عرفت العلاقات المصرية-السودانية مؤخرًا توترًا حادًّا رافقته حملة إعلامية في كلتا الدولتين وزاد من إيقاعه حدثان بارزان، هما: اتهام الخرطوم القاهرةَ بمساندة بعض الحركات المسلحة في دارفور وضبط مدرعات مصرية بحوزتهم هاجموا بها شرق وشمال إقليم دارفور، في شهر مايو/أيار 2017، وهو ما نفته القاهرة، وثانيًا: زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لأديس أبابا، في أبريل/نيسان الماضي، وهي زيارة أثارت كثيرًا من الريبة والتحفظ لدى القاهرة، خاصة في ظل الخلافات القائمة بين البلدين حول منطقتي "حلايب وشلاتين"؛ حيث عكس الإعلام المصري بوضوح القلق من تنسيق سوداني-إثيوبي على حساب مصر. على أن التوتر في العلاقات بين البلدين ظل دائمًا يستحضر التاريخ والجغرافيا بقوة، كما بات الشد والجذب علامة بارزة لهذه العلاقات، فما هي الجهات التي تتحكم في هذه العلاقات هنا وهناك؟ وكيف تتموقع مصر في حسابات السياسة الخارجية السودانية وكيف يتموقع السودان في السياسة الخارجية المصرية؟
للإحاطة بهذا الموضوع من مختلف جوانبه، ينشر مركز الجزيرة للدراسات ورقتين بحثيتين للوقوف على حيثيات العلاقة المعقدة بين البلدين وفهمها في جانبيها المصري والسوداني. وقد كتب الباحث المصري في القضايا الإفريقية، الدكتور بدر حسن شافعي، ورقة بعنوان: السودان في الحسابات المصرية: الموقع والدور، وفي المقابل كتب الباحث السوداني والأستاذ بجامعة الخرطوم، البروفيسور الطيب زين العابدين، ورقة تناولت: مصر في حسابات السياسة الخارجية السودانية.
1- السودان في الحسابات المصرية: الموقع والدور |
|||
|
يرصد هذا التقرير حالة التصعيد الأخيرة في العلاقات المصرية-السودانية لاسيما بعد اتهام الرئيس السوداني، عمر البشير، لمصر بدعمها متمردي درافور بالسلاح عبر جنوب السودان وليبيا. وهو التصعيد الذي سبقته تصعيدات أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر: فرض السودان تأشيرة دخول على المصريين وفق قاعدة المعاملة بالمثل. هذه الحوادث العرضية تشير إلى وجود خلافات بنيوية في سياق العلاقات بينهما، بعضها يرتبط مباشرة بالخلافات الثنائية حول ملفات حلايب وشلاتين، وإيواء المعارضة في كليهما ، فضلًا عن قضية التباين بالنسبة لمشكلة سد النهضة وميل الخرطوم تجاه أديس أبابا. أما بالنسبة للخلافات الراهنة على الصعيد الإقليمي فلعل أبرزها تباين المواقف بشأن أزمتي اليمن وليبيا، ناهيك عن جنوب السودان، فضلًا عن التقارب الراهن بين الخرطوم ودول الخليج خاصة السعودية بسبب الحرب في اليمن. وبالرغم من هذا التصعيد، فإن الاستراتيجية المصرية قد تميل إلى التهدئة خاصة فيما يتعلق بملف حلايب، لحاجتها المتزايدة للخرطوم في ملف سدِّ النهضة. وبالتالي، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات لتعامل القاهرة مع الأزمة، هي: التصعيد، أو بقاء الوضع كما هو عليه، أو التهدئة، وإذا كان السيناريو الأول مستبعدًا، فإن أيًّا من السيناريوهين الآخرين قد يكون أقرب للتحقق... المزيد |
2- مصر في حسابات السياسة الخارجية السودانية |
|||
|
مصر في الحسابات السياسية السودانية موضوع يقيده التاريخ وتؤطِّره الجغرافيا وتؤثِّر فيه المواقف السياسية بحيث لا يمكن استكناهه دون استنطاق التاريخ والجغرافيا والسياسة. كانت مصر متحفظة على استقلال السودان وظلت علاقة عبد الناصر بإسماعيل الأزهري غير ودية. كما ظل ملف السودان منذ الاستقلال وإلى اليوم في عهدة جهاز الاستخبارات المصري، وكان معظم سفراء مصر إلى السودان من العناصر الأمنية والاستخباراتية. وما فتئت قسمة مياه النيل تشكِّل هاجسًا هنا وهناك، فالقاهرة ترى أن لها حقوقًا في النيل حددَّتها اتفاقية 1929 في حين ترى الخرطوم وأغلب دول المنبع أن تلك الاتفاقية كرَّست قسمة غير منصفة لمياه النيل. وظلَّت مشكلتا حلايب وشلاتين جانبًا مهمًّا من الحسابات السياسية السودانية تجاه مصر؛ حيث تؤكد الخرطوم أن وجود مصر في المنطقة "احتلال عسكري"، وهو ما ترفضه مصر. وقد تم الاتفاق بين البلدين على تنفيذ الحريات الأربع: الإقامة والتنقل والتملك وحق العمل. وإذا كان السودان قد طبَّق منذ 2004 هذه الحريات عدا التملك للأجانب الذي يمنعه القانون السوداني، فإن مصر لم تفعل نفس الشيء، وإن كانت تسمح لأعداد كبيرة من السودانيين بالإقامة في مصر، ولكنها تعاقبهم حين تسوء علاقتها بالسودان. ومع أن الخرطوم ترغب في البُعد عن أية مشكلات مع القاهرة إلا أن العقبة التي تعترض مسيرة العلاقات الحسنة تأتي في أغلب الأحيان من الأجهزة الأمنية ومن بعض وسائل الإعلام ومن القرارات الفوقية التي تتأثر بجماعات الضغط الداخلية والخارجية... المزيد |