأدائها وعلاقاتها والانتقال إلى السياسات والحوكمة الإلكترونية(53). وهذا ما يتنافى مع نشاطها غير المشروع.

3. أطر احتواء الجماعات اللادولتية في العراق

تبقى فرضية الحوار مع الجماعات المسلحة بمختلف توجهاتها آلية معتمدة وسياسة حكيمة اعتُمدت على مرِّ التاريخ البشري، وفي كل الأديان والشرائع، ولاسيما السماوية منها، لكونها الآلية الأمثل في احتواء تلك الجماعات ودرء مخاطرها العامة والخاصة، ودمجها في المجتمعات، ولاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار وضعف سلطة الدولة. فلا يمكن هزيمة الجماعات المسلحة في العراق عسكريًّا. فعلى الصعيد الدولي، فإن فرضية المواجهة العسكرية، قد تكون غائبة أو مؤجلة لمصالح أكثر أهمية (إقليميًّا ودوليًّا)، فالإرادة والموارد لخوض معارك عسكرية مع هذه الجماعات غائبة في الاستراتيجية العراقية على المدى المتوسط "على أقل تقدير"؛ مما قد يوقع الدولة العراقية الهشة تحت أعباء أكبر. ويقر العراقيون أن لا خيار أمامهم سوى أن يقبلوا بها ويعملوا معها، على الرغم من أنها تنشط بصورة مستقلة عن الدولة وتتحداها(54)، والقبول بها لا يعني الاسترخاء لها ولسلطتها، وإنما مواجهتها بسياسة عقلانية ناعمة بعيدًا عن المواجهة العسكرية، وتفعيل وتدريب المؤسسات الأمنية الدستورية، وتقويض سلطتها وقوتها بشكل تدريجي.

فقد كان كبار قادة الجماعات اللادولتية ومجموعاتهم شبه العسكرية نشطين قبل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، بوقت طويل، ومن الطبيعي سيستمرون لوقت طويل بعد زوال التنظيم، وربما فرضية إعادة سيناريو "تنظيم الدولة"** أو غيرها من المجموعات الإرهابية المتطرفة، ستكون فرضية دائمة وقائمة لتلك الجماعات التي تريد أن تفرض سيطرتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على الدولة من خلال تحكُّمها في المفاصل الأمنية الأكثر خطورة. إن وجود الجماعات المسلحة على التقاطع القائم بين الأمن والسياسة والاقتصاد يعقِّد دون شك إعادة بناء دولة تسعى لاحتكار العنف وفرض إرادتها. وكحال المجموعات الأخرى، فإن تلك الجماعات ستستمر في الاستفادة من مفهوم الحشد الشعبي وضعف الدولة لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. ويعود سبب ضعف الدولة جزئيًّا إلى تدمير المؤسسات الرئيسة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وستستغرق إعادة البناء جيلًا أو أكثر، حتى لو أمكن توفير قدر من السلام والاستقرار. لكنه ينبع أيضًا من غياب رؤية مشتركة لمستقبل القطاع الأمني. ويساعد الموقف المترنح للحكومات العراقية بعد عام 2014 إزاء مصير الحشد الشعبي في إدامة المنطقة الرمادية قانونيًّا، التي يستغلها بعض قادته والفصائل المسلحة. فضلًا عن ذلك، فإن أية مواجهة مباشرة بين الدولة والجماعات المسلحة من المرجح أن تُحدث أثرًا استقطابيًّا ما يعزز نوايا قادتها في البقاء مستقلين وتغذية روايتهم القائلة بأنه لا يمكن الاستغناء عن تلك الجماعات كقوة داعمة لمؤسسات الدولة الضعيفة والفاسدة وغير القادرة على التصدي لتحديات العراق، ولاسيما الأمنية منها(55).

تتمثَّل السبل الأكثر واقعية أمام الحكومات العراقية في احتواء الجماعات المسلحة بتأطير قوات الحشد الشعبي ودمجها ضمن هيكلية المؤسسة العسكرية العراقية، وأن تسعى لمأسستها تدريجيًّا، وفرض سيطرتها على هيكليتها القيادية شيئًا فشيئًا. وينبغي على الحكومة أن توضح في القانون صلاحيات ومكانة التشكيلات المسلحة -سواء الحشد أو جهاز مكافحة الإرهاب- خارج إطار وزارتي الداخلية والدفاع، والبناء على المادة (9 ب) في الدستور، التي تجعل "الميليشيات العسكرية" من خارج الدولة غير قانونية. وطالما أرادت قيادات الحشد أن تكون قواتها على غرار مكانة جهاز مكافحة الإرهاب، يتحتَّم عليها أن تحصل على نفس الاستقلالية التي يتمتع بها جهاز مكافحة الإرهاب، فالأخير يفتقر إلى الصلاحيات الحالية التي يتمتع بها الحشد. وإذا ما أراد الأخير أن يكون مساويًا لجهاز مكافحة الإرهاب، عليه أن يتخلى عن صنع القرارات الاستراتيجية والسيطرة المالية لمجلس الأمن الوطني. هذان المجالان يمكن لحكومة جديدة أن تشرع بفرض سيطرتها فيهما(56).

في المحصلة، ينبغي أن يكون الهدف وضع الحشد الشعبي تحت قيادة "القوات المسلحة" المعرَّفة دستوريًّا. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف تعزيز قوة المؤسسات الأمنية الرسمية، ووضع المجموعات المسلحة بشكل كامل تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع. بموازاة ذلك، على هذه المؤسسات أن تقع تحت القيادة المدنية غير الحزبية، وأن يجري تشجيعها على تبني سياسات تجنيد قائمة على الجدارة. كما أن الفصل الصريح للقيادات السياسية للمجموعات عن قياداتها العسكرية أمر حاسم. ومن أجل تعزيز السمة الاحترافية للحشد، على الدولة أن تطالب مقاتليه بالانتساب إلى كلية الأركان العسكرية، واجتياز امتحان دخول إلزامي، أو تسريحهم، كما ينبغي أن تضع خطط توظيف للمقاتلين المسرَّحين. فضلًا عن ذلك، ينبغي تدوير قادة الألوية في سائر أنحاء البلاد وبشكل منتظم. كما أن ثمة خطًّا غامضًا ثانيًا يتطلب التوضيح، ويتمثَّل في فصل قوات الأمن عن الأنشطة السياسية.

وبدلًا من استهداف الحشد الشعبي، على الحكومة العراقية أن تعالج المشكلة من جذورها. فثمة مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية تعتمد على مجموعاتها المسلحة الخاصة بها: الشيعة لديهم الحشد (الذي يستميل مجموعات أخرى تقع بالكامل تحت سيطرته)، والعرب السُّنَّة لديهم ميليشيات قبلية وتنظيمات إرهابية ومتطرفة؛ والأكراد لديهم قوات البيشمركة، والأقليات "أنشأت أيضًا" وحدات صغيرة تحت حماية قوات أكثر قوة. لذلك فإن اتهام الحشد، أو الفصائل المسلحة التي تنضوي تحت لوائه، وحدها بتجاوز حدودها غير صحيح. بدلًا من ذلك، على الحكومة أن تسعى لفرض الالتزام على الجميع من خلال القوانين التي تحكم العلاقة بين السياسة والأمن. وفي هذا الصدد، على الحكومة أن تصدر تشريعات تنظِّم فصل هذين المجالين(57). إن عملية فرز الحشد ودمجه بشكل مؤسساتي عسكري ضمن الأجهزة الأمنية المعرَّفة دستوريًّا، يساعد الحكومة كثيرًا في فرز الجماعات المسلحة "المنفلتة"، التي لا تريد أن تكون خاضعة لسيطرة الحكومة والأجهزة المعنية في وزارتي (الدفاع والداخلية)؛ الأمر الذي قد يعزز من سلطة الحكومة المركزية ويساعدها في عملية فرض الأمن على جميع التشكيلات المسلحة غير الحكومية.

وبدلًا من معالجة تحدي دمج الحشد الشعبي بشكل مباشر، على الحكومات القادمة اتباع عملية دمج تدريجي مع قيامها بإعادة بناء وإصلاح مؤسسات الدولة، ولاسيما المؤسسات الأمنية، وإنهاء الظواهر السلبية التي رافقت العملية السياسية بعد عام 2003، وتقويض النماذج السياسية والاقتصادية والأمنية التي اعتمدتها الجماعات المسلحة. وينبغي لمثل هذا الجهد أن يعزِّز قوة المؤسسات بدلًا من بناء الأفراد. ويتطلب احتواء سلوك الجماعات المسلحة اللادولتية، بما فيه من انتهاكات لحقوق الإنسان ورفض الانصياع للحكومة أو للرقابة المدنية والخطابات الطائفية وصعوبات للدولة العراقية، تفاعلًا مع البيئة الثقافية والاجتماعية لهذه الجماعات واستثمارًا فيه.

وتتطلب "أية استراتيجية توضع للتعامل مع الجماعات المسلحة في العراق أن تأخذ أيضًا الدور الإقليمي في العراق بنظر الاعتبار، وسد ثغرات عدم الثقة بين الأجهزة العسكرية الرسمية والمواطنين، ولاسيما في مناطق العراق الغربية، وفرض سيطرة الحكومة الاتحادية بشكل أكبر على إقليم كردستان"(58). فضلًا عن ذلك، من الممكن أن يجري تمكين المجتمع المدني في العراق، الذي يتمتع بقدرة على مساءلة السياسيين والجماعات المسلحة وتأسيس بيئة تسمح بالتغيير. ففي الوضع الراهن، أبدى المجتمع المدني في العراق فعالية في تجييش أعداد كبيرة من السكان للتظاهر ضد الحكومة، لكن يمكن القول: إنه يعاني أيضًا قلَّة تنظيم وعدم فعالية فيما يتعلق بالتأثير في السياسة العامة والمساءلة نتيجة الوضع السياسي والأمني الهش. وبإمكان المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية وغيرها من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في العراق أن تحث المجموعات المسلحة على احترام حقوق الإنسان واتباع القوانين الدولية الأساسية. كذلك الحال بالنسبة للتعبئة الدينية، التي من شأنها أن تشكِّل دورًا أساسيًّا في التعبئة السياسية الشيعية. فعلى مرِّ التاريخ ارتبط التحرك الناشط الشيعي في العراق ارتباطًا وثيقًا بالمؤسسة الدينية الشيعية. وتعتمد الجماعات المسلحة الشيعية على رجال الدين لتثبِّت شرعيتها، وسعت إلى توحيد خطاباتها وتوجهها الفكري مع تلك التي تنادي بها المدارس الدينية؛ إذ تسهِّل المواعظ الدينية نشر الأهداف السياسية والاجتماعية(59). فضلًا عن ذلك، من الممكن "أن تُسهم إعادة تنشيط المؤسسات العراقية، وتقوية سلطة الحكومة الاتحادية، في تقويض سلطة الجماعات العسكرية غير الحكومية، ولاسيما أن جميع الجماعات الشيعية تؤمن أن مستقبلها السياسي يكمن في كنف الدولة العراقية، وهي لعلها تسعى إلى استخدام الدولة والمنافع التي ترافق السيادة والاعتراف الدولي، ولا مفرَّ من أن ترسم تلك الجهات الفاعلة معالم الدولة وفقًا لقيمها السياسية والأيديولوجية، فتؤسس بالتالي لنظام سياسي جديد"(60).

بالمجمل، يمكن أيضًا الاستفادة من النماذج والتجارب أو المقاربات الأوروبية والدولية الناعمة في احتواء الجماعات الإرهابية والمتطرفة، والمقاتلين العائدين من مناطق الصراع الطائفي أو المذهبي في منطقة الشرق الأوسط، وبعض المناطق التي شهدت صراعات أيديولوجية، فضلًا عن الجماعات المسلحة، ولاسيما أن الحوار مع هذه الجماعات، يختلف كثيرًا عن الحوار مع الجماعات السلفية الجهادية أو الإرهابية. ففي سياق مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف، اعتمدت بعض الحكومات الأوروبية نماذج مبتكرة غير تقليدية بعيدة المدى، تقوم على إعادة التوجيه والدمج، استنادًا إلى سياسات ليبرالية في التعامل مع المقاتلين، على أساس مبدأ المواطنة في إطار الديمقراطية وحكم القانون، باعتباره يوفر فرصة أخرى للمواطن لإعادة التأهيل والاندماج في المجتمع من خلال التعامل مع هذه الفئة بصورة فردية، ومعرفة الأسباب التي دفعتهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة.

خاتمة

بالمجمل، لا يمكن فصل التنمية عن بناء الدولة القومية الحديثة، التي تمثِّل إحدى الغايات الرئيسة لعملية التنمية السياسية، وأن كل آليات بناء النموذج للجماعات المسلحة تشكِّل تحديًا كبيرًا أمام التنمية في العراق، وتخلق بيئة خصبة جدًّا للنشاط غير الدولتي، ولاسيما في ظل ضعف الدولة وإجراءات تطبيق القانون والدستور، وغياب الرغبة الحقيقية في إعادة النظر في مشروع بناء الدولة على المستويين الداخلي والخارجي، في ظل الأجندة التي تفرضها الجماعات المسلحة على واقع الدولة في العراق، والإصرار الإقليمي على إضعاف النموذج العراقي وإبقائه تحت السيطرة المنضبطة بشكل يتناسب ومصالح تلك الجماعات والدول الداعمة لها، أي بمعنى "إبقاء الوضع على ما هو عليه" دون الذهاب إلى الفشل التام، الذي يهدد نفوذها ومصالحها في العراق، أو النجاح التام الذي يضع العراق كمنافس إقليمي لها، وهذا يتطلب الحفاظ على النموذج القائم حاليًّا.

ونتيجة لذلك، خرجت الدراسة بعدة توصيات من شأنها أن تساعد صانع القرار العراقي في ضبط نشاط الجماعات المسلحة وإخضاعها إلى سيطرة الدولة والقانون:

1. يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول الغربية (المقاربات الناعمة في مكافحة الإرهاب والتطرف) لاحتواء الجماعات المسلحة العراقية والحد من تأثيرها.

2. ينبغي على صانعي السياسات المحليين والدوليين أن يركزوا على الجهات الفاعلة التي تتأسس تصوراتها وتقوم توجهاتها على مؤسسات تعددية غير طائفية وتهدف إلى بنائها.

3. الدخول في حوار مباشر مع هذه الجماعات من خلال قياداتها السياسية ومرجعاتها الدينية.

4. تأطير قوات الحشد الشعبي وإخضاعها للقانون العراقي بشكل يتناسب مع دور ومكانة الأجهزة الأمنية الأخرى في وزارتي الدفاع والداخلية.

5. إشراك الفاعلين الدوليين من الدول، فضلًا عن المنظمات الأممية ومنظمات المجتمع المدني في إخضاع الجماعات المسلحة للقانون والدولة.

6. نزع شرعيتها السياسية والقانونية، فضلًا عن شرعيتها الثيوقراطية بشكل رسمي أو غير رسمي.

نشرت هذه الدراسة في العدد الثالث عشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) نوال موسى إبراهيم، الطبيعة السياسية والاجتماعية للميليشيات في العالم العربي: الجنجويد والبيشمركة كحالتين للدراسة، (رسالة ماجستير، كلية القانون والعلوم السياسية، الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، 2009)، ص 7.

(2) المرجع السابق، ص 7.

(3)a علاء اللامي، "ما معنى ميليشيا (militia)؟ ولماذا تستفز هذه الكلمة الميليشيات في العراق؟"، الحوار المتمدن، 29 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 8 سبتمبر/أيلول 2021)، https://bit.ly/3m4GW4r.

)4) المرجع السابق، ص 17.

(5) انظر: طارق كاكە محي الدين وكاردو كريم رشيد، "الجماعات الشيعية المسلحة في الشرق الأوسط وتأثيرها على النظم السياسية: العراق نموذجًا"، مجلة جامعة التنمية البشرية (كلية القانون والسياسة، جامعة التنمية البشرية، العراق، المجلد 3، العدد 2، يونيو/حزيران 2017)، ص 763.

(6) المرجع السابق، ص 763.

وانظر أيضًا: نيفين عبد المنعم مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية الإيرانية، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001)، ص 135-136.  

(7) رنا خالد، "الميليشيات المسلحة.. المرض الملثم"، موقع البيان، 11 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/oeVZ.

(8) انظر: موسى إبراهيم، الطبيعة السياسية والاجتماعية للميليشيات في العالم العربي، مرجع سابق، ص 18.

(9) المرجع السابق، ص 18.

)10) عامر رشيد مبيض، موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية: مصطلحات ومفاهيم، ط 2، (سوريا، دار القلم العربي، 2003)، ص 1266.

(11) محمد الساعدي، "نظرة في واقع التنظيم القانوني لدمج الميليشيات: العراق كنموذج دراسة"، المنهل، 30 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول (8 سبتمبر/أيلول 2021)، https://bit.ly/3m2WDJF.

(12)a موسى إبراهيم، الطبيعة السياسية والاجتماعية للميليشيات في العالم العربي، مرجع سابق، ص 22.

(13) المرجع السابق، ص 22.

(14) المرجع السابق، ص 30.

* للمزيد، انظر: عبد الله المدني، "دور الصين في هزيمة نمور التاميل"، موقع الاتحاد، مايو/أيار 2009، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/Nw87.

(15) خالد، "الميليشيات المسلحة"، مرجع سابق.  

(16) إدير اليازيد، معوقات بناء الدولة الوطنية في العراق لفترة ما بعد الغزو الأنجلو أمريكي 2003-2014، (رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري تيزي وزو، الجزائر، 2015)، ص 48.

(17) خالد، "الميليشيات المسلحة"، مرجع سابق.

(18) موسى إبراهيم، الطبيعة السياسية والاجتماعية للميليشيات، مرجع سابق، ص 33-34.

(19) محيى الدین، كريم رشيد، "الجماعات الشيعية المسلحة في الشرق الأوسط وتأثيرها على النظم السياسية"، مرجع سابق، ص 764-766.

(20) خالد صاغية، "احتكار الدولة للعنف أي مزاح ثقيل"، شبكة فولتير، 11 مارس/آذار 2006، (تاريخ 27 مايو/أيار 2021): https://0i.is/2o2u.

(21) Laia Balcells, “Book Review - Ariel Ahram: Proxy Warrior: The Rise and Fall of State-Sponsored Militias,” Journal of Democracy and security, (2012): 406-407

(22). محيى الدین، كريم رشيد، "الجماعات الشيعية المسلحة في الشرق الأوسط وتأثيرها على النظم السياسية"، مرجع سابق، ص 765.

(23) المرجع السابق، ص 765.

(24) المرجع السابق، ص 769-773.

(25) انظر: مجموعة الأزمات الدولية، "إيران في العراق: ما مدى النفوذ؟"، 21 مارس/آذار 2005، )تاريخ الدخول: 21 مارس/آذار 2005https://bit.ly/3m0qgva.

(26) محمود حمدي أبو القاسم، "إيران وإدارة أزمة كورونا: النتائج والمآلات"، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 16 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2021)، https://bit.ly/3EWs0N9.  

(27) انظر: صلاح جواد شبر، ثيولوجيا التشيع السياسي بين حق الله والشعب وواقع الممارسة، ط 1، (لبنان، دار الرافدين، 2017)، ص 491.

(28) حمدي بشير علي، العنف المقدس: النفوذ الاقتصادي للميليشيات والأمن الإقليمي، ط 1، (القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 2020)، ص 72.

(29) Robert F. Worth, “Inside the Iraqi Kleptocracy,” The New York Times, July 29, 2020, “accessed March 27, 2021”. https://0i.is/84Xz.  

(30) أحمد السهيل، "هكذا تعرقل الفصائل المسلحة التنمية الاقتصادية والاستثمار في العراق"، إندبندنت عربية، 8 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2021): https://0i.is/Qbwb.

(31) قاسم الغراوي، "المكاتب الاقتصادية مفتاح الفساد"، أخبار العراق، 20 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/5Fo2.

(32) "مكاتب تمويل الأحزاب تنشط فـي 6 وزارات وتستحوذ على 10% من عمولاتها"، موقع إذاعة المدى، 2016، (تاريخ الدخول: 20 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/im3M.  

(33) العزاوي، "المكاتب الاقتصادية مفتاح الفساد"، مرجع سابق.

(34) "اللجان الاقتصادية أدوات فساد الأحزاب الإسلامية في العراق"، صحيفة العرب، 29 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/N09j.  

(35) شاهو القرداغي، "دور الميليشيات في تقويض الاقتصاد العراقي"، منتدى صنع السياسات، 16 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/eByn.

(36) "نائبة تهاجم المكاتب الاقتصادية للأحزاب وتؤكد سيطرة هذه المكاتب على مقدرات الوزارات"، وكالة نون الخبرية، 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 20 مايو/أيار 2021): https://0i.is/ViOk.

(37) محمد السلطان، "كيف تدير الأحزاب اقتصاد العراق؟"، موقع عربي21، 5 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/stx7.

(38) Michael knights, “Soleimani Is Dead: The Road Ahead for Iranian- Backed Militias in Iraq, Vol. 13, Issue 1, (January 2020): 2.

(39) بشير علي، العنف المقدس، مرجع سابق، ص 95.

(40) بزار رمضان شريف، "تأثير الميليشيات الولائية على التنمية الاقتصاد العراقي"، منتدى صنع السياسات، 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/yQG6.

(41) القرداغي، "دور الميليشيات في تقويض الاقتصاد العراقي"، مرجع سابق.

(42) knights, “Soleimani Is Dead,”: 2-3.

(43)  Michael Rubin, “Pressure Iran with Expanded Sanctions on Iraqi Militias,” Washington Examiner, February 7, 2020, “accessed 21 May, 2021”. https://0i.is/ENJS.

(44) القرداغي، "دور الميليشيات في تقويض الاقتصاد العراقي"، مرجع سابق.  

(45) هيثم الجبوري، مقابلة تليفزيونية، قناة التغيير، 3‏ سبتمبر‏/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2012)، https://0i.is/g79Y.

(46) مهند أحمد شاكر، "تأثير المجاميع والميليشيات الإرهابية على التنمية الاقتصادية في العراق وازدهار الإعمار"، منتدي صنع السياسات، 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/FFKR.

(47) بشير علي، العنف المقدس، مرجع سابق، ص 112.

(48) "إيران تسعى لمنع استثمارات المملكة في العراق"، عربي بوست، 25 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)،https://0i.is/gC6T 

(49) السهيل، "هكذا تعرقل الفصائل المسلحة التنمية الاقتصادية والاستثمار في العراق"، مرجع سابق.

(50) أحمد فؤاد حسن، "قوى اللادولة وتقويض فرص التنمية الاقتصادية في العراق"، مركز صنع السياسات، 2020، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://0i.is/KQKJ.

(51) عادل عبد الحمزة، السياسة والأمن في العراق: تحديات وفرص، (عَمَّان، مؤسسة فريدريش إيبرت، 202)، ص 7.

(52) باسم عبد الهادي حسن، السياسات الاقتصادية في العراق التحديات والفرص: دراسة تحليلية، (عمان، مؤسسة فريدريش إيبرت، يوليو/تموز 2020)، ص 7.

(53) فتاح كمال، دور الأحزاب السياسية في التنمية السياسية المحلية، (رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران، الجزائر، 2012)، ص 44.

وانظر أيضًا: محمد أحمد إسماعيل، دور المثقفين في التنمية السياسية، دراسة نظرية مع التطبيق على مصر، (القاهرة، دار الكتب، 1989)، ص 153.

(54) انظر: رانج علاء الدين، احتواء الميليشيات الشيعية: المعركة من أجل الاستقرار في العراق"، معهد بروكنجز، 12 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://brook.gs/3oRIsc0.

** عن هذا الموضوع، انظر: ميثاق مناحي العيسى، "فرضية إعادة تكرار سيناريو تنظيم داعش في العراق"، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، 3 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2021)، https://bit.ly/3s1hyR2.

(55) مجموعة الأزمات الدولية، "المجموعات شبه العسكرية في العراق: تحد لإعادة بناء دولة فعالة"، تقرير الشرق الأوسط رقم 188، 30 يوليو/تموز 2018، ص 17.

(56) المرجع السابق، ص 17.

(57) المرجع السابق، ص 17.

(58) علاء الدين، "احتواء الميليشيات الشيعية"، ص 5.

(59) المرجع السابق، ص 6.

(60) المرجع السابق، ص 6-7.