
منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة، في أغسطس/آب 2021، لم تضع دستورًا رسميًّا لإدارة شؤون البلاد، وعوضًا عن ذلك تستند في حكمها إلى الشريعة الإسلامية والتفسيرات الفقهية التي تتبناها مع الاعتماد على فتاوى وقرارات زعيم حركة طالبان، الشيخ هبة الله آخوند زادة.
لم تعترف حركة طالبان بالدستور الذي أقرَّته الحكومة الأفغانية السابقة، عام 2004، معتبرة أنه مستوحى من نماذج غربية لا تتماشى مع رؤيتها الإسلامية، ومع ذلك لم تعلن دستورًا بديلًا؛ مما ترك فراغًا قانونيًّا في الإطار الدستوري للحكم.
تناقش هذه الورقة تطور الدستور الأفغاني عبر مراحله المختلفة، بدءًا من تأسيسه في ظل الملكية، مرورًا بالتغيرات التي أحدثتها الانقلابات العسكرية والغزو السوفيتي، وصولًا إلى مرحلة ما بعد طالبان في 2004 والتحديات التي يواجهها الدستور اليوم، وأبرز الدساتير التي دُوِّنت خلال القرن الماضي، ولماذا أُلغيت، وكيف أحدث دستور 1964 شرخًا في العائلة المالكة، وموقف حركة طالبان من الدستور، وكيف تعامل زعماؤها مع الدستور الملكي والجمهوري.
تدوين الدستور في أفغانستان
بدأت الحركة الدستورية في أفغانستان مع إصدار أول دستور مكتوب، عام 1923، في عهد الأمير أمان الله خان، الذي سعى إلى تحديث البلاد وتعزيز الاستقلال بعد التخلص من النفوذ البريطاني. كان الدستور محاولة طموحة للجمع بين القيم التقليدية والأفكار الحديثة، لكنه واجه مقاومة شديدة من القوى المحافظة؛ مما أدى إلى سقوطه مع نهاية حكم أمان الله. في العقود التالية، شهدت أفغانستان سلسلة من الدساتير، أبرزها دستور 1964 في عهد الملك الراحل محمد ظاهر شاه، الذي اعتُبر ذروة التجربة الدستورية بفضل تركيزه على الملكية الدستورية والمبادئ الديمقراطية، لكنه سرعان ما انهار مع الاضطرابات السياسية التي تلته لاحقًا. أنتجت الحكومات الشيوعية دساتير متأثرة بالأيديولوجيا السوفيتية، قبل أن يُعتمد دستور 2004 تحت إشراف المجتمع الدولي، والذي حاول إرساء نظام ديمقراطي في ظل تحديات أمنية وسياسية هائلة.
مع عودة طالبان إلى السلطة للمرة الثانية، دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من الغموض الدستوري، حيث رفضت الحركة الدستور الذي دُوِّن عام 2004 وهو واحد من الدساتير التي لها أطول تاريخ في التنفيذ في أفغانستان، مما يدل على الاتساق والاستقرار، وهناك قضية أخرى مهمة تتعلق بهذا الدستور وهي أنه كان موضع نقاش وتحليل وحوار أكثر من أي دستور آخر في البلاد.
"كانت أفغانستان أول دولة بين الدول الإسلامية تضع دستورًا ينبع من النظرية الدستورية، متبعة الأفكار الإصلاحية للسيد جمال الدين الأفغاني، وكانت ثالث دولة بعد تركيا وإيران، تضع دستورًا بعد سقوط الدولة العثمانية. كان الأمير أمان الله خان وضع أول دستور بعد سقوط الخلافة العثمانية، وأعد أغلب مواده في عهد الأمير شير علي خان بمساعدة السيد جمال الدين الأفغاني ومستشارين أتراك وفرنسيين ولكنه قوبل بالرفض ولم يتمكن الأمير من تنفيذه"(1).
في أفغانستان شهد الدستور تحولات كبيرة عبر العقود الأخيرة التي مرَّت؛ حيث تأثر بالصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية والتغيرات الأيديولوجية التي مرَّت بها البلاد. فمنذ أول دستور مدون في 10 فبراير/شباط 1923 حتى دستور 2004. لقد كان الدستور الأفغاني أداة تعكس تطورات السلطة والصراع على الحكم، يقول المؤرخ الأفغاني، محمد حسن كاكر:
"بعد أن تعززت السياسة الخارجية الأفغانية، بدأ الأمير أمان الله تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق، وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي اعتماد أول دستور في تاريخ البلاد، والذي رافقه خبرة وتعاون المستشارين الفرنسيين والأتراك، يتضمن نص هذا الدستور 73 مادة، وهي مواد غير مسبوقة في تاريخ أفغانستان من حيث المعايير"(2).
عندما ننظر إلى الدستور الأول في أفغانستان نجد أن الأمير أمان الله خان حاول إبقاء السلطات الرئيسية في يديه، لكن مَلَكيته لم تعد مطلقة، وفصل السلطات بشكل محدود للغاية. كان اعتماد الدستور خطوة مهمة إلى الأمام ومحاولة جريئة لتحديث السياسة في أفغانستان، وأظهرت بداية مشروع الإصلاح أن عددًا من الأحكام الدستورية كان ظاهرة جديدة في الحياة السياسية، على الرغم من أنه لم يلتزم بجميع مواد الدستور في الممارسة العملية. عند تقييم أول دستور أفغاني في أوائل عشرينات القرن العشرين، من الصعب الاختلاف مع رأي الباحث الروسي كارجون، الذي يعتقد: "لم يكن دستور عام 1923 نموذجًا لليبرالية السياسية الحديثة، ولكن إذا نظرنا إليها في سياق الظروف الاجتماعية والسياسية القائمة في تلك الفترة، فيمكننا أن نقدِّر التغييرات السياسية التي أدخلتها الدستور إلى الحياة السياسية في أفغانستان"(3).
يُعدُّ الدستور في أفغانستان مرآة تعكس تاريخها السياسي المضطرب وتحولاتها الاجتماعية والثقافية العميقة. ومنذ بدايات القرن العشرين، شهدت أفغانستان محاولات متكررة لصياغة دساتير تهدف إلى تنظيم السلطة وتحديد هوية الدولة، لكن هذه المحاولات غالبًا ما اصطدمت بتحديات داخلية وخارجية أعاقت استمراريتها وتطبيقها، وعملية صياغة الدساتير في البلاد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمات والانقلابات وتغير الأنظمة بالقوة، فتاريخيًّا شهدت أفغانستان خلال القرن الماضي 8 دساتير، إضافة إلى مشروع دستور غير مكتمل أثناء حكم الرئيس الأفغاني الأسبق، برهان الدين رباني، عام 1993، ولم يصادق عليه لأسباب كثيرة أهمها الخلافات بين قادة المجاهدين السابقين.
يقول أستاذ القانون بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، الدكتور هاشم كمالي: "يرتبط تطور الدساتير في أفغانستان ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات السياسية التي مرَّت بها البلاد، بدءًا من الإصلاحات الحداثية في عهد الأمير أمان الله خان، مرورًا بالاضطرابات الناجمة عن الانقلابات والحروب الأهلية، وصولًا إلى التدخلات الأجنبية التي أثَّرت بشكل مباشر على مسارها الدستوري"(4).
في أوائل عام 1929، اضطر الأمير أمان الله إلى التنازل عن العرش، وبعد عدة محاولات فاشلة غادر البلاد ولم يتمكن من العودة مرة أخرى، ومع اندلاع الحرب الأهلية في أفغانستان، تمكن حبيب الله "بجه سقاو" من الاستيلاء على السلطة، لكن شرعيته كانت ضعيفة للغاية ولم يتمكن من الاحتفاظ بالسلطة. ثم استولى الجنرال محمد نادر على السلطة، عام 1929، وأقرَّا دستورًا جديدًا عام 1931 تم نسخ بعض أحكامه ومواده من دستور عام 1923، وخاصة حقوق المواطنين والمرأة.
وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار النظام السياسي الأفغاني، الذي أقره دستور عام 1931، ظل الملك، على الرغم من بعض القيود، يحتفظ بجميع السلطات الأساسية، مقارنة بما كانت عليه الحال في عهد الأمير أمان الله الذي تنازل عن بعض سلطاته، وتراجعت أفغانستان خطوة إلى الوراء بسبب الدستور الجديد(5).
وبعد اغتيال الملك محمد نادر خان، عام 1933، تربع ابنه الملك الراحل، محمد ظاهر شاه، على العرش وكان صغيرًا، وظل يدير شؤون البلاد بواسطة عميه -محمد هاشم وشاه محمود- إلى أن قرر التحول من الملكية المطلقة إلى الدستورية وأمر بتشكيل لجنة لصياغة الدستور، عام 1964، ولم يفقد الملك دوره المركزي في النظام السياسي، وظل السلطة الوحيدة التي لا تقبل الجدل من منظور دستوري. وعندما نقارنه بدستور 1931، سنجد أن نص الدستور أوسع من السابق ويتضمن 128 مادة "كان الدستور أكثر ديمقراطية وفَصَلَ بين السلطات الثلاث لأول مرة في تاريخ أفغانستان، ورسَّخ الديمقراطية والتحديث السياسي، وزيادة فرص المشاركة السياسية"(6).
الاستثناء الوحيد للتغيير الدستوري في أفغانستان والذي لم ينتج عن أي انقلاب أو تغيير للنظام كان دستور عام 1964، والذي بدأ بحكم الملك الراحل محمد ظاهر شاه -1933 إلى 1973- تحت مسمى الإصلاحات والتحديث، وتُعتبر فترة حكم الملك العصر الذهبي للدستور حيث دُوِّن في فترة استقرار نسبي بهدف تحديث البلاد مع الحفاظ على التوازن بين التقاليد والإصلاح.
بدأت إصلاحات الملك محمد ظاهر شاه في منتصف الستينات، تم تنفيذها تدريجيًّا ولم تؤد إلى تحول كامل للنظام. لقد فشل "مشروع الديمقراطية"، وقد شهدت البلاد خلال عشر سنوات من تدوين الدستور خمس حكومات، وانتهت بانقلاب الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد داود خان، الذي مهَّد الطريق للأزمات اللاحقة، ففي أوائل سبعينات القرن العشرين، واجهت أفغانستان أزمة سياسية خطيرة بلغت ذروتها بإطاحة الملك على يد ابن عمه، محمد داود، عام 1973.
إن الدستور الملكي لعام 1964 كان أكثر دقة وتطورًا من الدساتير السابقة في كثير من النواحي ولكنه كان بمنزلة بداية عدم الاستقرار في البلاد؛ حيث نصَّ الدستور على أن أبناء الملك وعائلته وأبناء عمومته، لا يحق لهم الانضمام إلى الأحزاب السياسية، ولا يمكنهم أن يُقَلَّدوا مناصب حكومية أو انتخابهم أعضاءً في البرلمان أو تعيينهم قضاةً في المحكمة العليا"؛ الأمر الذي فُسِّر بأنه إبعاد وعزل لابن عم الملك رئيس الوزراء الأسبق، محمد داود خان؛ ما أدخل البلاد في فوضى جرَّاء التناحر بين الطرفين. حاول الملك الراحل وضع ابن عمه، محمد داود خان، في عزلة سياسية بطريقة ناعمة وديمقراطية، وكان قدَّم اقتراحًا بدستور جديد يساعده في الوصول إلى السلطة كزعيم وطني خلال الانتخابات، ولكن الملك قطع عليه الطريق، وفكر في الانقلاب عليه(7).
بعد الانقلاب الذي قاده ابن عم الملك الراحل، محمد ظاهر شاه، شكَّل محمد داود الذي أعلن نفسه رئيسًا للجمهورية، لجنة لكتابة الدستور بعد ثلاث سنوات من انقلابه، عام 1977، وكان أول دستور لأول جمهورية في أفغانستان. منح الدستور سلطات واسعة للرئيس محمد داود خان؛ حيث أصبح رئيس الدولة والحكومة، ووزير الخارجية والقائد العام للقوات المسلحة، حاول الدستور إبعاد الدولة عن التأثير المباشر للعشائر ورجال الدين؛ حيث قُتل محمد داود خان في انقلاب دموي 1978 الذي قاده الحزب الشيوعي الأفغاني، وألغى الدستور واستبدل به دساتير جديدة تتماشى مع التوجهات الاشتراكية.
دستور محمد داود خان كان مختلفًا جذريًّا عن دستور الملك الراحل محمد ظاهر شاه؛ حيث حاول داود خان إرساء نظام جمهوري قوي بعد إنهاء الملكية في انقلاب عام 1973، كان الملك يستند في دستوره إلى التقاليد الأفغانية والإسلامية "وأما داود خان ركز على علمنة الدستور، دستور الملك كان يعاني من ضعف التنفيذ بسبب الصراعات السياسية، لم يستمر دستور داود خان سوى عام واحد، مما أدى إلى تغيرات جذرية في النظام السياسي في أفغانستان"(8).
لم يدخل دستور عام 1977 حيز التنفيذ، بسبب الانقلاب ضد حكومة الرئيس داود خان، في 27 أبريل/نيسان 1978، وبعد مقتله أُعلن المجلس الثوري بقيادة نور محمد تره كي، وتشكلت الحكومة الجديدة برئاسته، واعتمدت النمط السوفيتي في إدارة البلاد، كما تم تقليص دور الدين في الدستور ولم تكن هناك أية إشارة إلى المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي باعتباره الدين الرسمي.
وكان الدستور يعكس الفكر الاشتراكي، وكانت لجنة التخطيط المركزية تصدر القرارات دون موافقة مسبقة من الحكومة، والأخيرة كانت ملزمة بتنفيذها.
الدستور مع الحزب الشيوعي
بعد الإطاحة بحكومة محمد داود خان، وصل ممثلو الحزب الشيوعي إلى السلطة في أفغانستان بدعم من الاتحاد السوفيتي. لم تبدأ عملية صياغة الدستور إلا بعد انتخاب نجيب الله أمينًا عامًّا للحزب ورئيسًا لأفغانستان، تمكن الحزب الشيوعي، عام 1979، من صياغة دستور خاص به متأثرًا إلى حدٍّ كبير بالمعايير الأيديولوجية اليسارية. بعد الانسحاب السوفيتي، عام 1989، من أفغانستان، تخلى آخر رئيس شيوعي عن الأهداف الشيوعية فتغير من الاشتراكية إلى الديمقراطية، وأصبح احترام الدين والتمسك به إلزاميًّا. إن دستور الرئيس الأفغاني السابق، نجيب الله، يشبه إلى حدٍّ كبير من حيث النص والمحتوى دستور العهد الملكي، وبعد سقوط حكومة نجيب الله، عام 1992، دخلت أفغانستان مرة أخرى مرحلة الصراع بين الأحزاب الجهادية وحكم المجاهدين(9).
لم تنته أزمة الدستور بسقوط النظام الشيوعي؛ إذ سعى المجاهدون، بعد استيلائهم على السلطة، مرة أخرى إلى تغيير الدستور جذريًّا. ولكن بسبب ظهور موجة جديدة من الصراعات بينهم، وبعد تولي برهان الدين رباني السلطة ألغى الدستور السابق، ولم يتمكن من إيجاد بديل متفق عليه بين المجاهدين كدستور. "خلال فترة حكم المجاهدين بزعامة برهان الدين رباني، تقدمت أفغانستان بشكل حاد نحو الفوضى وعدم احترام الدستور المعمول به؛ مما أدى إلى خلق جوٍّ من عدم قبول روح الدستور بين الناس لدرجة أن ثقافة احترامه وقبوله سقطت من أذهان الناس، ولم يتفق المجاهدون على المسودة التي قدمها رباني لأسباب كثيرة أهمها الأمنية وتغير هيكل السلطة"(10).
هناك استثناءان فقط في تاريخ الدستور في أفغانستان "دستور عام 1964، الذي وضع المسار نحو ديمقراطية الحياة السياسية الأفغانية وظل قائمًا حتى اعتلى الملك ظاهر شاه العرش لأكثر من ثلاثين عامًا، ودستور عام 1990، الذي كان بمنزلة محاولة من جانب الرئيس نجيب الله لإعادة بناء النظام السياسي المنهار في البلاد، ما عدا ذلك، لم يتمكن أي دستور أفغاني من إضفاء الشرعية على الحكومات التي دوَّنت الدستور لنفسها وبقيت حبرًا على الورق"(11).
الدستور بعد هجمات سبتمبر
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كلفت الحكومة الانتقالية بزعامة حامد كرزاي بتشكيل لجنة دستورية لبدء عملية صياغة دستور جديد. خلال ثمانية عشر شهرًا، دخل الدستور الجديد حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2004، ويعتبر من الدساتير الأكثر تقدمًا وحداثة على مدى السنوات التسعين الماضية، وحقق إنجازات كبيرة خلال السنوات الحادية عشرة ولكنه واجه العديد من التحديات والمشاكل في تنفيذه، وهناك أسباب مختلفة لعدم تنفيذه، ومعظمها لا يرتبط بنص الدستور أو بمن شاركوا في صياغته، بل نتيجة للوضع المتغير في البلاد، تمكن الدستور الجديد من وضع حدٍّ للحرب الأهلية لمدة عقدين وكسر الجمود السياسي في أفغانستان الذي استمر منذ أربعينات القرن العشرين(12).
أبرز ملامح دساتير أفغانستان
في القرن الماضي، وُضعت عدة دساتير أساسية في أفغانستان؛ حيث شهدت البلاد تغييرات سياسية متكررة أثَّرت على النظام القانوني والدستوري، وإليكم أبرز الدساتير التي تم تبنيها:
دستور 1923: وُضع في عهد الأمير أمان الله خان، وكان أول دستور مكتوب في أفغانستان، ويهدف إلى تحديث البلاد وإدخال إصلاحات قانونية وإدارية.
دستور 1931: صدر في عهد الملك نادر شاه، وكان أكثر تحفظًا مقارنة بدستور 1923؛ حيث أعاد تأكيد الحكم الملكي القوي مع بعض الإصلاحات.
دستور 1964: صدر في عهد الملك ظاهر شاه، وأرسى أساس النظام الملكي الدستوري؛ حيث أدخل إصلاحات ديمقراطية مثل إنشاء برلمان منتخب، لكنه لم يستمر طويلًا بسبب الانقلابات اللاحقة.
دستور 1977: وضعه الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد داود خان، بعد إنهاء النظام الملكي عام 1973، لكنه لم يُطبق بسبب الانقلاب الشيوعي عام 1978.
دستور 1980: صدر في ظل الحكم الشيوعي بقيادة الحزب الشيوعي الأفغاني، وكان يعكس التوجهات الاشتراكية المدعومة من الاتحاد السوفيتي السابق.
دستور 1987: عُدِّل خلال حكم محمد نجيب الله آخر رئيس شيوعي؛ حيث حاول إدخال بعض الإصلاحات وإعطاء مجال أوسع للمشاركة السياسية.
دستور 1990: أُقِرَّ في أواخر عهد نجيب الله كجزء من محاولة التوفيق بين مختلف الفصائل، لكنه لم يُنفذ بسبب الحروب الأهلية.
دستور 2004: تم تبنيه بعد سقوط نظام طالبان الأول، عام 2001، حيث أرسى نظامًا جمهوريًّا ديمقراطيًّا في ظل حكم الرئيس الأفغاني الأسبق، حامد كرزاي.
ومن خلال مراجعة الدساتير الثمانية التي تمت الموافقة عليها في أفغانستان، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
- الدساتير السلطوية.
- الدساتير الأيديولوجية.
- الدساتير الديمقراطية.
ما يميز الدستور في أفغانستان أنه يعتبر من الدساتير الصلبة في العالم، لأنه لا يمكن تعديله بنص الدستور، واللجنة أو الجهة المخولة بتعديله من المستحيل أن تجتمع في الظروف الحالية في أفغانستان؛ لذا تفضل الحكومات التي تصل إلى السلطة عبر استخدام القوة، إلغاء القديم وصياغة الجديد(13).
حركة طالبان والدستور
غياب الدستور الرسمي يعكس طبيعة حكم حركة طالبان التي تفضِّل نهجًا يعتمد على الأحكام الدينية وقرارات القيادة، بدلًا من نموذج دستوري حديث. مع ذلك يبقى مستقبل الإطار القانوني في أفغانستان غير واضح رغم الدعوات الداخلية والدولية لوضع هيكل قانوني أكثر وضوحًا يحدد حقوق المواطنين وآليات الحكم في البلاد، "الإمارة الإسلامية تعتمد في إدارة شؤون البلاد على الأحكام الإسلامية وفقًا للمذهب الحنفي، وفي فرصة مناسبة سنضع دستورًا يتوافق مع المبادئ الإسلامية، وحاليًّا لا نواجه الفراغ الدستوري وهناك دول وحكومات ليس لديها دساتير مكتوبة ولكن أمورها تمشي وفق آلية يرونها مناسبة لإدارة بلادهم"(14).
ما يميز فترة حكم طالبان الأولى والثانية أنها لم تضع دستورًا بسبب موقفها من الدستور والمصطلحات القانونية الغربية. إن الخلاف بشأن الدستور في أفغانستان له جذور تاريخية؛ حيث عارض عدد من العلماء أول دستور في أفغانستان بغضِّ النظر عن طبيعته ومصادره، واعتبروه بديلًا من القرآن ووصفوه بالكفر ولم يقبلوا به "حتى يتفادى الأمير أمان الله خان الصدام مع رجال الدين اختار بدل الدستور أو القانون مصطلح "نظام نامة"".
"في بلادنا الحبيبة تعتبر كلمة "قانون" نقيضًا لكلمة "الشريعة" وتعتبر خاصة بالقضاء، وإذا وضع أي قانون أو دستور سميناه "نظام نامة". في عهد الأمير أمان الله، ومن أجل وضع إستراتيجية واسعة وبعيدة المدى لإحداث إصلاحات قانونية، ومراعاة الأجواء المحافظة في المجتمع، والحرص على عدم إثارة رد فعل عام من خلال تحريض رجال الدين المحافظين والتقليديين، تم اختيار اسم "نظام نامة"، وهو قريب من معنى القانون"(15).
بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات منذ وصول طالبان إلى السلطة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب سياسية وإستراتيجية تتعلق بطبيعة الحركة وأهدافها، ركزت طالبان على فرض رؤيتها للحكم بناء على تفسيرها للشريعة الإسلامية دون الحاجة إلى صياغة دستور مكتوب بشكل تقليدي كما هو المعهود في الدول الحديثة، ترى طالبان أن الشريعة الإسلامية حسب تفسيرها الخاص هي الإطار الدستوري الوحيد الذي تحتاجه للحكم، ووضع الدستور قد يُنظر إليه كبديل أو تنازل عن هذا المبدأ الأساسي الذي يشكِّل هويتها الأيديولوجية.
ولا تقوم طالبان بصياغة الدستور لسببين رئيسين: عدم قدرة طالبان على صياغته بسبب غياب الخبرة الدستورية، والثاني لا يوجد إجماع بين كبار قادة طالبان بشأن بناء نظام سياسي وأن الأيديولوجية التي فرضت نفسها على عقلية طالبان لا تسمح بذلك، وهناك ازدواجية في التعامل مع الدستور، حيث ألغت حركة طالبان الدستور -الأم- وفي الشؤون الإدارية تستفيد من قوانين ولوائح الحكومة السابقة مثل قانون البنوك ونظام الضرائب والعقود "كان مؤسس حركة طالبان، الملا محمد عمر، يميل إلى تنفيذ دستور الملك الراحل، محمد ظاهر شاه، وأما الزعيم الحالي فيميل إلى تنفيذ دستور عام 1977 أو ما يعرف بدستور محمد داود خان"(16).
اقترح وزير العدل في حكومة حركة طالبان، الشيخ عبد الحكيم شرعي، أن تفكر طالبان في تنفيذ دستور العهد الملكي مع بعض الإصلاحات وحذف المواد المتعلقة بالملك ووعد بصياغة دستور جديد. تأجل تحقيق موعد صياغة وإعلان الدستور عدة مرات، ويبدو أن حركة طالبان لم تتمكن من معالجة التحديات الأساسية "عدم إقرار الدستور يمكن أن يعود إلى صراع النفوذ داخل الحركة، ولا أحد يريد أن يدخل في مشروع مماثل يمكن أن يُضعف من نقاط قوته أو يشوِّش عليه، ويكشف الوضع الشعور بعدم الاستقرار؛ إذ لا يفكر في الدستور إلا نظام مستقر، ولا يستقر النظام ما لم تفكر الحركة بالانتقال من مفهوم الحركة إلى مفهوم الدولة"(17).
تتجنب حركة طالبان وضع دستور لأسباب أيديولوجية ومنع الانقسامات الداخلية، وتفضل التعامل مع المجتمع الدولي بمرونة، لكن مع مرور الوقت قد يصبح الدستور ضرورة لتثبيت الحكم ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويبدو أنها تفضِّل التحكم المباشر على المخاطرة بتجربة دستورية، جميع الدساتير الأفغانية حاولت الجمع بين الشريعة والقوانين الحديثة بدرجات متفاوتة، ولكن طالبان ترفض هذا النهج وتتبنى الشريعة مصدرًا وحيدًا دون قبول أي تأثير خارجي.
يشكِّل الدستور في أفغانستان قضية محورية في ظل التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، خاصة مع عودة طالبان إلى الحكم للمرة الثانية، فقد كان الدستور الأفغاني على مدار القرن الماضي موضع جدل وصراع حيث تغيرت نصوصه عدة مرات وفقًا للجهات الحاكمة، ومع تولي طالبان الحكم، أصبح مستقبل الدستور غير واضح، لاسيما في ظل توجه الحركة نحو استبدال أحكام الشريعة الإسلامية وفق رؤيتها الخاصة بالقوانين الدستورية السابقة.
- أفغانستان بعد از اسلام، عبد الحي حبيبي (أفغانستان بعد الإسلام، عبد الحي حبيبي) 1982، الطبعة الرابعة، ص432.
- د امان الله خان دوري ته كتنه، حسن كاكر (نظرة إلى فترة حكم أمان الله خان، حسن كاكر) 2018، الطبعة الأولى، ص76.
- تاريخ أفغانستان، محمد عثمان صديقي (تاريخ أفغانستان، محمد عثمان صديقي)، 1996، الطبعة الأولى، ص121.
- ده سال پس از تصويب قانون اساسى افغانستان: مسائل اصلى كدام ها اند؟ محمد هاشم كمالي (بعد عشر سنوات من صياغة الدستور في أفغانستان، ما هي القضايا الأساسية؟) 2014 الطبعة الأولى، ص 13-12.
- خالد كريمي، تاريخ البرلمان في أفغانستان: دراسة تحليلية، مجلة العدالة، العدد 9، أبريل/نيسان 2020، ص43.
- عبد الكريم خالد، تاريخچه قانون گذاری در افغانستان: دراسة تحليلية، مجلة الحقوق، العدد 12، أغسطس/آب 2016، ص12.
- عثمان تره كي، مقارنة بين دستور الأمير أمان الله خان والملك محمد ظاهر شاه، مجلة العدالة، العدد 7، سبتمبر/أيلول 2016، ص22.
- د امان الله خان دوري ته كتنه، حسن كاكر (نقد حكم أمان الله خان، حسن كاكر) 2018، الطبعة الأولى، ص85.
- سرور دانش، قانون أساسي افغانستان (الدستور الأفغاني، سرور دانش) 2012، الطبعة الأولى، ص66.
- جلال كريمي وآخرون، معرفي قانون أساسي (التعريف بالدستور الأفغاني)، 2016، الطبعة الثانية، ص92.
- تاريخچه قانون گذاری در افغانستان: دراسة تحليلية، مجلة الحقوق، العدد 12، أغسطس/آب 2016، ص54.
- نادر نادري، الدستور الأفغاني الحديث وأهميته، مجلة لجنة حقوق الإنسان، العدد 3، أغسطس/آب 2014، ص28.
- ذكيه عادلي، پیامدهای تعدد قانون أساسي در أفغانستان، مجلة الملف، العدد 7، أبريل/نيسان 2016، ص5.
- مقابلة الباحث مع المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، 29 فبراير/شباط 2025.
- مير غلام محمد غبار، أفغانستان در مسير تاريخ (أفغانستان في مسير التاريخ) 1992، الطبعة الخامسة، ص138.
- مقابلة الباحث مع وزير الخارجية الأفغاني في حكومة طالبان الأولى، الملا وكيل أحمد متوكل، 25 فبراير/شباط، 2025.
- بيان صادر من وزارة العدل الأفغانية بخصوص لقاء الوزير مع السفير الصيني، جاو شينغ، 12 سبتمبر/أيلول 2021.