تثير قضية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية جدلاً واسعًا في اليمن، وصل حد الأزمة السياسية بعد أن رفض الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح إقالة أقاربه من المؤسسة العسكرية الأمنية، وهدد بسحب وزراء حزبه من الحكومة؛ فرد عليه الرئيس الحالي عبد ربه منصور بالتلويح بتشكيل حكومة جديدة، فخفت حدة التوتر، وتخطت الحكومة هذه الأزمة. من جهة أخرى، أعلن عدد من قوى الثورة رفضه المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل المزمع إجراؤه في الشهر القادم، إبريل/نيسان 2012، حتى تتم إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.
ويُفترض بموجب المبادرة أن تكون الهيكلة من أعمال المرحلة الثانية للتسوية وتتصدر قائمة أولويات الرئيس الجديد عبد ربه هادي، إلا أن تعقيداتها كبيرة، بسبب أهمية المؤسسة العسكرية في موازين القوى بين قوى الثورة وبقايا النظام السابق، وبسبب الغموض في نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حول إعادة الهيكلة، وخضوعها لتفسيرات متباينة من كل طرف، وتدخلات خارجية ترجح مصالحها الخاصة.
الهيكلة وأهميتها
لعل جزءًا من الجدل الدائر اليوم حول قضية الهيكلة، عائد إلى الخلاف حول مضامينها والمقصود منها؛ فهناك خلط وتداخل بين الهيكلة بمعنى إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية ومهنية، وإعادة صياغة عقيدتها العسكرية، وتحديد مهامها واختصاصاتها بعيدًا عن التجاذبات والصراع السياسي؛ بحيث تخضع فقط للتسلسل القيادي المؤسسي وصولاً إلى السلطة المدنية المنتخبة. وهو أمر ولا شك يحتاج إلى وقت طويل، وسلسلة من الإجراءات والخطوات المتأنية والمعقدة في نفس الوقت؛ وبين الهيكلة بمعنى أقرب إلى التدوير الوظيفي للوظائف العليا في المؤسسة الأمنية والعسكرية، والذي يعني في الحالة اليمنية إزاحة أقرباء الرئيس السابق صالح من السيطرة على المفاصل الحساسة في الجيش وأجهزة الأمن. والتي ينظر إليها العديد من قوى الثورة على أنها خطوة مهمة وحيوية لا تقبل المماطلة والتسويف للحفاظ على ما تم تحقيقه من نجاح في مسار التغيير السلمي، وتطبيق ما تبقى من الخطوات في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وضمان الاستقرار في المرحلة القادمة.
إعادة الهيكلة ومواقف الأطراف المختلفة
نصت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في الفقرة (16) على أن من مهام اللجنة العسكرية إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة, واتخاذ أية إجراءات أخرى من شأنها أن تمنع حدوث مواجهات مسلحة، عبر عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية. وهو ما أشارت إليه الفقرة (17) التي ألقت على عاتق اللجنة العسكرية تحقيق الأمن والاستقرار خلال مرحلتي الانتقال الأولى والثانية، واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحدة في إطار سيادة القانون.
وهذه الإشارة الفضفاضة وغير المحدِّدة بدقة للمقصود بالهيكلة، أدت إلى التباين في المواقف والتفسيرات حولها. وإن كان الغرض الواضح منها هو إنهاء الانقسام الحاصل في المؤسسة العسكرية، وتحييدها عن أن تكون مدخلاً للنفوذ السياسي لأي طرف، من خلال بناء مؤسسة احترافية محايدة تخضع للمصالح الوطنية العليا، وتنأى بنفسها عن الصراعات السياسية والحزبية. وكمدخل، لابد منه، لإنهاء الأوضاع المتوترة والانفلات الأمني وحالة عدم الاستقرار الناتجة عن الصراع طوال أشهر الثورة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تصاعد الجدل والنقاش حول ضرورة ومقتضيات إعادة الهيكلة؛ فشباب الثورة وأحزاب المشترك تعتبر الهيكلة خطوة ضرورية وحاسمة لا تقبل التأجيل، يجب أن تسبق إجراء مؤتمر الحوار الوطني الشامل. ومن المفترض أن يؤدي تطبيقها إلى إبعاد أقارب الرئيس السابق صالح من مواقعهم: نجله أحمد علي عبد الله صالح من منصبه كقائد للحرس الجمهوري، وأبناء أشقائه، يحيى وعمار، من مناصبهم في قيادة الأمن المركزي، وجهاز الأمن القومي (المخابرات).
ويقول محتجون ونشطاء: إنه إذا سُمح لأعضاء الدائرة المقربة من صالح بالبقاء في مواقعهم العسكرية الحساسة، والتي ساهمت بشكل رئيسي في بقاء صالح في السلطة رغم الثورة الواسعة التي قامت ضده، فإن صالح يستطيع أن يستمر في ممارسة نفوذه من وراء ستار. وهناك خشية، في حال استمرارهم في مناصبهم، من أن يكونوا بمثابة رأس حربة في "الثورة المضادة" التي يبدو أن "صالح" عازم على شنِّها كما يبدو في خطابه الأخير والذي قلَّل فيه من شأن ثورات الربيع العربي، وهدد بكشف أوراقها على حد زعمه. ولا يزال لدى صالح وأقربائه العديد من الصلات والعلاقات التي تجعلهم قادرين على إعاقة جهود البناء وإرباك حكومة الوفاق القائمة.
أحزاب اللقاء المشترك، من جانبها، رفضت المشاركة في أي حوار قبل إعادة هيكلة الجيش. وتؤكد قياداته أنه في ظل بقاء الجيش منقسمًا وعدم خضوع قوات الأمن لسيطرة وزيري الدفاع والداخلية والرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، فإنه لا معنى للحوار، وليس من المجدي الذهاب إلى حوار وطني طالما بقيت التسوية السياسية والمبادرة الخليجية وآليتها والرئيس الجديد وحكومة الوفاق الوطني تحت رحمة العائلة المسيطرة على المناصب الحساسة في المؤسسة العسكرية والأمنية، يستمدون منها قوتهم السياسية، وهي ربما تكون إشارة ضمنية إلى أنه إذا أراد أقرباء صالح التحول إلى قوة سياسية فعليهم أن يستمدوا ذلك من خلال الأدوات السياسية وثقلهم الشعبي، وليس من خلال بقائهم ممسكين بمفاصل القوة في الدولة.
في الطرف المقابل، من الطبيعي أن المعنيين بالأمر من أقرباء صالح يرفضون التخلي عن مناصبهم، ويضغطون بوسائل مختلفة -لا يُستبعد أن من بينها ورقة محاربة القاعدة- للبقاء في هذه المناصب على الأقل حتى نهاية الفترة الانتقالية الثانية عام 2014. وربما يقدمون إغراءات معينة لأطراف خارجية، ويلوحون بتحذيرات بأن وحدات من الجيش قد يجري تفكيكها في حال تمت عملية إبعادهم من مناصبهم، تدعمهم في ذلك قيادات الحزب الحاكم القريبة من صالح، التي ترفض قطعًا إجراء تغييرات قيادية تمس المحسوبين على النظام السابق، وتستخدم في سبيل ذلك وسائل الضغط على الرئيس هادي المحسوب على حزبهم، عبر سياسات وضع العراقيل، على شاكلة رفض البدء في الهيكلة حتى يتم توحيد الجيش وإنهاء التمرد. وأكدت قيادات في المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم السابق) أنه لا حوار ولا هيكلة قبل إخراج الميليشيات المسلحة من العاصمة وبعض المدن، وإنهاء التمرد العسكري في القوات المسلحة، والمقصود به إقالة القادة العسكريين المؤيدين للثورة لإنهاء حالة الانشقاق.
ولا تُخفي بعض هذه القيادات آمالها في إمكانية الدفع بنجل الرئيس، أحمد علي عبد الله صالح، لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة بعد سنتين، (ورد ذلك على لسان الأستاذ عبده الجندي، المتحدث باسم المؤتمر الشعبي العام، في مقابلة مع صحيفة عكاظ السعودية).
وبالتأكيد فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الشخصية المحورية في ملف إعادة الهيكلة، فهو من جانب الرئيس المنتخب، وبيده صلاحيات رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي نفس الوقت رئيس اللجنة العسكرية المخولة حسب المبادرة بإدارة عملية الهيكلة. وهو دون شك يقع تحت ضغط شديد من أكثر من جهة، سواء من قبل قوى الثورة التي تطالب باتخاذ قرارات سريعة وحاسمة تُقصي تمامًا من بقي من أقرباء صالح في المؤسسة العسكرية والأمنية، وضغط من قبل صالح وقيادات حزبه القريبة منه لإقصاء القيادات المنشقة والإبقاء على أقرباء صالح أو إعادة توزيعهم في مناصب قيادية داخل المؤسسة. فيما يحاول الرئيس هادي على ما يبدو الوقوف على مسافة متساوية من الطرفين، فلا يتم تصنيفه على أنه مؤيد لقوى الثورة، ولا خاضع للوصاية من قبل الرئيس السابق وقيادات حزبه. ومن الواضح أن تعقيدات هذا الملف والتدخلات الخارجية تجعل الرئيس هادي ملتزمًا بأقصى درجات التأني والحذر في التعاطي معه. ويحتاج قبل اتخاذ أية قرارات حاسمة إلى الحصول على أعلى نسبة دعم ومساندة داخليًا وخارجيًا.
وفيما يتعلق بالمواقف الخارجية، يعد الموقف الأميركي هو الأكثر أهمية، على اعتبار أن الولايات المتحدة -حسب مصادر دبلوماسية- هي المعنية بقضية الهيكلة، بموجب ما يشبه توزيع أدوار بين الأطراف الخارجية الراعية للمبادرة الخليجية.
ويفسر بعض المحللين التصريحات الأميركية المتضاربة فيما يتعلق بإزاحة أقرباء صالح، إلى إشراف هؤلاء على الوحدات والأجهزة الأمنية المكلَّفة بشكل مباشر بمهمة مكافحة "الإرهاب"، وخشية واشنطن من أن يؤثر إبعادهم على مستوى التعاون اليمني-الأميركي في هذا الشأن، في وقت تخوض فيه القوات اليمنية حربًا على القاعدة في أكثر من منطقة. ويفترض محللون أن الولايات المتحدة تستخدم بقايا عائلة صالح أوراقًا مؤقتة لتضمن تنفيذ سياساتها وأجندتها في اليمن، أو كفزاعة تطلقها في وجه القوى الوطنية. لكن ذلك ليس خيارًا إستراتيجيًا بالنسبة لها، فمن غير المتوقع أن تراهن واشنطن على بقاء أقرباء صالح في مناصبهم أو في السلطة لفترة طويلة، في وقت يدرك محللوها الإستراتيجيون أن الفرص السياسية أمام هؤلاء محدودة جدًا في غياب صالح. وعلى ما يبدو تريد واشنطن فقط أن تتم إزاحتهم بصورة تدريجية لا تؤثر على مجريات الحرب مع القاعدة، خصوصًا أن أقارب صالح لا يزال بيدهم العديد من الأوراق التي يمكن استخدامها لتعقيد المشهد. فالإدارة الأميركية تريد مزيدًا من الوقت لإقامة علاقات مع القيادات الجديدة، وربما دعم قيادات جديدة مفضلة لديها بما يحافظ على مصالحها في جهود مكافحة "الإرهاب" على المدى الطويل.
السيناريوهات المحتملة لإعادة الهيكلة
نتيجة الغموض في المقصود بعملية الهيكلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتدافُع العديد من الأطراف الداخلية والخارجية والتباين في المواقف حولها، فإن السيناريوهات المحتملة لإعادة الهيكلة متعددة، نخص بالذكر منها ثلاثة سيناريوهات رئيسة:
سيناريو الالتفاف على الهيكلة
وذلك بأن يتم إقالة القادة العسكريين المحسوبين على الثورة، بحجة إنهاء الانقسام في المؤسسة العسكرية وتحويلهم إلى التقاعد أو إلى وظائف استشارية، فيما يجري تحويل أقارب صالح إلى مناصب قيادية رفيعة أخرى داخل المؤسسة. ويدفع باتجاه هذا السيناريو المحسوبون على الرئيس صالح وأعوانه. وما يقال -في معلومات غير مؤكدة- من أن هناك ضغوطًا من بعض الأطراف الخارجية على الرئيس هادي لاتخاذ مثل هذا القرار.
وما يجعل هذا السيناريو مستبعدًا أو ضعيف الحدوث أنه، من ناحية، يمثل خروجًا على بنود المبادرة الخليجية المنظِّمة لعملية انتقال السلطة، رغم أنه يدخل ضمن الصلاحيات الدستورية للرئيس الجديد. ومن الناحية العملية -وهي الأكثر أهمية- أن ذلك سيؤدي إلى ترجيح كفة بقايا النظام السابق على حساب قوى الثورة، ويجعل ما حققته الثورة من مكاسب حتى الآن في خطر حقيقي. وهذا الخلل في التوازن ليس في صالح الرئيس الجديد نفسه؛ حيث سيكون تحت رحمة القوى النافذة في النظام السابق، ويجرده من القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة لا تلقى ترحيبًا من قبلهم.
ومن المستبعد أن يكون مثل هذا السيناريو مقبولاً أو مرحّبًا به من أحزاب المشترك التي ترى أن خروج صالح وأقربائه شرط مهم لاستقرار الحياة السياسية، ورفضها أن تستمر المؤسسة العسكرية مصدرًا للنفوذ السياسي لأي طرف. وسيكون غير مرحَّب به أيضًا من شباب الثورة، الرافضين قطعًا أن يستمر المتهمون باقتراف جرائم قتل الثوار والتنكيل بهم، في نفس مواقعهم القيادية، بعد أن نجوا من العقاب بموجب حصانة يرونها ظالمة. وعلى الأرجح أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى إشعال الثورة الشبابية مجددًا، بسبب الشعور العام بأن الثورة حققت هدفها في إخراج صالح من السلطة، لكن مشروع التوريث ما يزال قائمًا، وهو أحد الأسباب الرئيسية للثورة.
سيناريو التغيير الشامل
السيناريو الآخر يقضي بإخراج القيادات العسكرية المحسوبة على الثورة وتلك المحسوبة على الرئيس السابق، وتعيين بدلا عنها شخصيات مستقلة يتم اختيارها بالتوافق، بحيث يتم إقالة النجل الأكبر للرئيس السابق العميد أحمد علي عبد الله صالح من منصبه الحالي كقائد لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، بالتزامن مع إقالة قائد المنطقة الشمالية والغربية قائد الفرقة الأولى المدرعة اللواء علي محسن الأحمر من منصبه الراهن. وإقالة أهم القيادات العسكرية المحسوبة على الطرفين وتحويلهم إلى وظائف استشارية.
وهذا السيناريو محتمل في ظل وجود أطراف خارجية مؤثرة قيل إنها تدعمه، إلا أنه أكثر تعقيدًا مما يبدو ويحتاج إلى توافق قد يكون من الصعب تحقيقه. ومن المؤكد أن هذا القرار سيكون محل رفض شديد من صالح وأعوانه ما لم توجد قوى ضاغطة كبيرة تفرضه عليهم. فهو يجردهم من مصادر القوة الوحيدة المتبقية بأيديهم ويفسح الطريق أمام انهيار ما تبقى من النظام السابق.
وهناك أطراف دولية وإقليمية ربما لا تفضل إجراء تغييرات كبيرة ودراماتيكية في المؤسسة العسكرية قد تنعكس على الاستقرار، في وقت أصبحت هذه المؤسسة هي الضامن الوحيد للاستقرار وضمان تماسك الدولة، ومواجهة تهديد القاعدة الزاحف بقوة.
وقد يحتاج الرئيس هادي لإصدار مثل هذا القرار إلى توافق جميع القوى، فهو لا يملك سلطة التصرف الأحادي دون الرجوع إلى مكونات الطيف السياسي الحاكم. ووضعه الراهن كمنفذ للاتفاقية (المبادرة) ورئيس توافقي، يفرض عليه إجراء سلسلة من التفاهمات مع أطراف العملية السياسية، بموازاة الحصول على إسناد المجتمع الدولي، قبل المضي قدمًا في إعادة الهيكلة واتخاذ قرارات حاسمة وشاملة في هذا الجانب.
سيناريو إصلاح تدرجي يحافظ على توازن مؤقت
وذلك بأن يجري إدخال إصلاحات متدرجة في المؤسسة بصورة شاملة، وإزاحة متدرجة أيضًا للقيادات الفاسدة وغير المؤهلة، مع الحفاظ على نوع من التوازن المؤقت بين الطرفين. ومن الممكن أن يتم استبعاد عدد من أقارب الرئيس صالح من المؤسسة العسكرية والأمنية، وتعويض قادة عسكريين محسوبين على الثورة بشخصيات مستقلة محل توافق. في حين تظل القيادات الرئيسية في الجيش في مواقعها، ويتم التركيز بشكل رئيسي على إبعاد أقارب صالح من السيطرة على الأجهزة الأمنية والمخابرات، للتقليل من خطر ما يسميه البعض إرهاصات الثورة المضادة، على اعتبار أن بإمكان هذه الأجهزة أن تعمل في الخفاء لإثارة قلاقل وخلق مشكلات مما لا تستطيع وحدات الجيش عمله في العلن. وهذا السيناريو المتدرج ربما لن يكون محل قبول من قوى عديدة تريد أن تلمس تغييرات سريعة وحاسمة.
وهناك سيناريوهات أخرى أقل احتمالاً؛ كأن ينزلق الطرفان إلى العنف مرة الأخرى في حال فشلت الحلول التوافقية. أو تحدث انتفاضات من داخل هذه المؤسسات تؤدي إلى إزاحة الشخصيات الفاسدة والمحسوبة على النظام السابق، فهذه المؤسسات ترزح تحت ثقل كبير من الفوضى والفساد ومخالفة اللوائح والقوانين المنظمة لعملها. خصوصًا أن الشعور العام بتراجع القبضة الأمنية أعطى موظفي أجهزة الدولة المدنية والعسكرية قدرًا عاليا من الثقة بأن عهد الدولة البوليسية قد ولَّى وأنه لم يعد هناك ما يدعو للخوف، مع ملاحظتهم أن العائلة الحاكمة لم تعد صاحبة القرار في البلاد كما كان عليه الأمر قبل توقيع المبادرة، وأن تأثيرها أصبح محصورًا في حدود تضيق مع الوقت.
ويبدو أن الخيار الأرجح هو خيار الإصلاح المتدرج للقوى الأمنية والعسكرية، لأنه يراعي نوع سلطة الرئيس الحالي عبد ربه هادي، وهي سلطة توافقية، تحتاج إلى دعم صالح وأعوانه، ويراعي أيضًا مصالح دول الجوار والقوى الغربية في الحرص على تماسك اليمن، دولة وإقليمًا حتى لا يصبح مسرحًا للقاعدة، ولن يتحقق ذلك إلا إذا توافقت إعادة الهيكلة مع تماسك المؤسسة العسكرية لتظل الضامن الرئيسي لعملية الانتقال السياسي الجارية.