قمة مقديشو الأمنية وملامح تحالفات ما بعد الحرب على تيغراي في القرن الإفريقي

تسعى الورقة إلى تحليلها ومحاولة كشف الحيثيات المتعلقة بالقمة الرباعية التي استضافتها العاصمة الصومالية، مقديشو، في فبراير/شباط الماضي، وجمعت زعماء كل من إثيوبيا وجيبوتي وكينيا بجانب البلد المضيف، ساعية إلى بناء آلية إقليمية لمكافحة الإرهاب، ومواجهة حركة الشباب الصومالية.
انعقدت قمة مقديشو الإقليمية لبحث التعاون العسكري ضد حركة الشباب الصومالية (وكالة الأنباء الصومالية)

مطلع فبراير/شباط الماضي، استضافت العاصمة الصومالية، مقديشو، قمة رباعية جمعت زعماء كل من إثيوبيا وجيبوتي وكينيا بجانب البلد المضيف، ساعية إلى بناء آلية إقليمية لمكافحة الإرهاب، ومواجهة حركة الشباب الصومالية.

شهدت السنوات الماضية تعاظم خطر حركة الشباب وانتقالها من خطر محلي صومالي إلى مهدِّد لأمن دول الجوار من خلال العمليات التي استهدفت بها كينيا وإثيوبيا وتهديداتها لجيبوتي، ما استدعى تحركًا إقليميًّا مضادًّا، بدعم من واشنطن التي أعادت مئات من جنودها إلى الصومال العام الماضي مساندةً للقوات الصومالية للقضاء على الحركة.

ورغم أهمية الهدف الذي تسعى إليه القمة الرباعية فإن لكل من الدول المشاركة أجندتها الخاصة وأهدافها التي تسعى إليها، في حين بدا من الملحوظ غياب أطراف إقليمية كإريتريا وأوغندا عن قمة "دول المواجهة".

هذه النقاط تسعى الورقة إلى تحليلها ومحاولة كشف الحيثيات المتعلقة بها في الأسطر القادمة.

1- حركة الشباب من المحلية إلى الإقليمية

تحولت حركة الشباب الصومالية في السنوات الأخيرة إلى مصدر خطر لا على الصومال وحده، بل إلى معضلة أمنية عابرة للحدود؛ حيث ذكر ستيفن تاونسند، القائد السابق للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، في شهادته أمام الكونغرس العام الماضي، تزايد التهديد الذي تشكله الحركة خلال عام 2021، معتبرًا إياها "أقوى وأغنى فروع القاعدة في العالم"(1).

وهذا التقييم الذي وضعه الجنرال تاونسند يمكن ترجمته واقعيًّا بفرض الحركة سلطتها الخاصة(2) في المناطق التي تسيطر عليها جنوب ووسط الصومال؛ حيث تمكنت من أداء مهام الدولة الرئيسية، فجهازها القضائي، على سبيل المثال، أصبح بديلًا للمواطنين من محاكم الدولة نتيجة الفساد وعدم الفاعلية.

اقتصاديًّا، تنشط أجهزة الحركة المعنية في استجلاب الموارد المالية كفرض الضرائب وتحصيلها، والتوسع في أنشطة تجارية مختلفة(3)، ووفقًا لتقرير نشرته مؤسسة صوفان المختصة بتحليل التحديات الأمنية العالمية، في فبراير/شباط 2022، فإن هذه النشاطات توفر للحركة سيولة مالية تقدر بـ130 مليون دولار سنويًّا(4)، وهو ما يمنحها القدرة على تسليح نفسها وتجنيد المقاتلين الذين يقدر عددهم تبعًا للتقرير السابق بـ7 آلاف جندي، يعينها في ذلك عجز الحكومة المركزية والحكومات المحلية عن تنشيط الاقتصاد وتطوير فرص العمل، بما يضيِّق الخيارات أمام الشباب ويسهِّل الانضمام إلى صفوف الحركة.

تضخم دور الحركة بهذا القدر يكمن خلف مخاوف بعض الجهات من توجه بعض الأطراف المحلية إلى فتح أبواب الحوار مع الحركة ومحاولة الاتفاق على تسوية سياسة معها(5)، وهو ما يتسق مع توجس الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر غيله، من قدرة الشباب على شراء النواب في انتخابات البرلمان الصومالي الأخيرة، مبديًا قلقه من "برلمان تسيطر عليه الحركة بشكل غير مباشر"(6).

يُستشف من قلق الرئيس الجيبوتي المخاوف من تجاوز نشاطات الحركة الأراضي الصومالية إلى الجوار الإقليمي؛ حيث هددت الحركة باستهداف جيبوتي المجاورة(7)، بعد أن ضربت بتفجيراتها الانتحارية كلًّا من كينيا(8) وأوغندا(9)، مستهدفة مواقع عسكرية ومدنية وتاركة خلفها عشرات القتلى والمصابين.

بجانب ما سبق، نشطت خلايا الحركة في إثيوبيا(10)، وقامت أيضًا بإرسال مقاتليها لمساندة القاعدة في جزيرة العرب(11)، ما يؤشر إلى أن نشاطاتها قد تتجاوز البر الإفريقي إلى نظيره الآسيوي إن توافرت الظروف الملائمة.

هذه التخوفات عبَّرت عنها قيادة القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) بتقييمها للحركة بأنها "لا تزال قادرة على التكيف، ومرنة، ولديها القدرة على مهاجمة مصالح الغرب وشركائه في الصومال وشرق إفريقيا"(12).

2- هدف واحد وأجندات مختلفة

كان مشروع محاربة الإرهاب والقضاء على حركة الشباب الهدفَ الرئيسيَّ المعلنَ للقمة والذي تتشاركه الدول الأربع، غير أن هذا لا يمنع أن لكل منها حزمة أهداف خاصة بها، يمكن إيجازها على الشكل التالي:

أ- الصومال

  1. إبراز صورة التحسن الكبير الذي أحرزه الصومال في التعافي من المهددات الأمنية؛ إذ لم تستضف مقديشو منذ سنوات طوال قمة كهذه.
  2. الحصول على الدعم الإقليمي لخطط الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، لهزيمة حركة الشباب التي أعلنها ضمن بنود حملته الانتخابية، وفي خطاب توليه المنصب حدد الحركة على أنها خطر إقليمي داعيًا دول القرن الإفريقي إلى "العمل معًا لمقاومة هذا العدو وإنقاذ شعبنا"(13).
  3. الحصول على الدعم الإقليمي للحكومة الصومالية في "الحرب الشاملة" (14) التي تخوضها ضد الحركة، والتي تتضمن العمل على توطيد سلطة الدولة في المناطق المنتزعة من الشباب، وهو ما يفرض الحاجة إلى زيادة عدد المقاتلين، كما أن تجفيف المنابع الاقتصادية للحركة يستلزم تعاون دول الجوار ولاسيما كينيا حيث ينشط بعض الموالين للحركة ضمن قطاع تحويل الأموال من الخارج.
  4. تعزيز صورة الرئيس، حسن شيخ محمود، باعتباره الزعيم الذي استطاع تكوين تحالف إقليمي قد يكون عاملًا رئيسيًّا في إضعاف حركة الشباب مستقبلًا، وبالتالي فهو إنجاز تاريخي سيُسجَّل لشيخ محمود.
  5. الحصول على الدعم للأجهزة العسكرية والأمنية الصومالية استعدادًا لانسحاب القوات الإفريقية أتيميس من البلاد المقرر عام 2024(15)؛ حيث قرر القادة المشاركون في القمة تقديم الإسناد لتجهيز الوحدات الجديدة من القوات المسلحة الوطنية وزيادة القدرة التسليحية لوحدات القوات المسلحة الوطنية العاملة حاليًّا(16).
  6. دعم الصومال في مطالبه لرفع العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي والتي تتضمن حظر استيراد السلاح، وقد تم تجديدها مؤخرًا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي(17).

ب- إثيوبيا

المشاركة الإثيوبية في القمة بشخص رئيس وزرائها، آبي أحمد، ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف:

  1. ترميم صورة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، التي تضررت بشدة على خلفية الحرب في تيغراي، والاتهامات التي لحقت حكومته بارتكاب جرائم حرب فيها(18)، والتوتر الحاد الذي وسم علاقاته بالغرب عمومًا خلال أشهر هذه الحرب، حتى طالبت بعض الأصوات الإعلامية بالنظر في سحب جائزة نوبل للسلام منه(19).ولذا، فأحمد معنيٌّ بإعادة التسويق لنفسه والعودة إلى لحظة عام 2018 التي بزغ نجمه فيها؛ حيث إن الزخم الذي رافق صعوده حينها كان مرتبطًا بالخطوات التي اتخذها على المستوى الإقليمي كالسلام مع إريتريا(20)، ودوره البارز في تشكيل التحالف الثلاثي الذي ضم إلى جانب إثيوبيا كلًّا من الصومال وإريتريا، والتاريخ الإثيوبي القريب شهد حالة مماثلة حيث قدم الغزو الإثيوبي للصومال، عام 2006، فرصة للنظام الإثيوبي لإعادة اكتساب "الثقة والشرعية الدولية" عقب انتخابات عام 2005 المثيرة للجدل(21).
  2. العمل على استعادة إثيوبيا لتحالفاتها مع الغرب والتي كان أحد مداخلها المهمة متعلقًا بالحرب على الإرهاب؛ حيث تحولت إثيوبيا إلى ما يمكن وصفه بـ"شرطي القرن الإفريقي" لسنوات طويلة منذ تدخلها في الصومال عام 2006 وقضائها على حكم المحاكم الإسلامية في حينه(22). هذا الدور حقق لإثيوبيا العديد من المكاسب على أكثر من صعيد، على سبيل المثال تربط إحدى الدراسات تضاعف المساعدات الأميركية المقدمة لإثيوبيا عام 2008 لتتجاوز حاجز المليار دولار بغزو أديس أبابا للصومال، في حين اكتسبت إثيوبيا المزيد من الدعم العسكري والأمني الأميركي المتمثل في "وسائل مثل التبادل والتدريب، والخدمات اللوجستية، وتبادل المعلومات الاستخبارية والقواعد العسكرية ودعم عمليات حفظ السلام"(23). وتتجلى أهمية هذا الهدف في ظل تأثيرات الحرب على تيغراي على الاقتصاد الإثيوبي والمتمثلة في التكاليف الهائلة للآلة العسكرية من جهة، وتدمير البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية في أكثر من منطقة، وكذلك العقوبات الغربية على أديس أبابا نتيجة تباين مواقف الطرفين حول كيفية التعاطي مع الحرب المذكورة(24).
  3. الحاجة إلى تأمين الداخل الإثيوبي من تهديدات حركة الشباب وضرب الحركة في معاقلها الأصلية قبل أن تتوسع بشكل يهدد أمن إثيوبيا ولاسيما في الإقليم الصومالي، شهد العام الماضي إعلان أجهزة الأمن الإثيوبية تفكيك العديد من شبكات الشباب في داخل البلاد(25)، وفي نقلة نوعية قام التنظيم بهجمات داخل الإقليم الصومالي في إثيوبيا الصيف الماضي(26)

 ج - جيبوتي

  1. تأمين الدعم الإقليمي لنظام الرئيس محمد عمر غيله، حيث كشفت أحداث العامين الماضيين عن خلل في منظومة الأمن الجيبوتية، وتجلى ذلك بشكل رئيسي في الهجمات التي نظمتها "جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية" المعروفة اختصارًا بـ"فرود" على ثكنات تابعة للجيش الجيبوتي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وأدت إلى سقوط عدد من الجنود قتلى(27)، وعلى إثر الهجوم صنَّف البرلمان الجيبوتي (جبهة فرود) منظمة إرهابية(28)، وبالتالي فتنطبق عليها مخرجات هذه القمة.
  2. جيبوتي أيضًا بحاجة إلى دعم إقليمي وبالتحديد من أديس أبابا للحيلولة دون تأثر البلاد بأحداث العنف في إثيوبيا؛ حيث شهد العامان الماضيان انتقال الاشتباكات بين العفر والصوماليين الإثيوبيين إلى امتدادات المجموعتين في الداخل الجيبوتي(29)؛ حيث هناك تداخل قبلي بين البلدين، ويمثل العفر والصوماليون المجموعتين الأكبر في جيبوتي، وبينهما تاريخ من النزاعات المستمرة، وبالتالي تحتاج جيبوتي إلى قيام تنسيق أمني مجتمعي مع أديس أبابا ومع السلطات المحلية في الإقليمين الصومالي والعفري، للحيلولة دون تكرار مثل هذه المصادمات وتأثر جيبوتي بها.
  3. من خلال المشاركة في هذه القمة ربما تحاول جيبوتي الاندماج في منظومة أمنية إقليمية تقوِّي دفاعاتها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب على تيغراي، واحتمال عودة التوتر بينها وبين إريتريا من جديد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؛ حيث تتهم جيبوتي إريتريا بدعم جبهة فرود المسلحة المعارضة.
  4. وقد شهدت الحدود الإريترية-الجيبوتية عام 2008 حربًا محدودة النطاق على رأس دميرة المتنازع عليها بين الطرفين، وهو الملف الذي لم يتم التوصل إلى حل نهائي له رغم العديد من الوساطات(30).

د- كينيا

  1. تبدو رغبة نيروبي في حماية أمنها الداخلي من تهديدات حركة الشباب على رأس أجندتها من المشاركة في هذه القمة، ولاسيما عند النظر إلى أن البلاد تحتوي على أقلية صومالية كبيرة تقارب 3 ملايين مواطن(31)، بجانب مئات الآلاف من اللاجئين شرق البلاد، وهناك مخاوف من نشاط حركة الشباب بالتجنيد للقاطنين في المعسكرات أو تحولها إلى ملجأ آمن لمنسوبيها(32) وهو ما تزداد خطورته مع التراجعات التي مُنيت بها الحركة نتيجة الحرب الشرسة عليها.
  2. الحفاظ على نفوذها في الصومال؛ حيث إن كينيا كانت قد أعلنت الحرب على حركة الشباب، عام 2011، وتدخلت عسكريًّا في الأراضي الصومالية على خلفية تفجيرات قامت بها حركة الشباب داخل الأراضي الكينية، ومنذ ذلك الحين عملت نيروبي على تعزيز نفوذها داخل إقليم جوبا لاند الصومالي وتحويله إلى ما يشبه منطقة عازلة بينها وبين الداخل الصومالي.
  3. من جانب آخر، تسعى نيروبي أيضًا من تلبية دعوة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى تحسين علاقاتها بمقديشو، بعد أن عاش البلدان مجموعة من الأزمات في عهد الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله (فرماجو)(33).
  4. بنظرة أوسع، تسعى كينيا إلى توسيع دورها الإقليمي الذي بدأ في التصاعد مؤخرًا مزاحمًا إثيوبيا المشغولة بحرب التيغراي، والذي تمثل في العديد من الخطوات التي اتخذتها نيروبي كمشاركتها النشطة في العديد من مبادرات السلام في شرق إفريقيا حيث كانت أحد الرعاة لاتفاق بريتوريا واحتضنت عاصمتها بقية جولات التفاوض بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي(34)، وكذلك يقوم الرئيس الكيني السابق، أهورو كينياتا، بدور محوري في الوساطة في شرق الكونغو الديمقراطية وتسهم كينيا كذلك في إطار القوات المشتركة لمجموعة دول شرق إفريقيا لدعم الحكومة الكونغولية لإحلال السلام في شرق البلاد(35).
  5. تمثل الحرب على الإرهاب مدخلًا مناسبًا للحصول على الدعم الغربي لدور كينيا في المنطقة، والذي يلقى مساندة أميركية على خلفية التوتر بين واشنطن وأديس أبابا وتلويح الأخيرة بالورقة الروسية الصينية ما أوجد نوعًا من الفراغ بالنسبة لواشنطن التي عملت على ملئه بدعم الدور الكيني؛ حيث وصفت ورقة صادرة عن الخارجية الأميركية، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، العلاقة بين الطرفين بالشراكة الإستراتيجية، واللافت أنها تضمنت أولويات إقليمية مشتركة منها الحرب على الإرهاب(36).

3- لماذا غابت إريتريا؟

ترافق طرح هذا السؤال مع عقد القمة حيث ذهب بعض المراقبين إلى أن ذلك مرتبط بعلاقاتها المفترضة مع حركة الشباب، في حين ذهب آخرون إلى أن ذلك مرتبط بعوامل إقليمية كالنزاع الحدودي بينها وبين جيبوتي، وكذلك البرود الإريتري-الإثيوبي نتيجة الخلاف على مجريات العملية التصالحية بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

والحقيقة أن ذلك عائد لمجموعة أسباب على رأسها اقتصار هذه القمة على دول الجوار الصومالي أو كما وصفت "دول المواجهة"، ولذلك غابت قوى إقليمية مؤثرة كأوغندا التي تسهم بأكبر قوة في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال(37).

في حين يبدو القول بأن استبعاد إريتريا ناتج عن علاقتها المفترضة مع الشباب غير مرجح، وذلك لأن أسمرة منخرطة في هذه المواجهة مع الشباب من خلال القوات التي دربتها ووافقت أخيرًا على عودتها إلى الصومال، واستقبالها أيضًا 3 آلاف جندي صومالي آخرين للتدريب، كما أعلن عن ذلك حسين شيخ علي، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي(38).

وبالنظر إلى إمكانية حلول التحالف الرباعي محل التحالف الثلاثي، كما سنبين حيثياته لاحقًا، فستعمل إريتريا للحفاظ على مساهمتها في تدريب القوات الصومالية، وربما توسيع ذلك أيضًا، لتثيبت حضورها في الساحة الصومالية والإقليمية من جهة، وإرسال رسائل للقوى الغربية من جهة أخرى من خلال محاولة الاندماج في الحرب الجارية على الإرهاب. 

خلاصة

لا يمكن فصل هذه القمة عن سياقات ثلاثة: الأول: إعادة انتخاب حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال في مايو/أيار 2022، والذي قوبل بترحيب أميركي وبدعم عسكري مباشر في أكثر من مرحلة، وهو أمر كان يبدو متعذرًا في عهد سلفه، فرماجو، كما أن مشاركة بعض الدول كانت ستتعذر نتيجة توتر علاقاتها مع فرماجو.

السياق الثاني هو الحرب الشاملة التي تخوضها الحكومة الصومالية وقوات رديفة من العشائر، والتي أحرزت نجاحات متعددة على حركة الشباب؛ ما هيأ أرضية مناسبة للبناء على تلك الإنجازات والمضي قدمًا.

السياق الثالث هو انتهاء الحرب في تيغراي باتفاق بريتوريا لوقف العدائيات وما تلاه من تفاهمات نيروبي، وهو ما أتاح لإثيوبيا الفرصة للمشاركة الفعالة في القمة.

استجابت بنود القمة للعديد من مخاوف وطموحات الدول المشاركة فيها؛ حيث ذهبت إلى تأكيد سيادة الصومال ووحدته الترابية، كما التزم القادة بدعم العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الصومالي للقضاء على الإرهاب، كما جاء البند المتعلق بتشكيل آلية أمنية مشتركة لمنع التهديدات الأمنية العابرة للحدود متسقًا من تخوفات جيران الصومال ولاسيما جيبوتي من أي اختلالات أمنية مستقبلية.

من جهة أخرى، تحويل عبء مواجهة حركة الشباب من الصومال منفردًا إلى ملف إقليمي تقوم بمسؤوليته الدول الأربع سيسهم في التضييق على الحركة وإضعافها، كما أن الانتقام المتوقع من الحركة من خلال القيام بردات فعل تتمثل بمهاجمة الدول المعنية بتفجيرات انتحارية سيزيد من التنسيق الأمني والاستخباراتي، ولاسيما فيما يتعلق بأمن الحدود لمنع تسرب عناصر الحركة وقياداتها إلى الدول المجاورة تحت وطأة المعارك.

وبالفعل، أعلن حسن شيخ علي، مستشار الأمن القومي الصومالي، أن كينيا وإثيوبيا وجيبوتي سترسل قوات إلى الأراضي الصومالية، محددًا 8 أسابيع مدة زمنية لخطة دخول هذه القوات(39).

ستستفيد هذه المنصة الإقليمية من الدعم الغربي المخصص لمكافحة الإرهاب، وقد صرح الجنرال جون لانغلي، قائد القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، في إحاطة صحفية بأنهم يدعمون "الحكومة الفيدرالية الصومالية في هذه الحملة المستمرة لتعطيل العمليات الإرهابية في الصومال"(40).

على مستوى أوسع، لعل هذه القمة تمثل مدخلًا لتحالفات جديدة تتشكل في القرن الإفريقي وترسم ملامح المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب على تيغراي.

فبالنظر إلى غياب الرئيس محمد عبد الله فرماجو عن المشهد، بجانب الجمود الذي أصاب التحالف الثلاثي والبرود في العلاقات الإريترية-الإثيوبية، فقد يمهد هذا التحالف الرباعي لتشكيل بديل إقليمي عن التحالف الثلاثي بين إريتريا والصومال وإثيوبيا، يشير إلى ذلك البند المتعلق بتعزيز التجارة العابرة للحدود بين البلدان الأربعة عبر قنوات رسمية؛ ما قد يفتح الطريق لتوسع التحالف لمجالات تتجاوز الجوانب العسكرية والأمنية. 

وبالنظر إلى تركيبتها وطبيعة تكوينها، فإن هذه المظلة الإقليمية ستتمتع بالدعم الغربي، وربما تكون بداية لمواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في المنطقة، وهو ما قد يصعِّب من انضمام إريتريا إليها مستقبلًا في حال حدوث أي توسع للتحالف.

ABOUT THE AUTHOR

References

1- الصومال اليوم، قائد القوات الأميركية في إفريقيا يكشف عن أسباب تصاعد تهديدات حركة الشباب في الصومال، 23 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023)، https://alsomalalyaum.com/27155/

2- Dahir, Abdi Latif, Somalia Elects New President, but Terrorists Hold True Power, The New York Times, 12 May 2022, (Access: 5 March 2023 ), https://cutt.us/gs4MM

3- عبدي، محمود، الصومال: حركة الشباب… الخلفيات والتأثير، صوماليا توداي، 22 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/uGVvy  

4- The Soufan Center, IntelBrief: Somalia Continues to Deteriorate as Al-Shabaab Gains Ground, 18 March 2022, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/xX1av

5- للنظر في موقف الحركة من التفاوض، انظر: معروف، هارون، بعد طالبان، هل ستتفاوض حركة الشباب الصومالية؟، مقديشو برس، 3 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023)، https://mogadishupress.com/news-analysis/775.html

6- رغم المبالغة في هذه التصريحات فإنها تؤشر إلى مخاوف لا يمكن تجاهلها من رغبة محتملة للحركة في التأثير على الحياة السياسية بشكل غير مباشر.

Garowe Online, Djibouti president expresses fears Al-Shabaab might control Solmali parliament upcoming polls, 28 November 2020, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/ciY0F

7- Maruf, Haroun, Al-Shabab Issues Threats Ahead of Elections in Djibouti, Voice of America, 28 March 2021, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/g0zKG 

8- France 24, Al-Shabaab attack on Kenya base kills three US personnel, 5 January 2020, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/4JL69 

9-  Rice, Xan, Uganda bomb blasts kill at least 74, The Guaedian, 12 July 2010, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/n6vUK  10- Addis Standard, #ASDailyScoop: Fed., Addis Abeba police say joint operation foils planned Al-Shabaab terror attack on capital, 26 May 2022, (Access: 7 March 2023), https://cutt.us/0pEAR 

11- فرانس 24، الرجل الثاني في "القاعدة في جزيرة العرب" يدعو إلى ضرب المصالح الأميركية "في أي مكان"، 8 فبراير/شباط 2010، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/wZeHX

12- Department of Defense Office of Inspector General, Lead Inspector General for East Africa And North And West Africa Counterterrorism Operations I Quarterly Report to the United States Congress | July 1, 2020 - September 30, 2020, 23 November 2020, (Access: 5 March 2023), https://cutt.us/usRxI

13- الصومال اليوم، نص خطاب رئيس الصومال العاشر حسن شيخ محمود أثناء حفل التنصيب، 9 يونيو/حزيران 2022، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/xtuhc

14- الميادين، رئيس الصومال يتوعد بحرب شاملة ضد "حركة الشباب"، 23 أغسطس/آب 2022، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/8QN1a

15- Fitzpatrick, Michael, Somalia hosts regional summit to discuss fight against Al-Shabaab, RFI, 1 February 2023, (Accessed: 7 March 2023), https://cutt.us/EZBlg

16- سكاي نيوز، قمة مقديشو.. دول الجوار تتفق على عملية مشتركة لدحر الإرهاب، 2 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)،  https://cutt.us/iqeAI

17- الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي يمدد لعام آخر نظام الجزاءات على الصومال ومقديشو تعرب عن خيبة أمل، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)،  https://cutt.us/x86Fm

18- الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان يستمع إلى تقرير خبراء بشأن إثيوبيا: المدنيون غارقون في حرب مميتة ومستعصية، 22 أيلول/سبتمبر 2022، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/7ZH9O

19- Biru, Yonas, Redeem or Rescind Ethiopian Prime Minister’s Nobel Peace Prize: Yonas Biru for Inside Policy, MLI, 6 January 2022, (Accessed: 7 March 2023), https://cutt.us/y6nk0

20- بي بي سي عربي، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يفوز بجائزة نوبل للسلام، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/afQ0X

21- Mulat, Yonas Ketsela, Domestic sources of international action: Ethiopia and the global war on terrorism, African Journal of Political Science and International Relations, Vol. 10(11), 2016, P. 137.

22- الأنباء، إثيوبيا تجتاح الصومال لتدمير المحاكم وارتفاع حدة التوتر مع إريتريا، 27 ديسمبر/كانون الأول 2006، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/9DcGK -

23- Mulat, Yonas Ketsela, ibid, pp. 138-139.

24- AP, Ethiopia's economy struggles as war reignites in Tigray, 13 September 2022, (Accessed: 7 March 2023), https://cutt.us/uzPK1

25- Addis Standard, #ASDailyScoop: Fed., Addis Abeba police say joint operation foils planned Al-Shabaab terror attack on capital, 26 May 2022, (Access: 7 March 2023), https://cutt.us/0pEAR

26- أبتدون، الشافعي، هجوم حركة الشباب على الإقليم الصومالي: تهديد لأمن مقديشو وأديس أبابا، العربي الجديد، 26 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 9 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/6aOPF

27- محمود، خالد، رئيس جيبوتي يتعهد بملاحقة المتورطين في الهجوم على قاعدة للجيش، الشرق الأوسط، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/uFz62

28- Djibouti designates Afar rebel group as a terrorist organization, Hiiran Online, 14 October 2022, (Accessed: 8 March 2023), https://cutt.us/hFwuf

29- Tensions in Ethiopia fulfil the instability in Djibouti, Robert Lancing Institute, 5 August 2022, (Accessed: 8 March 2023), https://cutt.us/jAuoA

30-Solomon, Salem, Unresolved Eritrea-Djibouti Tensions Threaten Regional Peace, VOA, 4 August 2018, (Accessed: 8 March 2023), https://cutt.us/N7ggZ

31- Kajilwa, Graham, Immigration and high fertility leading to fast growth of Kenyan Somali population, Hiiran Online, 9 July 2022, (Accessed: 8 March 2023), https://cutt.us/K4U50

32- عزب، صفاء، مصير لاجئي معسكر "داداب" معلق بقرار كيني ودعم أممي واهتمام دولي!، الصومال الجديد، 17 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/Jm2Bn  

33- الصومال اليوم، بعثة تقصي الحقائق حول الأزمة بين الصومال وكينيا تنهي عملها وتلتقي الرئيس الجيبوتي، 19 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)،  https://cutt.us/qclvi

34- العربي الجديد، محادثات في كينيا لبحث تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية في تيغراي، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/PwRQ0

35- المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تهدئة مرجحة: نشر كينيا قوات في شرق الكونغو لمواجهة تمرد "23 مارس"، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/IxLGQ

36- U.S. Department of State, The United States and Kenya: Strategic Partners, 16 November 2021, (Accessed: 7 March 2023), https://cutt.us/hl5TR

37- الصومال الجديد، الرئيس حسن شيخ يبحث مع نظيره الأوغندي الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 9 مارس/آذار 2023)، https://cutt.us/WoOIb

38- Maruf, Harun, Exclusive: Somalia Sends Thousands of Army Recruits Abroad for Training, VOA, 13 January 2023, (Accessed: 9 March 2023),  https://cutt.us/xuqzY

39- Maruf, Harun, Somalia's Neighbors to Send Additional Troops to Fight Al-Shabab, VOA, 2 March 2023, (Accessed: 9 March 2023), https://cutt.us/hJ3PJ

40- U.S. Department of state, Digital press briefing with U.S. Marine Corps Commander, General Michael Langley om AFRICOM and regional security challenges in Africa, 2 March 2023, (Accessed: 8 March 2023), https://cutt.us/y5MbK