أحداث باماكو: قوة الهجوم أم ضعف الدفاع؟

تحاول هذه الورقة قراءة ما حدث في العاصمة المالية، باماكو، بعد الهجوم الذي تعرضت له وما تثيره من تساؤلات بشأن مدى اختلاف الوضع الأمني في عهد العسكريين عنه خلال حكم المدنيين، وكذا حول مدى اختلاف الوضع في ظل التحالف مع روسيا مقارنة بالتحالف مع فرنسا.
حسب الجيش المالي فقد تم قتل منفذي الهجوم كما ألقى القبض على بعض المتهمين. (رويترز)

مقدمة 

في 17 من سبتمبر/أيلول 2024، استفاق سكان العاصمة المالية، باماكو، على دوي انفجارات لم يألفوه منذ سنوات، وإن كانت البلاد بشكل عام تعاني عدم استقرار أمني منذ العام 2012.

وإلى جانب أصوات الانفجارات القوية، التي بثت الرعب في نفوس سكان باماكو، كان دخان كثيف يعم جزءًا من سماء العاصمة فجر ذلك الثلاثاء، فازداد الخوف من العودة إلى المربع الأول، وبات الماليون يتوقون إلى معرفة ما الذي يحصل، وقد عادت بهم الأذهان إلى أحداث فندق "راديسون بلو".

ومع مرور الساعات، تبين أن هناك هجومًا مسلحًا استهدف مدرسة للدرك، ولاحقًا مطارًا عسكريًّا، وهذا في الواقع يعتبر غير مسبوق في تاريخ استهداف باماكو من طرف الجماعات المسلحة منذ العام 2015.

وقد بادر الجيش إلى طمأنة السكان عبر بيان مقتضب، تحدث فيه عن أن الوضع تحت السيطرة، ودعا المواطنين إلى مزاولة نشاطاتهم الاعتيادية.

وزار رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة المالية، الجنرال عمر ديارا، مدرسة الدرك التي استُهدفت بالهجوم الأول، وأكد كذلك أن الوضع تحت السيطرة، كما تحدث عن عمليات تمشيط، وفتح تحقيق فيما حصل.

وقد تبنَّت لاحقًا هذا الهجوم المباغت، جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بقيادة إياد أغ غالي، زعيم "أنصار الدين" إحدى المجموعات الأربع المكوِّنة لهذه الجماعة التي تأسست عام 2017(1).  

ويثير هجوم بهذا الحجم في قلب العاصمة، تساؤلات بشأن مدى اختلاف الوضع الأمني في عهد العسكريين عنه خلال حكم المدنيين، وكذا حول مدى اختلاف الوضع في ظل التحالف مع روسيا مقارنة بالتحالف مع فرنسا. 

إن الضربة التي وجهتها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لهدفين إستراتيجيين في العاصمة، باماكو، بعد أسابيع على معارك تينزواتين بشمال البلاد، والتي تكبد فيها الجيش المالي وقوات حليفته "فاغنر" خسائر وُصفت بالكبيرة، على يد القوات الأزوادية، تشكل إحراجًا كبيرًا للرئيس الانتقالي، العقيد عاصيمي غويتا ورفاقه. 

إن استعادة الجيش المالي عدة مناطق في الشمال والوسط كانت تحت سيطرة القوات الأزوادية، وإعلانه من حين لآخر عن مقتل عدد من عناصر الجماعات المسلحة، منحته ومن خلفه السلطة الانتقالية، مكانة وتقديرًا واسعين على الصعيد الشعبي الداخلي والإقليمي كذلك، لكن الهجوم الأخير أثار شكوكًا واسعة بشأن فاعلية هذا الجيش وقدراته.

حصيلة متباينة وتوجه نحو تعديل الإستراتيجية العسكرية

ظل الغموض يكتنف حصيلة الهجوم على مدرسة الدرك ومطار عسكري بباماكو، فالسلطات الرسمية المالية لم تقدم حصيلة عنه، واكتفت بالقول: إنه خلَّف بعض الخسائر البشرية والمادية، وإن الجيش المالي قتل كل منفذيه، وألقى القبض على بعض المتهمين. بالضلوع فيه لكن صحيفة "لو سوار دا باماكو" المالية الخاصة، تحدثت في عددها 6366 الصادر في 19 سبتمبر/أيلول 2024، عن تنظيم مراسم "جنائز 50 طالبًا دركيًّا" قضوا في الهجوم المسلح.

ونقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصدر أمني مالي قوله: إن الهجوم المزدوج خلَّف "77 قتيلًا و255 جريحًا"، فيما تشير وثيقة رسمية سرية إلى "مقتل نحو 100 شخص، ذكرت أسماء 81 منهم"(2). 

وبالمقابل، أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أنها قتلت وجرحت "المئات من عناصر الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية"، و"دمرت 6 طائرات تدميرًا كاملًا، وعطلت 4 أخرى تعطيلًا جزئيًّا"، إضافة إلى "الإجهاز على عشرات الآليات والمدرعات، وغيرها من العتاد العسكري"، كما أعلنت مقتل "بضعة عشر" من عناصرها الذين نفذوا الهجوم(3).

وفي ظل هذا التباين في الحصيلة، أعلن المدعي العام لدى الجمهورية المالية، آمادو بوكار توري، في بيان صادر عنه فتح تحقيق في الهجوم "من أجل تسليط الضوء على الأحداث، وتحديد وتوقيف المنفذين ومساعديهم، والمتواطئين المحتملين، حتى يحاسبوا على أفعالهم أمام العدالة"(4).

وقد علق الرئيس الانتقالي المالي، عاصيمي غويتا، على هجوم باماكو، في خطاب موجه إلى الماليين، في 22 سبتمبر/أيلول 2024، بمناسبة ذكرى عيد استقلال البلاد عن فرنسا، اعتبر فيه أن هذا الهجوم يذكِّر مجددًا بـ"الحاجة الملحَّة إلى اليقظة والحفاظ على وضع عملياتي مثالي في جميع الظروف"(5).

كما عقد غويتا، في 23 سبتمبر/أيلول 2024، اجتماعًا ضمَّ وزير الدفاع وقدامى المحاربين، ووزير الأمن والحماية المدنية، إضافة إلى قادة هيئات الأركان، ومديري المصالح الأمنية، وذلك من أجل تعديل الإستراتيجية العسكرية بعد الهجوم المزدوج.

وبحسب تصريح لوزير الدفاع وقدامى المحاربين، العقيد ساديو كامارا، فإن الاجتماع شكَّل فرصة "لاستعراض شامل للترتيبات الأمنية، وإعادة تقييم التهديد"، مضيفًا أن الرئيس غويتا "أكد دعمه للتدابير التنفيذية الجارية للتعامل مع مكافحة الإرهاب"(6).

وقد جاء الهجوم، بعد يوم من حلول الذكرى الأولى لإنشاء تحالف دول الساحل، الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، واحتضنت باماكو بالمناسبة اجتماعًا لوزراء خارجية الدول الثلاث، واستُقبلوا على هامشه من طرف الرئيس غويتا.

ويعني ذلك أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" اختارت توقيت هجومها لتوجيه رسالة إلى الدول الثلاث، التي أدارت الظهر لفرنسا المستعمر السابق والحليف التقليدي، وطردت قواتها من بلدانها، واستبدلت بها روسيا، واستقبلت قوات منها، لكن تهديد الجماعات المسلحة ظل قائمًا.

روسيا تقدم المساعدات وفرنسا تقدم التعازي

على إثر الهجوم الذي تعرضت له العاصمة المالية، انهالت برقيات التضامن مع مالي وسلطاتها الانتقالية، من طرف عديد الدول والمنظمات داخل القارة وخارجها.

فعلى الصعيد الإفريقي، أدان الاتحاد الإفريقي الهجوم، وشدَّد في بيان لرئيس مفوضيته التشادي، موسى فقي محمد، على أنه يسلط الضوء على "الحاجة إلى مضاعفة الجهود الجماعية، لمكافحة أكثر فعالية، ومزيد من التضامن مع مالي وبلدان الساحل الأخرى ضحية الهجمات الإرهابية، سواء على المستوى الوطني أو الإقلمي أو الدولي"(7).

كما هاتف الرئيس الموريتاني الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، محمد ولد الشيخ الغزواني، الرئيس الانتقالي المالي، عاصيمي غويتا، وقدم له التعازي، وأعرب بالمناسبة عن "كامل التضامن مع الشعب المالي"، متمنيًا "لجمهورية مالي أن تنعم بالأمن والاستقرار"(8).

وأدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا -التي أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو في نهاية يناير/كانون الثاني 2024- انسحابًا جماعيًّا منها، وكان من ضمن الأسباب التي بررت بها هذه البلدان الانسحاب أن المنظمة لم تساعدها في مواجهة خطر الجماعات المسلحة- الهجوم على منشآت عسكرية في باماكو، وعبَّرت في بيان لها عن "التزامها الراسخ بأي مبادرة تهدف إلى العمل من أجل السلام والأمن والاستقرار في المنطقة"(9).

وتوالت برقيات التضامن مع مالي من طرف حلفائها في المنطقة ومن خارجها، لكن التضامن الروسي كان مختلفًا، فقد حطَّت طائرة عسكرية روسية في اليوم الموالي للهجوم على باماكو، بمطار موديبو كيتا سينو الدولي، وعلى متنها "مساعدات عاجلة للقوات المسلحة المالية"(10).

وسبق لروسيا أن قدمت مساعدات عسكرية حربية لمالي، للتأكيد على قوة شراكتهما، لكن لم يسبق أن تم تقديم هذه المساعدات بعد هجوم مسلح بحجم الهجوم الذي تعرضت له العاصمة المالية مؤخرًا، ولعل الهدف من ذلك بالإضافة إلى تجديد تأكيد التعاون وتعزيزه، ربما محاولة لقطع الطريق أمام الانتقادات التي بدأت توجه إلى موسكو على اعتبار أن التحالف معها لم يختلف بعد كثيرًا عن التحالف مع فرنسا، فيما يتعلق بمواجهة الجماعات المسلحة.

فبعد خسارة الجيش المالي ومعاونيه من جماعة "فاغنر" الروسية في معارك تينزواتين، أواخر يوليو/تموز الماضي، حيث قُتل وأسر عدد من الجنود الماليين والروس، جاء الهجوم على باماكو وإعلان الجماعة المسلحة التي تبنَّته أنها قتلت وجرحت المئات من الجنود الماليين والروس، وهذا يشكِّل إحراجًا كبيرًا لروسيا.

وعلى استحياء قدمت فرنسا -التي تلقت صفعة كبيرة من روسيا بإخراجها من بعض مناطق نفوذها التقليدي خصوصًا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو- التعازي للسلطات المالية إثر الهجوم الذي وصفته بـ"المروع"، وحيَّت في بيان صادر عن سفارتها في باماكو "باحترام ذاكرةً من لقوا حتفهم في الهجوم"، كما تضامنت مع أسر الضحايا والمصابين(11).

باماكو: تسع سنوات من الهجمات

منذ بدأ الخطر المسلح يتهدد مالي عام 2012-2013، شهدت باماكو سلسلة هجمات مسلحة، اختلفت أهدافها والجماعات المنفذة لها، وأكدت أن عدم الاستقرار الأمني لا يقتصر على مدن الشمال والوسط، وإنما يشمل العاصمة كذلك.

ورغم الخسائر في الأرواح والممتلكات التي خلَّفتها هذه الهجمات، إلا أن فترات تنفيذها كانت متباعدة نسبيًّا، ولم تكن تشكل تهديدًا للنظام الحاكم، مدنيًّا كان أو عسكريًّا.

وكان الهجوم على فندق "راديسون بلو"، الذي وقع في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أول هجوم تشهده باماكو، بعد سنوات من التدخل العسكري الفرنسي بطلب من السلطات المالية، من أجل التصدي لزحف الجماعات المسلحة.

وقد تبنَّت جماعة "المرابطون" هذا الهجوم الذي ضرب قلب العاصمة، وأسفر عن مقتل 27 شخصًا على الأقل، واحتجاز رهائن لبعض الوقت؛ حيث استمرت العملية حوالي 9 ساعات، وانتهت بتدخل عسكري مشترك بين الجيش وقوات أجنبية فرنسية بالدرجة الأولى، وفرض حالة طوارئ في البلاد(12).

وبعد أشهر قليلة، وبالتحديد في 21 مارس/آذار 2016، وقع هجوم آخر على فندق "نور سيد" الذي كان قد تحول إلى قاعدة لبعثة التدريب الأوروبية التي كانت موجودة في مالي.

وتم خلال الهجوم مقتل أحد منفذيه، وتوقيف 2 آخرين، ولم يتم تسجيل أي إصابة في صفوف القوات الأوروبية، التي تتمثل مهمتها الأساسية في تدريب الجيش المالي، لكن وزارة الأمن الداخلي أعلنت إصابة أحد عناصر قوات الأمن المالية بجروح طفيفة(13).

وفي 19 يونيو/حزيران 2017، قتل 5 أشخاص على الأقل، كما قتلت قوات الأمن المالية 4 من منفذي الهجوم على مجمع "كانغابا" السياحي الواقع بضواحي باماكو، والذي يقصده الأجانب في الغالب للاستجمام والراحة(14).

ويعكس هذا الهجوم الذي تبنَّته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والهجومان السابقين، أن الجماعات المسلحة كانت تركز على استهداف الأجانب، من أجل الضغط على فرنسا وباقي الدول الغربية التي كانت لديها قوات عسكرية في مالي.

ولكن بدءًا من وصول الجيش إلى السلطة بدأت أهداف هجمات الجماعات المسلحة تتغير؛ ذلك أن العسكريين الذين أطاحوا بالرئيس المدني الأسبق، الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، والرئيس الانتقالي السابق، العقيد المتقاعد باه نداو، طردوا جميع القوات الأجنبية الفرنسية والأوروبية والأممية التي كانت موجودة في البلاد.

وباتت الجماعات المسلحة توجه هجماتها بالأساس نحو أهداف عسكرية مالية، ففي يوليو/تموز 2022، أعلن الجيش المالي صد هجوم على كاتي، وهي قاعدة عسكرية تقع ضواحي العاصمة باماكو ويقيم فيها الرئيس الانتقالي، عاصيمي غويتا، وعدد من كبار الشخصيات العسكرية في المجلس الانتقالي الذي يتولى السلطة في البلاد.

وقد قُتل خلال هذا الهجوم الذي تبنته كتيبة ماسينا جندي مالي وأصيب 6 آخرون بينهم مدني بجروح متفاوتة، فيما قتلت القوات المالية 7 مسلحين، واعتقلت 8 آخرين، كما صادرت أسلحة خفيفة كانت بحوزة المسلحين(15).

ويأتي هجوم 17 سبتمبر/أيلول الأخير الذي استهدف مدرسة ومطارًا عسكريين، مؤشرًا على استمرار المرحلة الثانية من الهجمات التي تستهدف المجلس العسكري والمؤسسات العسكرية للدولة. 

هجمات متزامنة ضد دول تحالف الساحل وإجراءات حكومية استثنائية

قبل الهجوم الأخير على باماكو، تعرضت بلدة بارسالوغو الواقعة على بعد نحو 80 كيلومترًا عن واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، لهجوم عنيف تبنَّته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وخلَّف حصيلة كبيرة من الضحايا، لكن وكما هي الحال في مالي، فإن السلطات البوركينية لم تعلن حصيلة رسمية للخسائر البشرية، فيما تحدثت بعض المصادر الصحفية عن مقتل ما لا يقل عن 100 قروي(16).

وقد أثار هذا الهجوم الكثير من الانتقاد بشأن تدهور الوضع الأمني من طرف عدد من الناشطين داخل البلاد وخارجها، وُجِّه بعضها بشكل مباشر للرئيس الانتقالي، النقيب إبراهيم تراوري، ونظامه.

 وعلى غرار ما حصل في مناسبات سابقة بعد وقوع هجمات كبيرة، سواء في بوركينا فاسو أو النيجر أو مالي، تحدثت سلطات واغادوغو الرسمية عن "محاولة لزعزعة الاستقرار والأمن"، وهو مصطلح يطلق تقليديًّا على محاولة الإطاحة بالنظام الحاكم عن طريق القوة.

وبحسب ما أعلنت السلطات الرسمية، فإن هذه المحاولة الانقلابية كان يخطط لها بالتزامن مع الهجوم على قرية بارسالوغو، ووجهت الاتهامات للرئيس الانتقالي السابق، العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، المقيم في توغو، وعدد من الشخصيات الأخرى بين العسكريين والمدنيين(17).

ولم تكن النيجر استثناء من سلسلة الهجمات التي عرفتها دول تحالف الساحل، الذي تأسس في 16 سبتمبر/أيلول 2023، بعد انسحاب البلدان الثلاثة المشكِّلة له من مجموعة دول الساحل الخمس، ومن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ـ فقد أعلن جيشها عن مقتل 12 جنديًّا وإصابة أزيد من 30 آخرين بجروح خلال هجومين منفصلين وانفجار لغم(18).

ولكن جيش النيجر أعلن في نفس الوقت عن قتله أكثر من 100 مسلح، وتدمير معدات كبيرة، خلال عملية واسعة شنتها قواته البرية والجوية بشكل متزامن ضد الجماعات المسلحة في منطقة تيلابيري الواقعة قرب المثلث الحدودي المشترك بين البلاد ومالي وبوركينا فاسو(19).

وكردة فعل على الهجوم الذي استهدف باماكو، اتخذت النيجر وبوركينا فاسو إجراءات استثنائية خصوصًا في عاصمتي البلدين، نيامي وواغادوغو، تحسبًا لأي طارئ، فما يقع في أي من البلدان الثلاثة، ينظر إليه البلدان الآخران بمنزلة تهديد لهما.

ومن ضمن الإجراءات التي اتخذتها بوركينا فاسو، إخضاع "سيارات الإسعاف والمركبات الدبلوماسية، وعربات نقل الموتى للتفتيش الأمني عند دخولها أو خروجها العاصمة، واغادوغو، خشية استغلالها لشن هجوم إرهابي"(20).

وفي النيجر، أعلنت السلطات اتخاذ "إجراءات استثنائية" لمواجهة توالي الهجمات في عدة مناطق من البلاد، ومن ضمن تلك الإجراءات "تعزيز التدابير الأمنية في مختلف مناطق العمليات العسكرية"(21).

خاتمة

يشكِّل هجوم السابع عشر من سبتمبر/أيلول 2024 امتدادًا لسلسلة الهجمات السابقة التي شهدتها العاصمة المالية باماكو في فترات سابقة من حكم المدنيين، ويأتي الآن تنفيذ هذا الهجوم في حكم العسكريين للتأكيد على أن النشاط المسلح في البلاد وفي بعض الدول المجاورة لها، عابر لكل الأنظمة والتحالفات الإقليمية والدولية.

ولكن وقوع هذا الهجوم غير المسبوق من حيث النوع، وطبيعة الاستهداف؛ إذ كانت الهجمات السابقة تستهدف مناطق وجود الأجانب لإرسال رسائل إلى دولهم الحاضرة عسكريًّا في مالي، بينما استهدف الهجوم الأخير مدرسة ومطارًا عسكريين، قد يهز مستوى ثقة الماليين في المجلس العسكري، ففضلًا عن أن العسكريين كان يفترض أن تختلف مقاربتهم للوضع الأمني عن المدنيين، فإنه كان يعول كذلك على أن خارطة تحالفاتهم الجديدة، ستعطي نتائج مختلفة عن التحالفات السابقة، إلا أن ذلك لم ينعكس بعد فيما يبدو على الصعيد الميداني.

ومع ذلك، فإنه قد يكون من المبكر الحكم على مدى نجاعة الحضور العسكري الروسي في مالي من خلال مجموعة "فاغنر"، التي بدأ الحديث عن تعاقد المجلس العسكري الانتقالي المالي معها نهاية العام 2021؛ ذلك أن الحضور العسكري الفرنسي في البلاد مثلًا استمر لنحو عقد من الزمن.

كما أن الجيش في مالي وصل السلطة عام 2020 إثر الانقلاب على الرئيس المدني، إبراهيم بوبكر كيتا، في حين أن البلاد تشهد عدم استقرار أمني منذ سنة 2012، وبالتالي لا يمكن تحميله كامل المسؤولية بشأن تدهور الوضع الأمني.

ولكن يمكن القول: إن الجيش المالي، وعلى مدى أربع سنوات من حكمه، طرد فرنسا عسكريًّا، وتحالف مع روسيا، واستعاد بعض المدن التي كانت تحت سيطرة المسلحين الأزواديين، ولم يستطع حتى الآن القضاء على الجماعات المسلحة، ولا تقليص حضورها الآخذ في التوسع، وتهديدها المتنامي الذي بات يصل أكثر مناطق العاصمة تحصينًا.

ABOUT THE AUTHOR

References

1) جماعة الإسلام تنظيم يتبع القاعدة بمنطقة الساحل، 4 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/wZRZV

2) انظر الموضوع:

Mali : plus de 70 morts dans les attaques djihadistes à Bamako, publié le 19 septembre 2024, vu le 25 septembre 2024, https://shorturl.at/Cnjnu

3) مالي: نصرة الإسلام تعلن مقتل وجرح المئات من الجيش المالي وفاغنر، 18 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/5RzUz

4) انظر الموضوع:

Mali : ouverture d’une enquête après l’attaque terroriste contre l’école de gendarmerie, publié le 20 septembre 2024, vu le 25 septembre 2024, https://shorturl.at/8UaBX

5) انظر خطاب الرئيس الانتقالي المالي، عاصيمي غويتا:

IndependenceDay/ Discours à la Nation 22 septembre du président de la Transition Col. Assimi Goita, publié le 22 septembre 2024, vu le 26 septembre 2024, https://shorturl.at/5DOe8

6) انظر الموضوع:

Lutte antiterroriste : le Président de la Transition réunit ses chefs militaires pour ajuster la stratégie, publié le 24 septembre 2024, vu le 26 septembre 2024, https://shorturl.at/e76sm

7) الاتحاد الإفريقي يدين الهجمات الإرهابية التي وقعت في العاصمة المالية باماكو، 20 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/25btv

8) رئيس الجمهورية يجري اتصالًا هاتفيًّا برئيس المرحلة الانتقالية بجمهورية مالي، 19 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/ZDxzG

9) مالي.. سيدياو تدين الهجوم على باماكو وتجدد التزامها بالعمل من أجل السلام، 18 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/Ul0F8

10) انظر الموضوع:

La Russie apporte une aide d’urgence au Mali, publié le 19 septembre 2024, vu le 26 septembre 2024, https://shorturl.at/0UlAK

11) انظر الموضوع:

Attaques simultanées à Bamako : la France présente ses condoléances au gouvernement du Mali, publié le 19 septembre 2024, vu le 26 septembre 2024, https://shorturl.at/Fgpgg

12) فرض حالة الطوارئ في مالي بعد مقتل 27 شخصًا بهجوم على فندق في باماكو، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://urls.fr/DRnCiu

13) انظر الموضوع:

Mali : Des militaires de l’UE attaqués dans leur hôtel à Bamako, Un assaillant tué, publié le 22 mars 2016, vu le 26 septembre 2024, https://shorturl.at/o6aIH

14) مقتل 4 من منفذي الهجوم على موقع سياحي قرب باماكو، 19 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/5aGCM

15) مالي: الهجوم على قاعدة كاتي.. بين هواجس الانقلابات، والتحديات الأمنية، 23 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/XSrD2

16) انظر الموضوع:

At least 100 People killed in central Burkina Faso in latest jihadi attack, published on August 26, 2024, seen on September 30, 2024, https://shorturl.at/p8A6u

17) محاولة انقلاب فاشلة في بوركينا فاسو.. التفاصيل الكاملة، 24 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 30 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/83BM5

18) النيجر: مقتل 12 جنديًّا وجرح 30 آخرين في هجومين وانفجار لغم، 19 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 30 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/CVtcd

19) جيش النيجر يعلن مقتل أكثر من 100 إرهابي وتدمير معدات كبيرة، 19 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 30 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/nYQaB

20) بعد هجوم باماكو.. عواصم دول الساحل تعيش حالة طوارئ غير معلنة، 21 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 30 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/HFVs9

21) نفس المصدر السابق.