انطلقت مسيرات العودة الكبرى وفعالياتها بالأراضي المحتلة في 30 مارس/آذار الماضي (2018)، والتي يفترض أن تتواصل حتى الخامس عشر من مايو/أيار المقبل (2018)، وهو الموعد المحدد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ويلعب هذا التوقيت وسياقات الحدث الداخلية والإقليمية والدولية والإسرائيلية دورًا مهمًّا في تحديد مآلاته وتداعياته المختلفة.
وتحمل هذه المسيرات في طياتها طاقة كامنة للتأثير على موازين القوى في الساحة الفلسطينية واتجاهات العلاقات الداخلية وإحداث تحول على البيئتين الإقليمية والدولية للصراع، إلى جانب انعكاساتها على أنماط التعاطي الإسرائيلي مع القضية الفلسطينية.
فما السياقات الداخلية والإسرائيلية والإقليمية والدولية التي شكَّلت بيئة هذا الحدث؟ وكيف ستؤثر تداعياته على واقع غزة والضفة الغربية وخيارات كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية؟ وما تأثيره على مستقبل الصراع مع إسرائيل؟ وما التحولات المتوقعة على مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية؟
سياقات الغضب
لم يكن من سبيل الصدفة أن يأخذ قطاع غزة على عاتقه العبء الأكبر في تنظيم مسيرات العودة، على الرغم من أنه قد تم الاتفاق على أن تحتضن كل مناطق الوجود الفلسطيني هذه المسيرات وفعالياتها. فقد ترك السياق الجغرافي تأثيره على مسيرات العودة وطابع فعالياتها؛ ففي قطاع غزة أُطلق عليها "مسيرات العودة ورفع الحصار"، في ربط واضح ومقصود بين التأكيد، من جهة على حق اللاجئين في العودة إلى الأراضي التي شُرِّدوا منها؛ ومن جهة ثانية توجيه رسالة مفادها أنه تم تصميم مناشط هذه المسيرات لتفضي إلى رفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2006؛ بعيد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتوليها لأول مرة مقاليد "الحكم" في القطاع.
وقد تمثَّلت سمات السياق الجغرافي لمسيرات العودة، في حقيقة أن جميع القتلى والجرحى الذين أُصيبوا برصاص الاحتلال قد سقطوا في قطاع غزة. إلى جانب أن القطاع هو الساحة الوحيدة التي يواصل فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين التوجه إلى "معسكرات العودة" التي تم تدشينها بالقرب من الحدود الفاصلة بين القطاع وإسرائيل.
ويأتي الربط بين التأكيد على حق العودة ورفع الحصار للتذكير بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستشراء حالة انعدام اليقين السياسي التي يعيشها القطاع؛ حيث أدرك منظِّمو هذه المسيرات أن تعاظم دافعية الغزيين العالية للمشاركة فيها جاءت لأنهم رأوا فيها الوسيلة الوحيدة لإحداث تحول في أوضاعهم.
فعلى الرغم من أن فعاليات شبابية غير منتمية لأطر تنظيمية هي من بادرت وخططت وأشرفت على تنفيذ فعاليات مسيرة العودة، لكن قد تحاول الفصائل الفلسطينية بغزة الاستفادة منها في تعزيز مواقفها وترجيح كفتها مع الحفاظ على بعدها الوطني والعابر للفصائل.
فقد جاء تنظيم هذه المسيرات بعد أن خابت آمال حركة حماس في أن يسهم تطبيق اتفاق المصالحة الذي توصلت إليه مع حركة "فتح" في تخليصها من المسؤولية عن إدارة حكم القطاع؛ حيث إن حكم الحركة للقطاع جعلها مسؤولة سياسيًّا أمام الجماهير الفلسطينية عن الأوضاع الاقتصادية المتردية. وفي الوقت ذاته، ظلت إسرائيل ترى في الحركة الطرف الذي يتوجب عقوبته ردًّا على أي عمل حربي يستهدفها من القطاع. مع العلم بأن جميع العمليات العسكرية التي انطلقت من قطاع غزة واستهدفت إسرائيل منذ انتهاء حرب 2014 نفذتها فصائل ومجموعات صغيرة محسوبة على التيار السلفي الجهادي، في حالة عداء مع حركة حماس.
وقد صمَّمت إسرائيل عملياتها العسكرية ردًّا على هذه العمليات العسكرية بحيث تُفضي إلى قضم المقدرات العسكرية لحماس، وذلك بهدف تقليص قدراتها في أية حرب يمكن أن تنشب بين الجانبين في المستقبل.
ومما زاد الأمور تعقيدًا حقيقة أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فرض قُبيل التوصل لاتفاق المصالحة وبعده جملة من العقوبات الاقتصادية التي زادت الأمور تعقيدًا، وقلَّصت هامش المناورة أمام حماس.
وقد تراجعت آمال حماس في أن يؤدي قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتداول الأفكار الأميركية لحل الصراع، التي اصطُلح عليها "صفقة القرن"، والتي أجمع الفلسطينيون على أنها تمثل وصفة لتصفية قضيتهم الوطنية، إلى حقبة جديدة من العلاقة مع "فتح" والسلطة الفلسطينية، لأن مواجهتهما لهذا التحدي تقتضي توحيد الجبهة الداخلية. لكن ذلك لم يمنع السلطة من استغلال حادث التفجير الذي استهدف موكب رئيس الحكومة، رامي الحمد الله، شمال قطاع غزة، في التمهيد لفرض موجة أخرى من العقوبات على القطاع. إلى جانب ذلك، فقد واصلت السلطة نمط علاقتها مع إسرائيل؛ حيث حافظت على التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال، الذي يستهدف بشكل خاص قيادات حركة حماس في الضفة الغربية ونشطاءها.
وفي الوقت ذاته، فقد مثَّل السياق الدولي تحديًا كبيرًا لحركة حماس؛ حيث زادت مخاوف الحركة من أن تلجأ الولايات المتحدة إلى توظيف الأزمة الاقتصادية والإنسانية في غزة ليكون القطاع مدخلًا لتطبيق "صفقة القرن". وقد روَّجت أوساط إسرائيلية رسمية صراحة لفكرة تدشين دولة فلسطينية في قطاع غزة يتم ضم مساحات من شمال سيناء لها. وقد حملت جلسة العصف الذهني بشأن سبل التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، التي نُظِّمت في البيت الأبيض قبل شهر، مؤشرات على التوجه الأميركي هذا.
إلى جانب ذلك، فإن السلوك المصري حتى انطلاق فعاليات مسيرة العودة شكَّل تحديًا كبيرًا لحركة حماس. فقد عمد نظام الرئيس، عبد الفتاح السيسي، إلى توظيف أوراق تأثيره على القطاع، سيما من خلال تحكم مصر في معبر رفح، الذي يمثِّل بوابة غزة الوحيدة للعالم، في السعي لفرض إملاءات تتعلق بأنماط تعاون الحركة مع القاهرة بشأن الأوضاع الأمنية شمال سيناء، إلى جانب حرص النظام على توظيف روافع الضغط على حماس في تحسين مكانته لدى إسرائيل، من خلال التوسط بينها وتل أبيب بشأن التهدئة وبحث فرص التوصل لصفقة تبادل أسرى تكون مجدية لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
لم تمتد مسيرات العودة إلى الضفة الغربية بشكل يماثل ما يجري في غزة. رغم أن التصور المبدئي للمسيرات أن تعم كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يمكن تفسير هذا التباين إلا بالقيود الأمنية التي تفرضها السلطة الفلسطينية على التحركات الشعبية بالضفة الغربية إما التزامًا باتفاقات التعاون الأمني مع إسرائيل أو من خشية محمود عباس من أن تستغل أطراف من داخل السلطة ومن القوى الإقليمية هذه المسيرات لإضعافه تمهيدًا لإزاحته.
تداعيات مسيرات العودة
تحمل مسيرات العودة الكبرى وفعالياتها طاقة كامنة للتأثير على خارطة مصالح كل من حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل والقوى الإقليمية المؤثرة في القضية الفلسطينية. وسنحاول هنا عرض أنماط تأثير مسيرات العودة على مصالح هذه الأطراف:
حماس: ترجيح الكفة
يمكن رصد تداعيات المسيرات على حماس الآنية والمتوقعة على النحو التالي:
أولًا: استفادت حماس من إسهام مسيرات العودة في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وثوابتها؛ حيث قلَّصت مستويات وَحِدَّة الجدل حول نقاط الخلاف الداخلي، سيما المسؤولية عن فشل جهود المصالحة.
ثانيًا: تسليط الأضواء على قطاع غزة وأوضاعه الاقتصادية والإنسانية المتدهورة؛ حيث برز هذا التحول في تغطيات وسائل الإعلام الدولية، وهو ما أثَّر على مواقف العديد من القوى الدولية ودفعها للمطالبة بتحسين الأوضاع في القطاع.
ثالثًا: حسَّنت من قدرة الحركة على استعادة زمام المبادرة في الساحتين الداخلية والإقليمية والدولية، حيث إن أي تحرك إقليمي أو دولي يسعى إلى احتواء الأوضاع الأمنية في أعقاب انطلاق مسيرات العودة وما يترافق معها من احتكاك مباشر بين عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال؛ سيأخذ بعين الاعتبار مواقف حركة حماس وشروطها.
رابعًا: نظرًا لأنه قد تم تصميم فعاليات المسيرات للتأكيد على رفض التنازل عن حق العودة للاجئين، فإن هذا الحراك سيمثِّل عائقًا أمام إمكانية توفير بيئة داخلية فلسطينية تسمح بتمرير "صفقة القرن" التي ينص أهم بنودها، حسب عدد من التقارير، على وجوب التنازل عن هذا الحق. وهذا يمنح حماس الفرصة لسد الطريق على أية محاولة أميركية وإقليمية لاستغلال الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع لتمرير الصفقة.
خامسًا: وجود عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الحدود يقلص من قدرة جيش الاحتلال على مواصلة استهداف المرافق العسكرية الحيوية لحماس، سيما شبكة الأنفاق الهجومية، إلى جانب أن هذا الوجود أفضى إلى التشويش بشكل كبير على تدشين منظومة العوائق المادية والتقنية التي تقيمها إسرائيل على طول الحدود للكشف عن الأنفاق وتقليص قدرة الحركة على حفر المزيد منها.
سادسًا: تحسين مكانة الحركة في العلاقة مع نظام الحكم في مصر؛ فإلى جانب أن مسيرات العودة تمنح غزة أوراق قوة في مواجهة إسرائيل، فإن طابعها الشعبي وعدم مسؤولية حماس عنها، يقلِّص من قدرة النظام المصري على ممارسة الضغوط على الحركة. وإن كان وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قد صرَّح في مقابلة أجرتها معه مؤخرًا صحيفة "ميكور ريشون" بأن فتح معبر رفح يتم بالتنسيق المسبق مع إسرائيل، فإن من غير المستبعد أن يزيد النظام عدد أيام فتح المعبر، في حال ارتأت إسرائيل أن هذه الخطوة تقلص من حوافز الفلسطينيين لمواصلة حراك العودة.
السلطة الفلسطينية: حسابات متغيرة
يمكن أن يسهم تطور فعاليات مسيرات العودة في إحداث تحول على مكانة السلطة الفلسطينية الداخلية وقد يترك آثارًا على مستقبل علاقتها مع إسرائيل. ويمكن استشراف تداعيات مسيرات العودة على السلطة، على النحو التالي:
أولًا: أجبرت السلطة على وقف هجومها على حركة حماس، إلى جانب اضطرارها إلى التخلي عن مخططاتها لفرض المزيد من العقوبات على القطاع.
ثانيًا: أدت إلى تعاظم الدعوات من قبل نخب مؤثِّرة في الضفة الغربية، وضمنها قيادات في فتح، لتبني أنماط المقاومة الشعبية على غرار ما يحدث في غزة حاليًّا ووقف التعاون الأمني مع إسرائيل. ووفرت بيئة سمحت بزيادة الضغوط على قيادة السلطة لتطبيق التوصيات التي أقرها المجلس المركزي الفلسطيني الذي عُقد مؤخرًا للرد على قرار نقل السفارة الأميركية للقدس، وضمنها إعادة النظر في اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل.
ثالثًا: تواصُل مسيرات العودة وما يرافقها من وقوع قتلى وجرحى يمكن أن يفضي إلى تفجر ردة فعل شعبية كبيرة في الضفة الغربية؛ سيما أن من المتوقع أن تتعاظم ردة الفعل الجماهيرية مع اقتراب احتفال تل أبيب وواشنطن بنقل السفارة الأميركية للقدس. ومما يرجح تحقيق هذا السيناريو، حقيقة أن الضفة الغربية شهدت مؤخرًا عودة لعمليات المقاومة الفردية. وفي حال تحقق هذا السيناريو فإنه سيفضي إلى تقليص قدرة السلطة على القيام بوظيفتها الأمنية مما يفضي إلى تراجع مكانتها لدى إسرائيل، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لحدوث توتر في العلاقة بين الجانبين.
رابعًا: ستؤثر سلبًا على مخططات قيادة السلطة لعقد اجتماع طارئ للمجلس الوطني، وهو الاجتماع الذي أعلنت حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وفصائل أخرى مقاطعته، حيث اتهمت هذه القوى قيادة السلطة بأنها تريد عقد هذا الاجتماع لإعادة صياغة مؤسسات منظمة التحرير بما يتناسب مع مصالحها وأهدافها.
إسرائيل: توقيت غير موات
أسهمت مسيرات العودة في إحداث تحولات على البيئة التي تؤثر على القرار الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن رصدها على النحو التالي:
أولًا: إعادة ترسيم الاستقطاب الحزبي والأيديولوجي إزاء المسألة الفلسطينية كما برز في السجالات بين الفرقاء السياسيين والنخب الإسرائيلية التي أظهرت مركزية الصراع مع الشعب الفلسطيني كمصدر للتأثير على إسرائيل ومصالحها.
ثانيًا: كشفت أن استراتيجية الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع غزة تتسم بحالة من انعدام اليقين، وهذا ما دفع عددًا من كبار الوزراء المحسوبين على الجناح المتطرف للدعوة لتغيير السياسة تجاه القطاع؛ وضمن ذلك السماح ببناء ميناء ومطار عائمين قبالة سواحل القطاع، كما ردَّد ذلك وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي، يسرائيل كاتس، وهو الموقف الذي جاهر عدد من الوزراء بدعمه.
ثالثًا: تخشى إسرائيل من تراجع مكانتها الإقليمية، على اعتبار أن تواصل سقوط القتلى والجرحى في الجانب الفلسطيني سيحرج نظم الحكم العربية أمام رأيها العام وسيقلص قدرتها على التطبيع.
رابعًا: في حال أسهمت مسيرات العودة في إسدال الستار على صفقة القرن وتجفيف بيئة التطبيع، فإن هذا التطور يمهد لإفشال خروج الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والدول العربية للعلن؛ على اعتبار أنه سيكون من الصعب جدًّا أن تبادر هذه الأنظمة للإفصاح عن هذه الشراكات قبل التوافق على حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
الفرص والمخاطر
هناك ثلاثة سيناريوهات يمكن استشرافها بشأن مستقبل مسيرات العودة وتفاعلاتها، وهي كالتالي:
أولًا: تدخل أطراف إقليمية ودولية بالتنسيق مع إسرائيل لدى حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى المشاركة في دعم هذا الحراك لوقفه مقابل تخفيف الحصار بشكل واسع. ويتوقف تحقق هذا السيناريو على مدى تغلب كل من حماس وإسرائيل على معضلة انعدام الثقة بينهما؛ فإسرائيل لم تحترم التفاهمات غير المباشرة التي تم التوصل إليها مع حماس في أعقاب حربي 2012 و2014 بشأن تخفيف مظاهر الحصار. إلى جانب ذلك، فإن إحداث تحول على الواقع الاقتصادي والإنساني يتوقف أيضًا على مدى استعداد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لإلغاء سلسلة العقوبات التي فرضها على قطاع غزة، والتي تتمثل في تقليص الموازنات المخصصة للقطاع وخفض رواتب الموظفين وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد المبكر.
ثانيًا: إقدام إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لحركة حماس بهدف تقليص دوافع الجماهير لمواصلة المشاركة في فعاليات مسيرات العودة. لكن فرص تحقق هذا السيناريو متدنية، على اعتبار أن توجيه هذه الضربة سيفضي إلى نشوب مواجهة عسكرية يتطلب حسمها لصالح إسرائيل قيام جيشها بإعادة احتلال القطاع. ولا خلاف بين دوائر صنع القرار ومراكز التقدير الاستراتيجي في تل أبيب على أن إعادة احتلال القطاع سيفضي إلى دفع أثمان سياسية واقتصادية وأمنية هائلة من إسرائيل، ناهيك عن أنه لا يوجد طرف ثالث يمكن أن يتولى إدارة شؤون القطاع في الوقت الحالي.
ثالثًا: تواصُل الحراك وتطوره يطلق ديناميتين: دينامية داخلية قد يكون محركها التقاط محمود عباس هذه الفرصة السانحة ليوجِّه بوصلة الصراع نحو إفشال صفقة القرن ودفع مختلف الفصائل الفلسطينية للالتفاف حوله، لأنه بات يمثِّل قضية إجماع وطني بدلًا من توجيهه الصراع حاليًّا نحو حماس والإصرار على نزع سلاحها، والدينامية الثانية مكمِّلة للدينامية السابقة، وهي اضطرار الدول التي يُتداوَل أنها تسوق صفقة القرن إلى إعطاء الأولوية للتضامن مع الفلسطينيين والتراجع عن إعطاء الأولوية للتطبيع مع إسرائيل.
وقد يأخذ السيناريو شكلًا مختلفًا، فقد تتفاقم المواجهات في غزة، وتفشل السلطة في منع أهالي الضفة من التضامن معهم، فتمتد المسيرات للضفة الغربية بشكل يؤدي إلى إشعال الأوضاع الأمنية سيما عشية نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وفي حال تحقق هذا السيناريو فإنه سيفضي إلى حدوث تحول جذري على بيئة الصراع، لأنه سيضع السلطة بين خيارين صعبين: إما مواجهة الحراك للالتزام بالتعاون الأمني مع إسرائيل وقد تتصدع بنيتها أو الانحياز إلى الحراك فتخاطر بفتح مواجهة مباشرة مع إسرائيل قد تفضي إلى انهيارها.