بدأت أمس، السبت، 21 مايو/أيار 2022، في العاصمة القطرية، الدوحة، أعمال المؤتمر البحثي "العرب وإيران: حوار حول أزمات المنطقة"، الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع المركز الإستراتيجي للعلاقات الخارجية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبمشاركة نخبة من السياسيين والباحثين والخبراء الإيرانيين والعرب، وبحضور رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني.
استهل الجلسة العلنية للمؤتمر مدير مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور محمد المختار الخليل، بالحديث عن أهمية الحوار لتقريب وجهات النظر للوصول إلى رؤى مشتركة حول كيفية حل مشكلات وأزمات المنطقة، وأشار إلى القواسم المشتركة بين دول المنطقة وأثر الحضارة الإسلامية في ذلك. وشدَّد على أن متطلبات الجغرافيا السياسية تحتم على الدول المتجاورة التمسك بالحوار سبيلًا لحل المشكلات وإنهاء الأزمات.
وعن دور مركز الجزيرة للدراسات في هذا المؤتمر، قال: إن مهمة المركز تقتصر على توفير منصة للبحث والنقاش الهادئ والمعمق حول مشكلات وأزمات المنطقة، والسعي نحو مقاربات للحل تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الجغرافيا السياسية وتعقيدات المصالح المشتركة والمتضاربة، وعبَّر عن هذا الدور بقوله: إن "السياسيين يزرعون، والشعوب تحصد ما زرعه السياسيون، وحسب مركز الجزيرة للدراسات تنظيمه لهذا الحوار الذي تعود فائدته على السياسيين والشعوب على حدٍّ سواء".
بعد ذلك قدَّم كلٌّ من وزير الخارجية الإيرانية الأسبق، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، الدكتور كمال خرازي، والوزير السابق المسؤول عن الشؤون الخارجية بسلطنة عُمان، الدكتور يوسف بن علوي، مداخلتين تناولتا وجهة نظريهما في طبيعة الأزمات التي تواجه المنطقة وما الذي يمكن للحوار بين النخب السياسية والفكرية تقديمه من رؤى وتصورات ومقاربات تسهم في حلها.
وفي هذا الصدد، أشار الدكتور يوسف بن علوي إلى أهمية المصالح المشتركة أساسًا لإثمار الحوار بين الدول، كما ألمح إلى عامل بناء الثقة وتأثير التصورات الذهنية والاعتقادات الدينية والمخزون الثقافي في تعزيز الحوار والدفع بوتيرته وتسريع خطواته.
وعن دور سلطنة عُمان في الأزمة اليمنية والجهود التي تبذلها لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، قال الدكتور يوسف بن علوي: إن اليمنيين عَلِقوا في أزمتهم ولم يعد بإمكانهم الخروج منها دون مساعدة من المجتمع الدولي ممثلًا في الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية وإيران وسلطنة عمان. وأضاف أن الحوار اليمني-اليمني، الذي تسهم بلاده فيه، لا يزال قائمًا، لكنه "يسير ببطء"، وأن من الفائدة للجميع تسريعه لجني ثماره أمنًا واستقرارًا وتنمية.
من جانبه، أوضح الدكتور كمال خرازي، أن إيران كانت بوابة للإسلام نحو آسيا الوسطى والقوقاز وما جاورهما، وأن الحضارة الإسلامية كانت ولا تزال مصدر فخر للعرب والإيرانيين، وأن إيران تعتبر نفسها امتدادًا لتلك الحضارة، ومن ثم تحرص على استمرارية التواصل مع جيرانها لتحقيق الأمن والتنمية.
وعلى ذكر الأمن وأهميته، قال الدكتور خرازي: "إن الأمن ليس سلعة تُشترى، ولكنه ثمرة تعاون مشترك، وإن العلاقات بين دول المنطقة هي ضمانة هذا الأمن"، وأشار إلى دور بعض القوى الخارجية في زعزعة أمن المنطقة بقوله: "لقد أثبت التاريخ أن حضور القوات الأجنبية في المنطقة يؤدي إلى استمرار التوتر ويفضي إلى النزاعات والحروب ولا يحقق الأمن المنشود".
وعن دور الحوار في التقريب بين وجهات النظر الإيرانية والعربية، أكد الدكتور خرازي على أن سوء التفاهم الذي نجمت عنه الأزمات والصراعات التي تعصف بالمنطقة لا يمكن حله إلا بالحوار، وشدَّد على أن ذلك "يتطلب تغييرًا في المقاربة بين النخب وقادة المنطقة"، وأن من شأن هذا التغيير "تحقيق السلام في مضيق هرمز، وتوثيق التعاون بين دول الخليج الفارسي، وتعزيز جهود المصالحة، ودفع العلاقات الثنائية والعلاقات متعددة الأطراف قدمًا إلى الأمام". وفي هذا الصدد، قال الدكتور كمال خرازي إن بلاده تولي أهمية قصوى لتحسين العلاقة مع المملكة العربية السعودية باعتبارها البلد الذي فيه قبلة المسلمين والحرمان الشريفان، وباعتبار الدور الكبير الذي تقوم به، ولهذا "فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يمكن أن تكون نظرتها للمملكة العربية السعودية نظرة إقصاء". وأشار في هذا الإطار إلى جولات الحوار الخمس بين إيران والسعودية ووصفها بأنها "خطوة متقدمة".
بعد ذلك، استعرض الدكتور خرازي الموقف الإيراني من أزمات المنطقة، وأكد في هذا السياق على محورية البعد الذي تتبناه السياسة الخارجية الإيرانية في تلك الأزمات، والقائم، بحسب ما أوضح، على تشجيع الحوار بين الفرقاء، وتقريب وجهات النظر، وتعزيز القواسم المشتركة، وتذليل الصعاب التي تعترض سبل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية.
وانتقد الدكتور خرازي مساعي بعض الدول العربية للتطبيع مع "الكيان الصهيوني"، وقال: إنه يأتي في الوقت الذي لا يتورع فيه هذا الكيان عن اعتداءاته والتي كان آخرها اغتيال مراسلة الجزيرة الشهيدة، شيرين أبو عاقلة، وأضاف أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تسمح "للكيان المتعشِّش" في القدس بالاستمرار في اعتداءاته.
واختتم خرازي كلمته بالإشادة بما وصلت إليه العلاقات الإيرانية-القطرية من تعاون، كلَّلته زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، لطهران مؤخرًا، وما تمخضت عنه من تقريب في وجهات النظر بشأن عديد القضايا التي تهم البلدين والمنطقة.