سوريا وديمغرافية ما بعد الثورة

هنالك عوامل تحكم الخارطة الديمغرافية لسوريا قبل الثورة، إلا أن العنف الدموي للنظام الحاكم سيترك ظلاله لاحقا. ولعل أبرز السيناريوهات أن تكون المدن طاردة لأبناء الريف العلوي أو المواليين للنظام، مع إمكانية قيام أعمال انتقامية فضلا عن احتمال حركة نزوح إلى دول الجوار.
20128810149146734_2.jpg
هنالك عوامل تحكم الخارطة الديمغرافية لسوريا قبل الثورة، إلا أن العنف الدموي للنظام الحاكم سيترك ظلاله لاحقا (الجزيرة)

تصريحان لافتان طالعنا بهما لاعبان أساسيان في المعادلة السورية، الأول: تصريح لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بتحذيره مع قرب انتهاء عهد بشار الأسد وأسرته من تداعيات ذلك على "تقسيم سوريا" وتطور الصراع المسلح فيها من "صراع مذهبي" إلى صراع "عرقي"، والثاني للجنرال روبرت مود الرئيس السابق لبعثة المراقبين الدوليين الذي قال: إن سقوط الأسد الذي بات مسألة وقت لا يعني بالضرورة نهاية الصراع المستمر في سوريا.

وإذا كان تحذير أردوغان قد جاء خوفًا على الأمن القومي لبلاده بالدرجة الأولى من قيام دولة كردية كامتداد لما يسمى بـ"دولة كردستان"؛ إلا أن هذه المخاوف تبقى مُشرِعةً أبواب الاحتمالات على امتداد التقسيم ليشمل باقي سوريا، والخوف يبدو أمرًا واقعيًّا من أن تبتلع الطائفة الأكبر في منطقة الطوائف الأخرى الأصغر وتقيم "دويلتها" المستقلة بعد طردهم، ثم إن هذه الدويلات لن تكون بمنأى عن الصراع مع دول الجوار كما ستكون عليه الحال في حال قيام الدويلة الكردية مع الجارة تركيا.

صحيح أن مطالب الثورة السورية والتكلفة الغالية التي تدفعها من أجل الحرية والديمقراطية والتخلص من حكم الأسد وعائلته الذي ربض بكل ثقله على أنفاس السوريين لحد الاختناق على مدى نصف قرن، كانت هي شرارة الثورة السورية إلا أن ما تشهده البلاد وهي تخوض معركة تهديم "العهد القديم" وإقامة "العهد الجديد" على حد التعبير الأردوغاني لا يخرج عن كونه شكلاً جديدًا من أشكال الصراع على السلطة الذي اتخذ أشكالاً مختلفة على امتداد القرن العشرين من تاريخ سوريا الحديث. ولكن هذا الصراع قد يقود إلى تحولات ديمغرافية نظرًا للتنوع الطائفي والعِرقي في بلد لا تتعدى مساحته 182 ألف كم مربع.

هل سيؤدي الصراع على السلطة، بين النظام ومعارضته، وبين المعارضة ذاتها -العصية على الاتفاق نظرًا لتناقض مصالحها وتضاربها بل وشخصنتها- في النهاية إلى "انهيار الدولة" لإعادة بنائها من جديد أم إلى "إضعافها" لتسهيل عملية بنائها؟ إن الشواهد تُظهر أن "انهيار الدولة" هو السيناريو الأبرز، لكنه الكارثي. وهل الطرف الخارجي في اللعبة يريد لسوريا أن تخرج من الأزمة "دولة ضعيفة" و"جيشًا منهارًا ومفككًا" أم "دولة مقسمة لا جيش يذود عنها"؟

إن الثورة التي تعيشها سوريا هي جزء من مسار صراع تاريخي على السلطة تشهده البلاد منذ أكثر من قرن وقد اتخذ فيه الصراع الطبقي والديني دورًا بارزًا وحاسمًا. ولِنفهم تعقيد الأمر ينبغي أن نلقي نظرة على خارطة الطوائف والأقليات في سوريا.

الديمغرافية الدينية

نادرة هي الدراسات الإحصائية الرسمية المنشورة عن الديمغرافية الدينية في سوريا، منها نسبة نقرأها في كتاب نشرته وزارة الإعلام السورية عام 1982 بعنوان "سوريا اليوم"، وفيه أن "86 بالمئة من سكان سوريا مسلمون، و13,5 بالمئة مسيحيون، أما اليهود فبضعة آلاف"(1)، وبالطبع يندر اليوم الوجود اليهودي في سوريا.

وهناك دراسة أخرى تعود لإحصاء نُشر في العام 1984 تشير إلى أن "عدد المسلمين السنَّة  76.1%، و11.5 بالمئة علويون، و3 بالمئة دروز، و1 بالمئة إسماعيليون، و4.5 بالمئة مسيحيون، و0.4 بالمئة شيعة اثنا عشرية"(2).

وفي تقرير الحرية الدينية الدولية في العام 2006 الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية جاء أن في سوريا التي يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة (اليوم قرابة 22 مليون نسمة) يُمثَّل المسلمون السنَّة بـ 74 بالمئة (حوالي 12600000 نسمة)، فيما يقدِّر التقرير عدد العلويين والإسماعيليين والشيعة بـ 13 بالمئة من عدد السكان (نحو 2.2 مليون شخص)، فيما يشكِّل الدروز 3 بالمئة حوالي (500 ألف نسمة). أما الطوائف المسيحية المختلفة فيقدرهم التقرير بـ 10 بالمئة من السكان (حوالي 1.7 مليون نسمة)(3). ومن الأقليات الدينية الطائفة اليزيدية ويتركز وجودهم في منطقة الجزيرة السورية شمال شرق سوريا.

وفي كتاب (الصراع على سوريا الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة) للدكتور نيقولاس فاندام الدبلوماسي الهولندي المخضرم(4) يقول (ص 16-17): إن التقسيم الفرعي للسكان نسبة إلى اللغة والدين يكشف لنا أن 82.5 بالمئة يتحدثون العربية و68.7 بالمئة مسلمون سنيون. ونجد أن المسلمين السنيين الذين يتحدثون العربية يشكِّلون أغلبية عددية قوامها 57.4 بالمئة من مجموع السكان من حيث اللغة والدين، أما المجموعات المتبقية فيمكن أن تُصنَّف كأقليات عرقية أو أقليات دينية؛ وأكبر الأقليات الدينية في سوريا هم العلويون 11.5 بالمئة، والدروز 3 بالمئة، والإسماعيليون 1.5 بالمئة، فيما يشكل المسيحيون الروم الأرثوذكس 4.6 بالمئة وهم أهم الجاليات المسيحية في سوريا التي تبلغ نسبتها 14.1 بالمئة.

الديمغرافية العرقية

أما الأقليات العرقية الرئيسة فهم، بحسب فاندام، الأكراد 8.5 بالمئة والأرمن 4 بالمئة، والتركمان 3 بالمئة وأيضًا هناك الشراكسه. ومعظم الأكراد والتركمان والشراكسة هم مسلمون سنيون، إلا أن الأرمن مسيحيون وبالتالي فهم يمثلون أقلية عرقية ودينية في آن واحد.

ومن الأقليات العرقية أيضًا السريان ومنهم الآشوريون والكلدان، ويقدَّر عددهم بنحو 200 ألف نسمة في سوريا وأغلبهم يتركز في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا، والشركس يُقدَّر عددهم بحوالي 100 ألف نسمة. ومع تزايد العنف في سوريا زارت وفود من مجلس الشيوخ الروسي سوريا لبحث إمكانية عودتهم إلى موطنهم الأصلي بعد وساطة روسية طلبتها السلطات المحلية في جمهورية أديغيا بالقوقاز لاستضافة الشركس الذين يريدون العودة إلى وطنهم التاريخي الذي هاجروا منه في القرن التاسع عشر. وفيما يتركز وجود الدروز السوريين في محافظة السويداء وبعض قرى الجولان وفي ريف العاصمة السورية لاسيما جرمانا وأشرفية صحنايا، فإن الأرمن يتركز وجودهم في مدينة حلب ومدينة القامشلي شمال شرق سوريا.

توزع الأقليات في المدن والريف

يتميز الريف السوري، لا سيما في حمص وحماة وطرطوس، بالتجاور المدهش بين القرى العلوية والسنية والمسيحية؛ ففي ريف حمص ذات الأغلبية السنية هناك بعض القرى المختلطة وهناك قرى مسيحية بالكامل أو علوية أو تركمان سُنَّة أو قرى تنتمي للطائفة المرشدية. كذلك ريف حماة نجد فيه قرى للإسماعيليين والعلويين والمراشدة والشيعة والمسيحيين؛ وإن كانت المدينة المركز حماة يغلب عليها الوجود السني.

وفي ريف طرطوس ذات المركز السني هناك قرى يختلط فيها الوجود الإسماعيلي والمسيحي والعلوي وغيرهم من الطوائف مثل مصياف والقدموس والخوابي، وهناك قرى يتركز فيها الوجود التركماني السني.

أما الريف الحلبي فيضم قرى شيعية ومسيحية وعلوية ومختلطة، وفي المناطق الشمالية الشرقية مثل الحسكة والقامشلي، حيث يغلب الوجود الكردي، تتواجد أقليات مسيحية مثل السريان والأشوريين والأرمن.

وفي اللاذقية وريفها يتركز الوجود العلوي والمسيحي وهناك بعض القرى السنية، وفي مدينة جبلة هناك وجود سني مع أن الشائع أنها علوية.

وحتى داخل كل مدينة هناك أحياء لكل طائفة أو أقلية يعكس ما هو عليه حال الريف، وهناك أحياء تختلط فيها الأقليات العرقية والدينية بشكل فريد حتى في الشارع الواحد.

فعلى سبيل المثال: يغلب على ريف حمص الغربي الوجود المسيحي وهناك بعض القرى يتركز فيها التواجد العلوي مثل أم جامع وقرب علي وجن كمرة وخربة التين وخربة غازي، أما الوجود السني فيبرز بشكل عام في تل كلخ وقرية الحصن وأغلب سكانها من التركمان السنة، وهناك صلات قربى بين بعض العائلات وبين أهالي تل كلخ، أما القرى التي تحيط بتل كلخ فتتنوع كالموزاييك فقرية عين الخضرا من الطائفة العلوية فيما قرية البلهولية من الطائفة المرشدية، والقريات علوية وعزير موارنة، وحالات من التركمان السنة. وعلى طريق القبو شمال غرب حمص نجد أن قرية تل دو فيها علويون وسنة، وهناك في مريمين مراشدة وعلوية لكن السمة الأبرز للريف الغربي من حمص هو الغالبية المسيحية فيه.

أما في ريف طرطوس فنجد مثلاً في منطقة صافيتا طوائف مسيحية وعلوية وشيعة وتركمان سنة. وفي ريف حماة لنا مثال في مصياف التابعة للمركز السني ففيها نجد طوائف شيعة وجعفرية وعلوية وإسماعيلية ومسيحية وحتى سنية. وفي هذا الريف أيضًا نجد أن أغلب سكان منطقة سلمية من الإسماعيليين وحولها قرى مثل تلدرة والصبورة علوية، وفي ريف إدلب الذي يغلب عليه الطابع السني نجد قرى مثل الغسانية واليعقوبية فيها غالبية مسيحية وأقلية شيعة.

من الأمثلة القليلة التي لفتنا النظر إليها يظهر أن أي خطأ يُرتَكب باللعب على وتر الطائفية أو الأقليات سيكون خطأً تاريخيًّا وكارثيًّا لن تُمحى آثاره، وسيكون له تداعيات خطيرة على التركيبة الديمغرافية السورية.

ترييف المدن

الظاهرة اللافتة في سوريا التي حكمت هجراتها السابقة هي مدى التأثير الذي أحدثه الريف بالمدينة، لا سيما فيما يخص هجرة الأقليات والتي كان من أبرزها في الثلث الأخير من القرن الماضي الهجرة العلوية، فالكثير من هجرات أهل الريف إلى المدن أدى إلى تغيير في الخارطة الديمغرافية للسكان، وأدى بعد مطلع السبعينيات واستلام حافظ الأسد للسلطة إلى استحداث أحياء للعلويين، وقد ظهر ذلك جليًّا في حمص ودمشق نظرًا لتركز الكلية الحربية في حمص وتركز قيادة الفرق العسكرية والدوائر الحكومية والجامعات في دمشق.

وقد خلصت دراسة رسمية أصدرها المكتب المركزي للإحصاء بعنوان "الهجرة الداخلية في سوريا"(5) إلى أن "إن ما حدث للمهاجرين في سوريا هو أقرب للتكيف الاجتماعي، وهو مستوى أدنى من الاندماج يقوم على مواءمة المهاجرين لأنفسهم مع البيئة الاجتماعية الجديدة دون الحاجة إلى تغيير كبير في نمط حياتهم، وهكذا يكون معظم المهاجرين كمن يعيشون بأجسادهم في المدينة بينما طريقة تفكيرهم لا تزال في الأرياف".

إضافة إلى أن الكثافة السكانية العالية وتكاليف المعيشة المرتفعة، جعلا من مراكز المحافظات وجهة للمهاجرين الأغنياء فقط، أما المهاجرون من ذوي المستويات المعيشية المنخفضة فلم يتم إدماجهم بشكل كامل أو جزئي حسب تاريخ الهجرة في مجتمعاتهم الجديدة؛ مما دفعهم لتشكيل مناطق عشوائية مهمشة في بيئة غير مناسبة وغير مخدَّمة بشكل لائق، كما تقول الدراسة.

في حمص مثلاً نجد داخل المدن وعلى أطرافها أحياء جيدة من حيث التنظيم والخدمات مثل حي الزهرة، أما حي المهاجرين فكان مهمَلاً لدرجة كبيرة حتى إن الرئيس بشار الأسد عندما زار حمص مرّ على الحي وصُدِم مما رآه؛ وهذان الحيان يغلب فيهما الوجود العلوي. وفي دمشق ظهرت أحياء بأكملها مثل "المزة 86"؛ وكان نصيب مدينة ريف دمشق أكبر من تلك الهجرات، كما توسعت مناطق غلب عليها الوجود الدرزي مثل "جرمانا". وفي مناطق أخرى تركزت عليها هجرات أهل درعا فمثلاً من انتقل منهم إلى العاصمة للعمل والدراسة توجهوا بشكل لافت إلى منطقة "دوما"؛ لذلك نجد أنه عندما اندلعت الثورة السورية من درعا تردد صداها مباشرة في "دوما".

وهكذا على مدى نصف قرن تمدد الريف إلى المدينة وشكَّل ظاهرة أثَّرت على التركيبة المدنية في ظاهرة عُرفت بـ"ظاهرة ترييف المدن"، وإن كان التأثر جليًّا في موضوع تقسيم الأحياء على المنحى الديمغرافي نجد كذلك على الصعيد الاقتصادي تأثرًا أدى إلى تغيير كبير في مفهوم "مركزية رأس المال" الذي تركز على مدى قرون طويلة في يد "عائلات سنية ومسيحية وحتى يهودية" عريقة اشتُهرت بالعمل التجاري والاقتصادي، فهذا التأثير أدى إلى "تصنيع" طبقة من الأغنياء الجدد التي أتت بأغلبها من الريف المحروم إلى مدن تسيطر عليها البرجوازية المحلية عملت على مدى سنين على تغيير مفهوم علاقة رأس المال بالسلطة، سواء من ناحية تكوين شراكات بين العائلات البرجوازية القديمة والعائلات المقربة من النظام أو لناحية سيطرة العائلات الريفية المقربة من النظام بكل تكويناته الطائفية على القطاعات الاقتصادية والتجارية وتوزيعها على من يعلن الولاء والطاعة لها من العائلات البرجوازية.

ويبدو أن هذه الطبقات الدخيلة على المجتمع السوري بدأت بالتفكك التدريجي وربما وصل الأمر بها إلى مرحلة الانهيار، لأن النظام اعتمد بشكل كبير على أموال هذه الطبقة في مواجهة العقوبات الغربية الشديدة التي فُرِضت عليه.

نزوح وهجرات

ويمكن القول: إنه منذ تولي نظام الأسد الحكم نشطت في البلاد حركات النزوح والهجرات الكبرى والصغرى؛ فبعد العام 1970 شهدت البلاد هجرة داخلية كبرى من الساحل إلى باقي المدن لا سيما حمص ودمشق أدت إلى استحداث أحياء داخل المدن وعلى تخومها، كما سبق وأشرنا.

وفي العام 2009 شهدت حركة نزوح كبرى من منطقة الجزيرة التي تقع شمال شرق سوريا لأكثر من مليون فلاح من أرض الجزيرة إلى أحزمة الفقر في المدن، لا سيما دمشق وحمص، وإقامة مخيمات عُرِفت بـ"مخيمات البؤس" كان من أبرز أسبابها موجات الجفاف وسياسات الحكومات السورية التي بدأت منذ العام 2006 بتدمير ممنهج لاحتياطي المواد الغذائية التي شكَّلت مناعة سوريا وأمنها الغذائي طيلة عقود طويلة خاصة القمح؛ أما ما هي غاية حكومات الأسد المتعاقبة من وراء ذلك فهو أمر يحتاج إلى بحث آخر.

وسبق للمنطقة الشرقية أن شهدت حركة هجرة كبرى لاسيما إلى بلدان أوربا وبوجه الخصوص (السويد وألمانيا وهولندا) أدت إلى تغير في المعادلة الديمغرافية لا يقل خطورة؛ إذ انخفض فيها الوجود المسيحي حسب تقديرات بعض الخبراء إلى النصف تقريبًا وارتفع فيها الوجود الكردي.

الخارطة الديمغرافية بعد الثورة

إذا كانت العوامل المناخية والاقتصادية والسياسية هي التي حكمت رسم الخارطة الديمغرافية لسوريا ما قبل الثورة، إلا أن العنف الدموي الذي مارسه النظام الحاكم على الأرض السورية سيترك ظلاله على السنوات اللاحقة.

إذن نحن أمام سيناريوهات ديمغرافية لعل أبرزها تلك التي ترجح أن تكون المدن طاردة لأبناء الريف العلوي أو الموالي للنظام، أو تلك التي ترجح أعمالاً انتقامية في قرى معينة كرد فعل انتقامي؛ مما قد يؤدي إلى توزيع سكاني محكوم من ناحية طائفية ومن ناحية ولائية؛ فهناك على سبيل المثال قرى سنية وقبائل معروفة ساندت النظام لدرجة أنه اعتمد على شبابها في قمعه للثورة السورية، سيكون مصيرها العزل في "العهد الجديد".

وربما كان لحركة النزوح إلى دول الجوار شكل آخر من أشكال التأثير سواء على المناطق التي نزحوا منها أو على الدول التي نزحوا إليها، فهناك آلاف العائلات نزحت إلى تركيا والأردن ولبنان والعراق، فالعائلات الغنية وأصحاب رؤوس الأموال لجأوا إلى عواصم ودول مثل بيروت وعمَّان والإمارات واستقروا في الفنادق أو استأجروا لأنفسهم منازل وبدأوا بممارسة نشاط اقتصادي جديد، فيما لجأت العائلات الفقيرة إلى مخيمات حدودية، أو لجأوا إلى أقاربهم في محافظات أخرى. ومن غير المستبعد أن يبقى كثير منهم في بلاد النزوح، نظرًا لكون المؤشرات تشي بطول أمد الصراع في سوريا بعد سقوط النظام.

قد يجعل العنف وبث الأحقاد الطائفية والمذهبية من خيار التقسيم خيارًا فعليًّا، من الناحية السياسية، وإن كان من الناحية العاطفية مرفوضًا بشكل قاطع، كما يؤكد السوريون بكل أطيافهم. وقد يظهر هناك من يتكلم عن دولة كردية، ودولة سنية في حمص وحلب، ودولة علوية على الساحل السوري، ودولة درزية في السويداء. وإن لم يكن التقسيم أمرًا قائمًا على الأرض، فسيبقى لسنوات حاضرًا في نفسية السوريين وسيحكم إلى حد كبير العلاقة المجتمعية بحواجز لن تُرسَم على ورق الخرائط وإنما في داخل كل سوري.من جهة أخرى، فقد يجعل هذا التداخل الإثني-الطائفي، واسع النطاق، من أهواء التقسيم أمرًا عسيرًا في بلد لا يحمل موروثًا طائفيًّا ثقيلاً؛ فقد يفاجئ السوريون العالم بقدرتهم على امتصاص آثار هذه الحرب المدمرة، التي فُرِضت عليهم.
_________________________
جورج كدر - كاتب وإعلامي سوري

الإحالات
1- موقع السفارة السورية في براغ:
 http://www.syrianembassy.cz/index.php?clanek=33&lang=2)
2- موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية عن كتاب (سوريا بالأرقام)، مركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية، ج1 ص124، ج2 ص128 .
3- Syria  International Religious Freedom Report 2006
وهو موجود على موقع وزارة الخارجية الأميركية على الرابط:
http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/2006/71432.htm
4- الصراع على سوريا، نيقولاس فاندام-النسخة الإلكترونية.
5- الدراسة منشورة على الموقع الرسمي للمكتب المركزي للإحصاء:
  http://www.cbssyr.org/studies/st12.pdfh

ABOUT THE AUTHOR