التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي في سياق أوسع: الرؤية والردود الإيرانية المحتملة

ترسم هذه الورقة ملامح الرؤية الإيرانية وردود طهران المحتملة علی الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي بالترکيز علی سؤال: أين تضع طهران الاتفاق فيما يتعلق بالمواجهات الإقليمية والدولية بين إيران وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وشرکائها من جهة أخرى؟
اجتماع إماراتي – إسرائيلي بحضور كوشنر مستشار الرئيس الأميركي (رويترز)

بعد أخذ المواجهة الإيرانية-الأميركية إطارًا أمميًّا بمحاولات واشنطن استصدار قرار أممي يوقف مفعول القرار 2231 القاضي بإنهاء حظر استيراد وتصدير السلاح من وإلی إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2020، فوجئت طهران بتطوُّر لافت في جوارها لا يَبعُد عن تلك المواجهة. ففي الثالث عشر من أغسطس/آب (2020) أعلن الرئيس الأميركي عن اتفاق بوساطته لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل(1). ورغم أن التطبيع لم يکن وليد لحظة الإعلان، إلا أن اقتران الإعلان عن الاتفاق بالمواجهة الأميركية-الإيرانية وإسقاطاتها الإقليمية جعله جزءًا من صراع أوسع يجمع إيران و"محور المقاومة"، من جهة، والولايات المتحدة ووکلاءها، من جهة أخرى. وأتت ردود الفعل الغاضبة من طهران لتؤکد هذا الترابط في المخيلة الاستراتيجية الإيرانية؛ فقد شجبت الخارجية الإيرانية الخطوة واصفة إياها بـ"حماقة استراتيجية" وتوعَّد الرئيس الإيراني بتعاط مختلف مع الإمارات بينما اعتبر الحرس الثوري الاتفاق بداية لاستعمار إسرائيلي للإمارات، وقال رئيس هيئة الأرکان الإيرانية إن بلاده ستُحمِّل الإمارات مسؤولية أي خطر يتهدد الأمن القومي الإيراني. نحاول في هذه الورقة الإلمام بالرؤية الإيرانية وردود طهران المحتملة علی الاتفاق المذکور بالترکيز علی سؤال ذي بُعدين: أين تضع طهران الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي فيما يتعلق بالمواجهات الإقليمية والدولية بين إيران وحلفائها، من جهة، والولايات المتحدة وشرکائها، من جهة أخرى؟

إسقاطات المعرکة الدولية

بعد خروجها من الاتفاق النووي، في مايو/أيار 2018، وضعت إدارة الرئيس ترامب سياسة الضغط الأقصی (Maximum Pressure) لحمل إيران علی القبول بالمطلوب أميرکيًّا. ولم تُعِرْ واشنطن حلفاءها اهتمامًا کبيرًا عند الخروج ولم يُثمر الحجيج الأوروبي لواشنطن في ثني رئيسها عن دأبه "نسف الاتفاق"؛ فقد غلب البُعد الداخلي والأحادي لسياسة ترامب علی البُعد الدولي والتعددي لسياسة سلفه. وقامت سياسته علی فرضية تقول بجدوى الضغط علی إيران لحملها علی تغيير سلوکها وفقًا للرؤية الأميركية. وقد خُيِّرت طهران بين التراجع أو مواجهة السقوط(2).

إلا أن "المقاومة الفعالة" التي أبدتها طهران، غيَّرت الصورة بعد تغييرها الفهم الأميركي لإسقاطات الضغط علی إيران. طرأ ذلك علی المعادلة القائمة في مايو/أيار 2019 حين تراجعت طهران بشکل متدرِّج عن التزاماتها النووية(3) وقامت بمناکفة الولايات المتحدة عسکريًّا ما وصل في ذروته إلی إسقاط مسيَّرة أميرکية عالية التقنية في يونيو/حزيران 2019(4). والواضح أن الکلفة الانتخابية للمقاومة الفعالة الإيرانية علی ترامب کان لها دور فاعل في تغيير سياسته.

وأخَذَ التغيير الأميركي طابعين، إقليميًّا ودوليًّا، رکَّز الأول علی ميزان القوى  علی الأرض کما استهدف قلبه ضد طهران، ودأَبَ الثاني علی إحداث إجماع لم يُخيَّل لترامب الحاجة إليه عند انسحابه من الاتفاق النووي. وانتقلت المعرکة إلی مجلس الأمن من جهة والشرق الأوسط من جهة أخرى. دوليًّا، قامت الولايات المتحدة بإعادة التموضع وفق المستجد من استمرار الاتفاق النووي رغم خروجها وإعادة فرضها العقوبات علی إيران. وبعد فشلها تمرير قرار أممي يوقف مفعول القرار 2231 لإنهاء حظر السلاح علی إيران(5)، أعلنت أنها ما زالت "عضوًا مشارکًا في الاتفاق"، حسب قرار مجلس الأمن 2231 وأنه يحق لها استخدام "آلية الزناد" في الاتفاق النووي لإعادة فرض العقوبات الأممية علی طهران(6)، ورفض مجلس الأمن مسودتين أميرکيتين لتمديد حظر السلاح(7) کما رفض أهلية واشنطن لتفعيل آلية الزناد(8).

إقليميًّا، ازداد الضغط العسکري والأمني علی إيران منذ منتصف 2019 وجرى التصعيد إلی حدود غير مسبوقة باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني الماضي. وعلی صعيد متصل، لم توفِّر إدارة ترامب الوقت لدفع رؤيتها حول القضية الفلسطينية قدمًا في إطار "صفقة القرن"، واعتبرت الضغط علی إيران وحرکات المقاومة وإضعافها جزءًا من تلك الرؤية؛ فقد طلب البيت الأبيض من البنتاغون زيادة الضغط علی طهران لتمرير صفقة القرن وتقريب الدول العربية من إسرائيل قبل الإعلان عنها(9)، واصطفت کل من إسرائيل والسعودية والبحرين إلی جانب واشنطن في محاولتها الضغط علی إيران. وأتت المبارکة الإماراتية علی شکل هدية قُدِّمت بإعلان رسمي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أخذ شکل دعاية لترامب في خضم المعرکة الانتخابية في الولايات المتحدة. فالاتفاق يخدم نتنياهو المأزوم داخليًّا وترامب المشغول انتخابيًّا أکثر من خدمته المصلحة الإماراتية(10).

تريد الولايات المتحدة للاصطفافات الإقليمية أن تُجبر إيران علی تغيير سياستها وفق مطالب الولايات المتحدة وآمال رئيسها الانتخابية -الذي يرکِّز علی تغيير سياسة إيران لاستثماره داخليًّا أو رسم صورة لتغيير كهذا علی أقل تقدير. وتخدم الصورة التي جرى إخراج الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي بها الهدف الثاني وهو ما زاد الترکيز عليه في زيارات وزير الخارجية الأميركي للمنطقة ودعوته باقي الدول العربية للتأسي بالنهج الإماراتي(11). لذلك، لم تبتعد رؤية استراتيجيي طهران عما أردف رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، من أن الاتفاق مع الإمارات جزء من الجبهة الإقليمية ضد إيران.  

المواجهة في المنطقة

تصاعَدَ التوتر الإيراني-الأميركي إلی حدود لم تعهدها العلاقة المأزومة منذ أربعة عقود، وبَنَتْ إدارة ترامب سياستها الإيرانية علی افتراضٍ دأبَ الإيرانيون علی تفنيده: کلما ازداد ضغط العقوبات علی طهران، تتزايد احتمالات التراجع الإيراني. وأمام واقع لم تتوقعه واشنطن من ممانعة ومقاومة إيرانيتين، بدأت الإدارة الأميركية الميل إلی خطوات أکثر إيلامًا لطهران في المنطقة. وارتبط ذلك باقتراب موعد الانتخابات الأميركية وحاجة ترامب لإنجاز في السياسة الخارجية. بذلك ترکَّز العمل علی ثلاثة مستويات بشکل متزامن:

العمل المباشر وضرب أهداف إيرانية في المنطقة: بدأ ذلك بتزايد الخروقات للأجواء الإيرانية وردَّت طهران عليه بإسقاط طائرة تجسس أميرکية. ولم تتصور طهران وصول الأمور إلی استهداف الجنرال، قاسم سليماني، وهو ما ردَّت علیه باستهداف قاعدة عين الأسد في تطور غير مسبوق أيضًا.   

إحکام حصار العقوبات علی الاقتصاد الإيراني: وصلت العقوبات الأميركية إلی مستوی غير معهود حيث لم يعد ثمة کيان اقتصادي إيراني مهم لم تطله العقوبات الأميركية، وانتقل الأمر إلی معاقبة شخصيات سياسية وثقافية ما يُشير إلی انتهاء بنك الأهداف الاقتصادية. کما رکَّزت واشنطن علی إضعاف العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران بجوارها کالعراق وترکيا وباکستان وأفغانستان.

خلق جبهة إقليمية ضد إيران بمشارکة إسرائيل ودول عربية: قامت واشنطن عبر مشروعها "صفقة القرن" ونقلها لسفارتها للقدس والاعتراف بضم الجولان بدعم اسرائيل. ولم تلقَ هذه الخطوات اعتراضًا يُذکر من الدول العربية بل تلاها تطبيع العلاقات الإسرائيلية-الإماراتية، کما جری الحديث عن تطبيعٍ آتٍ لدول عربية أخرى مع إسرائيل. وتتمثَّل الاستراتيجية الرئيسة -کما تُقرأ في طهران- في خلق جبهة عربية-إسرائيلية ضد إيران ومحور المقاومة.

بشکل عام، ترابط التهديد الدولي بالإقليمي في الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي بمبادرة أميرکية، وانتشر نبأ الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي في سياقٍ يضع أبوظبي في خانة العداء لطهران، وما التصريحات الإيرانية ضد الاتفاق والإمارات إلا إفصاح عن تلك القراءة وإعلان بأن الخطوة لن تُقبل إيرانيًّا ولن يجري التغاضي عنها، وهو -کما يبدو- تحذير مبطَّن يقول بتأثير الاتفاق السلبي علی مستقبل العلاقات الإيرانية-الإماراتية.

رفض "الخيانة"

تربط طهران بالإمارات علاقات تجارية عالية المستوى، خُيِّلَ، کما يبدو، لأبوظبي أنها ستمنع طهران من اتخاذ موقف ضد الإمارات إنْ هي أظهرت الولاء للمعسکر المعادي لجبهة المقاومة بالتطبيع مع أکبره عداءً لها، أي إن "الضغط الأقصی" قد لعب دورا في بناء جزء من الحسابات الإماراتية. إذ اعتقدت أبو ظبي أن إيران المنهکة اقتصاديًّا والمعرضة لتهديدات واشنطن المتواصلة لا يسعها الالتفات بجدية لحَدَثٍ كهذا. 

لکن ورغم أهميتها وتأثيرها، لا تحدد الحسابات الاقتصادية مسار السياسة الخارجية الإيرانية وقراراتها الاستراتيجية إلا بشکل ثانوي. لذلك، صدرت تصريحات من أعلی الرسميين الإيرانيين ضد الإمارات "لخيانتها" وارتمائها في أحضان إسرائيل. فقد صرَّح المرشد الأعلی بأن الإمارات خانت العالم الإسلامي والعالم العربي ودول المنطقة، کما خانت القضية الفلسطينية(12). وشجب الرئيس، حسن روحاني، التقارب الإماراتي-الإسرائيلي واعتبره خيانة وخطأ إماراتيًّا مرفوضًا مئة في المئة، قائلًا: إن تلك الخيانة لن تأتي بالأمان للإمارات(13). وحمَّل قائد الأرکان الإيراني الإمارات أي مضاعفات أمنية تترتَّب علی هذه الخطوة(14). وأتت تصريحات عدة في ذات السياق. ويبقی السؤال عن أسباب الغضب الإيراني وهذه الردود. ثمة خمسة أسباب يمکن استخلاصها من الرؤى  المطروحة في طهران حول الاتفاق تخص القضية الفلسطينية وکذلك إيران وحلفاءها:

  • العدول عن مبدأ "الأرض مقابل السلام": فتحت الإمارات باب التطبيع مع إسرائيل دون مقابل وقدمت التطبيع نزولًا من المبدأ الذي ساد الموقف العربي إزاء السلام منذ 1967 أي "الأرض مقابل السلام". والأسوأ هو أن الاتفاقية تُسهم في إذابة القضية الفلسطينية بأيادٍ وإرادات غير فلسطينية. هذا، بينما الإمارات ليست دولة من دول الجبهة الأمامية کالأردن ومصر اللتين لم تتنازلا في الاتفاق مع إسرائيل عن المبدأ المذکور.
  • مبرِّر لتطبيع الآخرين: ازداد الکلام بعد الاتفاق عن تأسي بعض آخر من الدول العربية بالخطوة الإماراتية. فالخطوة التي يمکن اعتبارها عرَّابة تطبيع دون مقابل، تُسقط "العيب" الذي اتسم به أي حراك نحو التطبيع مع إسرائيل ويحدُّ من تأثيره علی باقي الدول العربية. وينص البيان الصادر علی أن الإمارات ستعمل مع إسرائیل والولايات المتحدة لتشجيع التطبيع مع باقي الدول العربية والإسلامية(15).
  • الاختراق الأمني للإمارات: تُشکِّل مأسسة الحضور الأمني الإسرائيلي في الإمارات قفزة في عمل المخابرات الإسرائيلية في الجوار الإيراني حيث يقطن مئات الآلاف من مواطنيها. وغني عن القول: إن هذا الحضور الاستخباري يُشکِّل دعامة لوجستية مهمة لأي عمل مستقبلي ضد إيران -کما ذُکر في تقارير إسرائيلية سابقة(16).
  • استهداف ميزان القوى الإقليمي: في السياق الإقليمي، يُنظر إلی الاتفاق باعتباره محاولة لقلب ميزان القوى. ولم يُخف نتنياهو رؤيته الاتفاق مع الإمارات في سياق العداء لإيران. لذلك، ينزل الکلام الإماراتي عن أن الاتفاق لا يستهدف إيران وحلفاءها علی آذان صمَّاء في طهران حيث يرى الکثير من استراتيجييها الاتفاق موجهًا ضدها.
  • اتفاق أميرکي ضد إيران: يجري تقويم الاتفاق وتوقيته في خضم سياسة "القيادة من الخلف" التي تنتهجها واشنطن في الشرق الأوسط منذ حقبة الرئيس أوباما. وتُشير هذه السياسة إلی ترك أجزاء من أهداف وأولويات واشنطن الإقليمية لحلفائها ووکلائها. من ذلك مثلًا: ترك أجزاء مهمة من سياستها في سوريا لإسرائيل وإطلاق يد السعودية في اليمن. وفق هذه الرؤية، فإن الاتفاق جزء من سياسة واشنطن المعادية لطهران.

إلا أنه وإلی جانب تلك المساوئ، يرى البعض في إيران أن في الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي مصلحة لإيران ومحور المقاومة. فمثل هذا التراجع أمام العدو بل والاصطفاف إلی جانبه من قِبل أعداء محور المقاومة يُبدي للمواطن العربي والمسلم واقع الجبهات الإقليمية ويزيد من رصيد المقاومة دون أن ينقصها شيئًا. فالإمارات لم تکن يومًا في حالة حرب مع إسرائيل لتسالمها، ولا يمکن بأية حال من الأحوال اعتبار الاتفاق خسارة من المقاومة للإمارات ودعمها.

رغم وجود هذه الرؤية في النقاشات، يطفو صوت الاعتراض علی "الخيانة" علی صوت البراغماتية للأسباب آنفة الذکر. فقد ازداد عداء الإمارات لإيران وحلفائها في السنوات الماضية وکلما تغاضت طهران توغَّلت أبوظبي في نهجها العدائي بشکل أکبر. ويبقی السؤال عن المسار الذي ستنتهجه طهران إزاء الواقع الجديد وما إن کانت ستغيِّر سلوکها إزاء أبوظبي، کما أشار لذلك بعض رسمييها ومنهم رئيس الأرکان الإيراني(17).

مواجهة العداء وإسقاطاته

عند قطعها الطريق نحو إسرائيل عبورًا بالعلاقات شبه المستقرة مع طهران، اصطفت الإمارات إلی جبهة إقليمية ضد أخری -أي ضد المقاومة ومع عدوها الأول: إسرائيل. وأمام الضغط الهائل الذي ولَّدته تصريحات الرسميين الإيرانيين والناتج عن هذا التطور، تخوَّف البعض من تأثير الحدث علی العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران والإمارات. فقد حذَّر رئيس غرفة التجارة الإيرانية-الإماراتية في طهران من تأثير هذا الجو المشحون علی تلك العلاقات بعد انتشار شائعة قطع العلاقات التجارية مع الإمارات(18). وجاء خطاب المرشد الأعلی ليبيِّن أن الحسابات الاقتصادية لا يمکن أن تطغی علی الاستراتيجية العليا المنصهرة في محور المقاومة والمتسمة بتحدي الولايات المتحدة وإسرائيل(19). بذلك، يمکن تلخيص إسقاطات الاتفاق علی سياسة إيران تجاه الإمارات بالبنود التالية:

  • هجرة المال والتجارة: مع تراجع الثقة بالإمارات نتيجة اقترانها سياسيًّا وأمنيًّا بإسرائيل، تتراجع الثقة الاقتصادية والتجارية بها. فالعمل الاقتصادي مع الإمارات سيکون عرضة لاختراقات وتحرکات إسرائيلية في المستقبل. من المرجَّح إذن أن تبدأ هجرة العمل الاقتصادي والرساميل الإيرانية من الإمارات إلی دول أخرى في المنطقة وأن يُسثتمر الوضع المستجد في تطوير ميناء تشابهار في محافظة سيستان الإيرانية -وهو المرجَّح ربطه بميناء جوادر جنوبي باکستان بمشارکة صينية.
  • تراجُع المتغيِّر الاقتصادي: بموازاة هجرة العمل الاقتصادي والرأسمال الإيراني من الإمارات، سيتراجع دور المتغيِّر الاقتصادي في العلاقات الثنائية -وهو العصب الرئيس لاستمرار العلاقات رغم مواجهات إقليمية سابقة. ولأن التقارب مع إسرائيل تطور لا يضاهيه عداء الماضي حسب القراءة الإيرانية، فإن التصريحات المتشددة تسبق العمل علی تقليص دور المتغيِّر الاقتصادي في العلاقات الثنائية.
  • دخول مرحلة الحيطة والحذر: ينقل الحضور الاستخباراتي الإسرائيلي في الإمارات العلاقات الثنائية شبه المنفتحة إلی مرحلة الحيطة والحذر. فلا يمکن لإيران التغاضي عن حضور الموساد الممأسس بجوارها وبالقرب من جاليتها الکبيرة في الإمارات، ولا يمکن لأبوظبي ضمان عدم استخدام أراضيها من قبل المخابرات الإسرائيلية، وهو تبييتٌ لا يحاول الإسرائيليون إخفاءه(20).
  • زيادة وطأة المتغيريْن، العسکري والأمني: سيزداد، نتيجة النقاط السابقة، الترکيز علی المضاعفات الأمنية والعسکرية للاتفاق وذلك عبر الرقي بمستوى الرقابة علی المياه الإقليمية والدولية وتتبُّع التطورات النابعة من الإمارات من قبل الأجهزة ذات الصلة بإيران. فالتهديد أصبح علی مقربة من الحدود الإيرانية ووجب التعاطي معه بجدية لردعه وإيقاف أي مضاعفات أمنية تترتب علیه.    
  • تراجع مستوى العلاقات: عبَّر اللواء باقري عن الرؤية السائدة في طهران بقوله: إن التعاطي الإيراني مع الإمارات سيختلف في المرحلة المقبلة، أي إن ما رأته طهران "خيانة" لن يمر دون تغيير للواقع المألوف. وذهب البعض أبعد من ذلك بالقول بضرورة معاقبة الإمارات لحملها علی عدم التطبيع وردع غيرها من القيام بفعلتها.

بشکل عام، وإن اختلفت القراءات، فإن المؤکد أن طهران لن تتعاطی مع أبوظبي کما کانت بعد إعلان الاتفاق. ذلك متغيرٌ بوسعه تغيير الکثير من الحسابات السالفة وتحديد أُطُر مرحلة جديدة بملامح مختلفة. من المهم أيضًا أخذ بطء صياغة وتغيير الاستراتيجية الإيرانية في الاعتبار.  لذلك، لا يمکن توقُّع حدث کبير في المدى القصير، وهو ربما ما تعوِّل عليه أبوظبي. إلا أن الحسابات الاستراتيجية ترکز علی المدى البعيد وقد دخلت الإمارات بأن تكون عدوًا أو أرضًا تُستخدم للأعمال المعادية لإيران في تلك الحسابات.

خلاصة

تدخل العلاقات الإيرانية-الإماراتية مرحلة جديدة تقاس بمتغيِّرات جديدة تضاف إلی القديمة وتؤثر عليها. وعليه، فإن المرجَّح أن تتأثَّر، بالتدرج، جميع مستويات العلاقة مع الإمارات بدءًا بالسياسية وانتهاءً بالاقتصادية والتجارية. فالخيارات الاستراتيجية للإمارات أدخلتها خانة العداء لإيران من أوسع أبوابه (البوابة الإسرائيلية). ورغم إعلان الإمارات عدم استهداف الاتفاق إيران، إلا أن التحالف مع أهم أعداء إيران في الإقليم عداءٌ بحدِّ ذاته. فالمفارقة إما بالقراءة أو فيما يُضمره قادة أبوظبي. ورغم أنه يُراد للاتفاق أن يرقی بالأمن للإمارات، إلا أنه وبالدخول في مواجهة إقليمية ضد أهم جاراتها، تضع أبوظبي مستقبلها علی محك مواجهة لن تُحدَّد تفاصيلُها ولن تُرسم خططها بمشورتها أو اطلاعها.

ABOUT THE AUTHOR

References
  1.  “Joint Statement of the United States, the State of Israel, and the United Arab Emirates,” The White House, August 13, 2020,” (accessed: August 5, 2020): https://bit.ly/33fURug
  2. Hook, Brian “A Conversation With Brian Hook,” Council on Foreign Relations, December 12, 2020,” (accessed: August 5, 2020): https://on.cfr.org/2R6CEtp
  3. «بیانيه مهم شوراي عالي امنيت ملي خطاب به کشورهاي عضو برجام: ايران از امروز 18 اردیبهشت 98 برخي اقدامات خود در توافق برجام را متوقف مي کند» (بيان هام للمجلس الأعلی للأمن القومي مخاطبًا الدول الأعضاء في الاتفاق النووي: من اليوم 18 ارديبهشت 1398 (مايو/أيار 2019) ستوقف طهران العمل ببعض إجراءاتها في الاتفاق النووي)، موقع رئاسة الجمهورية الإيرانية، 18 ارديبهشت 1398، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2020): https://bit.ly/35lBpPE
  4. Cooper, Helene “What We Know About Iran Shooting Down a U.S. Drone,” The New York Times, June 20, 2019: https://nyti.ms/3h7050s
  5. Manson, Katrina “US fails in bid to extend UN arms embargo on Iran,” Financial Times, August 15, 2020,” (accessed: August 5, 2020): https://on.ft.com/2R5Emel
  6. Sanger, David E. “To Pressure Iran, Pompeo Turns to the Deal Trump Renounced,” The New York Times, April 26, 2020: https://nyti.ms/3m22hdf
  7.  “UN Security Council rejects US bid to extend Iran arms embargo,” Aljazeera, August 15, 2020,” (accessed: August 5, 2020): https://bit.ly/2GKaiU4
  8. «واکنش رئيس شوراي امنيت به خواستۀ امریکا دربارۀ ايران» (ردَّة فعل رئيس مجلس الأمن لطلب أميرکا حول ايران)، موقع تابناک، 4 شهريور 1399، (تاريخ الدخول: 4 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/3iqPIGp
  9. Salvaterra, Neanda “The Trump Administration Looked for Ways to Hit Iran,” The Wall Street Journal, January 14, 2019,” (accessed: August 5, 2020): https://on.wsj.com/33eY3GH
  10. Gardner, David “Israel-UAE deal helps Netanyahu and Trump, but not peace,” Financial Times, August 14, 2020,” (accessed: August 5, 2020): https://on.ft.com/35iOJ7e
  11. Schwartz, Felicia, “Pompeo Urges Arab States to Follow U.A.E. in Striking Deals With Israel,” The Wall Street Journal, August 24, 2020: https://on.wsj.com/3jY9r0i
  12. «بیانات در ارتباط تصویری با رؤسا و مدیران آموزش و پرورش» (تصريحات في لقاء مصوَّر مع رؤساء ومديري التعليم والتربية) موقع khamenei.ir، 11 شهريور 1399، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2020):  https://bit.ly/33fJ0wx
  13. «واکنش روحانی به توافق امارات و رژیم صهیونیستی» (ردة فعل روحاني علی اتفاق الإمارات مع الکيان الصهيوني) وکالة خبر آنلاين، 25 مرداد1399، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/3m2WDHV
  14. «سرلشکر باقری:‌ رویکرد ایران نسبت به امارات تغییر خواهد کرد / امنیت ملی ایران دچار خدشه شود تحمل نمی‌کنیم» (اللواء باقري: سيغيِّر موقف إيران إزاء الإمارات/لن نتحمَّل أن يُخدش أمن ايران القومي)، موقع انتخاب، 26 مرداد 1399، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2020): https://bit.ly/32hhXSh
  15. “Joint Statement of the United States, the State of Israel, and the United Arab Emirates,” (accessed: August 5, 2020): https://bit.ly/35kNC6U
  16. «الإمارات تطلق مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل» موقع تسريبات الإمارات، 13 فبراير/شباط 2019، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2020):  https://bit.ly/2FiVhYy
  17. «سرلشکر باقری:‌ رویکرد ایران نسبت به امارات تغییر خواهد کرد / امنیت ملی ایران دچار خدشه شود تحمل نمی‌کنیم»  مصدر سبق ذکره.
  18. «روابط تجاري تهران ودبي پس از صلح امارات واسراييل» (العلاقات التجارية بين طهران ودبي بعد سلام الإمارات مع اسرائيل)، موقع إيران إکونوميست، 27 مرداد 1399، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2020):  https://bit.ly/3bE43wi
  19. «بیانات در ارتباط تصویری با رؤسا ومدیران آموزش وپرورش»، مصدر سبق ذکره.
  20. «الإمارات تطلق مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل» مصدر سبق ذكره